الفَصل الرابع: أسبابُ الثَّورَةِ

الفَصل الرابع
أسبابُ الثَّورَةِ
5: 11- 6: 11

أ- المقدّمة
1- لا يروي 2 مك الأحداث في ترتيبها الزمني. فنحن نعرف أنّ أنطيوخس نزل إلى يافا يوم اعتلى فيلوميتور العرش. ثمّ نزل إلى مصر فانتصر هناك. وحين عاد من مصر عرَّج على أورشليم وسلب الهيكل. ثمّ عاد إلى مصر مرّة أخرى فوجد فيها القنصل الروماني الذي حذّره من متابعة الطريق وأمره أن يعود كما أتى.
إنّ الكتاب المقدّس لا يتكلّم عن هذه التفاصيل لأنها لا تدخل في مخطّطه. فهو يروي التاريخ من أجل هدف ديني. والتعليم الديني في 2 مك يقدِّم مضمون التاريخ على أنه صراع بين شعب الله وقوى الشر.
يتصدّر الصورة أنطيوخس أبيفانيوس. فهو الذي أرسل فيلبس إلى أورشليم وأتبعه بأبلونيوس وأقام أندرونيكس في جرزيم وساند منلاوس هذا الكاهن الكافر الذي كان السبب في بناء رجاسة الخراب. أنطيوخس هو الذي دمَّر كل شيء، وكُلُّ الناس يعملون في خدمته.
إذن بدأ أنطيوخس فسلب الهيكل ثمّ صبَّ غيظه على المدينة. إذا أراد الإنسان أن يرتفع فوق الله فهو يزرع الخراب والموت. أمّا عظمة الله فتظهر في عطيّة الحياة. الله لا يدمِّر، بل يكرم الإنسان ويرفع المخلوقات. جاء أنطيوخس وجلب معه القتل والدم والهمجيّة والموت. وفي النهاية حلّ زوش الأبي محلّ العلي، حلّ الصنم محل الله في هيكله.
2- هذا ما نكتشفه في مقاطع ثلاثة. بدأ أنطيوخس وسلب الهيكل وقتل كل من قاومه. ثمّ أرسل قائده أبلونيوس فذبح من ذبح وباع من باع. وأخيرًا أرسل جيرون الأثيني وأوصاه أن يدنّس هيكل أورشليم ويكرِّسه للإله زوش.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- أنطيوخس يسلب الهيكل (5: 11-20)
(آ 5: 11)، إتّهم الملك اليهود بالعصيان. وقد فسّر على هذا الشكل محاولة ياسون ضد منلاوس، الممثّل الشرعي للسلطة. ترك المُلك من مصر بعد أن أجبرته على ذلك السلطة الرومانية واجتاح أورشليم.
(آ 14)، ثمانون ألف قتيل. يضخِّم الكاتب الأرقام. أمّا يوسيفوس فيذكر عشرة آلاف من الأسرى.
(آ 15)، وما اكتفى أنطيوخس بأن قتل، بل دخل الهيكل ودليله منلاوس الذي استعاد أنفاسه بعد أن حوصر في القلعة. وأخذ أنطيوخس الآنية المقدّسة كما فعل البابليون في محنة سنة 587 ق م (2 مل 25: 8 ي).
(آ 17)، هنا يبيِّن الكاتب الأسباب الخارجيّة والأسباب الداخلية. السبب الخارجي هو تجبرُّ أنطيوخس، وهذا ظاهر. والسبب الداخلي هو غضب الله على سكّان أورشليم بسبب خطاياهم. ولكنَّ غضب الله موقّت، وتخلّيه عن المكان المقدّس إلى حين. (7: 33؛ اش 54: 7- 8). فليضع المؤمنون رجاءهم في الرب الذي يغفر ويعود عن شدّة غضبه ويحمل إلى شعبه الخلاص.
(آ 18)، ويقابل ما حدث حين جاء هليودورس، وما يحدث الآن. لولا خطاياهم لقدروا أن يجلدوه ويردعوه عن وقاحته. ولكنّ خطاياهم حالت بينهم وبينه. (آ 19)، ويعطي أولوية للشعب على الهيكل: ما اختار الله الشعب لأجل الهيكل، بل الهيكل لأجل شعبه. ولقد قال يسوع في هذا المعنى: "الله جعل السبت للإنسان، وما جعل الإنسان للسبت" (مر 2: 27). وكان قد نبَّه الرب بلسان إرميا أنّ الهيكل يمكن أن يزول، فتكون حاله كحال الشعب. قال (ار 7: 14): "سأصنع بهذا البيت الذي دعي باير والذي انتم متّكلون عليه، وسأصنع بالموضع الذي أعطيته لكم ولآبائكم كما صنعت بشيلو".
(آ 20)، أجل، ليس الهيكل غريبًا عن الشعب، وما يصيب الشعب يصيبه. هو يشارك في مصائب الشعب بانتظار أن يشارك في نِعمَ الرب على هذا الشعب. تخلّى عنه الرب القدير كما تخلّى عن شعبه، وعندما يعود إلى شعبه يعود الهيكل إلى مجده.
2- مجزرة جديدة في أورشليم (5: 21- 27)
(آ 21)، نعود إلى الخبر بعد الفاصل اللاهوقي في آ 17- 20. حمل أنطيوخس 1800 قنطار (رج 1 مك 1: 24) وتخيّل أنّه يقدر أن يفعل ما يستحيل فعله على البشر: يقطع البر بسفنه والبحر سيرًا على الأقدام. هذه العجرفة هي ردّة الفعل بعد الإذلال الذي تحمّله أنطيوخس من عضو مجلس الشيوخ الروماني بوبليوس ليناس الذي أجبره على الرجوع فارغ اليدين.
(آ 22)، فيلبس (6: 11، 8: 8) هذا هو غير فيلبس صديق الملك المذكور في 9: 29؛ 1 مك 6: 14،55، 63.
(آ 23)، جرزيم، أي على سفح جرزيم، في شكيم العاصمة الدينية لأهل السامرة والتي تأثّرت بالحضارة اليونانية تأثّراً كبيرًا. أندرونيكس هو غير المذكور في 4: 31، والذي أعدمه الملك الحياة (4: 38). ومنلاوس، هذا الخائن لبلاده ولشرائعها (آ 15)، كان أشدّ ظلمًا على الرعية من فيلبس وأندرونيكس.
(آ 24-26)، نجد في 1 مك 1: 29-35 الخبر عينه مع بعض الاختلافات.
(آ 24)، أبلونيوس (رج 1 مك 3: 10-12) القائد. هو قائد المرتزقة الآتين من ميسية. في 1 مك 1: 29 أرسل أنطيوخس رئيس جباة الجزية، أمّا هنا فأرسل قائد المرتزقة. في 1 مك لا يذكر الكاتب عدد الجنود أمّا هنا فيقول: عشرين ألف جندي. في 1 مك نعرف تاريخ هذه الحملة: ربيع سنة 167 ق م.
(آ 25)، تظاهر القائد بأنّه جاء مسالمًا وبدأ باستعراض مسلح عند مدخل المدينة.
(آ 26)، وفجأة أمر بقتل الخارجين من المدينة للتفرج عليهم، تم اقتحم المدينة بالسلاح.
(آ 27)، وهرب يهوذا (1 مك 2: 4) وتسعة من رفاقه إلى الجبال. لا يعرض 1 مك الأمور على هذا الشكل. فبعد ثورة متتيا (1 مك 2: 15-27)، هرب الأب والأبناء إلى الجبال (1 مك 2: 28). ثمّ إنّ نص 1 مك لا يسمّي يهوذا ولا يذكر رفاقه التسعة. هربوا لئلاّ ينجّسوا أنفسهم. هذا الاهتمام بالطهارة يتوافق ومتطلّبات الشريعة (11: 1 ي). إنّه إحدى سمات الزمن اليهودي السابق للمسيحيّة. رج دا 1: 8؛ يه 10: 5؛ 12: 2؛ 1: 11. كل حيوان البرّية كان محرّمًا على يهوذا ورفاقه.
3- تنجيس الهيكل واضطهاد اليهود (6: 1- 11)
(آ 6: 1)، إنّ آ 1- 11 تقابل 1 مك 1: 41- 64. يتوافق الخبران في ما يتعلّق بهدف أنطيوخس والوسائل التي اتّخذها، ألا وهي: إستئصال اليهودية بالعنف. ولكن تختلف التفاصيل اختلافًا كلّيًا بحيث نحسب نفوسنا أمام خبرين مستقلين.
وقليلاً بعد ذلك. أي في خريف 167. جيرون (اسم علم) الأثيني أو شيخ (وهذا معنى الكلمة اليونانية جيرون) أثيني مختصّ في القضايا الدينية. طلب أنطيوخس هذا الشخص من أثينة، عاصمة الفلسفة، فدلّ على إعجابه بالمدينة التي ظلّت أجيالاً عديدة عاصمة الفلسفة. ويتكلّم النص عن أعياد الآباء (6: 6) ولغة الآباء (7: 8، 21، 27، 12: 37) وقبر الآباء (5: 10، 12: 39)، وتقاليد آبائهم (رج 7: 2، 37). كل هذا يدلّ على الطابع الوطني والديني لحركة المكّابيين.
(آ 2)، هيكل جبل جرزيم: هو هيكل أقامه السامريون قبالة هيكل أورشليم. زوش هو حامي الغرباء على مثال أهل شكيم.
(آ 3 ي)، ومارس اليهود البغاء المكرّس وقدّموا ذبائح حرَّمتها الشريعة. ومُنعوا من ممارسة تقاليد السبت وأعياد الأباء، ومنعوا من أن يعترفوا أنّهم من أصل يهودي.
(آ 7)، عيد مولد الملك أي في 25 من الشهر. اللبلاب هو نبتة يحدثا ديونيسوس، إله الخمر، وتُحمل في طوافات صاخبة وعاهرة إكرامًا للإله.
(آ 8)، وأصدر امرًا بإيحاء من بطليموس (4: 45؛ 8: 1؛ 1 مك 3: 38): إجبار اليهود على أكل ذبائح الأوثان.
(آ 9-10)، من رفض تطبيق العادات اليونانية يُعاقَب بالموت. وهناك مثل صارخ: إمرأتان ختنتا أولادهما... فكان نصيبهما الموت رميًا عن السور. رج 1 مك 1: 60-61.
(آ 11)، الذين هربوا ليمارسوا السبت: أحرقهم فيلبس (5: 12 ح) بالنار، وما أرادوا أن يدافعوا عن أنفسهم احترامًا منهم لهذا اليوم العظيم (1 مك 2: 23- 28).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM