الفصْل العَاشِر: مُلوك يَهوذَا وإسرائيل حَتى دَمَار السّامِرة

الفصْل العَاشِر
مُلوك يَهوذَا وإسرائيل حَتى دَمَار السّامِرة
11 : 1 – 17 : 41

أ- المُقدّمة
ا- ونتابع تاريخ يهوذا وإسرائيل حتّى موت أليشاع (13: 20)، بعد موت أليشاع نعود إلى تاريخ سُلالة ياهو. هذا القسم لا يتضمّن إلا لمحات قصيرة عن ملوك يهوذا وإسرائيل. أمّا ملوك يهوذا فهم: أمصيا، (14: 1-22)، عزريا، أو عزيا (15: 1-7)، يُوتام (15: 32-38) وآحاز (16: 1-20). وملوك إسرائيل هو يُوآش (14: 15-16)، يربعام الثاني (14: 23-29)، زكريا (15: 8-12)، شلوم (15: 13-15)، مناحيم (15: 17-22)، فقحيا (15: 23-26)، فاقح (15: 27- 31)، هوشع (17: 1- 14). هذا العدد الكبير من الملوك يدلّ على تقلّبات في السياسة، لن تظهر إلاّ بعد حُكْم يربعام الثاني الذي كان أطول عهد في مملكة الشمَال.
2- ما نُلاحظه في سلسلة هذه اللَمَحات، هو أنّ الأنبياء لا يتدخّلون إلا قليلاً. لن نسمع إلا وَعْدَ يونان بن امتاي ليربعام الثاني بالنصر (14: 25). لا شكّ في أنّ أقوال هوشع وعاموس تعود إلى الزمن ذاته. إنّها قريبة ممّا قاله كتاب الملوك، ولكنّها لم تترك أثرًا في كتاب الملوك.
3- يُحلّل الكتاب تأثير الانتشار الأشوريّ الذي سيجلب معه انهيار مملكة الشمَال. لم يقُل شيئًا عن أشور، يوم كان يعمل لصالح إسرائيل (بالأخصّ في عهد ياهو ويوآش)، ولكنّه يهتم بهذه القوة يوم صارت عامل دمار. ومن الذي يفتح المسيرة؟ هو مناحيم الذي اشترى عَوْنَ تجلت فلاسّر ليُثبّت سلطته (19:15). ثم يروي 29:15-30 نهاية مُلْكِ فاقح والاجتياح الأشوريّ، قبل أن يتحدّث النصّ عن الحرب بين إسرائيل ويهوذا (16: 5-9)، والتي ستكون سبب التدخّل الأشوري وإسقاط فاقح.
4- أهمّ شيء في الهجمات الأشورية مدوَّن في 7:16-9؛ 17: 1. ولكنّ القسم الأكبر من ف 16 مخصّص لنتائج العَهْد بين آحاز وتجلت فلاسّر على مستوى شعائر العبادة. ما يحصل في الهيكل يهمّ الكاتب الملهم أكثر مما يهّمه مصير السُكان الإسرائيليين. وفي ف 17 يتوسعّ الكاتب في الحديث عن نَقْل السُكّان بيد الأشوريين- وهذا النقل له نتائج هامة (17: 24-34، 41) على مستوى شعائر العبادة-أكثر من توسّعه في الحديث عن حصار السامرة واحتلال الاشوريين لها. هذا الحدث سيكون موضوع تفسير طويل، يشرح بطريقة لاهوتية المصيرَ المُفْجع لمملكة إسرائيل. هذه التساؤلات ستُفيد الكاتب، فيبرز تدخّل يوشيا في بيت إيل وفي المناطق التي ضمّها الأشوريون إلى مملكتهم.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- ألملكة عثليا، إبنه آحاب (11 : 1 - 20)

حكمت عثليا يهوذا ستّ سنين، ولكننا لا نملك تفاصيل عن حكمها، ولا عن طريقة استيلائها على الحُكْم. ألخبر يتركّز على موتها، ويُعطي تفاصيل عن ظروف ذلك الموت: كانت بنت آحاب وإيزابيل، وما تمثّله هذه العائلة من تأثّر بالعبادات الكنعانية. ولهذا لما ماتت عثليا وافق الشعب على ما جرى وعاد يُعلن ولاءه للربّ، ويدمّر معابد البَعْل.
(آ 11: 1-3) عثليا هي ابنة آحاب وحفيدة عمري التي صارت امرأة يُورام (18:8، 26). معنى اسمها: يهوه صار عليا.
يوآش هو ابن أحزيا الذي قتله ياهو. يو شابع هي أخت آحزيا، وهذا ما يُفهمنا لماذا وجدت في الهيكل، وكيف استطاعت أن تخفي الصبيّ بعد أن عزمت عثليا على قَتْلِ كلّ السُلالة الملكية.
(آ 4-8) ألموآمرة. وكبُر الصبيّ يوآش فصار عمره سبع سنوات. تعاهد يوياداع الكاهن مع المرتزقة الكاريين (أتوا من كارية في آسيا الصُغر)... وأخبرهم بالملك وأعطاهم تعليماته. أمّا يوم إعلان البُشرى، فهو يوم السبت. وهكذا رتّب يوياداع الموآمرة.
( آ 9-12) وجاء يوم السبت فاجتمع حرّاس الهيكل... أخرج يوياداع الولد وجعل عليه التاج، وأعطاه الشهادة التي فيها نصّ الشريعة (يُسمّيها التقليد الكهنوتي شهادة. خر 25: 16؛ 31: 18؛ 34: 29)، والتي سيقرأها الملك الجديد، ويتأمّل فيها لتدلّه على السلوك الواجب أن يسلكه (تث 17: 18-19). ونادى الجميع: يحيا الملك.
(آ 13-16) جاءت عثليا إلى الهيكل، ولمّا عرفت بالخيانة لم تستطع أن تفلت، فأخذوها وقتلوها في طريق مدخل الخيل.
(آ 17-20) وهنا قُطع عهدان: عهد دينيّ مع يهوه، وعهد سياسيّ بين الشعب والملك. ثمّ انتقل يوآش إلى القصر الملكي، يُحيط به الشعب.
2- يوآش، ملك يهوذا وملوك إسرائيل (12: 1-13: 25)

نقرأ حدثين في زمن يُوآش الطويل. أولاً عَمِلَ على إصلاح الهيكل وترميمه. ثانيًا: دفع المال إلى حزائيل لئلا يُهاجم أورشليم. ولكن بسبب التخلّي عن آنية الهيكل، عاقبه الله فقتله رجاله وملك أمصيا مكانه.
(آ 12: 1-4) حكم يوآش 40 سنة. يمكن أن يكون هذا العدد رمزيًا أكثر منه واقعيًا، فيعني جيلاً من الناس. أمّ الملك مذكورة مع ملوك يهوذا (2:14 ؛ 2:15، 33؛ 18: 2؛ 21: 2؛ 22: 1) بسبب دورها الفريد، لأنها كانت الشخصية الأولى بعد الملك (1 مل 19:2؛ 13:15؛ 2 أخ 16:15؛ ار 18:13؛ 2:29).
(آ 5-17) تنظيمات بين الملك والكهنة من أجل ترميم الهيكل.
(آ 18-22) إجتياح آرامي ومقتل الملك يوآش.
(آ 13: 1-9) يوآحاز ملك إسرائيل. حصد يوآحاز النتيجة السياسية لعمل والده. ترك والده الفينيقيين حلفاءهم، فصاروا عُرضة لهجمات الآراميين من الشمال، وظلّت السامرة ضعيفة في أيّام يوآحاز ويوآش، ولم تتبّدل الحالة إلاّ حين ضغط الأشوريون على الآراميين، في أيّام يربعام الثاني ابن يوآش.
(آ 10-13) يوآش ملك إسرائيل... عمل الشرّ في نظر الرب.
(آ 14- 21) موت أليشاع... عرف يوآش أنّ النبيّ مريض فذهب ليعوده. بكى وقال: يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفُرْسانه... كان أليشاع شيخًا يُقيم في بلدته آبل محولة (1 مل 16:19). طلب من يوآش ان يقوم بعملين رمزيين، والعمل المنفّذ بحسب الشروط المطلوبة لا بدّ أن يتمّ.
ومات أليشع ودُفن... ولكنّه سيجترح أعجوبة بعد موته. وُضع مَيْت في قبره، فلمّا مسّت جثته عظام أليشاع، عادت إليه الحياة ووقف على رجليه.
(آ 22-25) وانتصر يُوآش على الآراميين بعد موت حزائيل، كما قال له أليشاع. بعد حزائيل ملك بنهدد الثالث، فكسره يوآش ثلاث مرّات. ضعفت مملكة دمشق بسبب هجمات هدد نيراري الثالث عليها حوالي سنة 805، وزكير ملك حماة.
3- على عتبة دمار السامرة (14: 1-17: 41)

(آ 14: 1-6) أمصيا مَلِك يهوذا. رج 2 أخ 25: 1-4، صنع القويم في نظر الربّ... طال ملكه لأنّه كان ملكًا صالحًا. هذه هي النظرة الاشتراعية.
ما نلاحظه في عهد أمصيا هو تلطيف الشرائع والعادات: لا يُقتَل الأباء بالبنين، أي بسبب خطيئة البنين والعكس بالعكس. في العادة القديمة كان أعضاء العائلة متضامنين في الجُرْم كما في العِقَاب. هكذا مات بنو عاكان وبناته معه (يش 7: 24)، وقُتِل أبناء شاول (2 صم 21: 5) ونابوت (9: 26). أما في عهد أمصيا، فيتصرّف المشترع بحسب سِفْر التثنية 16:24: كلّ امرىء بذَنْبه يُقتل (رج 2 أخ 4:25). وبعد هذا سيشدّد حزقيال على المُجازاة الفردية (حز 18: 17-18، 24).
(آ 7) أمصيا وانتصاراته في أدوم. رج 2 أخ 25: 11-12.
وادي الملح هو امتداد للبحر الميّت (بحر الملح) باتجاه خليج العقبة. نذكر أنّ الأدوميين هُزموا في أيّام داود (2 صم 8: 13؛ 1 أخ 18: 12؛ مز 60: 2) . الصخرة (سلع) هي قلعة ادومية قديمة (عو 3-4 ؛ ار 16:49) التي ستُسمّى البتراء. يقتئيل يهوذا (يش 38:15) هي غير البتراء.
(آ 8-16) أمصيا يُحارب إسرائيل. رج 2 أخ 17:25-24
من هو الأقوى، لنتبارز، قال أمصيا. أجابه يوآش ملك إسرائيل بمثل: متى يقف العوسج أمام الأرز... وتحاربت المملكتان وانتصر إسرائيل وأسر امصيا وأخَذ من الهيكل والقصر الملكي أواني الذهب والفِضّة (هذا ما يهمّ الكاتب الاشتراعي).
ومات يوآش ودُفِن مع آبائه.
(آ 17-22) نهاية ملك أمصيا وموته. تآمر عليه رجاله كما تآمروا على أبيه، وقتلوه في لاكيش (أوتلّ الدوير، بين حبرون وأشقلون، وهي تبعد 45 كلم إلى الجنوب الغربيّ من أورشليم). ولكنّ الشعب أخذوا عزريا وأقاموه ملكًا.
(آ 23-29) يربعام الثاني ملك إسرائيل. أكبر ملوك إسرائيل، ولكنّ سِفْر الأخبار لم يذكره. ملك 41 سنة ووسعّ حدود مملكته من ليبو (مدخل) حماة إلى بحر العربة. كانت دمشق ضعيفة. رغم شروره استعمله يهوه ليخلّص شعبه، بعد أن رأى الضيق الشديد الذي فيه يتخبّطون. أشفق الربّ على شعبه، ولكنّ الشعب لم يرجع إلى الربّ، ولم يحفظ فرائض عهده، لهذا وبخّهم عاموس ونبّههم إلى واجبات العدالة
(آ 15: 1-7) عزريا ملك يهوذا (رج 2 أخ 26: 3-5، 16، 20-23)، واسمه أيضًا عزيا (رج آ 13، 30، 32، 34). ملك 52 سنة. صنع القويم في نظر الربّ، ولكنه لم يهدم المشارف، تلك المعابد على التلال المُحرقة بأورشليم. لهذا عاقبه الله فأرسل إليه مَرَض البرص.
(آ 8-12) ونقرأ الان اسم خمسة ملوك تعاقبوا على الحكم في إسرائيل، بعد موت يربعام الثاني. عاش النبي هوشع في تلك الفترة، ورسم لنا صورة عن الحالة السياسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية، وأبان لنا تفتّت الجماعة، وكل هذا نتج عن فساد دينيّ عند الشعب. أما السبب الأساسي المنظور، فهو الضَغْط الأشوريّ على كلّ المنطقة، وقد بدأ على دمشق قبل أن يصل إلى إسرائيل ومُدُن الساحل الفينيقي. تجلت فلاسر الثالث سيحتلّ دمشق سنة 735 ق. م.، ويُدخل مملكة آرام إلى امبراطوريته، وسيزيد من ضغطه على مملكة إسرائيل إلى أن تسقط سنة 721 ق. م.
زكريا: حكم البلاد ستة أشهر، فتآمر عليه شلوم وقتله في يبلعام (9: 27)، ألواقعة جنوبي جنين (ألبُستان).
(آ 13-16) وصار شلوم ملكًا، ولكن تآمر عليه مناحيم. جاءه من ترصة (تلّ الفارة تبعُد 13 كلم إلى الشمال من شكيم) التي كانت عاصمة المملكة، قبل أن يبني عمري السامرة. كان حاكم ترصة فصار ملك إسرائيل بعد أن قتل الملك.
وزاد مناحيم على شروره، فأعمل السيف في تفساح، ألمدينة الإسرائيلية، أو ربما تفوح الواقعة شماليّ غربيّ شيلو (رج يش 8:16؛ 8:17)، فحلّ الخوف على المملكة كلّها.
(آ 17-22) مناحيم، ملك السامرة. فول هو الاسم الذي أخذه تجلت فلاسر الثالث (آ 29) ملك اشور (745-727)، حين احتلّ بابل (729). اجتاح أرض إسرائيل فدفع له مناحيم مالاً كثيرًا، فقفل راجعًا إلى بلاده.
(آ 23-26) فقحيا، ملك السامرة. عمل الشرّ في نظر الرب مثل يربعام بن ناباط... تآمر عليه فاقح فقتله.
(آ 27- 31) فاقح، ملك السامرة. ملك 20 سنة. فعل الشرّ. في أيامه جاء ملك أشور تجلت فلاسر، واجتاح بلاد جلعاد والجليل، وسبى من سبى من السكّان، وقفل راجعًا إلى بلاده. لا حاجة إلى قتل السكان، بل ننقلهم فيعملون في مشاريع الملك.
عيون (أو تلّ دبين) تقع في أقصى مملكة الشمال، وتبعد 15 كلم شماليّ دان. آبل بيت معكة (تل آبل القمح)، تبعُد 15 كم غربي دان. هاتان المدينتان أخذهما بنهدد الأوّل (1 مل 15: 20) من الملك بعشا. يانوح موضع مجهول. قادش تقع في نفتالي (يش 19: 37؛ قض 6:4؛ هي تلّ قداس) وتبعُد 8 كلم الى الشمال الغربيّ من مياه ميروم (بحيرة الحولة). حاصور (يش 19:12؛ قض 4: 2، هي تل قداح) تقع جنوبيّ غربيّ مياه ميروم.
مرّ تجلت فلاسر مرّة أولى سنة 734، فاجتاح هذه المُدُن التي ذكرنا، ومرّة ثانية فاجتاح دمشق، ووصلت جيوشه إلى جلعاد والجليل.
تآمر هوشع على فاقح وقتله. تذكر حَوْليّات تجلت فلاسر هذا الأمر، فتقول: شعب بيت عمري، كلّ سكّانه وخيراته، أخذتهم إلى أشور. طردوا ملكهم فاقح، فجعلت عليهم هوشع ملكًا.
وهكذا تعاقب 5 ملوك على إسرائيل في أقلّ من ثلاثين سنة. لم تعد نهاية السامرة بعيدة.
(آ 32-38) يوتام، ملك يهوذا. ملك 16 سنة. صنع القويم. وممّا صنعه: بني الباب الأعلى للهيكل. هذا ما يهمّ المؤرخ الاشتراعي.
تحالف عليه رصين (أو رصون مع السبعينية والوثائق الاشورية) ملك أرام وفاقح ملك إسرائيل وسيكون لابنه آحاز أن يقف بوجه هذا التحالف، في ما سيُسمّى الحرب الآرامية الإفرائيمية.
(آ 16: 1-4) آحاز، ملك يهوذا. كان ملكًا شريرًا، فما سار حسب ملوك يهوذا بل ملوك إسرائيل. ومما فعله من شرّ أنّه قدّم ابنه ذبيحة للآلهة، فأجازه في النار. أمام الخطر المحدق به، أراد آحاز أن يقوم بعمل يجمع الشعب حوله. ولكنّ بالنسبة الى المؤرخ الاشتراعي، عمله شرّ هو.
هذه الذبائح البشرية التي حاربها الأنبياء (مي 7:6؛ ار 7: 31؛ 19: 5؛ 31: 35؛ حز 16: 21؛ 20: 31)، ومنعتها الشريعة بشدّة (تث 12: 31؛ 18: 10؛ لا 18: 21؛ 20 : 2- 5)، ما زالت حاضرة في شعب الله (17:17؛ 23: 10). فمنسّى اتّبع ما عمله آحاز (21: 16)، فأحرق ابنه بالنار إكرامًا للإله مولك، ذلك الإله الكنعاني.
(آ 5-6) ألاجتياح الإفرائيمي الآرامي لأرض يهوذا. وحاصر العدو أورشليم، فاستفاد الأدوميون من الظرف الموآتي، واحتلّوا ايلة (على البحر الاحمر) وطردوا منها اليهود.
(آ 7-9) فلجأ آحاز الى أشور، ليُبْعِدَ الخطر المُحْدِق بمدينته. أخذ الذهب والفضّة من الهيكل والقصر، وقدّمها المخ ملك اشور، وجعل نفسه تابعًا له، فاحتلّ ملك اشور دمشق وسبى سكّانها الى قير (موطن الآراميين الأصلي رج عا 7:9، تقع قرب عيلام) وقَتَلَ ملكها. تذكرُ الحَوليّاتُ الأشورية أنّ هذه الحملة تمّت سنة 733-732، ولكنّ أشعيا كان قد أشار على آحاز لكي يضع ثقته في الله الذي يمنع رصين وفاقح، من أخذ أورشليم التي لا تؤخذ بحسب رأي أشعيا. وخضوع آحاز لأشور لم يحلّ المُشكلة. ثمّ إنّه يعرّض للخطر ولاء الملك لله، ويحدّ من قُدرته على حُكْم الملكة بحسب مُتطلّبات العهد. وهكذا اعتبر أشعيا موقف آحاز كموقف قليل الإيمان. ما أراد آحاز أن يُطيع الربّ، وخاف أن يُجرّب السلاح الذي بيده والذي هو أورشليم المينعة.
(آ 10-19) وقام آحاز ببعض التبديل في الهيكل إكرامًا لملك أشور. أرسل رسمة المذبح الذي رآه في دمشق إلى أدريا الكاهن ليصنع مثله. نقل مذبح النحاس وجعل محلّه المذبح الجديد، وقدّم ذبائحه على هذا المذبح الجديد، وأمر أوريا أن يقدّم عليه ذبائح الصبح والمساء. وهكذا ترك آحاز التقاليد القديمة واتبع عادات ملك أشور.
(آ 17: 1-6) هوشع ملك إسرائيل. صنع الشرّ أمام الربّ، ولكنّه كان أفضل من سابقيه، ومع ذلك جاء العِقاب في أيّام.
حاول هوشع أن يتخلّص من حُكْم أشور، بعد موت تجلت فلاسر وبداية حكم شلمنصّر الخامس. أرسل بعثة إلى مصر، إلى سؤ الفرعون أو احد تواده، ورفض أن يدفع الجزية، كما تعوّد أن يفعل كلّ سنة. فقبض عليه ملك أشور وأرسله إلى السجن.
تم اجتاح شلمنصّر الخامس البلاد، واحتلّ السامرة وسبى أهلها، فكان هذا السبي الثاني بعد السبي الأول سنة 734 (15: 29). نشير هنا إلى أنّ شلمنصّر الخامس توفي قبل احتلال المدينة، وأنّ أخاه سرجون الثاني (اش 20: 1) أخذ المدينة. فهو يروي في حَوْليّاته أنّه في السنة الأولى لحكمة، حاصر السامرة واحتلّها، وسبى 27290 أَسيرًا. وقد حفظت الوثائق الأشوريّة أداء بعض الإسرائيليين الذين كانوا في السبي.
حلاح تقع في حوران. ألخابور رافد من روافد الفرات في شماليّ بلاد الرافدين. جوزان تلّ خلف الواقع عند نبع الخابور. ماداي منطقة احتلّها سرجون الثاني.
(آ 7-23) كان المؤرخ الاشتراعي قد كتَب خُطْبات كبيرة، وهذا المقطع نموذج من أعماله، يُوضح فيه التعليم عن الله وعن إسرائيل. سمح الله أن يدمّر شعب إسرائيل، لأنّ الشعب رفض أن يقوم بواجباته بالنسبة إلى العهد الذي قطعه الله معه. أحبّ الله شعبه، وكان هذا الحبّ أساس العهد. أطال روحه على خطاياهم، وأعطاهم مُناسبات للتوبة عن طرقهم الشريرة، ولكنّهم أظهروا أنهم معاندون في خطاياهم، فلم يبقَ له إلا أنْ يدمّرهم. إتبعوا الآلهة الباطلة، فصاروا هم أيضًا باطلاً.
هدفان لهذه الخُطبة: تُعطينا تعليم المؤرخ الاشتراعي، عن أنّ الألم هو نتيجة الخطيئة. سارت مملكة الشمال إلى نهايتها، لأنّ الشعب ترسّخ في الخطيئة، ولهذا كانت نهايتها عادلة، ولا يحقّ لها أن تتشكّى من عدالة الله. وتُشدّد الخُطبة على حبّ الله لشعبه، وإرادته أن يغفر شرط أن يتوب شعبه، وهذا يقودنا إلى الهدف الثاني الذي يقول إنّ الخُطبة كتبت للذين ذهبوا إلى المنفى سنة 587 ق. م. فمملكة يهوذا دُمرّت، ووصل بعض المنفيين إلى حالة اليأس. ولكن حين شددت الخُطبة على حبّ الله واستعداده للمغفرة للتائب، أعطت أملاً لقُرائها وسامعيها. فالإله المُحبّ الذي قطع العهد، وأُجْبِرَ على تدمير الذين جعلوا نفوسهم باطلاً، يُريد أيضًا أن يُجدّد عهده مع الذين يريدون أن يميلوا بقلوبهم إليه بحبّ وطاعة.
لماذا حصل ما حصل؟ لأنّ بني إسرائيل خطئوا إلى الربّ إلههم الذي أخرجهم من أرض مصر... ويذكِّر الكاتبُ الشعبَ بكلّ خطاياه.
(آ 24- 41) وجاء ملك أشور، سرجون الثاني، بأناس من بابل وكوت (تل إبرهيم، شماليّ بابل وشرقيّ الفرات) وعوّا (تلّ كفرعيّا على العاصي، جنوبيّ غربيّ حمص) وحماة وسفروائيم (في منطقة حماة رج سبرائيم حز 16:47)، وأسكنهم في السامرة أي في مملكة الشمال (رج هو 7: 1؛ 14: 1).
هذه الشعوب المنقولة عبدت يهوه، إله البلاد، ولكنها ظلّت تعبد الهتها، فصنعت تماثيل. نتج من هذا توفيق دينيّ، جعل ديانة السامريين مزيجًا من التقاليد الإسرائيلية والتقاليد الوثنية.
سكوت بنوت: سكوت (عا 5: 26) هو إله الكوكب زحل، بنوت (أو بنيتو) أحد القاب الإلهة عشتار. نرجال إله النار والجحيم الذي يعبده أهل كوت. أشيما (عا 8: 14) إله أشيم بيت ايل، كما في جزيرة اسوان. نيحاز وترتاق: غير معروفان. ادر ملك (أو هدد ملك أي هدد ملك أو أدر ملك أو الملك القدير) عنملك (أو عنت ملك وعناة هي رديف هدد)
في آ 34-39 يعود الكاتب إلى إسرائيل الذين قطع معهم الربّ عهدًا.
في آ 40- 41 يعود إلى السامريين الذين يعبدون يهوه، وفي الوقت ذاته يعبدون آلهتهم. مثل هذا الكلام أقرب إلى الدعاية منه إلى التاريخ، وهو يعني أنّ الأشوريين أجْلوا كلّ سكّان إسرائيل، وجعلوا مكانهم سكانًا جُدُدًا. فالفلاحون بقوا في أراضيهم، وإن مات بعضهم قتلاً أو جوعًا خلال الحرب الأشورية. فالكاتب الآتي من عالم الجنوب، يعتبر أنّ ديانة يهوه زالت في مملكة الشمال، وأنّ العبادة الجديدة تكوّنت من إيمان قليل بيهوه وبوثنية كثيرة. بدأت مملكة الشمال بثورة على العبادة في أورشليم، وها هي تنفصل نهائيًا عن عبادة يهوه الحقّة. تَساهَل الله مع السامرة، ما زال هناك أمل بالرجوع إلى أورشليم، وأخيرًا سمح بدمارها بسبب طبيعتنا الفاسدة.
قصة السامرة وعباداتها الغريبة، هي أساس الخبر عن أصل السامريين. ولكنّ هذا الخبر لا أساس تاريخيًا له البتة. فالجماعة الدينية السامرية ترتبط بشكيم وجبل جرزيم، لا بالسامرة، وإيمانها كان مُحافظًا. هم أبناء جماعة الجهود الذين انفصلوا عن إخوتهم بعد الجلاء في القرن 4 ق. م. ولكن نمت العداوة بين اليهود والسامريين، فصار هؤلاء "الشعب الأحمق الساكن في شكيم " (سي 50: 26)، وما عاد لهم علاقات مع إخوتهم في أورشليم (يو 9:4).

ج- تأملات في نهاية مملكة الشمال
1- هذا المقطع (7:17-53) الذي فيه يجمع الكاتب استنتاجاته عن سقوط السامرة، هو نصّ مميّز بأسلوبه الاشتراعي. نكتشف فيه عناصر الشكوى البسيطة (تذكير بالحسنات السابقة (آ 7) والتنبيهات (آ 13) والاتهام والحُكْم. ولكنّ هذه العناصر تتردّد فتبدو على الشكل التالي: تذكير بالحسنات السابقة (آ 7) أول سلسلة من الاتهامات (آ 8-12)، تنبيهات الأنبياء (آ 13)، سلسلة ثانية من الاتهامات (آ 14-17)، صورة الحُكْم المنفّذ (آ 18- 20)، إتّهام يهوذا (آ 19) الحكم (آ 20)، إتهام إسرائيل (آ 21-22)، ألحُكْم بصورة دقيقة (آ 23).
2- في مجموعة الاتهامات التي يكدّسها النصّ، نستطيع أن نكتشفه تَدَرُّجًا من العام إلى الخاصّ. فالآية 7 تتحدّث فقط عن "خطايا ضدّ يهوه". والآيات 9-12 تُصوّر العبادة على المشارف ليهوه ولسائر الآلهة، وهذا اتهام يُصيب المملكتين. ثم تذكر آ 16-17 بالعجلين الذهبيين (لا تقول من صنعهما) والمُمارسات التي يشجُبها تث 18: 10- 11 والتي لم تُستأصل في عهد يوشيا (23: 1- 24). وفي النهاية تأتي آ 21 فتنتهم بصورة واضحة يربعام والقبائل التي حملته إلى سدّة الحُكْم. وهكْذا يكون كلّ الناس ملتهمين. ولكنّ هناك تدرّجًا في المسؤوليات. أولاً، ألملك يربعام ثمّ سائر ملوك إسرائيل، ثمّ قبائل وسط البلاد، وأخيرًا يهوذا. لا يذكر النصّ ملوك يهوذا على حِدَة، لأنهم، على ما يبدو، لا يحملون مسؤولية مميزة عن مسؤولية الشعب.
3- ما هي مواضيع الاتهام الرئيسية؟ هي ثلاثة: عبادة آلهة أخرى، ألاقتداء بالممارسات العبادية الكنعانية، اتباع طرق ملك إسرائيل (آ 7-8). نلاحظ أنّ النصّ لا يُلْمِحُ إلى أعمال الظُلْم ولا إلى الجرائم السياسية ولا إلى المعاهدات الخطرة التي يُندّد بها الأنبياء الكتَّاب وبعض أنبياء سفري الملوك. ويُشير النصّ إلى أنّ هذه المواضيع الثلاثة يمنعها الربّ و (آ 12، 15، 76): إنّها مُنافية للعهد. والعهد كما يفهمه سفر التثنية، هو إعلان رباط تاريخي يمنع إسرائيل من الاعتراف بآلهة أخرى، ومن أن يكون شعبًا كسائر شعوب الأرض. إنّ مُبادرات ملوك إسرائيل تعدّت الوصية الثانية من وصايا الله التي تمنع صُنعْ التماثيل والصُوَر (خر 20: 4). ولكن آ 21 تُوبّخ يربعام وأتباعه، لأنهم عادَوا سُلالة داود. أجل، العهد في سيناء، والعهد في داود وسُلالته، هما معيار حُكْم المؤرخ الاشتراعي على هذا التاريخ الذي يُدوِّنه.
4- نتوقّف في هذه النصوص على الأدوار الموكولة إلى الانبياء. آ 23 تُعيدنا الى إنبائهم بالحُكْم الذي أصاب إسرائيل أخيرًا، وهذا ما يُرجعنا إلى 1 مل 14: 15-16 الذي هو امتداد لقول أحيا ضدّ يربعام. إذًا نجد هنا الصورة الأساسية: إِنباء وتحقيق. ولكنّ للانبياء دورين آخرين نقرأهما في آ 13: نبّه يهوه علنًا إسرائيل ويهوذا، بواسطة كلّ الانبياء والرائين: "توبوا عن طرقكم الشريرة واحفظوا الوصايا... التي أوصيت بها آباءكم والتي أوصلتها إليكم على ألسِنة عبيدي الأنبياء". إذًا نحن أمام نداء إلى التوبة، لا نجده في سائر نصوص كتاب الملوك، بل عند الأنبياء الكتبة. وعلى الأنبياء ان ينقلوا متطلّبات يهوه التي أوصى بها الآباء، وغيرها من المُتطلّبات (رج تث 18: 15).
5- هذه التأمّلات تمتّد في نهاية ف 17 (آ 34- 40)، في مقطع يرتبط بصعوبة بما سبق. فهو يتجاوز ما قاله الأنبياء، ويرجع إلى العهد الأوّل مع يعقوب. ثلاث مرّات يردد هذه العبارة: لا تتقوا آلهة غريبة. هذا الملّخص هو عرض عن تعليم العهد: تذكير بالتاريخ، متطلّبات، مواعيد، دعوة إلى حفظ العهد. ما يُلفت النظر هو أنّ متطلّبات هذا العهد تبدو وكأنها كُتبت بيد الله. هذا الملحق إذًا، يُكمّل ما قرأناه في آ 7، 14، ولكنّه لا يهتم إلاّ بعبادة الآلهة الغريبة، ويترك ذنوبًا تساوي بأهميّتها هذا الذنب الأساسي الذي يُعارض الوصية الثانية.
6- من الواضح أنّ هذا النصّ، يقدّم لنا رصيد تاريخ مملكة الشَمال. هو يُعيدنا إلى 1 مل 14: 15-16، إلى بداية هذا التاريخ، فيجعله كلّه في إطار مؤلَّف من إعلان الحُكْم والتثّبت من تحقيقه. إنّ الكاتب يحكُم على مملكة الشمال التي كانت مُحاولة سلبية، لأنّ يربعام حملها منذ البداية وزرين ثقيلين: عبادة الآلهة الغريبة، تشكيك في سُلالة داود التي يكفلها عهد إلهي. ولكن ما نفهمه هو أنّ هذه المملكة، المُقصاة منذ البداية، إمتدّ عمرها أكثر من 200 سنة. إذًا نظرة التاريخ هنا هي نظرة جزئية، وهي تحتاج إلى محاولات أخرى، لتُعطي حكمها على تاريخ مملكة الشمَال.
7- نحن أمام رصيد، بل أمام تهيئة لما سيلي، لأنّنا نجد توبيخًا لمملكة يهوذا أيضًا. فالحُكْم على منسّى (3:21-9، 15) الذي يُهيمن على كلّ نهاية تاريخ يهوذا، يستعيد كلمات هذا النص. والاتهام ضدّ كلّ بني إسرائيل (17: 8) الذين اتبعوا عادات الأمم الذين طردهم يهوه من أمام وجههم، هو جوهر ما سيلوم به الكاتب منسّى. وهكذا فالتاريخ الفاجع للمملكتين يتركّز حول شخصيتين، يربعام ومنسّى. وكلّ هذا تعبر عنه اللمحات عن ملوك الشمال، وسلسلة التنبيهات التي تحكم على منسّى.
هذا ما نعنيه عندما نتحدّث عن لاهوت التاريخ في كتاب الملوك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM