الفصْلُ الثالِث: إنشاءَات البنَاء في عَهْد سُليمان

الفصْلُ الثالِث
إنشاءَات البنَاء في عَهْد سُليمان
5 : 1 – 7 : 51

أ- المُقدّمة
ا- ويعود الكاتب إلى عظَمَة سليمان وحِكمته وشُهرته (5: 1- 14)، ثُمّ يحدّثنا عمّا قام به من بناء: ألهيكل وكلّ أدواته، ألقَصر وسائر المُدُن، وأخيرًا الأسطول الذي راح إلى البعيد، يحمل الغنى إلى مملكة سليمان.
2- هذه النصوص هي مديح الملك سليمان، وصورة خياليّة لأمجاده. قال الكاتب: تسلّط على جميع عبر النهر أي نهر الفرات. وهذا الكلام ينطبق لا على سليمان بل على ملوك أشور وبابل والفُرس. وجعل الكاتب أرض سليمان كبيرة جدًا، فضمّت ما نسميه اليوم فلسطين وسوريا بمَا فيها دمشق، وهذا أمر مُبالغ فيه. ثمّ إنّ سليمان لم يعد ذلك القائد الحكيم فحسب، بل صار فيلسوفًا من فلاسفة زمانه، وعالمًا كبيرًا جدًا وشاعرًا مُجلّيًا.
ب- تفسير الآيات الكتابية
1- حِكمة سلمان وشُهرنه (5: 1- 14)

(آ 5: 1- 8) وتسلّط سليمان من النهر، نهر الفرات (يش 2:24- 14؛ اش 7: 20) إلى حدود مصر أو سَيْل مصر أي وادي العريش (عد 34: 5؛ يش 15: 4، 47؛ 2 مل 7:24؛ 2 أخ 8:7؛ اش 12:27). ولكنّه تسلّطُ نظريّ أكثر منه عمليّ: هذه هي بلاد إسرائيل المثاليّة.
ألكُرّ يساوي 350 ليترًا. ألآكلون على طاولة الملك، يتراوحون بين 4000 و 20000 شخص. بلاد عبر الأثر تدل على المنطقة الواقعة بين نهر الفرات والبحر المتوسط في التنظيم الأشوري والبابلي والفارسي. ولذلك نحن هنا أمام تضخيم لسلطان سليمان.
يشدّد النصّ على السِلْم في عهد سليمان (آ 4)، بدل الحرب في عهد داود، فكان كلّ واحدٍ مُطمئنًا تحت كَرْمته وتينته (مي 4:4؛ زك 3: 10).
من دان إلى بئر سبع، هذه هي الحدود الواقعيّة لمملكة سليمان (قض 20: 1 ؛ 1 صم 3: 20؛ 2 صم 11:17؛ 2:24).
(آ 9- 14) ويُدخِل الكاتبُ سليمانَ في عالم الأسطورة، فيُصوّره لنا كأحكم الحكماء: حِكْمة، فَهْم، سَعَةُ الصدر، وكلّ هذا علامة الحاكم الناجح.
أهل المشرق هم قبائل بدو تتحرّك شرقيّ الأردن وجنوبه، وقد اشتهرت بحُكمائها. منها أدوم التي يمتدحها الكتاب أيضاً في ار 7:49 ؛1 صم 30: 1 ؛ 31: 1.
إيتان الازراحي أي ابن الأرض، ويُنْسَبُ إليه مز 89. أبناء ما حول هم الجوقة.
يتحدّث الكاتب لا عن الحكمة في القضاء والإدارة والسياسة بل عن الحكمة التي تدرس مناحي الحياة البشرية، والسُبُل التي تجعلها سعيدة.
قال ثلاثة آلاف مثل. يَنْسُب الكتاب المقدس إلى سليمان ما يزيد قليلاً عن 500 مثل، كما ينسُب إليه مز 72، 127. ويعتبر الكاتب الملهم أنّه الفَّ نشيد الأناشيد والجامعة والحكمة... أترى جمعت مرّة أولى في زمانه فنُسِبَت إليه؟
وتكلّم في الشجر... هذا الفن الأدبيّ الحكميّ ازدهر في بلاد ما بين النهرين ومصر، فجعل على المسرح أمامنا، ألحيوان والنبات، ولم يصل إلينا إلاّ قليل منه في التوراة (قض 8:9-15؛ 2 مل 9:14؛ 1 صم 6:6-8؛ 19:30، 25-31).
ستدخل حكمة سليمان في عالم الأسطورة، وسيقول فيه يوسيفوس المؤرِّخ اليهوديّ: لم يجهل شيئًا من حيوان الأرض والماء والهواء، لم يترك شيئًا إلا وبَحَثَ فيه. ومنحه الربّ فنًّا لمحاربة الشياطين، فترك عبارات تعويذ ليُقيّد الشياطين ويطردها فلا تعود بعد.
2- ألاستعداد لبناء "البيت" أي الهيكل (5: 15- 32)

(آ 5: 15- 20) كان بناء الهيكل بالنسبة إلى كاتب الملوك أهمّ عمل قام به سليمان، ولهذا ذكره قبل كلّ شيء، وجعل الملك يستعدّ طويلاً لبنائه. فاتصل بحيرام ملك صور لهذه الغاية.
لم يتأكّد المؤرخون من اسم حيرام (تصغير احيرام). هل هو حورام أو حرام؟ هل كان ملك صور أم ملك جُبيل؟
لم يقدر داود أن يبني بيتًا لاسم الرب. هذا الكلام هو صدىً لكلام ناتان، يوم زَارَ داود الذي عبّر عن أمنيته في أن يبني هيكلاً للربّ (2 صم 7: 1- 16). وحدّثنا المؤرّخ الاشتراعي عن اسم الربّ، وعن الهيكل الذي هو المكان الذي اختاره الله خارج كلّ القبائل، ليُسِكن فيه اسمَه (تث 12: 5). ألاسم يدلّ على حضور الله الخفيّ. ويتجنّب المسألة المطروحة لدى العبّاد الذين يعتبرون أنّ الله يُقيم في الهيكل. غير أنّ الهيكل يُبْرِزُ حضور الله، فعلى الشعب الذي يعيش الله في وسطه، أن يتجاوب مع هذا الحضور، بالسَيْر حَسَبَ وصايا الله.
ألصيدونيون هم الفينيقيون إجمالاً. والعاملون في الهيكل سيكونون كالعبيد، يُسخَّرون ولا تُعطى لهم أجرة. أمّا الصّناع الصيدونيون فيحصلون على أجرتهم من الملك سليمان.
(آ 21- 26) فأجاب حيرام طلب سليمان موافقًا، وتنظّم العمل: قدّم حيرام لسُليمان خشب الأرز والسرو، فقدّم له سليمان الحِنْطة والزيت.
(آ 27- 32) قدّم حيرام الصُنّاع الماهرين، وقدّم سليمان العمال الذين سخّرهم من كلّ إسرائيل. سيقول 9: 20- 22 إنّ سليمان لم يسخّر إلاّ الأمم الذين أخضعهم العبرانيون، أمّا بنو اسرائيل فأعفوا من عالم السُخْرة. والواقع أنّ أعماله كَثُرت جدًا، فسخّر كلّ إسرائيل، وهذا كان السبب في ضُعْف شعبيته في أواخر حياته. قال الشعب لرحبعام ابنه: أبوك ثقّل نيرنا (12: 4)، وهم يَعْنُون بذلك الضرائب وأعمال السُخْرة.
3- بناء الهيكل (6: 1-38)

(آ 6: 1) في سنة 480 بعد الخروج. إذًا بين الخروج وبناء الهيكل 12 جيلاً، وكلّ جيل يتضمّن 40 سنة. أمّا السبعينية فتقول: 11 جيلاً. ويبدو أنّ الهيكل بُنيَ حوالي سنة 965 ق. م. ارتبط اسم الله بشعبه في الخروج، فارتبط الآن بهيكله.
شهر زيف هو شهر الزهور عند الكنعانيين، وهو يقابل شهر أيار في الروزنامة البابلية التي أخذ بها العبرانيون بعد رجوعهم من المنفى. وحُفِظت لنا أيضاً أسماء ثلاثة أشهر كنعانية: أبيب أو شهر السنابل (خر 13: 4؛ 23: 15؛ 34: 18؛ تث 16: 1). بول أو شهر الأمطار الغزيرة (6: 38)، إيتانيم أو شهر المياه الجارية (8: 2).
صم يكن هيكل سليمان أوّل معبد لإسرائيل، بل كان هناك معابد متنقّلة، ومنها شيلو الذي ظلّ واقفًا حتى القرن السادس ق. م. أمّا الجديد في هيكل سليمان، فعظمته بسبب حضور الله وسط شعبه، وإقامة الملك في أورشليم. وهكذا كان رباط بين الهيكل وبين سُلالة داود، بين بيت يبنيه داود، وبيت (أو سُلالة) يُقيمه الله. واتخذ العهد وجهًا جديدًا، فصار الهيكل والسُلالة الملكية رمزين هامّين، يدلّ الأوّل على حضور الله الخفيّ، ويدلّ الثاني على دور الله ليحُكم الأرض. سيكون يسوع الهيكل الحقيقيّ، والمسيح ابن داود.
أراد سليمان أن يجعل أورشليم عاصمة تليق بإمبراطور عظيم، وتكون شبيهة بسائر عواصم العالم. وكان الإيمان عُنْصُر توحيد، والهيكل مركزًا دينيًا يجلُب القبائل إليه ويوحّدها. وسيعمل يُوشيا على هدم كلّ المعابد في يهوذا، ليدلّ على استقلاله عن كلّ سلطة سياسية. ولكنّ المؤرخ الاشتراعي سيعتبر هذا العمل تخلّصاً من العبادات الكنعانية الممقوتة لديه. وهكذا يصير الهيكل نمُوذج الإيمان بالله، وممارسة وصاياه.
هيكل سليمان بناء مطاول يمتدّ على ثلاث قاعات: ألرواق، ألدار، ألمعبد. طوله: 27 مترًا. عرضه: 9 أمتار. علوه: 12 مترًا. لم يكن الشعب بحاجة إلى بناء كبير، لأنّه كان يُصلّي خارجًا.
(آ 2- 10) وصف الهيكل. بُنيَ حسب الهندسة الفينيقية، وحاول سُليمان أن يجعل منه قِمَّة عهده جمالاً وعَظَمةً.
(آ 11- 14) هذه الآيات التي تعود إلى نبؤة ناتان (2 صم 13:7- 16)، زيدت فيما بعد، ولهذا لا نقرأها في النصّ اليوناني. زادها المؤرّخ الاشتراعي ليستخلص من تاريخ شعبه تعليمًا أدبيًا وروحيًا.
(آ 15- 22) ونعود إلى داخل المعبد: كلّ شيء غُطيِّ بخشب الأرز المشغول، والمَطْليّ بالذهب. وهيأ سليمان المكان الذي يُوضع فيه تابوت العهد. ارتبط الهيكل بتقاليد يهوه في حِلْف القبائل التي اجتمعت حول التابوت هذا. لا شكّ في أنّ الهيكل بُني حسب هندسة فينيقية، ولكنّه عاد في أصوله إلى أقدم التقاليد القَبَليّة.
(آ 23- 28) ونقَلنا الكاتبُ المُلهم إلى قدس الأقداس، كما إلى قصر يُقيم فيه سيّده، وعلى باب هذا القمر "كَروبان"، واحد من كلّ جهة. ألكروب هو رأس الانسان بجسم حيوان مجنّح على مثال الكريبو الأشوري في سِفْر الخروج كان الكَروب حارس تابوت العهد (خر 8:25- 10)، ولكن لا ننسى أنّ الوصف الذي نقرأه فيه، يعود إلى التقليد الكهنوتيّ، وهو متأثّر بالتُراث البابلي الذي تعرَّف إليه العبرانيون في زمن المنفى.
(آ 29- 36) وزاد الكاتب تفاصيل أخرى لتجميل البيت: ألباب، ألرواق، ألجُدران...
(آ 37- 38) وعاد الكاتب فذكّرنا متى بدأ الملك ببناء بيت الرب، ومتى انتهى منه: بعد سَبعْ سنوات من العمل.
4- قصر الملك وآنية الهيكل (7: 1- 51)

(آ 7: 1- 12) ويروي لنا الكاتب بناء قصر سليمان الذي كان قريبًا من الهيكل، بل كان الهيكل قِسْمًا منه. ولكنّ المُؤرخ الاشتراعي يهمّه الهيكل بالدرجة الأولى، لهذا أفرد له كلّ هذا الكلام.
بيت غابة لبنان كان مبنيًا على 45 عامودًا من أرز لبنان، ولهذا سُمّي كذلك.
(آ 13- 14) وجاء الملك بحيرام (أو حورام كما يقول 2 أخ 16:4)، وهو صُوريّ، أمّه من قبيلة نفتالي (ويقول 2 أخ 2: 13 إنّ أمّه كانت من قبيلة دان). صفاته ثلاث: حِكْمة، فَهْم، معرفة في صَنْعَتِه.
(آ 15- 25) عمودا النحاس وما يُزيّنهما.
(آ 21- 22) عمودان في الرواق. ألعمود الأيمن (أي من جهة الشمَالّ) اسمه ياكين أي ثابت، والعمود الأيسر (أي من جهة الجنوب) اسمه بوعز أي القويّ.
(آ 23- 26) وصنع "البحر" أي الحوض الكبير الذي يغتسل فيه الكهنة، قبل القيام بالعمل الكهنوتي (2 أخ 4: 6).
(آ 27- 37) ألقواعد العشر.
(آ 38- 39) عشر مغتسلات. ألبَثّ يُساوي 1400 ليتر.
(آ 40- 47) وذكر الكاتب حيرام الصانع الماهر، وذكر كلّ ما صنعه من أجل هيكل الربّ. أين عمل؟ في منطقة الأردن السفلى. سكوت تقع شمالي ببوق (نهر الزرقاء الحديث). صرتان: تقع على ضِفّة الأردن اليُمنى.
(آ 48- 51) وصنع سليمان كلّ هذا إكرامًا للرب، وجاء به إلى بيت الربّ. صنع نوعين من الآنية: ما هو من النُحاس، وما هو من الذَهَب والفِّضة.
خُبز الوجوه أو خُبز التَقدِمة: 12 رغيفًا توضع أمام الربّ، وتُبدّل كلّ أسبوع ( لا 5:24-9).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM