الفصل الخامس: أَبيا وآسا

الفصل الخامس
أَبيا وآسا
13: 1- 16: 14

أ- ألمُقدّمة:
نذكر في هذا الفصل ملكين: الأوّل أبيا (915- 913)، والثانيّ آسا(913- 873).

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- الملك أبيا (13: 1- 23)
نقرأ، في 1 مل 15: 1- 8، عن أبيا الشيء القليل: ملك ثلاث سنوات، كان في حرب دائمة مع يَرَبْعام، صنع الشرّ في نظر الربّ، وجرى على خطايا أبيه. أمّا 2 أخ 13، فيُعطينا خبراً موسعاً مع بعض تفاصيل إضافيّة، ويجعل كلّ ذلك في إطار نظرته اللاهوتيّة.
(آ 13: 1- 2)، وملك أبيا.
قال 1 مل 15: 3- 5، إنّ أبيا عَمِلَ عَمَلَ أبيه، فخان ربّه، وحاد عن طريق داود. أمّا 2 أخ، فيقول إنّه كان مَلِكاً صالحاً، وقد باركه الربّ بركة.
(آ 3- 20)، حرب مع يَرَبْعَام.
يُورد الكاتب حدثاً واحداً من حياة أبيا: حربه مع يَرَبْعام. كان مُقاتلو يهوذا 400000، ومُقاتلو إسرائيل 800000. عندما يتمّ النصر ليهوذا، سيعرف الجميع عَمَلَ الله من أجل سُلالة داود (آ 14- 16). أمّا يَرَبْعام فلجأ إلى الحيلة والدهاء، فَهُزِمَ هزيمةً نكراء. وقُتِل من رجاله 500000 ثمّ احتلّ يهوذا ثلاث مدن هي بيت إيل، يشانة، عفرائين. على أثر ذلك، ذل إسرائيل، ومات ملكه.
(آ 21- 23)، بعض المعلومات
بعض المعلومات عن عائلة أبيا، وعن الراحة التي تمّت للشعب، عشر سنين بعد موته.
2- الملك آسا (14: 1- 16: 14)
قِصّة الملك آسا في أخبار الأيام طويلة جداً، والنِظْرة اللاهوتية التي فيها، هي تطبيق كامل للتعليم في الثواب والعِقاب، بحَسَبِ المُؤرّخ الكهنوتيّ.
(آ 14: 1- 7)، أمانة آسا للربّ.
حدّثنا 1 مل 15: 12، عن آسا الذي أزال الأصنام، وألغى البغاء المُكرّس. ولكنّ 2 أخ، نَسَبَ إلى آسا إصلاحاً جَذْرياً، يُشبه إلى حدّ بعيد، ما سيفعله يُوشيا: أزال المذابح والمشارف، والأصنام والأنصاب، ودعا الشعب إلى العودة إلى شريعة الربّ، وجاءت نتيجة هذا الأصلاح ازدهاراً مادياً، ساعد الملك على بناء المُدُن الحصينة، وإعداد جيش قويّ.
ولكنّ الله وحده، هو مَن يُبارك المملكة الصغيرة، ويُعينها على الوقوف بوجه أعدائها.
(آ 8- 14)، حرب مع الكوشيّين.
من هم هؤلاء الكوشيّون؟ أناس من الحبشة، مصريين كانوا أو عرباً. هل كان زارح الفرعون بالذات، أم رئيس قبيلة من القبائل؟ وهل كان جيشه يَعُدّ مِليوناً من الجنود؟ المبالغة واضحة، ولكن لماذا هذه المُبالغة؟ الجواب: الحرب حرب مُقدّسة: يدعو ملك يهوذا باسم الربّ، تتمّ الحرب باسم الربّ. جيش يهوذا ضعيف أمام جيش العدو. انتصر الربّ فضرب العدو، فبدا جيش آسا وكأنّه لم يفعل شيئاً. الله يُلقي الرعب في قلوب الأعداء، الله يُلاحق الغازين ويفنيهم... نرى هنا صورة صغيرة، لما فعله الله لشعبه يوم احتلال أرض كنعان. صرخة المُؤمن الصاعدة من قلبه: ألا يستطيع الربّ أن يفعل اليوم ما فعله بالأمس؟
(آ 15: 1- 7)، كلام عزريا.
لا نعرف شيئاً عن هذا النبيّ الذي استند إلى الماضي، فكلّم المُؤمنين، واستنتج لهم العِثرةَ للحاضر والمُستقبل: الله يُعاقب شعبه ويُكافئه: إن خان العهد لَحِقَهُ العِقاب، إن كان أمينا نال المُكافأة (قض 2: 11 ي). يُعبّر عزريا عن هذا الاستنتاج بشكل قولٍ نبويّ: سيكون بنو إسرائيل من دون إله حقّ، من دون كهنة (آ 3).
(آ 8- 15) إصلاح دينيّ.
أزال آسا الرجاسات: نظّف الهيكل، أزال الأصنام في بلاد يهوذا وبنيامين، وفي المناطق المُجاورة (في قبيلة أفرائيم ومنسّى أي مملكة إسرائيل، في شمعون المُرتبطة بيهوذا). قدّم ذبائح عديدة، وتعاهد والشعب أن يلتمسوا وجه الربّ: إن التمس الشعبُ الربّ وجده، ووجد فيه الراحة. وإن لم يلتمس الشعبُ الربّ، كان نصيبُه الموت (سيُقتَل المُشرِكون العابدون الآلهة الغريبة).
(آ 16- 19)، معلومات عن آسا.
تُردّد هذه الآيات ما نقرأه في 1 مل 17: 13- 15، وتروي أنّ الملك عاقب أمّه، لأنّها صنعت لعشتاروت تمثالاً، وأنّ الربّ بارك شعبه، فعرف الراحة زمناً طويلاً في عهد آسا.
(آ 16: 1- 15)، حرب مع بعشا ملك إسرائيل.
يقول 1 مل 15: 16، إنّ الحرب كانت بين آسا وبعشا كلّ أيّامهما، ولكنّ 2 أخ يقول إنّه لم يكن حرب مع يهوذا خلال 35 سنة من سني الملك آسا. وقال 1 مل 16: 8، إنّ بعشا مات في السنة 26 لآسا مَلِكِ يهوذا. لهذا جعل 2 أخ، الحرب تقع بين يهوذا وإسرائيل، في السنة 39 من مُلْكِ آسا. الفكرة اللاهوتيّة الكامنة وراء هذا التحوير في الأخبار والأزمان، هو أنّ إصلاح آسا جعل الربّ يمنح شعبه السلام والراحة مدة طويلة. أمّا الحرب التي ستقع في ما بعد، فسيُعطي المُؤرّخ تفسيراً لها.
(آ 7- 10)، قول نبويّ على آسا. جاء حناني الرائي واتّهم الملك باسم الرب: لم يتكل على الربّ، فتعاهد مع الأمم المُجاورة على حساب عهده مع الربّ. جعل إيمانه جانباً، وطلب عون ملك أرام على مملكة إسرائيل، فعاقبه الله. حينئذ جعل آسا في السجن، النبيَّ حناني وكلَّ الذين لم يُوافقوه على سياسته. فضرب الربّ آسا بالمَرض، ولكن آسا لم يلتمس الربّ رُغْمَ مرضه.
(آ 11- 14)، نهاية آسا.
ظلّ آسا كافراً بربّه إلى نهاية حياته. ولكنّه حظي بدفنة مُشّرفة، بسبب أعماله العظيمة، وليس أقلّها تنظيف الهيكل من الأصنام الرجسة، وإصلاح شعائر العبادة في أورشليم.

ج- مُلاحظات على الفصل الخامس.
1- نظرة لاهوتيّة إلى التاريخ
خلال الحرب بين مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا، عبّر المُؤرّخ عن نظرته إلى الأحداث بلسان أبيا، ملك يهوذا، فجعله يَخْطُبُ في يَرَبْعام وإسرائيل من على جبل صمارائيم (13: 4). ماذا يقول أبيا؟ يُريد أن يُقنع خصومه، بعدم خوض المعركة التي ستنتهي لهم حتماً بالفَشَل: حرب مملكة إسرائيل هي حرب على الله الذي تركوه. ولكنّ الله يقف بجانب يهوذا وحده، وسيُعطيه النصر، لأنّه بقي أمينا له، حافظاً شرائعه ووصاياه. أمّا البراهين فهي: أولاً: داود ونسله، هم وحدهم الملوك الشرعيون لشعب إسرائيل كلّه، نتيجة عهد أبديّ بين الله وداود (13: 5).
ثانيًا: كان يَرَبْعام ورجاله أهل سوء، فشقّوا الشعب، وتمّردوا على بيت داود، وبالتالي على الله. أمّا رَحَبْعام فكان صبياً لا خُبرة له (13: 6- 7)، فلم يكن مسؤولاً عمّا جرى آنذاك (10: 1 ي. في 1 مل 12: 15، نعرف أنّ رحبعام كان المسؤول: أبي أدّبكم بالسياط، وأنا أؤدّبكم بالمجالد).
ثالثاً: خان يَرَبعام وإسرائيل الربّ: صنعوا عجلين من الذهب، طردوا الكهنة اللاويين، عيَّنوا كهنة لا يرتبطون ببني لاوي، ففعلوا كالوثنيين (13: 8- 9).
رابعاً: لا عبادة حقّة إلاّ في أرض يهوذا (13: 10- 12)، حيثُ الكهنة هم أبناء حرصاء لهارون، وحيثُ اللاويّون يقومون بخدمتهم حَسَب الشريعة: يُقدّمون المُحرقات كلّ صباح ومساء، ومع البخور وخبز التقدمة، يوقدون السراج كلّ مساء...
خامسًا: ينتج من هذا كلّه أنّ الله مع يهوذا، وهو يسير أمامه في الحرب (تابوت العهد يسير في مُقدّمة الجيش)، بينمَا ينفخ الكهنة في الأبواق. وإذ يحارب إسرائيل يهوذا، فكأنّه يُحارب الله بالذات، لذلك سيُهزم لا محالة.
2- إستنتاج من التاريخ
إنطلاقاً من خطبة أبيا في إسرائيل (13: 1 ي)، نفهم رأي المُؤرّخ في انفصال قبائل الشمال: هي ثورةٌ على الله وعلى بيت داود، ورفضٌ لعبادة الله الحقّة في هيكله في أورشليم. كلّ هذا يدفعنا إلى أن نسوق المُلاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: هذه النظرة اللاهوتيّة هي نتيجة الوضع السياسي الذي عرفه المُؤرّخ. فيوم كتب كتابه، كان صراع بين اليهود والسامريين، وتأكيد على شرعية التقليد اليهوديّ دون سواه. هذا التقليد يستند إلى داود وكهنوت هارون، ويعتمد على هيكل أورشليم، المكان الوحيد للعبادة بحَسَب فرائض الشريعة.
الملاحظة الثانية: يرسُم الكاتب الحرب بين يهوذا وإسرائيل على غِرار الحرب المُقدّسة، كما نقرأها في سِفْري يشوع والقضاة: الله يسير في مقدّمة شعبه. شعب الله أضعف من أعدائّه، ولكنّ الله يمنحه الغلبة. ينفخُ الشعب بالبوق ويهتف هُتاف النصر. هزيمة الأعداء أكيدة، لأنّ الله سيتدخّل والشَعْبُ واثق به.
الملاحظة الثالثة: في أساس هذا الخبر، نكتشف تعليماً واضحاً عن الثواب والعِقاب: خان إسرائيل الربّ، فانهزم. كان يهوذا أميناً للربّ، فأنتصر. تمّرد يَرَبْعام على الربّ، فرض واعتلّ ومات، لأنّ الربّ ضربه. أمّا أبيا فتوفَّق ونجح مسعاه: باركه الربّ فأعطاه 22 ابناً و16 ابنة (13: 21)، ومنح شعبه راحة وسلاماً، داما طويلاً بعد موته.
3- تعليمُ في الثواب والعِقاب.
عندما نقرأ 1 مل 15: 9- 24، نعرف أنّ الملك آسا، صنع ما هو قويم في نظر الربّ، كداود أبيه: أزال الأصنام القذرة، أبعد أمّه عن الحكم، لأنّها صنعت تمثالاً لأشيرة ولكنّ هذا الاصلاح لم يكن جَذرياً، وأمانة المَلْك للربّ، لم تكن كاملةً. ثمّ إن الحرب دامت طويلاً بين مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا. تعاهد ملك يهوذا مع ملك أرام، وانتصر على ملك اسرائيل واستفاد من هذا الانتصار. وفي السنة 41 لمُلكِهِ، مَرِضَ ومات.
هذه النُبْذة التاريخية القصيرة، تطرح على المُؤمن أسئلة عدّة: كان الملك آسا أميناً لربّه كداود، فلماذا رافقته الحروب ولم تتركه؟ قام بإصلاح دينيّ، فلماذا ضربه الله بالمَرَض الذي هو عِقَابُ الخطيئة؟ أين التعليم التقليديّ عن الثواب والعِقاب؟ آسا هو صُورة الملك الأمين الذي باركه الربّ، ثُمّ حلّت به الضربات من دون سبب، وكأنّه كان خاطئاً. سيُبّين لنا المُؤرّخ عَبْرَ هذه القِصّة، أنّ عدالة الله ليست في قفص الاتهام.
لهذا يستعيد ماكتبه 1 مل 15: 9 ي، ويزيد عليه معلومات أخذها من مصادر أخرى. صار التأليف مُرجرجاً، ولكن التعليم اللاهوتيّ أصبح واضحاً. عندما نقرأ 2 أن، نُحِسّ أننا أمام إصلاحين دينيين: الأوّل في 14: 2- 4، والثاني في 15: 8- 15، ونفهم أنّ الحرب مع الكوشيين (14: 8- 14)، وقعت بعد السنوات العشر الأولى لمُلْك آسا (في 13: 23 نقرأ أنّ البلاد كانت في راحة مدّة عشر سنوات)، وأنّ أسلاب حَرْبٍ حُمِلت تقدمةً إلى الربّ في السنة الخامسة العشرة (15: 10- 11). وهكذا، عندما يشير 2 أخ إلى أنّ عهد آسا عرف السلام حتى السنة 35 من مُلْك آسا، فهو ينسى الحرب التي وقدت في السنة الخامسة عشرة لمُلْكِه.
ولكن، رُغْم هذه التفاصيل، يبقى ما كتبه المُؤرّخ عن آسا، قطعة أدبيّة بتصميمها، وتتابع الأفكار فيها، وهي تعرض الأمور على الشكل التالي: آسا هو ملك أمين لربّه، قد قام بإصلاح دينيّ عميق. جاءه خَصْمٌ من كوش فحاربه، ولكنّ الله عَضَدَ آسا الذي لم يتّكْل إلاّ على ربّه، فانتصر على عدوّه. بعد ذلك حمل النبيّ إلى الملك رسالة، فعمل الملك بحسب مضمُون هذه الرسالة: قام بإصلاح ديني رافقته إحتفالات مَهيبة فخمة، وخيّم السلام 35 سنة من سنوات مُلْكه الإحدى والأربعين. ولكنّ هذا الإصلاح لم يَطُل كلَّ طبقات الشعب. بعد ذلك جاء بعشا، ملك إسرائيل، وهاجم آسا، فطلب آسا مساعدة ملك أرام، وأرسل إليه هدايا من التُحف المأخوذة من الهيكل، فساعده ملك آرام فانتصر على ملك إسرائيل، واستفاد من هذا الانتصار. ولكن جاء نبيّ يُعلن لآسا أنّه خطئ حين تعاهد مع بلد غريب، ولم يتكل على الله دون سواه، كما فعل في حربه مع الكوشيين.
نُلاحظ هنا منطق المُؤرّخ في روايته: ما دام الملك أمينا لله، دامت له الراحة والسلام، وحين يتحوّل عن الله ليعتمد على البشر، (ملك دمشق أو الأطباء)، يتحّول الشرّ عليه. وتسلسُل الأحداث يؤكّد هذه النظرة: عشر سنوات سلام في البداية (13: 23)، ولمّا قام بإصلاح في السنة الخامسة عشرة (15: 10)، عرف 35 سنة راحة (15: 19). في السنة السادسة والثلاثين كانت حرب (16: 1). وفي السنة التاسعة والثلاثين مَرِضَ (16: 12)، وفي السنة الحادية والأربعين مات (16: 13). إذاً، بدأ مُلْكه بالسلام والراحة، وانتهى بالتعاسة وخيبة الآمال. حدّثنا المُؤرّخ عن الملك آسا، فأعطانا عظة عن عدالة الله في ثوابه وعِقابه، وعن أهمّية الأمانة لله، ولا سيّما في أمور العبادة والهيكل. الأمانة لله والثقة به، تحملان الراحة والسلام، والبَركَة والنجاح. ونسيان الله والاتكال على البشر، يجدان وراءهما الشرّ والظُلْم، والألَم والموت

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM