الفصْلُ الحَادي عَشر
حزقيَا وأشَعيَا
18 : 1 – 20 : 31
أ- المقدّمة
ا- أللمحة عن حزقيا مكتوبة في إطار المقاومة للأشوريين (18: 1-8). والتلميح إلى الثورة في آ 7 يُشير إلى أنّ حزقيا ساند آخر محاولة للمُقاومة في السامرة. هنا نفهم لماذا كرّر الكاتب الحديث عن سقوط السامرة (آ 9-12)، وهذا ما يُوافق التاريخ المُرتبط بحُكْم حزقيا.
2- ويروي النصّ بعد هذا، الثورة اليهودية على سنحاريب. لا يُخفي كتاب الملوك أنّ حزقيا استسلم فنجت أورشليم (آ 53-16)، ولكنّه لا يقول متى تدخّل الأشوريون من جديد، وما كان هدفهم. في هذه المرّة الثانية، كان الربّ هو الذي خلّص المدينة، بعد أن رفض حزقيا الاستسلام. هذا الخبر الذي نقرأه في اش 36-37 هو نصّ نبوي. فكما أنّ الكاتب رأى في 1 مل 23:20-25 تحديًا أشوريا ليهوه نفسه، هكذا رأى أنّ دور النبيّ كان في إعلان قول الخلاص (9،: 21- 31، 32- 34).
3- ويشترك ف 20 مع اش 38-39 في إعطائنا المعلومات عن الأشخاص والمواضع والظروف. هناك تقارُب فيما يتعلّق بالسفارة البابلية (20: 12-19)، لا فيما يتعلّق بمرض حزقيا. ثمّ إنّ 20: 1- 11 لا تُورد المزمور الذي نقرأه في اش 38، كما أنّها تُقدّم الخبر في نظام منطقي. نحن هنا بعيدون عن أساطير الانبياء، ويبدو أشعيا مستشار الملك الشخصي، فيُشبه ناتان لا إيليا أو أليشاع.
ب- تفسير الآيات الكتابية
(آ 18: 1-8) حزقيا، ملك يهوذا. كان حزقيا ابن آحاز، ولكنه ما اقتدى بأعمال أبيه، بل كان ملكًا صالحًا مثل جدّه داود. وفعل ما لم يفعله الملوك قبله: أزال المعابد على المشارف والأوتاد المكرّسة. قام بإصلاح دينيّ سيُتمّه يُوشيا في ما بعد.
ويمتدح الكاتب هذا الملك: وثق بالربّ، لم يكن مثلَه قبله ولن يكون مثلَه بعده. حفظ وصايا الله فنجح في كلّ ما عمل: وتمرّد على ملك أشور ولم يخضع له، حارب الفلسطيين وردّهم على أعقابهم إلى غزّة. في الواقع كان حزقيا ملكًا ضعيفًا، ولكنّ الكاتب المُلهم أحبّه لأنّه دافع عن أورشليم، وسيزيد المديح له 2 أخ 29-32، وسيجعل منه الربانيون، صورة عن الملك المسيح الذي سيحمل الخلاص إلى بيت داود. إحتلّ الأشوريون مُدُن يهوذا، ولكنّهم لم يحتلّوا أورشليم، لأنّ الهيكل يحميها. وحين يعود المنفيون، سيبنون الهيكل ليحمي المدينة من جديد.
(آ 9-12) ويعود بنا الكاتب إلى السنة الرابعة لحُكم الملك حزقيا، فيذكر احتلال الأشوريين للسامرة. وهكذا نقرأ هنا ما قرأناه في 3:17-6.
(آ 13-16) وزحف سنحاريب (ابن سرجون الثاني)، ملك أشور (704- 681)، فاحتلّ كلّ مُدُن يهوذا. ثار مروداك بلادان، حاكم بابل، على سنحاريب، ودعا دول غربيّ الفرات إلى الثورة. فانتفض حزقيا مع سائر الملوك، ولكنّ سنحاريب عاد إلى بابل سنة 703، وسحق الثورة هناك. ثمّ عاد إلى بلدان غربي الفرات، وجعل الحصار على أورشليم سنة 701 (راجع الوثائق الاشورية). خاف حزقيا على العاصمة، فأرسل يقول لملك أشور في لاكيش (تبعُد 48 كلم إلى الجنوب الغربيّ من أورشليم): خطئت. فرض عليه ملك أشور جزية فدفعها (أخذها من الهيكل والقصر )، وانصرف ملك أشور.
(آ 17-36) هنا بداية الخبر عن اجتياح بلاد يهوذا وحصار أورشليم. يرويه الكاتب في نسختين متوازيتين. الأولى 18 : 17-19: 9، ألثانية 19: 9-36؛ أمّا الخبر فواحد، وقد حَدَث سنة 701 (رج آ 13-16)، أو في ما بعد، بين ارتقاء ترهاقة سدّة الملك (688 ق. م.) وموت حزقيا (687). هذا الخبر رواه سفر الملوك الثاني، ورواه أيضًا سِفْر أشعيا (2:36-37:37) مع بعض الاختلافات في النصين.
أخذ سنحاريب الجزية، وأرسل من يحاصر أورشليم. كلّم الموفدون الناسَ القائمين على السور ليُزعزوا همّة المقاومين. على من يستند حزقيا وشعبُه قليل؟ أعَلي فرعون هذه القصبة المكسورة؟ أعلى الرب؟ ولكنّ الربّ هو الذي أمر ملك أشور بأن يأتي إلى هذه البلاد.
كلِّمنا بالآرامية، قال قيّم قصر الملك. كانت الآرامية اللغة الدبلوماسية في الشرق، وكان المثّقفون يفهمونها. أما بنو يهوذا فما كانوا يفهمون إلا لهجتهم الخاصة... بعد ذلك، ستصبح الآرامية لغة شاملة (وإن بلهجات متعددة) في الشرق، ويسوع سيكلّم الناس بالآرامية.
أتركوا الصداقة مع الله، وحالفوا ملك أشور، وهكذا يكون لكم السلام والسعادة. تأكلون من تينكم ومن كَرْمِكم... ولكنّنا في آ 32 نسمع كلامًا معسولاً عن السبي: آتي وآخذكم إلى أرض مثل أرضكم، أرض حِنْطَةٍ وخَمْر... وهكذا تبقون على قيد الحياة ولا تموتون في الحرب.
وعاد رسل ملك أشور يقابلون بين يهوه وسائر الآلهة. إذا كانت سائر الآلهة عاجزة عن تخليص شعوبها، فهل يهوه أقوى منها؟
(آ 19: 1-9 أ) مزّق حزقيا ثيابه، وأرسل وفدًا إلى أشعيا... أجاب أشعيا: لا تَخَف أيّها الملك، فسيسمع سنحارب خبرًا ويعود إلى بلاده. عرف أنّ ترهاقة (تهرقة ابن السلالة 25) الفرعون قادم إليه، فانتقل من لاكيش إلى لبنة.
(آ 9 ب-19) ويعود الكاتب فيروي مرة ثانية هجوم سنحاريب على أورشليم، وفشله في الاستيلاء عليها. هذا الخبر شبيه بالأول، ولكنّ دور أشعيا في هذه المرّة أهمّ منه في المرّة الأولى. ويُرسل سنحاريب رسله يُهدّد سكان أورشليم. هو احتلّ جوزان وحاران (بلاد الرافدين) وراصف (الرصافة، بين تدمر والفرات)، تلاسار (أو تلّ بسار على الفرات الأوسط) وحماة وأرفاد (شماليّ حلب).
أخذ حزقيا الرسالة وقرأها أمام الربّ: اسمع كلمات سنحاريب. آلهة الأمم ليسوا إلا خشبًا وحجرًا، أمّا أنت فخلّصنا من يدهم، لتعلم جميع الأمم أنّك أنت إله وحدك. نلاحظ هذا التشديد على وحدانية الله.
(آ 20-34) وأرسل أشعيا يُشدّد حزقيا: هَزِئَتْ أورشليم بسنحاريب... أجل لن يدخل سنحاريب المدينة، بل يعود في الطريق التي جاء منها... والناجون يَبُنون مُدُنهم من جديد. غَيْرَةُ الله (ومحبته) تفعل هذا الخير العظيم لمدينته.
(آ 35-37) ما الذي حدث؟ حلَّ الطاعون بجيش أشور فرجع إلى نينوى.
كان يصلّي في معبد نصروك (أو نردوك) إلهه، فقتله ابناه ادر ملك (إسم إله) وشر آصر (ابن سنحاريب وهو مجهول). أمّا الوثائق الأشورية فلا تذكر إلا ابنًا واحدًا قاتلاً.
(آ 20: 1- 11) ومرض حزقيا، وصلّى إلى الربّ بقلب تائب فشفاه. رج اش 38: 1-8.
مرض حزقيا فعاده أشعيا وقال له: ستموت، ولما صلَّى حزقيا، عاد أشعيا يقول له: ستشفى وأعطاه علامة: تراجع الظلّ عشر درجات.
آ 42- 21؛ رج اش 39. وأرسل مروداك (لا بروداك) بلادان بعثة إلى حزقيا يزوره بعد شفائه من مرضه. اله الحقيقي مردوك افل ادينا أي مردوك أعطي ابنا. بعد موت شلمنصّر الخامس (722 ق. م.) صار ملكًا. طرده سرجون سنة 710، ولكنّه عاد إلى الملك سنة 703. في هذا الوقت أرسل بعثة إلى حزقيا وكان يبحث عن حلفاء يَسندونه ليُحافظ على الملك.
جاؤوا إلى الملك حزقيا، فأراهم كنوزه ومخابىء أسلحته... ولكنّ أشعيا لام الملك على ما فعل، وقال له: سيأتي يوم يُؤخذ كلّ هذا من مملكتك.
(آ 17-18) نقرأ تلميحًا إلى السَلْب والضيق خلال الجلاء الأول سنة 597 ق. م. (13:24-16) والجلاء الثاني سنة 587 (25: 11-12).
اقتبل حزقيا حكم الله كما تلفّظ به أشعيا، ولكنه تعزّى لأن ما سيحدث لن يكون في أيّامه