الفصْل السَّابع: المملَكَتَانِ العَدُوّتَان

الفصْل السَّابع
المملَكَتَانِ العَدُوّتَان
14 : 21 – 6 : 28

أ- المُقدّمة
ا- يتكوّن هذا الفصل من لَمَحَات متوالية وناشفة عبئ ملوك يهوذا وإسرائيل. فهناك أولاً ثلاثة ملوك ليهوذا عاصروا يربعام، هم: رحبعام (14: 21- 31)، أبيام (15: 1- 8)، آسا (15: 9- 24). وهناك ثانيًا ستة ملوك لإسرائيل سيتعاقبون في أيّام آسا، هم: ناداب (15: 25، 26، 31)، بعشا (15: 27، 33، 34؛ 16: 1- 7)، ايلة (16: 8- 14)، زمري (16: 15- 20)، عمري 16: 21- 28) ومزاحمه تبني.
2- عَبْرَ هذه اللَمَحات يبرزُ تيّاران مُتعارضان. ففي يهوذا تَدَرُّج نحو الأحسن: من رحبعام الذي لم يعرف عهده إلاّ الفَشَل (إنفصال قبائل الوسَط، ألاجتياح المصريّ)، نصل إلى آسا الذي ينجح في إبعاد خطر إسرائيل عن يهوذا. أمّا في إسرائيل فتدرُّج نحو الأسوأ: إنحطاط على المُستوى الدينيّ، لأنّ السلسلة تصل بنا إلى آحاب أسوا كلّ الذين سبقوه (16: 30)، انحطاط على المُستوى السياسيّ: بعد الانقلابات المُتعاقبة (5 ملوك في 45 سنة)، بدأت حرب أهليّة حقيقية، فتبع نِصْفُ الشعب تبني والنِصْف الآخر عمري. وهذا التاريخ المُبَلْبَل تُهيمن عليه كلمة الله بواسطة الأنبياء. بعد احيا يأتي ياهو بن حناني الذي يُطلق حكمه على سُلالة بعشا (7:16). كانت الحرب مُتواصلة بين المملكتين، ولكن سَتهدَأُ الأمور، حين تتحالف مملكة إسرائيل مع الفينيقيين (16: 31)، ومملكة يهوذا مع الآراميين (15: 18- 20)، فيَتمُّ التوازن.

ب- تفسير الآيات الكتابية (14: 21- 16: 28)
(آ 14: 21- 31) حكم رحبعام في يهوذا. أجل، إنقسمت يهوذا عن إسرائيل، وتكوّنت مملكتان متعاديتان. صنع يهوذا الشرّ في نظر الرب، فاستحق غارة الملك شيشاق على أرضه.
ما كانت خطيئة يهوذا؟ أقاموا المشارف (ألمعابد على التلال العالية، ونسُوا المعبد الوحيد في أورشليم) والأنصاب (حجار واقفة تدلّ على الآلهة الذكور) والأوتاد (أو اشيرة، وهي تدلّ على الإلهة الأنثى) على كلّ تلّة عالية، وقُرْبَ كلّ شجرة خضراء، ومارسوا أيضا البغاء المكرّس قرب هذه المعابد الكنعانية.
جاء شيشاق ملك مصر (945- 924) إلى ارض كنعان، وقصد أورشليم. لم يذكر الكاتب المُلهم سائر مُدُن الشمَال، بل اكتفى بذكر الهيكل وكنوزه التي سُلِبَت، لأنّ الهيكل يحتفظ بتقاليد بني إسرائيل ويُنعش آمالهم: إن هو سَلِمَ سلموا، وإن هو زال زالوا.
(آ 15: 1- 8) حُكم أبيام في يهوذا: في السنة الثامنة عشرة ليربعام... مَلك أبيام... ما تزال المملكتان مملكة واحدة، والعهد بينهما وبين الله واحد.
خطىء أبيام مثل أبيه، فلم يَدُم ملكه إلاّ ثلاث سنين. ولكنّ العِقاب لا يصل إلى السُلالة الملكية، إكرامًا لداود الذي لم يُخطىء إلا مرّة واحدة في حياته.
عن الحرب بين أبيام ويربعام يكتب 2 أخ 13: 2- 20 خبرًا قريبًا من المدراش.
(آ 9-15) آسا وإصلاحه الدينيّ. صنع القويم في نظر الرب كداود أبيه. أزال الأصنام، ولكن بقيت المشارف، فلم يكن الإصلاح كاملاً. نزع عن أمّه لقبها الملكيّ "ألسيّدة الأولى" التي كانت تتمتع به على غرار نساء مصر وأشور، فاستحق بذلك ثناء المؤرّخ الاشتراعي.
عشتاروت إلهة الحُبّ والخِصْب، وكانت تُمثَّل بالأوتاد المكرّسة.
وادي قدرون يقع بين أورشليم وجبل الزيتون.
(آ 16-22) آسا وحربه مع بعشا ملك إسرائيل. ألرامة في بنيامين، تبعُد 9 كم إلى الشمال من أورشليم. حاول بعشا أن يضمّ إلى مملكته أرض بنيامين.
أخذ آسا الفضّة والذهب (وهل بقي منها الكثير بعد الذي أخذه شيشاق رج 14: 26)، وقدّمه إلى بنهدد الأول ملك دمشق الآرامية، ليقطع علاقاته ببعشا ويُعاهد آسا.
ألمُدُن المذكورة هنا (عيون، دان، آبل بيت معكة، كناروت)، تقع في شماليّ مملكة إسرائيل.
ترصة هي عاصمة مملكة إسرائيل حتّى تأسيس السامرة (16: 24). يقول نش 6: 4 عن حبيبته إنّها جميلة مثل ترصة.
وقوَّى آسا حدوده، فحصّن جبع والمصفاة (13 كلم إلى الشمَال من أورشليم).
(آ 23-24) رج 2 أخ 16: 11-14، لَمْحَة عن آسا ملك يهوذا. يورد 2 أخ 12:16 أنّه لمّا مرض لم يلجأ إلى الربّ، بل إلى الأطباء (رج سي 38: 1-15 عن الطِبّ والأطبّاء).
(آ 25-32) ناداب مَلِكُ إسرائيل. عمل الشرّ في نظر الربّ، لهذا ثار عليه بعشا، وأخذ المُلكَ منه، وأهلك كلّ نسله، حسب ما قال أحيا الشيلوني.
جبتون هي مدينة من دان (يش 19: 44؛ 23:21)، كانت في يد الفلسطيين، وظلّت منيعة رغم ما فعله بها داود. وسيُحاصرها أيضًا جيش إسرائيل (15:16).
(آ 16- 34) بعشا مَلِك إسرائيل. صنع الشرّ مثل يربعام. ألعِبارة تتردّد مع كلّ ملوك إسرائيل.
(آ 16: 1-7) كان بعشا ملكًا عظيمًا، إلا أنّ الكاتب المُلهم، لم يذكر شيئًا من تلك العَظَمة. حاول بعشا أن يضع يده على أجزاء من أرض يهوذا، إلا أنّ ملك يهوذا استعان بهدد ملك آرام.
وجاء إلى بعشا النبي ياهو بن حناني، وكلّمه كما كلّم احيا يربعام (7:14- 11): رفعتك عن التراب، وجعلتك قائدًا لشعبي، فسلكت في طريق يربعام... فالعِقاب سيأتي.
(آ 8-14) أيلة مَلِكُ اسرائيل... تمرّد عليه زمري. قتله وقضى على نَسْله، فتمّ بذلك قول الله بلسان النبيّ ياهو.
هي المرّة الثانية، يُقتَل فيها المَلِكُ في إسرائيل، وسيُقتل أيضًا خمسة ملوك قبل سقوط السامرة.
(آ 15-22) ومَلَكُ زمري على إسرائيل 7 أيّام، إلا أنّ الجيش نادى بعمري ملكًا، وذهب يحاصر زمري في ترصة. لما أُخذت المدينة، أحرقَ زمري نفسَه ومات بسبب خطاياه. ولكن قام من يُعارض عمري وهو تبني، فانقسمت البلاد شطرين، إلاّ أنّ عمري تغلّب على تبني وقتله.
هي المرّة الأولى يُذكر فيها عمري الذي كان رجلاً مغمورًا ومن عيلة وضيعة. صنع نفسه بنفسه، وتولى قيادة الجيش بكفاية ومهارة. جعلوه ملكًا يوم كادت زمام الأمور تُفْلِتُ من الدولة.
(آ 23-28) عمري مَلِكُ إسرائيل هو الذي بني السامرة على تلّة وسط منطقة خَصْبة، تبعد 10 كلم إلى الشمال الغربيّ من شكيم. إنّ النبيّ أشعيا سيُسميّ السامرة: ألمدينة التي بشكل تاج، والتي تُهيمن على الوادي الغنيّ ببهائها المجيد (اش 28: 1).

ج- ملاحظات حول الفصل السابع
1- يُحدّثنا المؤرّخ الاشتراعي عن عمري ببضعة كلمات، وهو الذي فعل الشرّ في نظر الربّ. ولكنّ المراجع التاريخية، تُقابل بين وَضْع المملكة حين ملك والحرب الأهليّة مسيطرة، وَوَضْعها حين سلّمها قوية ثابتة لابنه آحاب. هناك كتابة في موآب، تُعلن أنّ عمري اجتاح أرض موآب ووضع يده على قسم منها. هذا يعني أنّه كان ملكًا قويًا ومعروفًا، وما يُسْنِدُ قولنا هو أنّ الوثائق التاريخية، ظلّت تتحدّث عن إسرائيل، كأنّها أرض عمري حتى سقوط السامرة بيد سرجون الثاني سنة 721 ق. م. أمّا مِسَلّة شلمنصّر السوداء، ألمؤرّخة سنة 842 ق. م.، فهي تُحدّثنا عن مَلِكِ إسرائيل الذي دفع الجِزية لإسرائيل، وهذا الملك هو ياهو بن عمري. يالَسُخْرية القَدَر حين نعرف أنّ ياهو قَتَل يورام ابن حفيد عمري (2 مل 24:9).
2- ألحُكْم على عمري نَمُوذجيّ بمحتواه، ولكنّه جدير بالاعتبار بسبب الشراسة التي يعبّر عنها، وهو قريب من الحكْم على يربعام. لماذا يُعامل الكاتب عمري بعُنْف، وهو يبدو وكأنّه لا يهتمّ به؟ لأنّه مُؤسس سُلالة تُعارض كلّيًا النظرة الاشتراعية. مع يربعام كانت مُحاولة لشقّ وحدة الشعب الدينية، بحيث لم تعُد المملكتان تعتبران أنّهما شعب واحد. وخطيئة عمري أنّه أدخل نظرة عن الملكية، تعتبر نفسها بمنأى عن تقاليد العَهْد، وحرّة في تبديلها كما تشاء. وهذا يعتبره المؤرخ الاشتراعي أكبر تهديد للعَهْد. فإن نجح عهد عمري، فهذا يعني في نظر المؤرخ الاشتراعي أنّ مثال العهد، سيَذبل ويزول تدريجيًا. وهكذا صوّر الكاتب عمري وسُلالته على أنهم أشرار بصورة خاصة.
3- والأنبياء الذين هم قواد ومتكلّمون ومُعارضون لسلطة الملك، صُوِّروا كوارثين لتقليد العهد. ويعتبر الكاتب ان إيليا هو موسى آخر الايام الذي دعاه الله ليُحامي عن جماعة العهد، والني الموعود به في سِفْر التثنية 18: 15-22، والأهميّة التي يُعلّقها الكاتب على هذه المسألة، تبرز في أنّه يُخصص ستة فصول للمَلك أحاب، ولعلاقته بالنبي إيليا.
4- في كتاب الملوك، يبرُز ملكان يَتميّزان عن الآخرين. يبرُز سليمان كمؤسسّ لهيكل أورشليم، ويبرُز آحاب كمعارض لإيليا. والمؤرخ الاشتراعي، عَبْرَ مُعالجته لهذين الملكين، يريد أن يُشير إلى الأمثولتين اللتين يريد أن يُعلّمنا إيّاهما من تاريخه: إن إسرائيل يحتاج إلى معبد واحد، إليه يقدّم الشعب ولاءه الدينيّ، ومن خلاله يُعَبِّر عن عبادته ليهوه. ثمّ إن تقاليد العهد مقدّسة، وهي تفرض على الجميع أن يخضعوا لها، من الملك إلى أوضع شخص في المملكة. يرى المؤرخ أنّ الشريعة المتضمّنة لتقليد العهد، تحتاج إلى تغييرات على مرّ الزمان، ويُؤمن أنّ الله يُلبّي هذه الحاجة، بإرسال أنبياء يملأهم من روحه. فلا يحقّ لأحد، ولو كان الملك، أن يُبدّل الشريعة أو يضعها جانبًا. من خلال الحديث عن مُلْك سليمان، إستخلصنا أمثولة المعبد الواحد، وسنَتبيّن علاقة الملك بتقاليد العهد، من خلال الصِراع بين المَلِك آحاب وإيليا رَجُلِ الله

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM