كِتَابُ المُلُوك

كِتَابُ المُلُوك

المقَدّمة

1 - مدخل إلى كتاب الملوك

ونصل إلى كتاب الملوك، وهو الكتاب الرابع من الكتب النبويّة، بعد يشوع والقُضاة وصموئيل. دُوّن في مُحيط الأنبياء. هؤلاء المؤرّخون واللاهوتيون اشتعلوا بحبّ الله وشعبهم، فألقوا نور الله على تاريخ دُوِّن ولم تَنْتَهِ فُصُوله، بل لن تنتهي إلا حين يأتي المَلِكُ المنْتظر، فيُقيم ملكوت الله على الأرض، يسوع المسيح.
كان لملوك يهوذا وملوك إسرائيل أخبارهم، وإليها يُحيلنا الكاتب المُلهم. دوّنها الكتَّاب والكهنة القريبون من القصر الملكيّ، لتمجيد المَلِك والتحدّث بأعماله وحروبه، وأعمال البناء التي قام بها. أمّا التاريخ الذي يُقدّمه كتاب الملوك، فيهتمّ بأمور أخرى لا تُلفت أنظار الملوك، ويُعطي أحكامًا، لو قرأوها للاحقوا كاتبيها. وعلى سبيل المثال نذكر أنّ عهد آحاب المهمّ، لخصّه الكاتب بهذه العبارة، أخبار آحاب وأعماله: صَنعَ قصر العاج، بنى المُدُن، كلّ هذا مدوَّن في سِفْر أخبار الأيّام لملوك (1 مل 22: 39) إسرائيل، وهو يدعو القارىء إلى الذهاب إلى هذه المراجع، والتأكّد مما يُكتب. وكذا نقول عن يُوشيا ملك يهوذا الذي توفّي في مجدو، في حرب ضِدّ الهجوم المصريّ. لخّص الكاتب حياته الملوكية في ثلاث آيات (2 مل 28:23- 30)، وأطال الحديث عن الإصلاح الدينيّ في فصلين كبيرين (2 مل 22- 23).
ألحُكم الذي يُبديه على ملوك إسرائيل ويهوذا، يستند حصرًا على مستوى أمانتهم لله، وهذه الأمانة يقيسها الكاتب، بمقدار مُمارسة شرائع سِفْر التثنية: ألربّ هو الله الواحد، وهو الإله الغيور (تث 6: 15)، ولا يرضى أن يُزاحمه أحد في قلوب المؤمنين، ولا سيّمَا الملوك منهم. والمعبد يكون واحدًا، لهذا تُهدَم كلّ المعابد المبنية على المشارف (تث 12: 1- 13). ألأمانة تمنح السعادة أي وَفْر الخير على الأرض، والخيانة تُنْتِج الشقاء (تث 3:6؛ 30: 15- 20 ؛ 2 مل 7:17-23؛ 6:18-7؛ 20: 16- 19؛ 32: 20).
على ضوء هذا التعليم، حكم الكاتب على كلّ ملوك الشمال: كان يربعام الأوّل السبب في انقسام سياسيّ ودينيّ، فجعل إسرائيل كلّه يخطأ. وآحاب يقول فيه المؤرّخ: وصنع آحاب بن عمري الشرّ أمام الربّ أكثر من جميع من تقدّمه (1 مل 16: 30). ولكنّ الكارثة لن تقع في عهده بل في عهد هوشع الذي منحه الكاتب أسبابًا تخفيفيةً، فقال فيه: وعمل الشرّ أمام الربّ، ولكن لا كملوك إسرائيل الذين كانوا قبله (2 مل 17: 2). غير أنّ ساعة العِقاب دقّت بسبب كلّ الشرور التي تجمّعت في مملكة إسرائيل، منذ سنين وسنين (2 مل 7:17-23).
أمّا ملوك يهوذا العشرون، فستة منهم (آسا، يُوشافاط، يوآش، أمصيا، عزريا، يوتام) يَنْعَمون بحُكْم إيجابيّ، لأنّهم عملوا ما هو قويم في نظر الربّ (1 مل 15: 11، 22: 43)، ولكنّ هذا المديح يُرافقه تحفُّظ: ما أزالوا المعابد الوثنية المُشرفة على المدينة (1 مل 15: 14؛ 22: 44)، واثنا عشر ملكًا (رحبعام، أبيام، يُورام، أحزيا، عثليا، آحاز، منسّى، آمون يوآحاز، يوياقيم، يوياكين، صِدقْيا) يقعون تحت اللوم، لأنهم عملوا الشرّ أمام الربّ. إلا أنّ منسّى سيكون موضوع الحُكْم القاسي من قِبَل الكاتب المُلهم: إنّ منسّى ملك يهوذا، صنع هذه الأرجاس، وفعل أسوأ من جميع ما فعله الأموريّون قَبْلَه، وجعل يهوذا يخطأ بأصنامه القذرة (2 مل 11: 11؛ رج 2:21- 16؛ 26:23؛ 3:24 ي)، ويمدح الكاتب ملكين (حزقيا، يُوشيا)، فلا يتحفّظ بل يُعبّر عن تحمّسه للإصلاح الدينيّ الذي قاما به: أزالا المعابد المُشرفة وكهنتها، جدّدا شعائر العبادة. قال عن حزقيا: لم يكن بَعْدَه مثله في جميع ملوك يهوذا، ولا في الذين كانوا قَبْلَه. تعلّق بالربّ، فما مال عن السَيْرِ وراءه، وحفظ وصاياه التي أمر بها الربّ موسى. ولهذا كان الربّ معه، فأنجحه في كلّ ما قام به (2 مل 18: 5- 7). فحماه الله يوم اجتاح سنحاريب المنطقة (2 مل 19: 34)، وأطال أيّامه خمس عشرة سنة (2 مل 20: 6). أمّا يُوشيا فحصل على أعظم مديح، يتوق إليه واحد من نسل داود: "ما كان قبله ملك مِثْلَه، لأنّه عاد إلى الربّ بكلّ قلبه وكلّ نفسه وكلّ قدرته، حسب شريعة موسى، ولا قام بعده مِثْلَه " (2 مل 23: 25). فوعده يهوه قال: "تنضمّ إلى أبائك في قبرك بسلام، ولا ترى عيناك الشرّ الذي سأَجلبه على هذا المكان" (2 مل 22: 20).
ولكنّ خيانات مملكة يهوذا، ما زالت تتكدّس، فهيأت لها الدمار الذي حلّ بمملكة الشَمال. أخرّ الربّ العِقاب مرّتين، مرّة في أيام أبيام (1 مل 15: 3- 4)، ومرّة في أيام يُورام بن يوشافاط (2 مل 8: 18- 19)، وذلك إكرامًا لداود. ولكنّ الرحمة لها حدود، وستُسلَّم أورشليم إلى النار وأهلُها إلى السَبْي... ورغم كلّ شيء، سيبقى هناك في بابل، سراج مُضيء، وَعَدَ الله به داود، فلا تنطفىء تمامًا شُعْلة الرجاء من قلب المؤمنين.
2- عنوان الحب وموضعه في التوراة

هو كتاب الملوك، وهو يلي كتاب صموئيل، وقد حسبت السبعينية اليونانية والشعبية اللاتينية، أنّ صموئيل والملوك يُؤلفان كتابًا واحدًا، ولكنّ التقليد الماسوري العبراني، حافظ على الفصل بين الكتابين، رغم أنّ ما نقرأه في كتاب صموئيل عن داود، لا يَتمّ إلا في كتاب الملوك.
ثمّ إنّ كتاب الملوك كان واحدًا، ولكنّ السبعينية والشعبية قسمتاه سفرين يكادان يكونان مُتوازيين. ألسِفْر الأوّل يتألّف من 22 فصلاً، والسِفْر الثاني من 25 فصلاً. ومع أنّ هذه القسمة تحمل طابعًا اصطناعيًا (تقسم سيرة إيليا وملك أحزيا قسمين)، إلاّ أنّها انتقلت في النصوص العبرانية المطبوعة، وصار الكتاب سفرين.
1 ملوك في النصّ اليوناني واللاتيني، يُقابل 1 صموئيل في النصّ العبراني، 2 ملوك يُقابل 2 صموئيل، 3 ملوك يُقابل 1 ملوك في النصّ العبراني، 4 ملوك يُقابل 2 ملوك. أخذت ترجمة الآباء اليسوعيين القديمة مع طبعة الدومنيكان، بالتسمية اليونانية واللاتينية. ولكنّ الترجمات الحديثة من عربية وأجنبية، عادت كلّها إلى النصّ العبريّ، ونحن بدورنا، سنتحدّث عن كتاب الملوك، فنفصله عن كتاب صموئيل، ونقسمه قِسْمين: سِفْر الملوك الأوّل وسفر الملوك الثاني.
3- مضمون الكتاب

يُورد كتاب الملوك قصّة ملوك يهوذا وإسرائيل، منذ موت داود إلى منفى الشعب في بابل، وهو يُقسم ثلاثة أقسام:
ألقسم الأوّل فيه نقرأ قصّة سليمان (1 مل 1- 11). كانت موآمرات أوصلت سليمان إلى عرش داود (1 مل 1-2)، ثمّ أنشد الكاتب ملك سليمان المجيد (1 مل 3- 10) في ثلاث لوحات: الحكمة التي منحه الله إيّاها بعد صلاته، تبرز في الحُكْم على المرأتين الزانيتين، وفي تنظيم مملكته، وفي وفرة ونوعية حِكمَه وأمثاله (1 مل 3-5، 14). روعة أبْنِيَته ولاسيّمَا الهيكل، تدلّ على غناه وعظمته (1 مل 5: 15 -25:9). غناه يملأ قلب ملكة سبأ إعجابًا، وقد جاءه بفضل علاقاته التجارية بالخارج (1 مل 9: 26- 10: 36). ولكن للوحة ظلال: أعداء من الخارج، ثورة يربعام، وكلّ هذا عقابًا لمُساومات الملك مع نسائه، بشأن عبادة الآلهة الغريبة (1 مل 11).
ألقسم الثاني يسرد خبر المملكتين (1 مل 12-2 مل 17). بعد موت سُليمان انتظمت قبائل الشمال العشر في مملكة منفصلة بقيادة يربعام، ولم يحتفظ رحبعام بن سليمان إلا بقبيلة يهوذا. وتبع الانقسام السياسيّ انقسام دينيّ شجبه الأنبياء (12: 1-14: 20). ويرسم لنا الكاتب صورة عن المملكتين في سلسلة لمحات عن كلّ مَلِك، فيجعلنا ننتقل من ملك إلى معاصره في المملكة الأخرى. وتتبدّل اللهجة بعد 1 مل 17، فيتوسعّ الخبر في شخصية إيليا وحروب آحاب الآرامية. وبعد 2 مل 2 ينتقل أليشاع الى المركز الأوّل بمعجزاته وتدخّلاته في أحداث عصره، فيلب دوره في ثورة راهو التي سيتبعها انقلاب عثليا في يهوذا وسقوطها، وتنصيب يوآش (2 مل 11-12). وقبل موت أليشاع يُقْحِمُ الكاتب لمحات عن يوآحاز ويوآش (2 مل 13)، ثمّ يعود فيُجمل ما حَدَث لمملكتي يهوذا وإسرائيل (2 مل 14-16) حتى سقوط السامرة في يد الأشوريين. هذا الواقع يدفع الكاتب إلى تقديم نظرته إلى خيانات الشعب الأخلاقية والدينية التي حملت عقابها معها.
ألقسم الثالث يُحدّثنا عن مملكة يهوذا حتى الجلاء (2 مل 18-25). يتوقّف الخبر مطولاً على الملك حزقيا الذي عُرف بأمانته الدينية، وبعلاقاته بالنبي أشعيا (2 مل 18-20). ويتقدّم الكفر مع منسّى وآمون (2 مل 21)، ولكن يتبعه إصلاح قام به يُوشيا على أساس كتاب الشريعة الذي اكتُشف في الهيكل (22: 1-23: 30). غير أنّ ساعة الدمار قد دقّت لمملكة يهوذا: مصائب يوآحاز ويوياقيم، إحتلال أورشليم بِيَدِ نبوكدنصّر والإجلاء الأول في عهد يوياكين، تحرّر صدقيا ونَهْب المدينة وإجلاء ثانٍ للسكّان (23: 31-25: 21). أقام البابليون حاكمًا على اليهودية، فاغتاله المتطرّفون (25: 22-26). وينقلنا الكاتب إلى سنوات عديدة، ليُخبرنا أنّ يوياكين، سجين بابل، أُطلِق من سجنه وعُومل مُعاملة طيّبة (27:25-30).
4- ألوُجهة اللغوية في كتاب الملوك

توقف شراح الكتاب المقدس، على بعض الكلمات اللاهوتية التي تدلّ على قرابة كتابة الملوك إلى سفر التثنية. فهناك كلمات تدلّ على الوصايا وهي: "مصووت " أي أوامر، واجبات، وصايا، " مشفط " أي حُكْم، قضاء، قانون، أمر، "حقيم" أي الحقوق والواجبات، "حقوق " أي العادات والفرائض، ثمّ "مشمرت" (1 مل 2: 3؛ رج تث 11: 1) أي أمر وحَظْر ومَنعْ، "مصوه" (2 مل 34:17، 37) أي وصيّة، "عيده" أي رسم (2 مل 17: 15) "بريت" (1 مل 11: 11؛ 2 مل 17: 15) أي عهد، "توره" أي شريعة (دون ال التعريف) وناموس (2 مل 13:17-34؛ 20: 8)، "سفر هاتورة " أي سفر التوراة أو الشريعة (2 مل 22). أما "تورت يهوه" أي شريعة يهوه التي نقرأها في 2 مل 10: 31، "تورت موشي" أن شريعة موسى التي نقرأها في (1 مل 3:2؛ 18:23؛ 2 مثل 14: 6؛ 23: 25)، فلا نجد لهما ذِكْرًا في سفر التثنية الذي يستعمل " دبريم " أي كلمات.
وهناك كلمات تدلّ على الخطيئة. فجذر "خطىء" يَرِدُ كثيرًا في كتاب الملوك. يَردُ الفِعْل المجرّد 14 مرّة (5 مرات في تث، 12 في ار)، وصيغة جعله يخطأ 24 مرّة، والاسم في المفرد 12 مرّة (4 مرّات في تث، 6 مرّات في ار)، وفي الجمع 22 مرّة. ثم نقرأ الجِذْر "كعس " بمعنى أغاظ، كدّر 17 مرّة (5 مرّات في تث، 11 في ار).
والكلمة الأساسية في تث، هي "بحر" أي اختار. تَرِدُ 30 مرّة في تث، 11 مرّة في كتاب الملوك.
وهكذا يستعمل كتاب الملوك مُفردات من سِفْر التثنية، وهذا يعني أنّ أسفار الملوك وإرميا والتثنية هي من عَصْر واحدٍ ومن تيار لاهوتيّ واحد.
5- مراحل تدوين كتاب الملوك

توقّف الشراح عند كتاب الملوك، فاستخلصوا مُلاحظتين مهمّتين. الأولى: أفاد كاتب سِفْري الملوك من مراجع مدوّنة، وهذا أمر يُعلِنُه بوضوح، فيُحيل القارىء إلى حَوْليّات (أو أخبار) ملوك يهوذا وإسرائيل. الثانية: حُرِّر الكتاب مرّتين: مرّة أولى قبل زوال مملكة يهوذا، أي بين السنتين 597-587، ومرّة ثانية بعد 561، وتلطيف الحالة التي يعيش فيها يوياكين. هذا لا يعني أنّه لم يكن هناك لَمَسات أخيرة، ولكنّنا نستطيع القول إنّ القِسم الأكبر من الكتاب، دُوّن في هاتين المرّتين.
أ- التدوين الأخير
إنّ الكاتب الذي أعطى الكتاب وجهه النهائي، قد دوّن الفصل الأخير من الكتاب، ليُفَسّر لماذا أُخذت أورشليم على يد الكلدانيين. كما دوّن كلّ العبارات التي تحكم على مملكة يهوذا. ألقول في 2 مل 21: 10- 15، وترديده في 2 مل 22: 16- 20؛ 23: 26- 27؛ 24: 2- 4، خَيرُ شاهد على ذلك.
وعاد الكاتب إلى لاهوت الثواب والعِقاب، ولكنّه نوعّ رأيه، فأورد المقاطع المُزعجة التي تضع على المِحكّ هذا اللاهوت: موت يُوشيا، إستسلام حزقيا، ألفترة الطويلة التي تفصل الحُكْم على يهوذا (2 مل 21: 10)، وتنفيذ الحُكْم. ويُحاول أن يُفسّر بعض الوقائع: موت يُوشيا الملك التقيّ (2 مل 26:23-27)، هزيمة ثمّ نجاح سُلالة ياهو، فشل سُليمان (1 مل 11: 14 ي). في هذه الحالة الأخيرة، يعود الكاتب إلى مراجعه، ليَدُلّ على أنّ لاهوت الثواب والعقاب، تَنظّم أيضًا في عهد سليمان.

ب- ألتدوين الأوّل
ننطلق من النصّ في صيغته الأخيرة، ونحذف ما يجب أن نحذف، وهكذا نكتشف أنّ التدوين الأوّل بدأ في 1 مل 3: 1، وانتهى في 2 مل 23: 28، أمّا البُنية الأساسيّة لهذا التدوين، فنظام اللَمَحات التي ترتبط بالمجموعات الإخباريّة الهامّة. وفي مستوى أعمق، بدا الكتاب بحسب الرسم، إعلانًا وتحقيقًا يُساعداننا لنُعطي حُكمًا إجماليًّا على مملكة الشمَال (1 مل 14: 15-16، 2 مل 7:17 ي).
يعرض هذا الكاتب لاهوت الثواب والعقاب، ولا يُورد الوقائع المُزعجة، وإن هو أوردها فهو لا يُفسّرها. ويشجب عبادة الآلهة الغريبة، ويُشدّد على وحدة المعبد، على مثال إرميا وسِفر التثنية.
يجمع هذا الكاتب موادّه ويعرض أراءه خاصّة في نصوص كصلاة تدشين الهيكل والحُكْم على مملكة الشمَال (2 مل 17).
من يكون هذا الكاتب؟ كاهن من كهنة أورشليم، تأثّر بالتقليد النبويّ، وأبرز لاهوت العهد. متى دَوّن كتابه؟ إذا قلنا حوالي سنة 609، ضخّمنا أهمية المُدوّن الأخير، وإذا قُلنا بين سنة 598 وسنة 587، قلّلنا من أهمية الكاتب الأخير، والرأيان يداخل عنهما.
ج- قبل التدوين الاشتراعي
ما هي الموادّ التي اشتغل عليها المُدوّن الأوّل؟ هناك إشارات متنوّعة، تدُلّ على انه انطلق من مُؤلف قديم، هو كتاب الملوك، وقد كان هذا الكتاب مُنَسقًا بنظام اللَمحات المُتزامنة التي ستَدْخُلُ بينها أخبار مفصّلة.
قدّم لنا هذا الكاتب خبرًا مخصصًا للفترة الثانية من حياة المملكتين، التي تبدأ مع ياهو ويوآش. بدأ بالتذكير بالفترة الأولى التي تنتهي بإزالة سُلالة عمره وملوك يهوذا المُتعاطفين معهم، تم تتبع سُلالة ياهو وملوك يهوذا إلى سقوط السامرة (2 مل 15: 29- 30؛ 18: 9-12). وننسب إلى هذا الكاتب الاشتراعي أيضًا، ألحديث عن المعابد على المشارف التي لن تزول إلاّ مع المَلِك حزقيا.
د- إنتقال نصّ كتاب الملوك
نُلاحظ أولاً اختلافات هامّة بين النصّ الماسوري العبراني والسبعيني اليوناني، وبالأخصّ في 1 مل. وهذا يعني أنّ المُترجم رجع إلى نصّ يختلف عن النصّ الأصليّ الذين بين أيدينا. وقد كان في مُتناول القرّاء في القرن الثالث ق. م.
ولقد وُجدت بعض مقاطع من مخطوطات كتاب الملوك في مغاور قُمران، وهي نُبيّن أنّها، في الإجمال، تختلف عن النصّ الماسوري، وتتوافق مع النصّ المُترجم إلى اليونانية.
6- المراجع التاريخية الخارجية
إستعمل المؤرّخون، منذ زمان بعيد، كتاب الملوك لتثبيت تاريخ شعب إسرائيل في العهد المَلكيّ. ولكن تبيَّن لهم فيمَا بعد، أنّ هذا المَرجع لا يكفي، ولاسيّمَا في ما يخصّ تسلسل الأحداث. فالكتاب يحصُرنا داخل إطار المملكتين، ولا يربطنا إلا قليلاً بالتاريخ العام للعصور القديمة. لهذا نجد لزامًا علينا أن نعود إلى مراجع تاريخيّة خارجة عن التوراة، لنُحدّد زَمَنَ تسلسُل الملوك، ونُحيط بالأحداث التي يرويها النصّ بصورة مُقتضبة.

أ- المراجع الأشورية
يُورد الكتاب اسم ثلاثة ملوك أشوريين: تَجْلت فلاسّر (2 مل 16: 7، 10) الذي اسمه أيضًا فول (2 مل 19:15)، شلمنصر (2 مل 9:18) وسنحاريب (2 مل 18: 13). وبالعكس، تُورد المراجع الأشورية عِدّة أسماء لملوك يهوذا وإسرائيل، وهذا ما يُساعدنا على أن نُلقي ضوءًا على الفترة الممتدّة من آحاب إلى منسّى.
تذكر حوليات شلمنصر الثالث (858- 824)، أنّ الأشوريين هزَموا في قرقر، حِلْفًا يَضُمُّ في من يَضُمُّ، آحاب ملك إسرائيل، وهدد عازر ملك دمشق (سنة 853)، ولكن يبدو أنّ المعركة كانت هزيمةً بالنسبة إلى الجيوش الأشوريّة. وتذكر أيضًا (سنة 842) أنّ ياهو دخل الجِزْيَة لأشور.
ويروي هدد نيراري الثالث (810-783)، انه خلال حملته الرابعة، إنتصر على ملك دمشق سنة 803، وفي حملة لاحقة، هزم ملك دمشق هزيمة نكراء، فدفع له الجِزية يُوآش ملك السامرة. وتُورد حوليات تجلت فلاسّر الثالث (744-727، سُمّي فولو في بابل)، أنّ مناحيم ملك السامرة دفع له الجزية في السنة الرابعة عشرة لمُلكه (732)، وآحاز ملك يهوذا فعل مثله، وأنه في سنة لاحقة، عزل هدد فاقحَ ملك السامرة، وأحلّ محلّه هوشع. وكان من دُفَّاع الجزية له، مناحيم، رصين ملك دمشق، وطوبئيل ملك صور.
ويقول سرجون الثاني (721-705) في حولياته، أنّه في السنة الأولى لمُلْكه، أخذ السامرة وسبى من أهلها 27290، ثم أعاد بناء المدينة، ويعلن سنة 717 أنّه انتصر على أرض يهوذا، ولكن يهوذا سيتمرد عليه.
ويروي سنحاريب (704- 681) في حولياته، ألحملة الثالثة (سنة 701) على يهوذا، كيف استسلم حزقيا ملك يهوذا، ودفع جزيةً مقدارها 30 مثقالاً من الذهب و800 مثقال من الفضة (يقول 2 مل 18: 14: 300 مثقال). وأجلى سنحاريب 200150 شخصًا.
ويُورد أسرحدون (680-669) في حوليّاته، اسم تابعه منسّى من يهوذا الذي يُقدّم له جنودًا ليُحاربوا معه.
ويعد أشور بنيبال (668-627) منسّى بين تبّاعه.
ب- المراجع البابليّة
يذكر كتاب الملوك اسم ثلاثة ملوك من بابل هم: مروداك بلادان (2 مل 20: 12). نبوكد نصر (2 مل 24: 1 ي)، اويل مروداك (2 مل 25: 27). ويذكر التاريخ البابلي هذه الأداء الثلاثة، ويورد واقعًا يتلاقى وكتاب الملوك: في السنة السبعه لملكه، في شهر كسلو (تشرين الثاني 598)، حاصر نبوكدنصر أورشليم، واستولى عليها في 2 اذار 597، فأبدل مَلِكَها، وحمل معه سَلْبًا كثيرًا.

ج- المراجع المصرية
يُورد كتاب الملوك أسماء ثلاثة فراعنة: شيشاق (1 مل 11: 4؛ 14: 25)، سوء (2 مل 17: 4): نكو (2 مل 23: 29، 34)، ويُلمح دون أنْ يذكره، إلى الفرعون الذي تزوج سليمان ابنته، والذي يُمكن أن يكون بشوشنس الثاني (984- 950)، أو شيامون من السُلالة الحادية والعشرين.
شيشاق أو شوشنق الأوّل (950-929) من السُلالة الثانية والعشرين، يُعلن أنّه قام بحملة على كنعان، فاحتلّها، والصحيح أنّها كانت غارة سريعة.
نكو (609-594) من السُلالة السادسة والعشرين، إحتلّ ما نُسميّه اليوم لبنان، سوريا، فلسطين سنة 609. ولكنّه طُرِدَ منها بعد هزيمته في كركميش سنة 605، على يد نبوكدنصر (رج 2 مل 29:23 ي).
لا نجد اسم سوء في المراجع المصرية. أمّا الترجمة اليونانية فتجعل اسمه: سوبا سوأه، سجور، وكلّها أسماء غير موجودة في المراجع المصرية. فاقترح العلماء أخيرًا اسمين: سيبا (كما في الأشوري) الذي ملك باسم تفنخت الأوّل (740-718) من السُلالة الرابعة والعشرين، أسوركون الرابع (730- 750) من السُلالة الثالثة والعشرين.

د- المراجع الكنعانية
هي كتابات كثيرة ومتقطّعة، ولكنّها تشكّل مرجعًا هامًا للتاريخ في الحقبة الملكية. أمّا أطول وأهمّ مرجعين فهما: ألكتابة الموجود في نفق شيلوحا، وهي تروي كيف حَفَرَ حزقيا تحت الأرض ليأتي بالمياه إلى المدينة، ونُصُب ملك موآب.
وإليك لائحة بأسماء ملوك أشور وبابل ومصر.
1- ملوك أشور من شلمنصر الثالث إلى سقوط نينوى ونهاية مملكة أشور (سنة 612).
شلمنصر الثالث 858 – 824
شمشي هدد الخامس 823 – 810
هدد نيراري الثالث 809 – 782
شلمنصر الرابع 781 – 772
أشوردان الثالث 771 – 754
هدد نيراري الرابع 753 – 746
تجلت فلاّسر الثالث 745 – 727
شلمنصّر الخامس 726 – 722
سرجون الثاني 721 – 705
سنحاريب 704 – 681
أسرحدون 680 – 669
أشور بانيبال 668 – 626
أشور اتيل الياني 606 000
سنشوم ليشير 000 000
سنشار أشكوم 619 – 612

2- ملوك بابل: من نبوفلاسّر إلى سقوط بابل بيد كورش الفارسي سنة 538
نبوفلاسّر 625 – 605
نبوكد نصّر 604 – 562
أويل مردوك 561 – 560
نيري جلاسّر 559 – 556
لاباش مردوك 556
نابونيد 555 – 538

3- بعض الفراعنة من القرن العاشر حتى احتلال مصر على يد قمبيز الفارسي سنة 525
شيشاق الأول 945 - 924
شيشاق الثاني 874 - 853
شيشاق الثالث 834 - 784
شيشاق الرابع 782 - 745
مشبكه 712 - 700
شبتكه 700 - 688
طهرقة 688 - 663
نكو 609 - 593
7- الرواية في كتاب الملوك على ضوء هذه المراجع

نستفيد اليوم من هذه المراجع وعرها، لنجعل ملوك يهوذا وإسرائيل في الإطار العامّ للتاريخ القديم، ولنكتشف بعض التشويه في سَرْد الوقائع، عند كتّاب تغلّبت عندهم النظرة اللاهوتية على النظرة التاريخية. وإليك بعض الامثلة.
اً- يُحدّثنا كتاب الملوك عن عمري في بضعة آيات (1 مل 23:16-27)، ويحكم عليه حُكْمًا سلبيًا. ولكنّه كان أعظم ملوك مملكة الشمال، بحيث إنّ الأشوريين سمّوا إسرائيل مملكة عمري. وهكذا نفهم نيّة الكاتب المُلهم: هو يحكم على التاريخ باسم اللاهوت.
2ً- ألحملة على ميشع ملك موآب كما يرويها 2 مل 4:3-27، تنتهي بطريقة غامضة ومُبَلْبِلَة. أمّا نُصُب ميشع، فيكشف لنا أن الحِلْف الاسرائيلي الأدومي قد انهزم. ولكن كيف للكاتب أن يُبيَّن أنّ قد تحقّق ما وعد به أليشاع من نصر، إلا في أن يَطْمُسَ بعض التفاصيل.
3ً- بعد أن هُزم إسرائيل مرارًا على يد حزائيل، ملك دمشق، أصلح يوآش الحال بطريقة تكاد تكون عجائبية. هذا ما يقوله 2 مل 13: 22-25. ولكنّ كتابات هدد نيراري تؤكّد أنّ انقلاب الحالة عائد إلى تدخّل ملك أشور الذي ارتبط به يُوآش، وسمّاه المُخلّص الذي أرسله يهوه (2 مل 13: 5). ولكنّ كتاب الملوك لا يجسُر أن يقول صراحة، إنّ مُخلّص إسرائيل هو ملك غريب، كما سيفعل أشعيا الثاني (اش 45: 1-7). ونرى أنّ المُعاهدات التي يشجُبها النبي هوشع، لا تشكّل مُشكلة لكتاب الملوك، لأنّه جهل نتائجها على مُستوى العبادة: عندما يعاهد آحاز أشور، سيأخذ بعبادة آلهتها، وعندما تُعاهد سُلالة عمري صيدون ستنتشر في الأرض عبادة البَعْل.
4ً- حين قرأنا 2 مل 17، حَسِبْنا أنّ سُكّان السامرة، أُجْلُوا كلّهم بعد انتصار أشور. ولكنّ حوليات سرجون، تدلّ أنّه أجلى بضعة عشرة آلاف وترك الباقين. في هذا الإطار نفهم آ 34: كان بنو إسرائيل (لا المستوطنون الأشوريون) يعملون كعاداتهم الأولى.
5ً- ما نجت أورشليم سنة 701، إلاّ بعد أن استسلم حزقيا لملك اشور (2 مل 18: 13-16). أيكون ما يرويه 2 مل 18: 17-19: 37 خبر حروب أخرى؟ الأمر معقول.
8- تسلسُل الملوك

أولاً: يبدو نظام تسلسُل الملوك مبنيًّا بناءً مُحْكَمًا، ولكن إذا نظرنا إليه بالتفاصيل، وجدناه غير مُتماسِك. فَبَيْنَ تولّي رحبعام السلطة وموت آحاب، نجد 84 سنة من المُلْك في يهوذا، أمّا مُلْك إسرائيل فهو 78 سنة، ونظام التزامن يعطينا 75 سنة. ونقرأ أيضًا في 2 مل 15: 30، أنّ هوشع قتل فاقح في السنة العشرين لمُلْك يوتام، ولكنّ النص يقول فيما بعد، إنّ يوتام ملك 16 سنة (2 مل 33:15). وتتعقّد المُشكلة إذا قابلنا تسلسُل كتاب الملوك، بما نقرأه في المراجع الأشورية. ألوقت في كتاب الملوك أطول منه في المراجع الأشورية. مثلاً: بين تولّي آحاز الحكم وموت يوشيا مرّت 133 سنة، أمّا المراجع الاشورية فتعدّ 126 سنة. وتُعلن حوليات شلمنصّر الثالث مُرور 12 سنة بين موت آحاب وتولّي ياهو للحُكم، بينمَا يذكر كتاب الملوك 14 سنة.
إنّ تسلسل الملوك الأشوريين والبابليين ثابت، ونستطيع أن نرجع إليه دون خوف الوقوع في الخطأ. وهنا نُقدّم للقارىء بعض التواريخ الثابتة.
853 شلمنصّر الثالث يتغلّب على آحاب في قرقر
841 ياهو يدفع الجِزية لشلمنصّر الثالث
745 تجلت فلاسّر ملك أشور
740 موت عزيا ودعوة أشعيا
738 مناحيم يدفع الجِزية لتجلت فلاسّر الثالث
736 آحاز ملك يهوذا
734 يدفع آحاز الجِزية لملك أشور ويستعين به ضِدّ الحِلْف الأرامي الافرائيمي.
جاء تجلت فلاسّر فاحتلّ قسمًا من الجليل.
732 أشور تُسيطر على دمشق وتُتبعها لها
722 سقوط السامرة
705 سنحاريب ملك أشور
701 سنحاريب يجتاح المنطقة
612 سقوط نينوى ونهاية مملكة أشور
609 هزيمة الملك يُوشيا وموته في مجدو
605 نبوكدنصر يقهر في كركميش نكو ملك مصر
598 سقوط أورشليم، والإجلاء الأوّل
587 سقوط أورشليم ودمار الهيكل وإجلاء السكان
ثانيًا: إذا أردنا أن نفسّر الأرقام التي يُعطيها كتاب الملوك، نأخذ بالمبادىء الثلاثة الآتية:
- ألسنوات الناقصة تُحسب مرّتين
- تبدأ السنة في الخريف بحسب الروزنامة الكنعانية، وفي الربيع بحسب روزنامة بلاد الرافدين. حين ترك بنو إسرائيل الروزنامة الكنعانية ضاع نصف سنة.
- يقول 2 مل 15: 5، أنّه خلال مرض عزريا، مارس معه الحُكم ابنه وخلفه يُوتام مدّة 16 سنة، فحُسِبَت من أيّام مُلكه. لا شكّ أنّه كانت حالات أخرى من الحُكم المشترك، وإليك الآن جدولاً بملوك يهوذا وإسرائيل، منذ سُليمان حتى جلاء بابل.
يهوذا إسرائيل
سليمان ( 1 مل 11 : 42 ، 40 سنة )
972 – 933
رحبعام ( 1 مل 14 : 21 ، 17 سنة )
933 - 916
أبيام ( 1 مل 15 : 2 ، 3 سنوات حسب النص العبري ، 6 سنوات ، حسب النص اليوناني 915 – 913 يربعام الأول ( 1 مل 14 : 20 ، 22 سنة ) 933 – 911
آسا ( 1 مل 15 : 10 ، 41 سنة )
912 – 871 ناداب ( 1 مل 15 : 25 ، سنتان ) 911
بعشا ( 1 مل 15 : 33 ، 24 سنة )
910 – 887
ايلة ( 1 مل 16 : 8 ، سنتان ) 887
زمري ( 1 مل 16 : 15 ، 7 أيام ) 887
تبني ( 1 مل 16 : 21 ، ملك على قسم من البلاد ) . 887 - 881
عمري ( 1 مل 16 : 23 ، 12 سنة )
887 – 875
يوشافاط ( 1 مل 22 : 42 ، 25 سنة )
870 - 846 آحاب ( 1 مل 16 : 29 ، 22 سنة )
875 – 853
احزيا ( 1 مل 22 : 52 ، سنتان
853 - 852


يورام (2 مل 8: 17، 8 سنوات)
848-841 يورام (2 مل 3: 1، 12 سنة)
852-841
آحزيا (2 مل 8: 26، سنة واحدة)
841
وحكمت البلاد عثليا ست سنوات (2 مل 11 :3) 841 – 835 ياهو (2 مل 10: 36، 28 سنة)
841-814
يوآش (2 مل 2:12 ،40 سنة)
835-796 يوآحاز (2 مل 13: 1، 7 سنوات)
814-798
أمصيا (2 مل 2:14، 29 سنة)
796-767 يوآش (2 مل 10:13،17 سنة)
804-788
عزريا أو عزيا (2 مل 15: 2، 52 سنة) 786- 735 يربعام الثاني (2 مل 14: 23، 41 سنة) 790- 750
يوتام (2 مل 33:15، 16 سنة)
752-737 زكريا (2 مل 15: 8، 6 أشهر)
749
شلوم (2 مل 13:15، شهر واحد
748
مناحيم (2 مل 17:15، 10 سنوات)
748-738
آحاز (2 مل 2:16، 16 سنة)
741-726 فقحيا (2 مل 23:15، سنتان)
737- 736
فاقح (2 مل 27:15، 20 سنة)
750- 731
حزقيا (2 مل 2:18، 29 سنة)
727-697 هوشع ( 2 مل 17 : 1 ، 9 سنوات
730 - 722
منسّى (2 مل 1:21، 55 سنة)
697-643



آمون (2 مل 21: 19، سنتان)
643-642
يوشيا (2 مل 22: 1، 31 سنة)
641-609
يوآحاز (2 مل 23: 31، 3 أشهر)
609
يوياقيم (2 مل 23: 36، 11 سنة)
609-598
يوياكين (2 مل 24: 8، 3 أشهر)
598-597
صدقيا (2 مل 24: 18، 11 سنة)
597-587

ملاحظات على مملكة يهوذا
ا- إنتهى حكم يوشافاط سنة 846 أو سنة 845
2- شارك يورام يوشافاط في الحكم سنة 848-846
3- شارك عزريا امصيا في الحكم سنة 786-767، واشرك يوتام معه سنة 752-737
4- شارك حزقيا آحاز سنة 727-726

ملاحظات على مملكة إسرائيل
ا- ملك تبني وعمري معًا ستّ سنوات، ثمّ ملك عمري وحده 6 سنوات.
2- بدأ حكم آحاب سنة 875 أو سنة 874
3- شارك يوآش يوآحاز الحكم سنة 804-798
وأشرك معه يربعام الثاني في الحُكم سنة 790-788
9- أللاهوت في كتاب الملوك

أ- لاهوت التاريخ
يُقدّم لنا كتاب الملوك تفسيرًا للتاريخ، باسم لاهوت يؤكّد أنّ الربّ يقود الأحداث ويُوجّهها. وهذا التأكيد لا يُناقَش، وهو واضح في كلّ صفحة من صفحات الكتاب.
ولكن كيف يُمارس الله سلطانه على تاريخ الشعوب؟ ثلاثة محاور:

ألمحور الأوّل: الله يحكم ويُعاقب
إنّ كتاب الملوك تعدّى الفكرة القائلة بأنّ يهوه إله وطني يحمي شعبه، دون قيد ولا شرط، بل هو ينسب إلى الربّ هزائم إسرائيل (1 مل 11؛ 14؛ 22: 20 ي؛ 2 مل 10 : 32 ؛ 16:22). ولا يقول إنّ يهوه يخلّص شعبه على صيته، إلا في بعض مقاطع نبويّة (1 مل 20 ؛ 2 مل 9) لا تُلْزِم لاهوت الكتاب.
يقدّم الربّ نفسه تُجاه الشعب والملوك، على أنّه القاضي الذي يُعاقب. وبحسب منطق العهد الذي هو التزام مُتبادَل (كما في سِفْر التثنية)، نقول إنّ يهوه هو كافل الاتفاق المعقود في سيناء، وهو يطبّق العقوبات المنصوص عنها فيه. في كتاب الملوك " بريت " أي العهد تعني دومًا التزام الشعب باحترام مُتطلّبات الله.
أمّا النصّ الذي يُمكننا أن نرجع إليه بالنسبة إلى الملوك المُعاقبين، فنقرأه في تث 5: 9- 10، يهوه يُلاحق ذنوب الأباء في البنين، إلى الجيل الثالث والرابع من مُبغضيه، ولكنّه يرحم مُحبّيه وحافظي وصاياه إلى ألف جيل. إذا أراد يهوه أن يوبّخ الملوك، فهو يفرض عليهم عقابًا (1 مل 11: 14؛ 14: 25؛ 16:15)، يطال أبناءهم وخُلفاءهم. وإذا أراد أن يُهنّىء ملكًا لحُسن سلوكه، فهو يُجازيه فيُعطيه ضَماناتٍ لنسله (داود: 1 مل 15: 4- 5؛ ياهو: 2 مل: 10: 30)، أو لشخصه (يوشيا: 2 مل 22: 20). واللاهوت ذاته يُوحي بأقوال (1 مل 10: 4- 9، 11: 38)، تُحدّد قواعد تصرّف الله: إذا سلكت أمامي مثل داود... أثبتُّ عرش مُلْكِك. ونتحقّق من هذا عندما تحلّ الكوارث (2 مل 18: 12؛ 14: 20).
هذا اللاهوت الذي يؤكّده الكاتب تُكذّبه الوقائع. قُتل يوشيا في عزّ شبابه (رغم وعد النبية حلدة)، وانهار العمل الذي بدأه. أما منسّى فلك طويلاً وعمّر فازدهرت البلاد في أيّامه. عندما يحكم الكتاب على سُلالة، فالحكم يُصيب أقلّ ملوكها شرًا. هذا ما حدث ليُورام ملك إسرائيل، الذي أزال العبادات الفينيقية التي جاء بها آباؤه (2 مل 2:3-3؛ 9: 21- 26)، وسيموت هوشع يوم سقوط السامرة، ولكنّ الكتاب يقول فيه: لم يكن كمُلوك إسرائيل الذين كانوا قبله (2 مل 17: 2).
تُورد الأخبار هذه الوقائع ولا تُفسّرها، أو تبدو وكأنّها لا تشعر أنّها تُعارض لاهوت الكتاب. ولكنّ بعض الملخّصات تُحاول أن تفسّر هذه الوقائع المُزعجة. 2 مل 26:23-27 تربط موت يُوشيا بغضب الله على يهوذا بسبب منسّى، 2 مل 14 : 26 تُعطي سبب نجاح يوآش ملك إسرائيل. هذه التفاسير لا تحلّ المشكلة، ولكنّها تكشف لنا أنّ مبدأ التفسير ليس هنا.
إنّ لاهوت الثواب والعِقاب، هو أساس نظام الحكماء، وهو ينطبق تمامًا على مُلْك سليمان. فالملك الحكيم يُجازى أفضل جزاء حين يكون أمينًا، ويعرف الفشل حين يبتعد عن الطريق القويم. ولكن يوم زالت الحكمة من الكتاب، كذّب التاريخ النظرة اللاهوتية. من هذا القبيل يبدو كتاب الملوك، مُعارَضَةً للتعليم الحكمي، على مثال سفر أيوب، مع اختلاف المُتحاورين. ففي كتاب الملوك، ألمدافعون عن التعليم التقليديّ هم الأنبياء، أمّا حامل لواء المُعارضة فهو الكاتب بقدر ما يحترم مسيرة التاريخ. ثمّ إن نظرية العِقاب ستنتصر، لأنّ المملكتين الخاطئتين ستزولان في النهاية.

ألمحور الثاني: يهوه يُلزم نفسه بالعهد
لو كان الربّ قاضيًا حياديًا ينظر من الخارج إلى مسيرة العهد، لأنتهَى تاريخ المملكتين سريعًا. فهو قد أصدر حكمه منذ عهد يربعام وأبيام. فإذا كان التاريخ تابع مجراه، فلأنّ الله هو أحد موقعي العهد، وهذا ما يُجبره لأن يؤخّر الحلول الحاسمة إلى آخر حدود المُمكن.
لا يتوسعّ كتاب الملوك في لاهوت المغفرة التي تتبع التوبة أو الإقرار بالخطايا. فلا نداء للتوبة إلى الافراد إلا في دورة إيليا (1 مل 21). أمّا بالنسبة إلى الشعب، فالتوبة التي يفرضها على الشعب لا تُبعد عنه الخطر، ثمّ إنّ رفض التوبة في مملكة إسرائيل، لن يمنعها من أن تدوم قرنين من الزمن. نحن لا نقرأ نظرية التوبة، إلاّ في 1 مل 47:8 وفي إطار المنفى.
إذا كان يهوه يحفظ شعبه ويخلّصه رغم خياناته، فبسبب حبّه وأمانته لعهده: رحمهم الربّ وعطف عليهم من أجل عهده مع إبراهيم وإسحق ويعقوب (2 مل 13: 23). هي المرّة الوحيدة، نقرأ هذه العبارة، ولكنّها تُفسّر التأخير في العِقاب. فتُجاه عَهْد سيناء، نجد هذا العهد غير المشروط بين الله وشعبه.
بالنسبة إلى مملكة إسرائيل، هناك عهد (التزام مشروط) مع كلّ سُلالة، وهو واضح مع يربعام وبعشا، ومفروض مع عمري الذي نال عِقاب الربّ. وحصل ياهو على وَعْدٍ غير مشروط لوقت محدّد. هذه العهود مع الملوك، تُفهمنا تبدّل السُلالات في مملكة الشَمال، ولكن يبقى أنّ الأمر الجوهري هو العهد مع الشعب. خطىء الملك وجعل الشعب يخطأ، ولكنّ خطايا الشعب هي التي جلبت على الأمّة الخراب (2 مل 17).
أمّا بالنسبة إلى مملكة يهوذا، فهناك عهدان غير مشروطان: واحد مع داود وآخر مع أورشليم (1 مل 11: 32). ثمّ إنّ 1 مل 3:9- 9 يعرض عهدين مشروطين، واحد مع سُليمان ونَسْلِه (رج 1 مل 16:6؛ 23:8- 30) وآخر مع الهيكل. نحن أمام اتفاقيّة واحدة لأنّ متطلباتها تُفْرَضُ على الملوك، أمّا عقوباتها فتُصيب الهيكل والشعب لا السُلالة الملكيّة. هذه السلالة يضعُف سُلطانها (كما مع رحبعام) أو يزول (كما مع صدقيا)، ولكنّها لا تزول في تواصُلها. في يهوذا، ألعهد مع السُلالة الملكية، أهمّ من العهد مع الشعب الذي يُعاقَب بسبب خطايا الملوك.
يُقدّم لنا كتاب الملوك مرحلة هامّة في تطوّر لاهوت العهد، فيعرض أربعة عهود: واحد مع الشعب، سِلسلة عهود مع ملوك الشمَال، عهد مع نَسل سليمان، عهد مع الهيكل. وأربعة مواعيد غير مشروطة: واحد مع إسرائيل وآخر مع داود وثالث مع ياهو ورابع مع أورشليم. ولكنّ الكلمة العبرية "بريت" لن تستعمل لكلّ هذه الحالات، إلا في التاريخ الكهنوتي، وهكذا يمثّل كتاب الملوك انتقالاً من التقليد الاشتراعي إلى التقليد الكهنوتيّ.
في الخُطبة الصلاة (1 مل 8)، نجد تأليفًا لهذه العناصر. فالوعد لداود يخضع للعهد مع الشعب. ألانشقاق دمّر هذا التوازن الواهي، فقدّم لنا الكاتب تأليفين: واحد يرجع إلى لاهوت سِفْر التثنية ويَنْطَبِقُ على إسرائيل، وآخر يَنْطَبِقُ على يهوذا ويتركّز على الوعد لداود.

ألمحور الثالث: ألله يتكلّم
الله يقود التاريخ، فيؤثّر مُباشرة في الأحداث، وهو أيضا الإله الذي يتكلّم. ويشهد بذلك المكان المحفوظ للانبياء. ولكنّنا لا نستطيع القول إنّ كتاب الملوك يجعل من كلمة الله مُحّركًا للتاريخ. لا شكّ في أنّ الرسم "وعد وتحقيق "، هو بنية أساسية في الكتاب، ولكن إذا تفحّصنا المضامين، وجدنا أنّه ينطبق خاصّة على أحداث ثانوية (تنجيس مذبح بيت إيل، ظروف موت آحاب وإيزابيل)، أو إجمالية، كالحُكْم على المملكتين وزوالهما. ولكن في هذه الحالة، فالفترة التي تفصل بين الوعد والتحقيق طويلة جدًا، بحيث لا نجد فيها بُرهانًا على قُدرة كلمة الله. ثم إنّ هناك إنباءات سيكذّبها الواقع، وهناك أحداث حاسمة لا يأتي النبيّ على ذكرها. لا شكّ في أنّ الكاتب يُعارض فاعلية كلام الأنبياء، ولكنّه يُشدّد أيضاً على أنّ كلمة ينقلها الأنبياء، تستطيع أن تؤثّر على مجرى التاريخ.
ما يريد أن يبيّنه الكاتب، هو أنّ الربّ لا يتدخّل في مسيرة التاريخ، دون أن يقول إنّه هو الذي يعمل، ودون أن يُعطي عناصر تُفسّر أعماله، كما قال الربّ بلسان عاموس (7:3): "لا يفعل الربّ شيئًا دون أن يكشف مخطّطه لعبيده الأنبياء".

ب- ألله حاضر وسط البشر
أوّلاً: ألهيكل
إنّ كتاب الملوك يهتمّ بقضايا العبادة، وتعليمُه في هذا المجال، يُلَّخَصُ هكذا: لا مَعْبَدَ شرعيًا إلا معبد أورشليم، حسب التشريع الاشتراعي على وحدة المعبد. وهكذا يرفض الكاتب رفضا تامًا معابد الشمَال (1 مل 28:12-13: 10؛ 2 مل 17: 25- 28) ومشارف يهوذا. فما أفلت من الأشوريين هدمه يُوشيا. ولكنّ هيكل أورشليم نفسه سيُدمَّر، فتكون النتيجة أنّ الشعب سيعيش دون معبد.
إنّ لاهوت الهيكل المذكور في ا مل 8 يجعلنا نقبل بزواله. فالهيكل ليس مسكن الله، لأنّ السماء عرشه (1 مل 8: 27- 30)، وهو المكان الذي يُقيم فيه اسمه والذي فيه نستطيع أن ندعوه، ونحن متيقنون أنّه يسمعنا (كما يقول سفر التثنية). نتحدّث عن العلاقة بين المعبد والملك والشعب، فنقول: ألمَلِك ضروري لأن لا هيكل من دونه. في 2 مل 11 أعاد الكهنة على العرش المَلِك الشرعي. في 2 مل 25 دُمِّرَ الهيكل وما زالت سُلالة داود من الوجود، فهذا يعني أنّ تدمير الهيكل ليس الكلمة الأخيرة، وأله ما دام مَلِكٌ فهو يستطيع أن يُعيد بناء الهيكل.
ولكنّ الهيكل هو في خدمة الشعب وعهد حوريب. وإذا كان التركيز يُعبّر عن طابع هذا العهد، فهو يجعل العهد سريع العَطَب، لأنّ كلّ شيء يرتبط بمكان واحد. من هذا القبيل، إنّ دمار الهيكل يعني نهاية العهد بالنسبة إلى يهوذا، كما كان بالنسبة إلى إسرائيل. هذه النظرة المُنقّاة إلى حضور الله في المعبد، تُلْفِتُ انتباهنا إلى أنّ الهيكل ليس نسخة عن المعبد السماويّ. بُني بمُبادرة سليمان الذي قدّم التصاميم. أمّا الله فلم يتدخّل إلا لكي يُعطي الحكمة لسليمان ومُهندسيه. هذا العرض يُبعدنا عن أخبار تأسيس المعابد في بلاد الرافدين، حيث يكشف الإله عن تصاميمه للملك، وعمّا يقوله التاريخ الكهنوتي عن معبد البرّية (خر 9:25).
ونُلاحظ في المعنى ذاته، أنّ الملك ليس وكيل الله أو تابعه أو من بطانته في كتاب الملوك الذي لا يُسمّي يهوه ملكًا. فالملك في إسرائيل يتمتعّ بالحكم الذاتيّ، ولهذا لا يحكم الكاتب على الملوك الذين يعقدون معاهدات تُوافق سياستهم، والا لقادنا الكاتب إلى نظرة قُدْسية إلى الملك. لا شكّ في أنّ الملوك يرتبطون بالله، حين يخضعون لحركة التاريخ ويُطيعون الشريعة. أجل، ألله حاضر في التاريخ، ولكن بطريقة تحترم مُبادرة البشر. هذا ما نتعلّمه من المدرسة الاشتراعية في كتاب الملوك.
ثانيًا: نظرة شاملة
وتبدو شموليّة لاهوت كتاب الملوك أكثر ما تبدو، في صلوات الغُرباء في الهيكل (1 مل 8: 41- 43) التي تُرجعنا إلى نظرة خاصّة مركّزة على أورشليم. فيهوه لا يتصرّف كاله يحمي الأمّة (إلا في بعض العبارات). أورشليم ليست مقامه بالمعنى الحصريّ. ملك إسرائيل ليس وكيله على الأرض. كلّ هذا يعبّر بطريقة ملموسة على أنّ عمل الله يتعدّى عالم إسرائيل.
وهكذا يُخفّف كتاب الملوك مّما في سفر التثنية من نظرة خاصّة، حتى وإن احتفظ بأساسه اللاهوتي، أي العهد مع إسرائيل ومدينته المقدّسة وملوكه. فتاريخ المملكتين المُفجع، أجبر الكاتب على الخروج من نظرة سِفْر التثنية المُغْلقة. ولكنّ كتاب الملوك يكتفي بتهيئة الطريق أمام تفكير لاهوتيّ لاحق. هو لا يُقدّم بعد، نظرته إلى علاقة إسرائيل بسائر الشعوب. أمّا العلاقات (صراعات وعهود) التي يتحدّث عنها، فهي وليدة المنافع السياسيّة والاقتصاديّة. إذا كان الله حاضرًا في هذه العلاقات التي تؤثّر على التاريخ، فكلمته لا تدلّ شعبه كيف يجب أن يتعامل مع هذه العلاقات (إلا في مقاطع نبويّة ترتبط بالحرب المقدّسة). في عهد سليمان وحده، يستطيع الكاتب أن يقدّم نجاح إسرائيل كشهادة لسائر الأمم عن قُدرة الله وأمانته (1 مل 8: 42؛ 10: 1- 13)، ولكنّه لا يفعل الشيء ذاته في عهد يوآش أو يربعام الثاني. وفي المعنى نفسه يجعل الكاتب من دمار الهيكل علامة لكلّ الشعوب، تدلّ على أنّ الله يحكم ويُعاقب.
ثالثًا: أغراض الكتاب
إنطلاقًا مّما سبق، نستطيع أن نقول الآن لماذا نقرأ كتاب الملوك. فنتيجة أربعة قرون من التاريخ، إنتهت إلى اعلان فَشَل النِظام الذي بدأ به داود. ولكنّنا نستطيع أن نفيد من هذا الإثبات في ثلاثة أنواع مختلفة.
- يجعل القارىء يقبل فكرة، وهي أنّ تاريخ شعبه انتهى. مثل هذه الكتابات تزدهر وقت الأزمات الهامّة، ولم يختلف إسرائيل في ذلك عن سائر الشعوب.
- يدفع القارىء إلى توبة أخلاقية، وإلى تبديل في السلوك، يُساعد الله على أن يُعيد المملكة التي زالت من الوجود. هذا هو معنى العهد والعقوبات التي تحدّث عنها الأنبياء: إنّ بقاء سلالة داود التي يشدّد عليها الكاتب إلى النهاية، يدلّنا على طريق إعادة بناء هذه المملكة.
- يفتح أمام القارىء الطريق، حيث يتحدّد بطريقة جديدة، وجود شعب يَسنُدُه العهد. ويدعو المؤمن إلى توبة، تجعله يقبل بفكرة طريقة جديدة للحياة. في هذه الحال تمثّل سلالة داود عربونَ هذا المستقبل، لا نموذجًا لبُنَىً جديدة لشَعْبِ الله (رج اش 16:43- 21).
أيّة قراءة نختار؟ نختار الثالثة، فنعرف أنّ تعليم كتاب الملوك قريب من سِفْر ارميا، وإن لم يُوصلنا إلى العهد الجديد الذي يتحدّث عنه هذا النبيّ.
رابعًا: على عتبة العهد الجديد
نحن أمام تاريخ ديني، يرسم أمامنا مأساة اسرائيل في العهد الملكيّ. هنا تكمُن فائدة الكتاب، للذين يتساءلون عن طبيعة شعب الله ومصيره. يعود الكاتب إلى سِفْر التثنية، ولكنّه لا يصل بنا إلى الوحي في كماله، كما لا يُساعدنا على اكتشاف عُمْقِ المأساة والتحوّلات الدينية اللاحقة. فهي نتيجة مؤقّتة إذا شئنا، ولكنّها تشهد على نظرة روحية نافذة، وتُهيء كسبًا هامًا للاهوت شعب الله.
1ً- يتّهم الكاتب الملوك بقساوة يُبرّرها انهيار المملكة النهائي، وهو يقيِّم أعمالهم على ضوء الأمانة للعهد والإيمان بالله الواحد. في هذا المجال، سيكون مُشْكِلُ الملكيّة أشدّ من الدمار السياسيّ، بعد أن حاول ملكوت الله أن ينتظم كمملكة على هذه الأرض. هُذا ما شعر به المؤمن منذ أيام شاول، ولكن كان لا بدّ من الاختبار، ليعي الخصائص الحقّة لملكوت الله. لا يتخلّى الكتاب عن فكرة ملكوت سياسي ديني، بل يحسبها مُمكنة، ويُقدّم لنا أمثلة في داود وحزقيا ويُوشيا. إذا انتقد الملوك بقساوة، فهذا لا يعني أنّه يحكم على المَلَكيّة، بل يعني أنّه يشهد على سُمُوّ النموذج الذي يجعله أمامه: ملك كرّس نفسه لخدمة الله، واعتبر ذاته مسؤولاً عن أمانة الشعب لشريعة موسى. ورغم الفَشَل، بقي الوعد لداود حاضرًا. وتحرير يوياكين يُبرهن أنّ حَبْلَ الأمل لم ينقطع.
سيحتاج المؤمن إلى خيبات أمل أخرى بعد الجلاءت، لتتنقّى صورة المسيح، وتكشف ملامحها النهائيّة في يسوع المسيح. كان داود أقرب صورة لهذا الانتظار، وساعد سليمان المؤمن على أن يتخيّل العدالة المسيحانية والسلام (مز 72). ولكنّ المسافة تبقى بعيدة بين الرموز والسرّ، قالت يسوع: "أنظروا زنابق الحقل... أقول لكم إنّ سليمان في كلّ مجده، لم يلبس كواحدة منها" (مت 28:6- 29) وقال أيضاً: "ملكة التيمن جاءت من أقاصي الأرض، لتسمع حكمة سليمان، وها هنا أعظم من سليمان" (مت 42:12).
2ً- إنّ حكم التاريخ على الملكيّة يحقق كلام الأنبياء المعروفين والمجهولين في هذا الكتاب: إذا كان عمل الله يمتزج بعمل البشر، فهو ينبّههم ويضعهم أمام مسؤوليّاتهم. ولهذا يتبع أعمالَهم السيئة القصاصُ (2 مل 1: 6، 17) الذي يُمكن أن يتأخر بسبب التوبة أو تتميم إرادة الله (1 مل 21: 29 ؛ 2 مل 10: 30؛ 15: 12)، والذي يدلّ على نعمة الله الصبورة التي تتذكّر عهده (2 مل 23:13؛ 14: 26). هدّد الله مملكة إسرائيل منذ البداية (1 مل 14: 15- 16؛ 2 مل 17: 20- 23)، ولكنّه تأخّر في تنفيذ العِقاب. ظلّت مملكة داود ثابتة بسبب داود وأورشليم (1 مل 11: 12- 13؛ 25: 4- 5؛ 2 مل 8: 19)، ولكنّ خطيئة منسّى وتدنيس الهيكل، قرّرتا دمار يهوذا والمدينة المقدّسة (2 مل 21: 10- 15؛ 23: 26- 27؛ 24: 2). كلمة الله تقود التاريخ، ولكنّها تدعو الناس للعمل مع الله.
إذا كان الله يتكلّم بأنبيائه عبر الأحداث، فكلمته المكتوبة في شريعة موسى، في سفر التثنية، تحكُم على التاريخ. رأى المؤرّخ نجاح عمل الله عبر مقررات البشر، فعاد بقول ناتان إلى كلمة الله، وأسسّ هذا القول عهدًا مع بيت داود وأورشليم، سيدفع المؤمن إلى انتظار العجيبة في ساعة الضيق (2 مل 19: 32- 34). وسيشدّد المؤرخ الاشتراعي على الشروط التي تؤثّر على هذا العهد، كما على عهد موسى المُتضمّن حفظ وصايا الله وفرائضه (1 مل 8: 23- 25؛ 11: 34- 38). وإذا كان اختبار داود وصهيون، ترك مكانًا للرجاء رغم قضاء الله سنة 587، فنحن لسنا أمام تأمين بشري أو رجوع الأشياء الى ما كانت عليه لا محالة. فالعهد لا ينجح إن لم نحقّق شروطه.
3ً- ألله لا يرتبط بنظرة الإنسان الضيقة إلى عطاياه. لقد أعلن إرميا، في الوقت نفسه، عهدًا جديدًا مختومًا في القلوب، لا مكتوبًا على ألواح من حجر. لا نستطيع أن ننسُب إلى كتاب الملوك هذا الانتظار، ولكنّ تشديد الكاتب على مضمون العهد الدينيّ والاخلاقيّ، يساوي نداء إلى توبة جَذْريّة. وحين أقام كتاب الملوك الانبياء، ضدّ الملوك وضدّ أمانة كاذبة مبنية على مواعيد الله، فقد ساعد على تنقية فكرة الشعب المُختار، وتحريرها من الأمة، لتطبيقها على جماعة المؤمنين. يهتمّ كتاب الملوك بجماعة الأنبياء الذين يُشكّلون مُنعطفًا في تاريخ الديانة، وظهور جماعة روحية تتميّز عن الجماعة الوطنية، ويفرح أنّه بقي حول إيليا 7000 رجل، لم يحنوا كتبهم للبَعْل (1 مل 18:19). هؤلاء هم باكورة الكنيسة.
هذه الكنيسة هيَّأها كتاب الملوك، بنموذج شعب أمين للإله الواحد، يخدمه في هيكل واحد. وعرض بناء الهيكل كقِمَّة التاريخ، منذ الخروج من مصر (1 مل 6: 1). وشدّد على معبد أورشليم، كوسيلة للحِفاظ على نَقاوة العِبادة، بعد أن دلّه الاختبار على شر المزج بين عبادة الله والعبادات الكنعانية في المعابد المنتشرة في البلاد. ثم يوم تحطّمت الوحدة السياسية وكادت تتفتت، لعبت العبادة في أورشليم دور الجامع للشعب حول إيمانه الديني: إله واحد، هيكل واحد، شعب واحد يَعينه حُضُورُ الربّ واسمه (1 مل 16:8).
سيُهدم الهيكل، ولكن سيُعاد بناؤه بعد الرجوع من المنفى. وهكذا يُهيء كتاب الملوك جماعة روحية مشتّتة، ولكن موحدة بإيمانها وتعلّقها بصهيون. ولكي تبرُز علامة الهيكل في ضوئها الكامل، يجب أن يُهدم الهيكل الثاني الذي هو رمز سَكَن الله وسط شعبه. ويُمكنه أن يزولا حين يأتي يسوع المسيح، كلمة الله لَيَسكُنَ بيننا (يو 1: 14). ولكن بانتظار ذلك، احتاج الشعب إلى الإصلاح الاشتراعي. كان لا بدّ أن يُوجد بيت من حجر، ليقول يسوع يومًا: "أقول لكم إنّ ها هنا أعظم من الهيكل " (مت 12: 6).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM