القِسمُ الأوّل: الملك سُليمَان

سِفرُ المُلُوك الأوّل

القِسمُ الأوّل
الملك سُليمَان
1 : 1 – 11 : 43

1- قَسَمنا كتاب الملوك ثلاثة أقسام: ألملك سليمان، ألمملكتان حتى زوال السامرة (سنة 722)، مملكة يهوذا حتى الذهاب إلى المنفى (سنة 587).
في هذا القِسم الأول، نُرافق سليمان يوم صار ملكًا على إسرائيل، بعد أبيه داود. (1: 1-2: 46). أُعْلِنَ ملكًا فتخلّص من أعدائه: قتل أدونيا ويُوآب وشمعي، وجعل أبياتار الكاهن في الإقامة الجبرية. ثمّ نتعرّف إلى سليمان وإلى أعماله. نتوّقف عند عظمته (ف 3-4): في زواجه بابنة فرعون زواجًا عظّمه في أعين الناس، وفي تقواه وحُكْمِه الصائب، في موظّفيه الكبار وقُدرته وحكمته وشُهرته. ثمّ نجول على أعماله في مجال البناء (ف 5-9): بنى الهيكل وجهّزه، وبنى القصر الملكيّ، وكثيرًا من المُدُن، تحالف مع حيرام الصيدوني من أجل هذا العمل. ولما دشّن الهيكل، ظهر له الربّ فباركه وبارك شعبه. كان سُليمان عظيمًا، ولكنّه كان ضعيفًا أيضًا (ف 10- 11). كان عظيمًا فعرف الشُهرة بغناه، فأرسل أسطوله إلى أوفير، وجاءته ملكة سبأ من أقصى الجنوب الغربيّ تزوره. وكان ضعيفًا بسبب نسائه العديدات، فمِلنَ به عن عبادة الله الواحد، وكثرت عليه الصعوبات من الخارج ومن الداخل، وكان أهمّها ثورة يربعام التي ستنفجر بعد موته، فتَقْسِمُ المملكة قِسمين. وبعد أن ملك أربعين سنة، تُوفي سليمان فدُفن في مدينة داود مع آبائه.
2- يبدو ف 1-2 نهاية مُلْك داود ومدخلاً لمُلْك سليمان، وهما قريبان مما نقرأه في 2 صم عن خلافة داود. وفي 2: 2-4 نتعرّف إلى الخط الاشتراعي في انتقال السُلطة. قال داود في وصيّته لابنه سُليمان: سأترك هذه الدنيا، فتشجعّ وكنْ رجلاً. كن أمينًا للربّ إلهك، واسلُك في طريقه، واحفظ فرائضه وأحكامه ورسومه، على ما هو مكتوب في شريعة موسى، لتنجحَ في كلّ ما تقوم به من أعمال. وهكذا يُحقّق الربّ كلامه حين قال لي: إن حفظ بنوك طريقهم قويمًا، وسلكوا أمامي بالحقّ، سيكون منك دومًا رجل على عرش إسرائيل. (رج تث 31: 1-10؛ يش 23، 1 صم 12). وهكذا يُدخلنا هذا المقطع في بداية مُلك سليمان.
3- وتنقسم ف 3- 11 قِسمين متقابلين، ويُدشَّن كل قسم برؤية يُنْعِمُ بها الربّ على الملك سليمان. ألرؤيّة الأولى في 3: 2-15 وكلّها لصالح سليمان، والرؤية الثانية في 9: 2-9 وهي لا تتضمّن إلا كلام التهديد. أما الموازاة بين القسمين فواضحة في النصّ: تجلّى الربّ لسليمان مرّة ثانية، كما تجلّى له مرّة أولى في جبعون. ولهذا فالقسم الأول لا يحدّثنا إلا عن نجاح سُليمان في أعماله، والقِسم الثاني يُورد اخطاءه وفَشَله اللاحق لهذه الأخطاء. غير أنّنا نجد في القِسم الثاني امتدادًا لما قرأناه في القِسم الأوّل، كبناء القصر مثلاً (7: 1-12؛ 10 : 16- 21). في الحالتين، يكلّمنا النصّ عن حكمة سليمان الخارقة (5: 9-14؛ 10: 1-13). وكلّ هذه العناصر المشتركة بين القسمين، تتوزّع حول ف 8 الذي يُحدّثنا عن بناء الهيكل وتدشينه، فيُشكّل قِمّة في حياة الملك سليمان بل في تاريخ بني إسرائيل. بعد هذه القِمّة، سينحدر سليمان وسينحطّ بعده ملوك يهوذا وإسرائيل.
4- موضوع هذا القِسْم هو الحكمة، ينبُوع كلّ خير في الشعب (ف 3- 5)، وأساس كلّ غنى ونفوذ للأمّة (ف 10) . الحِكمة صفة خاصّة بسليمان، وستزول ككلمة من الكتاب بعد 11: 41. ووقتَ توجدُ الحكمة، يعتبر الكاتب أن لا حاجة إلى الانبياء الذين لا يذكرهم الكتاب منذ أُعلن سليمان ملكًا. وحين يدخل النبي احيا على مسرح الأحداث في 11: 29 يكون دخوله علامة أنّ زمن الحكمة قد انقضى. وهذا ما تدلّ عليه انحرافات سُليمان ومساوماته مع الملكات الغريبات والتعبّد لآلهتهن (11: 7-8).
خان سليمان ربّه فحُكم عليه، ولكنّ العِقاب لا يُصيبه بل يُصيب ابنه (وهذا مبدأ نتحقّق منه في كتاب الملوك)، فيخسر القِسم الأكبر من مملكته، إحدى عشرة قبيلة من أصل 12. ولكي يُحافظ الكاتب على مظاهر العدالة، فهو يجعلنا نرى تفكّك المملكة في أيّام سليمان الأخيرة التي عرفت الثورات، وأهمّها ثورة يربعام.
5- بدأ المؤرّخ الاشتراعي يُبيّن لنا أنّ سليمان قدّم الذبائح على المُرتفعات (2:3-3). وأوضح لنا معنى بناء الهيكل (8 : 14 - 61) وعِقاب خطايا سليمان. وأنهى كلامه فأحالنا لمزيد من المعلومات، إلى كتاب أخبار الملك سليمان (11: 41-43). غرف الكاتب المُلهم من هذا الكتاب، فوجد الوثائق الرؤية من لائحة موظفين كلّهم من يهوذا، إلاّ موظفان مصريان ورئيس السخرة الفينيقي، ولائحة بالمدبرين الذين أوكل إليهم أن يجمعوا الاموال لدار الملك، في المقاطعات الاثنتي عشرة (7:4-19؛ رج 7:5-8).
هذه الوثائق تُقحَم في خبر طويل لمجد الملك العظيم، وتُضاف إلى ما وصل إلى الكاتب الاشتراعي من أخبار عن انقسام البلاد، بلغت إليه عبر المحيطات النبويّة، فكوّنت وحدة مبنية حول حكمة سليمان، وما قام به من بناء وما نظّمه من تجارة خارجية.
دُوّنت هذه المقاطع بعد سليمان بوقت قصير، فحوت مُعطيات دقيقة، عن الحصون التي ارتفعت للدفاع عن البلاد (9: 15-19) وعن الأسطول الحربيّ لحماية التجارة الخارجية (9: 26- 28؛ 10: 11، 28) وعن قوافل الخَيْل والعجلات (10: 28 - 29)، عن المَهْر الذي حملته معها ابنة فرعون، وقصرها في أورشليم والمعابد التي بُنيت إكرامًا لآلهة نساء الملك (9: 16، 24؛ 11: 7). هذه المعلومات تُساعدنا على فهم صورة الملك: لا أرض يحتلّها بل مناطق يُحافظ عليها من ثورات الأدوميين والآراميين. لا خوف من جهة مصر التي أقامت عهدًا مع الملك ختمته بزواج.
ولكنّ الخوف يأتي من الداخل. يربعام هو رجل من الشمال ومراقب اعمال السخرة. وإنّ قبائل الشمَال سوف تنفصل عن ملك أورشليم، لأنّه يفرض عليها نيرًا ثقيلاً. وثورة يربعام ستقود البلاد إلى كارثة، بعد أن استولى أبناء يهوذا على كلّ المغانم، وحمّل أبناء الشمَال أثقال البلاد وأعباءها. ولكنّ المؤرّخ يقول بأن السبب الأوّل للانقسام هو خطايا سُليمان وانحرافاتُه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM