الفصل السادس: حُروُبُ يَهُوذَا المكّابيِّ في أيَّامِ أنطيوخُس أبَيفَانيوسَ

الفصل السادس
حُروُبُ يَهُوذَا المكّابيِّ
في أيَّامِ أنطيوخُس أبَيفَانيوسَ
8: 1- 10: 8

أ- المقدّمة
1- يبدأ هذا الفصل ببداية ثورة المكّابي وينتهي بموت أنطيوخس أبيفانيوس وتطهير الهيكل. ينتصر يهوذا على نكانور ثمّ على تيموتاوس وبكيديس ويجبر نكانور على الهرب. حرب ساحقة خاضها يهوذا فكان أداة الانتصار بيد الله. هكذا انتصر يشوع بسرعة وهكذا إنتصر يهوذا على مثاله فوصل إلى الهدف الأوّل الذي وضعه نصب عينيه، ألا وهو الهيكل الذي سيطهّره من نجاسة الأمم.
2- قبل أن يذهب أنطيوخس إلى بلاد فارس، عزم على تدمير الهيكل والأمّة اليهودية. فأعدّ من أجل ذلك جيشًا عظيمًا: 40000 من المشاة، 7000 فارس. هذا ما يقول 1 مك. أمّا 2 مك فيقول 20000 جنديّ كانوا مع نكانور وجورجياس، عدا الذين جاؤوا مع تيموتاوس من بقاع سورية. كلّ هؤلاء ضدّ جيش يهوذا الذي يعد 6000 مقاتل. وبدأت الحرب وأنتصر يهوذا. بعد أن نُجِّس الهيكل وتوقّف الكهنة عن تقديم الذباح، بدا يهوذا كاهنًا يحتفل بليتورجيا خاصة. قرأوا الكتب المقدّسة ثم هجموا على العدوّ. وبعد النصر أنشدوا نشيد الشكر لله. لقد حلّت ساحة الوغى محلّ الهيكل، وقتلُ الأعداء محلّ نحر الأضاحي. ولكن لم يتغيّر شيء من إعلان الكلمة وإنشاد المزامير لشكر الله الذي خلّص أيضاً شعبه المضطهَد.
3- إذا قرأنا 1 مك وجدنا أنّ هناك معركة واحدة. كان يهوذا في المصفاة قرب عماوس، ومن هناك قام بهجومه. أخذ جيش العدوّ على غفلة فما استطاع أن يقاوم صدام جيش المكّابي فهرب. إذًا هزم يهوذا العدوّ وانتصر عليه. ولكنّه لم يلتفت إلى الأسلاب لأنّه فهم خطة العدو المتربّص به. حينئذ وصل جيش تيموتاوس ليساعد نكانور. ولكن حين رأى أنّ جيش نكانور هزم وأنّ جيش يهوذا مستعدّ، فضّل الهرب. وهكذا انكسر الجيشان أمام يهوذا. وقد كان نكانور متأكّدًا من النصّر فدعا التجّار لشراء العبيد، لشراء جنود يهوذا الذين سيأسرهم. ولكن ترك نكانور 9000 قتيل وأسلابًا كثيرة. تدخّل الله وقلب الأمور من أجل شعبه.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- ثورة يهوذا المكّابي (8: 1- 7)
(آ 8: 1)، نقابل هذا الخبر مع ذلك الذي نقرأه في 1 مك 2: 42- 48؛ 3: 2، ونعود إلى 5: 27 (1 مك 8: 20). يهوذا هو المكّابي، وقد صارت كلمة المكّابي اسم علم له فيقول النصّ: المكّابي ورجاله (10: 16، 25، 33، 38؛ 11: 6؛ 12: 19). بدأ يهوذا معاركه بشكل حرب عصابات كانوا يتسلون من قرية إلى قرية.
(آ 2-4)، أمّا هدف الثورة فيبدو في هذه الصلاة القصيرة: يتحنّن الرب على شعبه الذي أذلّه الجميع (1 مك 3: 45، 51؛ 4: 60)، يعطف على الهيكل الذي دنَّسه الكفرة (6: 2، 4-5؛ 1 مك 1: 21- 24)، يرحم المدينة المتهدّمة، يصغي إلى صراخ الشهداء، يذكر قتل الأطفال الأبرياء (6: 10؛ 1 مك 1: 61)، ينتقم من المجدّفين على أسمه
(آ 5)، وتحوّل غضب الله إلى رحمة. هذا ما حصل عليه الإخوة السبعة بفضل استشهادهم. قال الأخ الأصغر: "أرجو أن أكون أنا وإخوتي آخر من ينزِل بهم غضب الله العادل من بني قومنا" (7: 38).
(آ 6-7)، وبعد أن جمع يهوذا جيشًا أخذ يهاجم المدن والقرى... وكانت أكثر غاراته ليلاً.
2- إنتصار يهوذا على نكانور (8: 8- 29)
(آ 8)، قابل آ 8- 29 مع 1 مك 3: 38- 4: 7. فيلبس هو فيلبس الفريجي (5: 22؛ 6: 11) وهو غير فيلبس صديق الملك المذكور في 9: 29، 1 مك 6: 14، 55، 63. بطليموس (1 مك 3: 28) هو من أصدقاء الملك، وهو غير بطليموس مكرون (10: 12).
(آ 9)، نكانور بن بتركلس هو من المقرّبين إلى الملك. يورد النص 20000 وهو رقم يختلف عمّا في 1 مك 3: 39: 40000 من المشاة، و7000 من الخيّالة. وأرسل معه جورجياس. في 1 مك 3: 38 يُذكر جورجياس بعد نكانور، ولكنّه هو الذي يتولى الأعمال الحربيَّة.
(آ 10)، الجزية: ما يجب أن يدفعه السلوقيون للرومانيين بموجب اتفاقية أفامية (188 ق م).
(آ 11)، كان القنطار يشتري 30 عبدًا، فإن باع كل تسعين أسيرًا بسعر قنطار واحد يكون ربحه 200 بالمئة.
(آ 15)، عهده. في الأصّل عهوده، لأن العهد تجدّد بعد أن بدأ مع إبراهيم (تك 17: 2، 21؛ خر 6: 4؛ 34: 27)
(آ 16-17)، وحشد يهوذا جنوده وأخذ يشجعهم: لا تخافوا كثرة الأمم المجتمعة. ووضع أمام عيونهم ثلاثة أمور: ألعار الذي ألحقه العدوّ بالهيكل المقدّس (2: 8 ح)، الإهانة التي أنزلها بأورشليم، محاولة القضاء على تقاليد الآباء (6: 1- 2، 18؛ 7: 2- 3؛ 1 مك 1: 41- 42، 45- 51).
(آ 18)، وتذكّر يهوذا مز 20: 8 (هؤلاء بالعجلات، نحن نذكر اسم الرب إلهنا) فقال: هؤلاء يتّكلون على سلاحهم، ونحن نتّكل على الله القدير. رج 1 صم 17: 45، 47؛ اش 36: 7، 15.
(آ 19)، وذكَّرهم بمساعدة الله للآباء في أيّام سنحاريب الآشوري (2 مل 19: 35) الذي خسر 185000 مقاتل. رج 1 مك 4: 9.
(آ 20)، وذكر خبرًا نجهل مصدره: 8000 مقاتل يهودي تجاه 120000. إنتصر اليهود بفضل العون الآتي من السماء وعادوا بغنائم كثيرة.
(آ 21-23)، قسَّم جيشه أربع فرق، وأخذ هو فرقة. أمر الكاهن الأعظم فتلا عليهم من الكتاب المقدّس وأعطى كلمة السر "من الله العون". وهجم على رأس الكتيبة الأولى. نقرأ عزرا بدل العازار مع الترجمة اللاّتينية والأرمنية (رج 12: 36).
(آ 24-26)، إنتصر جيش يهوذا وقتل 9000 وغنم أسلابًا كثيرة. وبعد أن طاردوا العدوّ، اضطرّوا إلى العودة لأنّ يوم السبت داهمهم.
(آ 27)، ولمّا جمعوا أسلحة العدوّ، احتفلوا بالسبت وهم يشكرون الرب ويحمدونه.
(آ 28-29)، وبعد السبت وزّعوا على المساكين والأرامل واليتامى نصيبهم.... ثمّ أقاموا صلاة عامّة.
3- إنتصار يهوذا على تيموتاوس وبكيديس وهرب نكانور (8: 30- 36)
(آ 30-32)، وحارب يهوذا جيش (20000) تيموتاوس وبكيديس واستولى على الحصون... وقتلوا قائد جيش (قد يكون قائد العرب الذين انهزموا في بداية المعركة ضد تيموتاوس، رج 12: 10ي؛ 1 مك 5: 6، 25) تيموتاوس، وكان قد ألحق باليهود أضرارًا كثيرة.
(آ 33)، وأحرقوا كلستانيس ومن معه. كانوا قد أحرقوا الأبواب المقدّسة فنالوا العقاب الذي يستحقّونه لكفرهم.
(آ 36)، إنتظر أن ينتصر فقُهر، إنتظر أن يدفع إلى الرومانيين الجزية من يهود أورشليم الأسرى فخسر المال الذي أخذه سلفًا وعاد يشهد انَّ للحدود معينًا هو الله، ولا أحد يغلبهم ما داموا يتّبعون الشرائع التي أعطاها لهم. وهكذا جاءت شهادته قريبة من شهادة هليودورس (3: 35- 39).
4- مرض أنطيوخس أبيفانيوس (9: 1- 17)
(آ 9: 1)، قابل آ 1- 29 مع الخبرين الآخرين اللذين يرويان موت أنطيوخس (1: 11-17؛ 1 مك 6: 1- 17). الطابع المشترك بهذه الأخبار الثلاثة هو موت شائن ونحجل. وهناك عنصر واحد يجمع بين الأخبار الثلاثة: سلب الهيكل (آ 1- 2؛ 1: 13- 16؛ 1 مك 6: 1-4). وهناك عنصر يجمع بين خبرين: إعترف أنطيوخس أنّ الشقاء الذي ألمّ به هو نتيجة معاملته السيّئة لليهود (آ 11، 13- 17؛ 1 مك 6: 12- 13). أمّا في ما تبقى، فكل نصِّ يتبع طريقًا خاصاً به.
وفي ذلك الوقت. هي إشارة غامضة إنّما نعرف أنّ أنطيوخس مات في تشرين الأوّل- تشرين الثافي سنة 164 ق م. بلاد فارس: أي المملكة السلوقية الواقعة شرقي الفرات.
(آ 2)، برسابوليس: إحدى عواصم بلاد فارس. سلبها الإسكندر المقدوني وحرقها سنة 330 ق م. في الواقع (1 مك 6: 1) ذهب أنطيوخس إلى بلاد عيلام بعاصمتها شوشن (نح 1: 1). لماذا اختار الكاتب برسابوليس؟ لأنها كانت مدينة معروفة. أراد أن يسلب هيكل نناية (1: 13- 14) ويستولي على المدينة (1 مك 6: 3). فأسرع السكان يدافعون. في 1: 11- 17 سيداع كهنة الإلاهة نناية عن هيكلها.
(آ 3)، احمتا (هي حمدان الحالية): عاصمة ماداي القديمة وإحدى عواصم ملوك فارس.
(آ 4)، وعرف ما حصل لنكانور وتيموتاوس فاشتدَّ غضبه وقال: سأجعل من أورشليم قبرًا جماعيًا لليهود.
(5-6)، ضربه الله حالاً بداء خفيّ في أحشائه، وكان ذلك عقابًا عادلاً للعذاب الوحشي الذي أنزله بالكثيرين. هذه هي شريعة المثل.
(آ 7)، ومع هذالم يخفّف من غطرسته (1 مك 1: 21)، وظلّ على نيّته، فسقط من العربة.
(آ 8- 10)، وهنا يفلت الكاتب العنان لاعتباراته وما فيها من تناقضات. هذا المتغطرس رأى نفسه مطروحًا على الأرض... كان يتبجَّح أنَّه يطال نجوم السماء كملك بابل (اش 145: 13-14)... فلم يجد من يحمله لرائحته التي لا تطاق. وهذا كان برهان على قدرة الله الجليّة. حسب نفسه إلهًا فإذا هو إنسان حقير يُرمى في التراب ويأكله الدود ككل الساكنين في القبور (اش 14: 11؛ 66: 24: أي 17: 14؛ سي 7: 17؛ 19: 3؛ يه 16: 17). قابِلْ هذا الميتة بميتة هيرودوس الأكبر كما رواها يوسيفوس، وميتة هيرودوس أغريبا كما في أع 12: 23: أكله الدود فمات.
(آ 11- 12)، ولمّا وصل إلى تلك الحال من الأوجاع عاد إلى نفسه، خفّف من كبريائه وقالت: على الإنسان الخضوع لله. فما من بشر يجب أن يساوي نفسه به.
(آ 13 ي)، وتضرّع أنطيوخس إلى الربّ ونذر له: سيحرر المدينة المقدّسة، سيساوي اليهود بالآثينيين (وكان يجلّهم ويقدّرهم)، سيزّين الهيكل المقدّس ويردّ آنية الذهب... وأخيرًا: سيعتنق اليهودية دينًا ويطوف أنحاء الأرض ينادي بقدرة الله. وهكذا يترك الكاتب العنان لأفكاره، فيجعل الملك يخضع لله ولسلطانه.
5- رسالة أنطيوخس إلى اليهود (9: 18- 29)
(آ 18)، قضاء الله العادل: هذه إحدى الأفكار الرئيسية في 2 مك: لكل ثوابه ولكل عقابه. وها هو يكتب رسالة إلى اليهود يتوسّل بها إليهم. لا شكّ في أنّ هذه الرسالة هي من تأليف الكاتب ولا تشتمل على أية صحّة تاريخية.
(آ 19)، العنوان: من أنطيوخس إلى اليهود. واقنّيات: السعادة والعافية والسلامة.
(آ 23)، الأقاليم العليا (1 مك 3: 37؛ 6: 1): مناطق المملكة السلوقية الواقعة شرقي الفرات وفي مناطق هضاب وجبال فارس. حوالي سنة 192 عيَّن أنطيوخس الثالث معاونه في الحكم ابنه سلوقس الرابع. وهذا ما يودّ أن يفعله أنطيوخس الرابع.
(آ 25)، عيّنت أبني أنطيوخس أي أنطيوخس الخامس أوباطور (164- 161).
(آ 26-27)، هنا نحسّ بالسخرية. يذكّرهم أنطيوخس الرابع بالنعم التي سكبها عليهم، وأي نعم! ويتمّنى أن يعاملهم ابنه مثلما عاملهم هو، وأيّة معاملة! وهنا تنتهي الرسالة.
(آ 28)، ومات هذا المجرم لأنّه جدَّف على الله... لقد عاقبه الله. مات في أرض غريبة لا في إنطاكية عاصمته (رج 1 مك 6: 13ح).
(آ 29)، فيلبس (13: 23) هوصديق الملك (1 مك 6: 14) وهو غير فيلبس الفريجي (5: 22؛ 6: 11؛ 8: 8). صديقه الحميم: حرفيًا رفيق طفولته. خاف فيلبس من ابن أنطيوخس لانه كان في وصاية ليسياس، مزاحم فيلبس (1 مك 6: 17)، فذهب إلى مصر (1 مك 6: 55- 63).
6- تطهير الهيكل (10: 1- 8)
(آ 10: 1)، نقرأ هنا عن تطهير الهيكل والمذبح الجديد، وعن تنظيم عيد التدشين. نقابل آ 1-8 مع 1 مك 4: 36- 59 الذي يتوسّع الظروف توسّعًا أفضل. يهتم 1 مك فقط بالمذبح وبتدشينه، ولا يهتم 2 مك إلاّ بالهيكل وتطهيره. ويختلف 1 مك عن 2 مك لأنّه يجعل تشييد المذبح وتدشينه يتمّان (4: 36- 59) قبل موت أنطيوخس الرابع (1 مك 6: 1- 14). أما 2 مك فيروي موت الملك (ف 9) قبل أن يتحدّث عن تطهير الهيكل.
إستردّوا أورشليم والهيكل. هي طريقة ناشفة في الأخبار. أمّا طريقة 1 مك 4: 36- 40 فستكون اكثر حياة.
(آ 2)، المذابح التي بناها الغرباء في الساحة، قرب القلعة (1: 33 ح). لا يشير 1 مك إلى هذه المذابح.
(آ 3)، وبعد أن طهّروا الهيكل. سيتوسّع 1 مك 4: 43 في هذه الأقوال المقتضبة: طهّروا المكان المقدّس، حملوا الحجارة المنجسَّة إلى مكان غير طاهر. وبنوا مذبحًا آخر. يقول 1 مك 4: 47: أخذوا حجارة غيرمنحوتة كما تقضي الشريعة وبنوا مذبحًا جديدًا على الشكل الأوّل. إستخرجوا نارًا من الصوّان بالقدح فأمّنوا نقاوة هذه النار وجعلوها بعيدة عن كبر نجاسة. نقارب هذا القول بأسطورة النّار المقدّسة في زمن نحميا (2 مك 1: 18- 23). منذ سنتين. في الواقع بعد ثلاث سنوات (167-164). وهيأوا البخور. نقرأ في 1 مك 4: 50: أحرقوا البخور على المذبح وأوقدوا السُرج التي على الشمعدان لإضاءة الهيكل.
(آ 4)، سجدوا بصدورهم الى الأرض. نقرأ في 1 مك 4: 40: وقَعوا بوجوههم إلى الأرض.
(آ 5)، في اليوم ذاته من الشهر ذاته (1 مك 4: 54). وهكذا غسلوا العار عن الشعب وعن الهيكل. كسلو: تشرين الثاني-كانون الأوّل.
(آ 6)، عيَّدوا بفرح (رج 1 مك 4: 56 ح) مدّة ثمانية أيّام (1 مك 4: 56، 59) كما في عيد المظالّ. كانوا يحتفلون بعيد المظال بعد اليوم الخامس عشر من الشهر السابع، من شهر تشرين (يقابل أيلول، تشرين الأوّل) (رج لا 23: 34- 36؛ 2 مك 1: 9 ح؛ 5: 27؛ عب 11: 37- 38).
(آ 7)، غصون مورقة، جذوع خضر... رج لا 23: 40؛ نح 8: 15- 16.
(آ 8)، وأقرّوا أن يعيِّدوا هذا العيد كل سنة (1 مك 4: 59).

ج- ملاحظات
1- أنطيوخس أبيفانيوس
يتوقَّف 2 مك عند بعض الأحداث الخاصة فيرى فيها تدخّل الله من أجل خلاص شعبه. يلقي عليها الضوء حسب لاهوته ويربطها بأحداث سابقة فيدلُّ على أنّ يد الله تضرب أعداء الشعب المختار.
ما يقوله الكاتب عن أنطيوخس يتكرّر بالنسبة إلى هيرودوس الكبير وإلى هيرودوس أغريبا. هكذا يموت المضطهدون في العالم اليهودي كما في العالم المسيحي.
إنّ 1 مك يجعل موت أنطيوخس بعد تطهير الهيكل. انتصر يهوذا على نكانور فاستعاد أورشليم. وبعد أن حصل على أسلاب العدو، جهَّز جيشًا فانتصر به. ولكنَّه في الوقت ذاته طهّر الهيكل، لأنّ كل عمل حربي يرمي إلى أن يجعل الأمّة كفوءة لأن تحتفل بعبادة الله. إذًا تطهير الهيكل هو أوّل عمل يجب القيام به.
أمّا 2 مك فيجعل هذا التطهير بعد موت أبيفانيوس لأنَّه يريد أن يبيِّن أوّلاً انتصار الله الكامل بالقضاء على أشرس عدوّ لشعب الله. ويعرض لنا هذا الموت بألوان كامدة سوداء.
طهّر الهيكل من الرجاسة التي هي تمثال زوش بملامح أنطيوخس. كيف يجعل الإنسان نفسه مكان الله؟ وأراد أنطيوخس أن يفرض شريعته، أن يكون شريعة البشر وشريعة الكون. أمّا الشعب المختار فيعيش في الطاعة لشريعة الله. مات ألعازار إطاعة للشريعة، ومات الإخوة السبعة وأمّهم إطاعة للشريعة. ولقد أراد رفاق يهوذا أن يطيعوا الشريعة فلجأوا إلى المغاور وأكلوا الأعشاب كالوحوش.
أراد أنطيوخس أن يكون إلهًا فإذا هو بشر وأقلّ من بشر. من أراد أن يسود على الخليقة كلّها، تراه يطلب من أعدائه أن يعترفوا بأبنه ملكًا!
وتتلاحق الأحداث بعد استشهاد العازار والإخوة السبعة ويظهر عمل الله بجلاء: في النصر، في تطهير الهيكل، في الحكم على الأعداء، في موت أنطيوخس. رأينا ياسون والآن نشاهد أنطيوخس أبيفانيوس. بعد هذا سيكون دور منلاوس وأخيرًا موت نكانور. لن يكون لأعداء الله من أجرة إلاّ الموت. أمّا الهيكل فيرتفع ويتعظّم، وسنشاهد في آخر الكتاب أونيا الكاهن العظيم يصلّي أمام الله من أجل شعبه.
2- تدشين الهيكل
إذا أردنا أن نفهم الجو الذي يسيطر على الشعب يوم تدشين الهيكل نتذكَّر مز 73: اللهمّ، لماذا أقصيتنا على الدوام؟ لماذا استعر غضبك على غنم مرعاك؟ أذكر شعبك الذي اقتنيته منذ القديم: إفتديته وهو سبط ميراث لك، وهو جبل صهيون الذي اخترته لسكناك... زمجر أعداؤك في وسط هيكلك وجعلوا راياتهم هناك... أحرقوا بالنار معبدك وأوقعوا مسكنك إلى الأرض ودنَّسوه، ما عدنا نرى علامات حضورك، لم يبق نبيّ ولا من يعلم بيننا إلى متى سيدوم كل هذا.
تلك كانت عواطف الشعب في حفلة تدشين الهيكل: فكأنّي بتدخّل جديد يكفل أمانة الله لعهده. مع أنّه لم يبق نبيّ، إلاّ أنَّ الشعب يُقرّ أنَّ الله لم يتخلّ عن شعبه ويسلِّمه إلى يد الفناء. هناك النصر على نكانور وعلى تيموتاوس، وهناك أيضاً الهيكل الذي اعيد إلى طهارته فأعطى الشعب اليقين أنّ الله ما زال معه وإن صَمت، وإن لم يرسل أنبياء. الهيكل هو هنا وشعاثر العبادة تقام كالعادة والشعب يرفع آيات الحمد للربّ. فرسالة إسرائيل تقوم في أن يكون شعبًا كهنوتيًا، ويستعيد إسرائيل الحياة حين يعود إلى عبادته. لأنّ دوره لا يقوم بالحرب بل بمديح الله. إنَّه الشعب الذي يقدِّم لله ذبيحة عن البشرية كلّها. في هذا الإطار يحدّثنا 2 مك عن تطهير الهيكل. رموا الأصنام خارجًا، طهَّروا الهيكل من كل النجاسات التي حلَّت فيه لا سيّما من آثار البغاء المكّرس. وبعد أن تطهّر من نجاسة الأصنام تستطيع الصلاة أن ترتفع فيه من جديد. يركع الشعب ساجدًا، والله حاضر وإن لم يتجلّ. الشعب يتضرّع ويبكي. يبكي من الفرح ويبكي بعد سنوات العار والذلّ التي عاشها

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM