سِفْر أخبار الأيّام الأوّل

سِفْر أخبار الأيّام الأوّل

توطئة وتمهيد
أولاً: قلنا في المُقدّمة، إن سِفْري أخبار الأيّام كانا يشكلان، في البداية، كتاباً واحداً، قُسِمَ، فيمَا بعد، إلى سفرين: سِفْر أوّل، هو 1 أخ، وسِفْر ثانٍ هو 2 أخ.
يتكوّن 1 أخ من تسعة وعشرين فصلاً، تبدأ ببداية الكون، وتنتهي بموت الملك داود. "مات بشَيْبةٍ صالحة، بعد أن شبع من الأيّام والغِنَى والمَجْد، ومَلَكَ سُليمان ابنُه مكانه" (1 أخ 29: 28).
نَجِدُ قسمين في 1 أخ. القسم الأوّل (ف 1- 9)، يبدأ ببداية الكون مع آدم وشيت وأنوش، وينتهي بذكر اللاوّيين وأنسابهم وبيوتهم. القسم الثاني (ف 10- 29)، يذكر سريعاً موت شاول (ف 10)، ليُحدّثنا مُطوّلاً عن داود الملك، وما فعله من أجل ربّه وشعبه.
ثانياً: في 1 أخ، نقرأ لائحة من الأنساب تبدو مُمِلّةً للقارئ، ونكتشف وجهاً لداود، هو غير الذي تعرفنا إليه في سِفْري صموئيل. ليس داود ذاك الإنسان الضعيف الخاطئ، بل إنسان مثاليّ لا عَيْبَ فيه ولا زَلَل. وننظر باحترام إلى أورشليم ودورها المتواصل، منذ بداية تاريخ الكون إلى الآن.
بين سلسلة الأنساب (ف 1- 9) ومُلْكِ داود (ف 11- 29)، نقرأ خَبَرَ موت شاول الذي يُشكّل وصلةً بين عهدين مُفترقين في مخطّط الله. فدور شاول يهمّ الكاتب، في أنّ موته أمّن انتقال الملك إلى داود: لم يستشر شاول الربّ، فأهلكه الربّ، وحوّل المُلك إلى داود بن يسّى (10: 14).
ثالثاً: إنّ تفسير الفصول التسعة الأولى، سيُبيّن أن التوسيع في سلسلة الأنساب والزيادات اللاحقة، هو عمل كاتب واحد من جماعة اللاويّين، يُمكنه أن يُهمل هذا الاسم أو ذاك لرؤساء الكهنة، ثمّ يذكرهم في 2 أخ. ولكنّ هذا لا يعني أنّنا أمام مراجع متعددة. فأساس لوائح الأنساب، ليس في أن نُثْبت سلسلةً من الأسماء، بالطريقة العلميّة التي نعرفها اليوم في السجّلات الرسميّة، بل أن نُبْرِزُ هوية شعب الله، عبر الزمان، أي منذ آدم إلى داود، وعَبْرَ المكان، أي عَبْرَ الأسباط الاثني عشر. فهناك علامات تُبيّن أن الكاتب أدرك تدريجياً هدفه النهائي، وإن كان على حساب بعض التنسيق والتنظيم، والتضارب في المعلومات بعض المرات. ومهما يكن من أمر، فلا نستطيع أن نفصل الأنساب عن جسم السِفْر الأول من أخبار الأيّام.
رابعاً: هناك نقطة أخرى يجب أن تبقى ماثلة أمام عيوننا، عندما نقرأ سلسلة الأنساب في 1 أخ. ففي عصرنا المعروف بوثائقه المتعددة، جرت العادة بأن نقوِّم العلاقات الطبيعية بالتوالُد والتناسُل. أمّا في العالم القديم، فإيراد الأنساب يرمي إلى رسم بنية اجتماعية ودينية، موجودة في الزَمَن السابق. فإذا أرادوا التحدّث عن علاقة وثيقة بين شخص وآخر، عبّروا عنها بعلاقة النّسَب. ولقد ذهب الكثير من العلماء إلى القول، بأنّ الأسباط الاثني عشر، هي في الأساس رابطة عبّر عنها الكاتب المُلهم، فيما بعد، بعبارات تستعمل للعائلة، بحيث صار رؤساء هذه الأسباط اثني عشر أخاً. ونجد مثالاً على ذلك في شخص صموئيل (6: 28)، الذي عُدّ من بني لاوي، مع أن التقاليد السابقة تؤكد أنّه من سِبْط أفرائيم (1 صم 1: 1).
خامساً: مع داود، مَلِك بني إسرائيل في أورشليم (مدينة شعب الله منذ بداية البشرية)، تبدأ حقاً حياة الجماعة، بوجود الشخص المُختار (داود)، والمدينة المختارة (أورشليم). كلّ شعب الله موحَّد حول داود، بدوره الكهنوتيّ، ودوره المَلَكيّ، وفي المكان الذي اختاره الله لسُكناه، ولم يتجاهل المُؤرّخ التقليد القائل، بأنّ سُليمان بنى هيكل الربّ، ولكنه صوّر لنا داود يهيئ كل شيء، فلا يبقى لسُليمان إلاّ تنفيذ أمر أبيه.
سادساً: لاحظ الشّراح أنّ المؤرّخ أغفل أموراً عديدة، لا تُشّرِف شخص داود، فأعطانا صورة غير التي تعرّفنا إليها في سِفْري صموئيل. أعطانا صورة لاهوتيّة ورمزيّة، أكثر منها شخصيّة وفردية. أجل، لم يرد الكاتب الإخباريّ أن يشدّد على دور داود السياسيّ والحربيّ، بل كان همّه أن يغذي الأمل، بوجود قائد يعيد الأمّة إلى أمجادها السابقة. لا يتطلّع المؤرّخ إلى مستقبل يخلّص الشعب من الحُكم الأجنبيّ، بل يعتبر الحالة الحاضرة، هديةً قد هيّأها الربّ لشعبه في هذا الوقت من تاريخه. فيبقى على الشعب أن يعيش بهدوء، حول مدينة أورشليم وهيكلها الذي أعيد بناؤه، وأن يعمل بموجب دعوته كشَعْبٍ كُرّس لله. وللقيام بهذا الواجب، يكفي الشعب أن ينظر إلى ما فعله داود، يوم كان مَلِكاً، فيقتفي مثله، ويسير على خُطاه، فتظلّ أورشليم مدى الدهر، مدينةً مقدّسة للربّ، قُدْساً للربّ

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM