الفصل الأول: عَوْدَةُ المنفيّينَ مِنْ أوْرَشليمَ

الفصل الأول
عَوْدَةُ المنفيّينَ مِنْ أوْرَشليمَ
1: 1- 3: 70

أ- المُقدّمة.
بعد أن تحدّثنا عن أورشليم، مدينة الملك داود في 1 أخ، وعن أورشليم مدينة هيكل الملك سُليمان في 2 أخ، ها نحنُ نتحدّث عن أورشليم مدينة الهيكل الثاني، والجماعة اليهوديّة في سِفْري عزرا ونَحَميا.
يتطرق هذا الفصل إلى نداء كورش يدعو فيه المسبين إلى العودة إلى أورشليم، ويستحث الجميع لمساعدتهم ومدّهم بمَا يحتاجون اليه من مال. ثمّ يورد لائحة باليهود العائدين إلى أورشليم بقيادة زربابل ويشوع.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة.
1- نداء كورش وعودة المَسببّين (1: 1- 11)
هذا المقطع، هو تتّمة لما ورد في 2 أخ 36: 20: الذين نَجَوا من السيف، جلاهم نبُوكدنصّر إلى بابل، فأَقْفَرت الأرض من سُكّانها. هذا يعني، بالنسبة إلى المُؤرّخ، أنّ جماعة شعب الله الحقيقية كانت في بابل، ومن أجلها عملت رحمة الله، التي سارت مع السائرين في طريق المنفى. بعد أن تمّت سنوات العِقاب، عاد بنو إسرائيل إلى أرضهم، واعادوا معهم آنية الهيكل. فرأى اليهود في نداء كورش لهم، نداءً آتيًا من الربّ، فلبّوه بلا تردّد، آملين أن تستعيد مدينة داود مكانتها الأولى، كمركز حضور الله وسط شعبه.
(آ 1: 1- 3)، نداء كورش.
يرد نداء كورش ثلاث مرات. في 2 أخ 36: 23؛ عز 1: 1- 3؛ 2: 3- 5. ملك كورش من سنة 558 إلى سنة 528. بعد احتلاله لبابل، بعد سنة 538، لقّب نفسه ملك بابل. وهكذا تكون السنة 538، السنة الأولى التي فيها ملك على بابل، بعد أن أخضع مَلِكَها لسُلطانه.
كلام إرميا. كان إرميا قد تنبأ أنّ المنفى يدوم (ما يُقارب) سبعين سنة، إبتداء من سنة 606 (ار 25: 11- 12؛ 29: 10)، وأنّ الهيكل سيُعاد بناؤه (ار 31: 38). أمّا أشعيا الثاني (44: 8؛ 45: 1- 6)، فتحدّث عن دور كورش الملك، الذي اختاره الربّ ومسحه، وجعل روحه فيه، وألهمه بإعادة بناء الهيكل. يُمكننا القول مع الشعب اليهوديّ، إنّ كلّ هذه الأحداث، قد أرادها الله وهّيأ لها مَنْ يُنَفِّذُها. فكأنّ الملوك، حتّى الوثنيين منهم، أداة بيده. إنْ كان كورش أطلق نداءه، فلأنّ الله أيقظ ضميره.
وبعد النداء الشفهيّ، جاءت وثيقة خطيّة، تُحْفَظُ بين الوثائق (10: 7؛ 2 أخ 30: 5- 6؛ نح 8: 15).
من كان منكم... نحن أمام نداء يتوجه إلى الجميع، ولا سيّما إلى الذين تحسّنت أحوالهم، ففضّلوا البقاء في أرض المنفى، على الرجوع إلى أرض الآباء.
(آ 4- 6)، البقيّة العائدة.
بقيّة الشعب تُمثّل مجموعة اليهود الذين نَجَوا من الموت، وسُبُوا إلى بابل (اش 10: 20- 21). أهل المحلّة هم غير اليهود، وقد أمرهم كورش بمَدّ يَدِ العَوْن للعائدين إلى أورشليم. نُلاحظ هنا أنّ موقف كورش، يختلف عن موقف فرعون، يوم خروج الشعب من مصر (خر 11: 2، 12: 35). فالرجوع من أسر بابل، يُشبه الخروج من مصر بقيادة موسى (اش 40- 55).
ذكر الكاتب يهوذا وبنيامين... هم أبناء مملكة يهوذا، هم وحدهم يُمثّلون شعب الله، هم وحدهم سوف يبنون الهيكل.
(آ 7- ا ا)، إعادة الآنية إلى الهيكل.
أخذ نبوكدنصّر بعض هذه الآنية، في أيّام يُوياقيم سنة 597 (2 مل 24: 13)، والبعض الآخر، في عَهْدِ صدقيا سنة 587 (2 مل 25: 14- 15). وردَّها كورش بطريقة رسمية إلى ششبصّر (أو شنأصر ابن الملك الأسير يكنيا، رج 1 أخ 3: 18) أمير يهوذا. بهذا سيعود الهيكل مركزًا لحياة الشعب الدينيّة، وسيكون أول أهداف الراجعين إلى فلسطين، إعادة بنائه، وإتمام شعائر العبادة فيه.
متردات أي المُكرَّس لمترا، الالاهة الفارسية.
بعد أن احتلّ كورش بابل، أظهر تسامُحًا دينيًا لا مثيل له، فقدّم نفسه كمن جاء ليُحرّر الشعوب لا ليُخضعها. وبالنسبة إلى المُؤرّخ، ما فعله كورش، هُو تتميم لمُخطّط الله العام من أجل هيكله ومدينته، وتحقيق للنُبؤات التي قِيلَتْ بلسان إرميا وحِزْقيال.
2- لائحة بأسماء العائدين. (2: 1- 70)
نقرأ هنا لائحة بأسماء اليهود، الذين عادوا إلى أورشليم مع زَرُبّابل ويشوع، وهي شبيهة بلائحة نَحَميا (7: 6- 27)، الذي قام بإحصاء مدينة أورشليم وجوارها، مع بعض الاختلافات بين نصّ عزرا ونصّ نحميا، بين النصّ العِبرانيّ والنصّ اليونانيّ.
أورد الكاتب كلّ هذه الأسماء، ليدّل على أهميّة الجماعة التي انطلقت إلى أورشيم: فالمَسبيّون الذين لبّوا نداء الربّ كانوا كثيرين، وكانوا كلّهم حماسًا لإعادة بناء المدينة المُقدّسة.
(آ 2: 1- 2)، القواد.
يذكر النصّ 11 قائدًا. ولكنّنا نجد في نح 7: 7، إسم القائد الاثني عشر"نحماني". أجل، يعود شعب إسرائيل الجديد إلى بلاده، وهو مؤلّف من اثنتي عشرة قبيلة، بقيادة اثني عشر رئيسًا.
إسمان مُهمّان في هذه اللائحة: زَرُبّابل، حفيد الملك يوياكين، ووريث عرش داود. (1 أخ 3: 19) ويشوع حفيد الكاهن الأعظم سرايا (1 أخ 5: 40؛ 2 مل 25: 18).
(آ 3- 35)، لائحة بني إسائيل بحَسَب بيوتهم (آ 31- 20) ومساكنهم (آ 21- 35)
تقع الأمكنة المذكورة في منطقة يهوذا: بيت لحم ونطوفة في الجنوب، عيّ وبيت إيل في الشمال، لود وحاديد وادنو في الغرب، وأريحا في الشرق. نعرف من هذه الأمكنة: عناتوت، موطن إرميا، الرامة موضع إقامة صموئيل (1 صم 7: 17)، وجبع إحدى مُدُن اللاويين (اش 21: 17)، وقرية يعاريم وكفيرة وبثيروت التي تقع شماليّ أورشليم (اش 9: 17).
(آ 36- 58)، لائحة الكهنة وخُدّام الهيكل.
نقرأ هنا لائحة بالكهنة (آ 36- 39)، واللاويّين (آ 40- 42)، والخَدَم (آ 43- 54)، وعبيد سُليمان (آ 55- 58). فالشعب جماعة مُقدّسة، وهو مقسُوم إلى كهنة ولاويين وعامّة الشعب.
عاد الكهنة إلى أورشليم، ليُمارسوا من جديد وظائفهم الكهنوتيّة، وانقسموا أربعة بيوت تتحدّر كلّها من صادوق، نعرف منها بيت يشوع وبيت أمير.
لم يكن عدد اللاويين كبيرًا، ولم يتحمّسوا للعمل، بعد أن ضاع كلّ اعتبار لوظائفهم، ولم يَعُد من المنفى إلا قِسْم من المنفيين، ولبثت في المنفى سائر فِئات العائشين في الهيكل (1 أخ 6: 37- 41).
كان المُغنّون والبّوابون مميّزين عن اللاويين، ولكنّهم سيُؤلّفون معهم، فيما بعد، جماعة واحدة (1 أخ 6: 16- 32).
خُدّام الهيكل هم في الأصل أناس أغراب، وكانوا يقومون بالأعمال الوضيعة في الهيكل (يش 9: 23- 27؛ حز 44: 7- 9). عادوا مع العائدين (2: 58؛ 8: 20)، واعتبروا أنّهم إن تركوا بابل، فهم لا يخسرون شيئًا.
عبيد سليمان هم مُوظفّون من الدرجة الثانية في الهيكل، ويتحدّرون من الكنعانيين الذين استخدمهم سُليمان في بناء الهيكل (1 مل 9: 20- 21؛ 2 أخ 8: 7- 8).
(آ 59- 63)، لائحة الذين لم يقدروا أن يُبَرهنوا على أنسابهم من عامّة الشعب (آ 60) والكهنة (آ 61). تلّ المِلْح، تل حَثّ... مكانان في منطقة نيفور (نبّور)، من أعمال بابل.
(آ 64- 67)، عدد الجماعة بعبيدها وجواريها وحيوانها.
(آ 68- 69)، التقادم التي حملوها إلى بيت الله.
(آ 70)، سكن الكهنة في أورشليم وجوارها.
يذكر الكاتب هذا العدد الكبير من العائدين، ليُبّين لخصوم الهود (لا سيّما أهل السامرة)، أنّ الشعب كامل عُدّةً وعَدَدًا، وبإمكانه أن يقوم ببناء الهيكل، وأن يُيمّ هذا البناء.
الراجعون من المنفى، هم وحدهم شعب إسرائيل، وسيُقومون وحدهم بالبناء، ومُمارسة الشعائر، مُستبعدين أهل البلاد عن مُشاركتهم في هذا العمل الجليل (4: 1- 3). هم وحدهم يُمثّلون أسباط إسرائيل الاثني عشر، على مثال الذين جاؤوا مع موسى، في زمَنِ الخروج من مصر.

ج- مُلاحظات حول الفصل الأوّل.
1- يحمل إلينا هذا الفصل الأوّل، الشهادة الوحيدة عن الأحداث التي تلت الجلاء إلى بابل، ومنها نداء كورش ملك الفرس، الذي سمح للمنفيّين أن يعودوا، فيبنُوا هيكلهم من جديد. وتساءل الشرّاح. ما همّ كورش من شعب صغيرٍ يعيش في المنفى؟ وشكّ بعضهم في صِحّة الرواية التاريخية لهذا الحدث، وقالوا إنّ في النصّ أمورًا مصبوغة بالروح اليهودية، المُسيطرة في ذلك الوقت: فنداء كورش ينبع من عمل الله لشعبه، بل كان كورش عابدًا ليهوه، وخاضعًا له، لهذا أبان عن سخاء وكرم من أجل اليهود.
2- لقد دلّت الدراسات التاريخية، أنّ كورش كان سخيًا كريمًا، بالنسبة إلى كلّ شعوب الأرض، ومنها الشعب اليهوديّ: حررّهم، أمر بعودتهم إلى بلادهم، إهتمّ ببناء هياكل آلهتهم. ونقرأ في "أسطوانة كورش" ما يلي: "أعَدتُّ إلى المُدُن المقدّسة التي عَبْرِ الفرات، والتي هُدِمَت معابدُها، التماثيل التي اخِذَت منها، وأسّستُ لها المعابد وأنجزتُها. وجمعت السُكّان الأوّلين وأرجعت لهم مساكنهم. وبناء على أمر مردوك، السيّد العظيم، أرجعت آلهة سومر وآكاد التي جاء بها نابونيد إلى بابل، وجعلتُها في معابدها القديمة، فأعدت إليها سعادتها. يا ليت كلّ هذه الآلهة، ترفع الدُعاء إلى بال ونابو، فيُعطياني العُمر الطويل".
ويبدو أنّ كورش أحاط نفسه بتقنيين يهود، أعلموه بأبعاد الهيكل الحقيقية، فأمر بإعادة بنائه من دون زيادة ولا نُقصان، وأمر أن تُدْفَعَ النفقات من الضريبة الملكيّة المفروضة على بلاد يهوذا (6: 8).
3- كان كورش الفارسيّ ملكًا صغيرًا على منطقة أنزان، وخاضعًا لملك ماداي. ثار على سيّده سنة 553، فانتمرعليه، وأسره، وأخذ عاصمته أحمتا، ولقّب نفسه بمَلك فارس. هاجمه كريزوس، ملك ليدية (آسية الصُغرى، أي تركيا اليوم)، فانتصر عليه وأخذ سرديس عاصمته، وضمّ البلاد إلى مملكته (546 ق م). ثم توجّه إلى بابل (540 ق م)، المدينة المنيعة، فاحتلّها.
حينئذ شعر المنفيّون العبرانيون، أنّ الحال تبدّلت، فاشتعلت في قلوبهم جُذوة الأمل. ورأوا يد الله تعمل من خلال كورش: أنا الربّ، أنهضت رجل العَدْل من المَشْرِق ودعوته، أنا الذي جعلت الأمم تنحني أمامه، والملوك يخضعُون له، فصاروا كالتُراب لسَيْفه، وكالعُصافة المُذرّاة لقَوْسِهِ. يطرد الأعداء ويجوز بينهم سالمًا، ولا يطأ الأرض بقدميه... أنا أنهضته من الشمال فجاء، ومن مَشْرِقِ الشمس دعا باسمي. وطىء الوُلاة مثل الوَحْلِ، وداسهم كما يدوسُ الخزّاف الطين (اش 41: 2- 4، 25).
4- كورش هو الراعي الذي اختاره الربّ، وهو يُتممّ مشيئة الربّ فيبني أورشليم، ويضع أساسات هيكلها (اش 44: 28). دوره كدور الملوك في شعب إسرائيل، ومثلهم سيُدعى "مسيح الربّ"، بعد أن مسحه الربّ بالزيت المقدّس، وأخذ بيمينه ليُخضع الأمم، ويَنزعَ من الملوك سُلطانهم، ويَفْتَحَ مصاريع المُدُن، فلا يُغْلق بابٌ في وجهه (اش 45: 1). دعاه الله باسمه وكُنيته، عرفه قبل أن يعرف من هو يَهوه.
هذا هو الملك الذي يُمجّده المُؤرّخ الكهنوتيّ، لأنّه سمح لليهود بالعودة إلى أرضهم وبناء هيكلهم، ومُمارسة شعائر العبادة بكلّ حرية وأمان. هكذا قال الربّ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM