الفصْلُ العَاشِر: المَلك دَاوُد في أورشَليم

الفصْلُ العَاشِر
المَلك دَاوُد في أورشَليم
5 : 1 – 8 : 18

أ- المقدّمة
بموت أبنير وايشبوشت، إنفتحت الطريق أمام داود الذي سيُمسح ملكًا في حبرون مرة ثانية، لا أمام الشيوخ فحسب، بل أمام جميع أسباط بني إسرائيل. يبقى عليه أن يحتلّ أورشليم، ليجعلها عاصمة مملكته، وينقل إليها تابوت العهد، لتُصبح مدينةُ داود موضعَ الملك والكهنوت.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- داود في أورشليم (5: 1- 25)

(آ 5: 1- 5) داود ملك يهوذا وإسرائيل: قالوا: نحن لحمك وعظمك، أي أقرب الناس إليك، وقالوا: كنت تقود جيوش بني إسرائيل في عهد شاول (1 صم 18: 16)، وقالوا: قال لك الربّ: أنت ترعى شعبي، وتكون له قائدًا (3: 10؛ 1 صم 25: 30)
ومسحوا داود ملكًا، بعد أن مسحه بنو يهوذا (2: 4). ستبقى المجموعتان متميزتين، وداود سيكون ملك إسرائيل ويهوذا، وسيبقى التنازُع بين المجموعتين، إلى أن يتمّ الانفصال غداة موت سليمان (1 مل 12: 1 ي). حاول أبشالوم (5: 2 ي) وشابع (20: 1 ي) أن يستندا إلى إسرائيل ليثورا على المَلِك، ولكنّ الثورة لن تنجح إلا مع يربعام (1 مل 12: 20).
(آ 6- 12) إحتلال أورشليم: هذا الاحتلال، سيُعطي للشعب عاصمته الدينيّة والسياسيّة
أليبوسيون هم سكّان أورشليم قبل دخول بني إسرائيل إليها (يش 63:15 ؛ 16:18؛ قض 16: 11). إعتبرت بعض النصوص أنّ يبوس هو الاسم القديم لأورشليم (قض 19: 10، 1 أخ 11: 4) إنّما يبدو أنّ أورشليم هو اسم المدينة منذ النبي سنة ق. م.
كانت أورشليم قلعة حصينة، يُدافع عنها حتى العُميان والعُرْج. فحِصْن جبل صهيون يقع جنوبي المكان الذي سيُقيم فيه داود مذبحًا (24: 18- 25)، ويبني عليه سليمان هيكلاً (1 مل 6: 1 ي).
سُمّيت أورشليم مدينة داود الذي أراد أن يجعلها عاصمة مُلْكِه، سيّمَا وأنّها تقع بين المملكتين، فتترك حرّية التحرّك لملك جمع في شخصه مملكتين مُتخاصمتين. وبنى داود قصرًا له في المدينة، بمعاونة أحيرامٍ ، ملك صور. من المستحيل ان يكون أحيرام نفسه هو الذي أرسل وفدًا إلى سليمان أيضا (1 مل 5: 15)، فيكون أنّ ملك صور الذي أرسل وفدًا إلى داود، لم يكن إلى أحيرام، أو أنّ الوفد جاء في نهاية مُلْكِ داود.
(آ 13-16) بنو داود في أورشليم. هذه الآيات هي تكملة للآيات 3: 2-5 عن بني داود المولودين له في حبرون. بين هذه الأسماء، يُلفت انتباهنا سُليمان ابن داود من امرأته بتشابع.
(آ 17- 25) داود ينتصر على الفلسطيّين: غضب الفلسطيون حين رأوا رجلاً تابعًا لهم يُمْسَحُ مَلِكًا في حبرون، وقلقوا لمّا رأوا سُلطانه يتّسع، فاكتشفوا فيه عدوًّا يُهدّد أمنهم.
هل كانت الحرب بين داود والفلسطيين قبل احتلال أورشليم؟ في هذه الحال، يكون داود قد لجأ إلى مغارة عدلاَّم (1 صم 22: 1- 5). أمّا إذا كانت بعد احتلال أورشليم، فيكون حينئذ قد فهم نيّة الفلسطيين في احتلال قلعة صهيون، ولهذا نشر جيشه في وادي الرفائيم، إلى الجنوب الغربي من أورشليم. أمّا بعل فراصيم (اي سيّد الفرضات) فقُرْبَ أورشليم.
وسأل داود الربّ كعادته، فأجابه الربّ: إذا سمعت صوت خطوات، هي خطوات الربّ الآتي على الرياح (22: 11، مز 18: 11)، فتقدّم. هجم داود على الفلسطيين، فأعادهم إلى حدودهم، إلى مدخل جازر.
2- تابوت العهد في أورشليم (6: 1-23)

هذا الخبر يكمّل قصة تابوت العهد، كما تركناها في 1 صم 7: 1، إلا أنّ قرية يعاريم صارت بعلة (يش 19:15 التي هي أيضاً قرية بعل، رج يش 15: 60؛ 18: 14)، والعازار صار عزّة وأحيو. وهذا يدلّ على أننا أمام مصدر أدبيّ آخر.
(آ 6: 1- 11) تابوت العهد رمز إلى الله القدّوس والقدير: يُعاقب ويُبارك.
إشتدّ غضب الربّ على عزّة (آ 7)، فتابوت العهد رهيب لأعدائه (1 صم 5: 1 ي) والمُستخفّين به (1 صم 6: 19). أمّا هنا فنحن أمام قداسة تابوت العهد الذي هو عرش الربّ، فلا يمسّه إنسان. نسي عزّة أنّه أمام تابوت الربّ، فمات بسبب جسارته (خر 19: 21- 24؛ لا 16: 2). فاللاويون نفسهم لا يَقْرُبُون التابوت، قبل أن يُغطّيه الكهنة (عد 15:4- 20)، ولا يمسّونه بل لا يحملونه إلا بواسطة العَتَلة (خر 15:25).
لم يأخذ داود تابوت الربّ ألى مدينته بل جعله في بيت عوبيد أدوم الجتي. كان هذا أحد المرتزقة الفلسطيين من مدينة جت (18:15- 22، 18: 2)، حيث أقام داود بعض الوقت (1 صم 27: 1 ي؛ 29: 1 ي). إختار داود رجلاً غريبًا، ولكنّ الله بارك الرجل الغريب وكلّ بيته (آ 11). حينئذ تشجعّ داود، وقرّر نقل تابوت الربّ إلى مدينته.
(آ 12- 23) دخول تابوت الربّ إلى أورشليم دخول الفاتحين: رفضت أن تستقبله ميكال، فرُفضت (آ 14).
لبس داود لباس الكهنة (تنطق بافود من كتّان)، فرقص أمام التابوت وقدّم الذبائح (آ 17) ولكنّ امرأته ميكال ابنة شاول، لم ترضَ عمّا فعله زوجها حين تعرّى. ولكنّ الشريعة ستحتاط للأمر فتمنع بناء درجات للمذبح (خر 26:20)، وتفرض على الكهنة أن يلبسوا السراويل (خر 28: 42- 43).
أقاموا تابوت الربّ في وَسَط الخيمة (آ 17). هذه الخيمة ليست خيمة اللقاء التي تُحَدِّثُنا عنها التقاليد الموسوية (خر 7:33؛ عد 14:11-26) أو الكهنوتية (خر 27: 21)، أو التي نراها في شيلو ( يش 18: 1، 19: 51) أو جبعود (2 أخ 1: 3 ي) أو أورشليم (1 مل 8: 4).
قدم الملك الذبائح، وكانت تلك إحدى حقوقه القديمة (1 صم 7:13- 15) ويحتفظ بها الكاتب الكهنوتي (2 أخ 16:26- 20) للكهنة دون المَلِك.
ثم وزّع على الشعب رغيف خبز وقطعة لحم وقُرْص زبيب.
ورجع داود ليُبارك (عمل كهنوتي رج 1 مل 8: 14- 55؛ عد 27:6) بيته او ليُقيم (إذا رجعنا إلى كلمة برك العربية أو إذا أخذنا بالترجمة السريانية) في بيته.
كم كان ملك إسرائيل وقورًا (آ 20)، هذا ما قالته ميكال ساخرة. ولكن داود أجابها بكلام يدلّ على عُمقِ إيمانه وبساطته في ممارسة ديانته. لقد ازداد شرفًا، لأنّه فعل ما فعل إكرامًا للربّ.
ولم تلد ميكال ولدًا (آ 21)، لا لأنّ الله حبس رحمها، بل لأنّ داود ابتعد عنها، فعاملها كالجواري اللواتي سيتنجّسن مع أبشالوم (20: 3). لقد رفض الله نسل شاول حتى في ابنته. رفضها بسبب رفضها استقبال الربّ الداخل إلى اورشليم مدينته (1 أخ 15-16؛ مز 24، 132) دخول الانتصار.
3- بيت الله في أورشليم (7: 1- 29)

أعطى الله داود أن يحتلّ أورشليم، فجعلها مدينة الله، ونقل إليها تابوت العهد، وجعل فيها قصره. ولكن خَجِل أن يُقيم هو في بيت من أرز، ويُقيم تابوت الربّ في خيمته. ولكن ليس داود من يبني بيتا للربّ وهيكلاً، بل الربّ هو يؤسس بيتًا لداود، فيجعل نَسْله يدوم إلى الأبد، لذلك أرسل اليه النبي ناتان. ليس داود من يبني هيكلاً للربّ، بل ابنه سليمان (آ 13).
هناك فكرة دينية تفصل بين نَسْل داود وبناء الهيكل، فتدلّ على مجانية عطيّة الله لداود: حين جعله الربّ رأس سُلالة ملكيّة، أظهر عِظَم عطاياه له. أخذه من وراء الغنم، وجعله رئيسًا على شعبه، ثمّ كان معه على أعدائه، فأقام له اسمًا عظيمًا
(آ 8- 9). وهناك واقع تاريخي: إن لم يكن لداود أن ينفّذ المشروع الذي جعله نُصْب عينه (آ 2)، فابنه يُحقق رغبات قلبه (1 مل 6: 1 ي).
إنّ وعد ناتان، يوجّه أنظارنا إلى استمرارية سُلالة داود على عرش بنى إسرائيل (آ 12- 16). هذا ما فهمه داود وهذا ما يفهمه مز 30:89 -38؛ 132: 11- 12. فالقول النبويّ يتجاوز شخص سليمان، أول خليفة لداود، (آ 13؛ 1 أخ 17: 11-14؛ 22 : 10 ؛ 6:28؛ 1 مل 5:19 ؛ 16:8-19)، ليصل بنا إلى ممّيز، يرضى عنه الربّ كلّ الرضى. إنّه الملك المسيح المُنتظر، بل يسوع المسيح الآتي من صُلْب داود بحسب الجَسَد (أع 2: 30).
(آ 7: 1- 17) نبُؤة ناتان: ولمّا سكن الملك في قصره (آ 1). هذا هو الأسلوب الاشتراعي الصريح، كما نقرأه في تث 12: 10؛ يش 21: 44؛ 1 مل 18:5.
أنا مُقيم في بيت أرز (آ 2). بنى داود بيته بمُساعدة أحيرام ملك صور (5: 11)، كما سيبني سليمان بمُساعدة هذا الملك أو غيره، هيكل الربّ (1 مل 5: 20).
ناتان هو أحد الانبياء في القصر الملكيّ... سيوبّخ الملك على فعله الشنيع (12: 1 ي) ويعمل كثيرًا ليُوصل سُليمان إلى سدّة المُلك (1 مل 1: 1 ي). سيجعله التقليد أحد المؤرخين في عهد داود (1 أخ 29:29).
قل لعبدي داود (آ 5). ألملك يخضع للربّ. كما يخضع الشعب للمَلِك، كذلك يخضع الملك للربّ ويتعبّد له (18:3؛ 1 مل 11 : 13، 32).
ما سكنتُ بيتًا (آ 6). أقام الربّ في شيلو (1 صم 1 :7)، وعندما بُني الهيكل كان له قصر جميل كقصر الملك، إن لم يكن أجمل، لأنّه هو الملك الحقيقيّ لشعبه.
بيت لإقامتي. لسُكناي (يشب في العبرانية). هذا الفعل يتردّد (في آ 1، 2، 6، 18) أمّا التساؤلات التي نقرأها في آ 5، 7 فتدلّ على رَفْضٍ لبناء بشريّ يصلُح لسَكَن الله (أع 48:7: الله لا يسكن بيوتًا صنعتها الأيدي). هذا الكلام سيتوضّح بعد دمار الهيكل. نقرأ في 1 مل 8: 27: هل يسكن الله حقًا على الأرض؟ ألسماوات، وسماوات السماوات لا تسعه، فكيف هذا البيت الذي ابتنيته، يقول سُلمان. وفي أشعيا (66: 1- 2): "ألسماء عرشي والأرض موطىء قدميّ، فأيّ بيت تبنون لي، وأيّ مكان يكون مقرّ راحتي؟ "
أقمت لك اسمًا عظيمًا (آ 9). في هذا تلميح إلى الأراضي الواسعة التي سيحكها داود.
جعلت مكانًا لشعبي وغرستُه (آ 10؛ رجِ خر 17:15؛ ار 6:24 ؛ حز 36: 36). هذه الآية تصوّر لنا مناخ السلام الذي نعِمَ به الشعب في عهد داود، كما ترفع أنظارنا إلى ما ينتظره الشعب، بعد سقوط المَلَكية ودمار أورشليم سنة 587 ق. م.
أقمت لك خَلَفًا يخرج من صُلْبك (آ 12). هذه الآية تربط بين نسل داود إجمالاً (22: 51؛ مز 89: 5 ، 30، 37) ونَسْلِه المُباشر أي سليمان (آ 13). وسُليمان هذا سيؤدّبه الربّ كما يؤدّب الأب ابنه. نلاحظ أنّ 1 أخ 13:17 قال بلسان الربّ: أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا، وأغفل عن ذِكْر تأديب الربّ لمَلِكه. أجل إنّ الملك ليس فوق الشريعة، وإن خطىء سيُعاقَب بسبب خطاياه (12: 9- 12)، أمّا نسله فلا يُعاقب، رغم ما تقوله الشريعة (خر 20: 5؛ 34: 7؛ عد 14: 18؛ تث 5: 9) وبيته يثبُت إلى الأبد. الله عاهد داود عهدًا أبديًا (23: 5؛ مز 89: 29)، وهو لا يُخْلِفُ بوَعْدِه.
يبني بيتًا لاسمي (آ 12). نحن هنا في جوّ اللاهوت الاشتراعي. فأورشليم هي الموضع الذي اختاره الله ليحلّ فيه اسمه (تث 12: 5، 11، 21؛ 23:14- 24)، بعد أن بنى فيها سليمان بيتًا لاسم الربّ (1 مل 2:3؛ 2 مل 4:21، 7).
أكون له أبًا، ويكون لي ابنًا (آ 14) . الربّ يتبنى مليكه (مز 7:2؛ 27:89) بانتظار أن يُعلن ليسوع: أنت ابني الحبيب، بك رضيت ( لو 3: 22).
(آ 18- 29) صلاة داود: رد داود صلاة مديح وشكرٍ إلى الله الذي قَبِل أن يعاهده عهدًا ابديًا. جلس في خيمة الربّ حيث تابوت العهد، ومز حضوره، وقال: من أنا يا سيدي الربّ... يذكر داود عهد سيناء (آ 24) كما نقرأ في خر 7:6 ؛ تث 7: 6 ؛ 17:26؛ 29: 12. من هو الإنسان (قض 6: 15؛ 1 صم 9: 21) أمام الله العظيم (مز 27:35؛ . :17) ؛ ألربّ بدأ فأغدق عطاياه على ملكه فعظّمه، وعلى شعبه فجعل لهم اسمًا (1 أخ 17: 21) وثبّتهم إلى الأبد. وكما فعل الرب في الماضي (تث 9: 5) فهو سيتحنّن ويُبارك (مز 21: 4- 7؛ 3:45).
4- حروب داود (8: 1- 18)

نقرأ هنا مُلخصا لحروب داود، قبل أن نتفرّغ لعائلته، وما فعل أفراد الحاشية في سبيل الخلافة. لا يذكر الكاتب هنا حرب داود مع بني عمّون، لأنه سيذكرها في معرض حديثه عن أوريا الحثيّ وامرأته بتشابع.
بعد هذه الحروب، سيطر شعب إسرائيل على الممالك المجاورة، فعّم السلام أرض كنعان في عهد سليمان، مَلِكِ السلام.
(آ 8: 1- 2) إنتصر داود على الفلسطيين، وأخضع الموآبيين، بعد أن قتل منهم من قتل.
(آ 3- 8) إنتصار داود على الآراميين: إنتصر على هددعازر ملك صوبة (10: 6- 8)، وأخضع الآتين من دمشق، وسَلب مدينتي هددعازر باطح وبيروتاي (في البقاع اللبناني).
شرع داود في استعمال المركبات الحربية (15: 1) وسيسير سُليمان على خُطاه (1 مل 26:10- 29)، ولكنّ العبرانيين لا ينفكّون يرفضون اللجوء إلى الخيل والمركبات (تث 17: 16؛ اش 31: 1؛ مي 5: 9) قال المزمور: يفتخر العدو بخيله ومركباته، أمّا شعب الله فيتّكل على اسم الربّ إلهه (مز 8:20).
(آ 9- 12) وأرسل توعي (او توعو حسب اليونانية) ملك حماة إلى داود الهدايا، بواسطة ابنه يورام (أو هدورام) (1 أخ 18: 10) فكرّس داود كلّ شيء للربّ.
(آ 13- 14) أخضع داود بني أدوم، وكذا فعل مع بني عمّون وبني عماليق.
(آ 15- 18) إدارة الملك داود: نقرأ هنا لائحة بالأشخاص العاملين مع داود. سنجد لائحة أخرى في 20: 23- 26 مع الملاحظة أنّ شيوا صار كاتبًا بدل سرايا، وعيرًا كاهنًا وادورام على الخراج. وإذا نظرنا إلى اللائحة التي في عهد سليمان (1 مل 4: 1- 6)، نجد أنّ قائد الجيش جُعِل بعد الكاهن والمسجل والكاتبين، لأنّ الشؤون الحربية صارت في المرتبة الثانية في عهد الملك الذي ارتبط اسمه بالسلام.
يوآب: قائد للجيش. يوشافاط: المتحدّث باسم الملك. صادوق واحمالك: كاهنان. سرايا: كاتب. بنايا: قائد الحرس الملكيّ، ألمؤلّف من الكريتيين (أي من جزيرة كريت في البحر المتوسط) والفلطيين (أي أبناء فلسطية).
نُلاحظ أنّ صادوق وأحيملك سيحتفظان برئاسة الكهنوت طوال عهد داود. كان أبياتار من نسل عالي. إلتحق بداود منذ البداية (1 صم 22: 20). سيعزله سُليمان (1 مل 26:2-27)، فينحصر الكهنوت في عائلة صادوق (حز 46:40؛ 15:44؛ 48: 11).
ونُلاحظ أنّ سرايا هو سيوا (20: 25)، وأن شيشا (1 مل 3:4) هو الكاتب في اللغة المصرية.

ج- ملاحظات على الفصل العاشر
1- إحتلال أورشليم

قال السيد الربّ لأورشليم: أهلُكِ ومولدُكِ من أرض الكنعانيين. أبوكِ أموري وأمّكِ حثّية. يوم ولدت لا أحد قطع سيرتك، ولا غَسَلك بالماء تنظيفًا... ما رحمَتك عَيْنٌ ... بل نُبذتِ على وجه البرية، احتقارًا لك يوم وُلِدْت. فمررتُ بك ورأيتك متلطّخة بدمك، فقلت لك: كُوني حيّة، عيشي، وربيتك. كنتِ في البرّية فنميت وكبرت وبلغتِ سنّ الزواج... ومررتُ بك ثانية فرأيتكِ، وحلفتُ لك ودخلتُ معك في عهد فصرتِ لي.
هذا الكلام لحزقيال النبي (16: 2- 8)، يُلخّص تاريخ أورشليم التي وُلِدَت مرّتين: مرة أولى يوم ولدت ممالك الشرق في الألف الثالث أو في الألف الثاني ق. م. أرضها أرض كنعان، أبوها أموري وأمّها حثّية، وفيها اجتمع الساميّون والآريون. اسمها أورشليم اي مدينة الاله "شاليم "، وستُصبح مدينة السلام. وولدت مرّة ثانية يوم نظر الربّ إليها، كما نظر إلى ذاك الراعي الصغير. وكما جعله ملكًا على شعبه، جعل أورشليم أمّ المدائن. سيحتّلها داود ويجعلها هدية لربّه، وإليها سينقل تابوت العهد، رمز حضور الله وسط شعبه. أمّا كيف احتلّ داود أورشليم؟ لا يقول الكتاب شيئا. يُمكن أن يكون يوآب قد دخلها عبر وادي قَدْرون، مُنطلقًا من نبع جيحون. دهش اليبوسيون وارتاعوا، ولكنّ الداخلين فتحوا الأبواب.
أمّا اليبوسيون فدخلوا في شعب الله كسائر شعوب كنعان، وشريعة الإبسال ظلت نظرية، بعد أن قال الله في تث 23: 8- 9: لا تَكْره الأدومي لأنه أخوك، ولا تكره المصريّ لألك نزلت في أرضه، والجيل الثالث من البنين الذين يولدون لهم، يدخلون في جماعة الربّ، وسيكون في أورشليم شعوب عديدة ومنهم الكريتيون والفلطيون (18:8 ؛ 23:20)، ألذين يشكّلون حرس داود الشخصي.
ويُقيم داود في أورشليم، وإليها يأتي بنسائه المتعددات وبنيه العديدين. وسيرتبط اسم داود بأورشليم، وإن تركها يومًا أمام ابن متمرد وقوي، فهو يتركها باكيًا، ويعود إليها حال يزول الخطر. في أورشليم سيلد له سليمان، وفي أورشليم سيُدفن على تلّته الحبيبة في قبر، يكون مِحَجَّ الزوار (1 مل 2: 10؛ في أع 2: 29 نقرأ أنّ قبر داود لا يزال معروفًا). أمّا السبب فلأنّ الربّ القدير معه (5: 10). أقرّه ملكًا وعظَّم ملكه من أجل شعبه (12:5).
2- يوم تابوت العهد

جاء اليوم الذي فيه يصعد تابوت الربّ إلى المكان الذي هيأه له داود، إلى المكان الذي اختاره الربّ له. أيّ امتنان وشكر وفرح، وبهجة وحماسة وورع في قلب داود وشعبه، في يوم تابوت الربّ هذا! في ذلك اليوم "سَكِرَ" داود، فرقص حتى نَسيَ نفسه.
أليوم الذي فيه أقام الله على عرشه في أورشليم، كان قِمّةً من قمم تاريخ الله ونهاية طريق امتدت مائتي سنة. منذ زمن الحياة في البرّية، وتابوت الله يسير مع هذا الشعب الباحث عن مصيره (عد 36:33:10). وحين دخل الشعب أرض كنعان، كان لتابوت الربّ دور كبير (يش 3- 6) قبل أن ينطلق من الجِلْجال فيُقيم في شكيم وشيلو (1 صم 1-3) وقرية يعاريم (1 صم 4-6).
إنتقل الربّ من خيمة إلى خيمة، وها قد جاءت المرحلة الأخيرة من تجواله. لم يعد بنو إسرائيل مجموعة قبائل، بل شعبًا يُقيم على أرض أعطاهم الله إيّاها. ألعهد عهد سلام، والمملكة مملكة الربّ، وستصير أورشليم عاصمة هذه المملكة. فأورشليم هي المكان الذي اختاره الله، ليُقيم فيه احمه ويجعل فيه سُكْناه (تث 12: 4، 11؛ 23:14؛ 1 مل 8: 44، 48). أورشليم هي عرش الله (ار 17:3) وحضور الله (حز 48: 35) ومدينة الله (اش 60: 14).
كانت أورشليم مختلفة عن سائر المدن، كشكيم وبيت إيل وجبعون وحبرون العريقة بأماكن العبادة الموجودة فيها، فلم يكن لها ماضٍ دينيّ. ولكن عندما يُقيم فيها تابوت العهد، ستُصبح موضع بركة، يتقاطر إليها الناس من كلّ جهة، ستُصبح سيناء جديدًا بل تحلّ محلّ سيناء، فتصير الجبل المقدّس. قالت أشعيا (2: 2-3): "يكون في الآتي من الأيام، أنّ جبل بيت الربّ، يُوطَّد في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه جميع الأمم، وينطلق شعوب كثيرون ويقولون: هلّموا نصعد إلى جبل الربّ، إلى بيت إله يعقوب، وهو يعلّمنا طرقه وسُبُله فنسلك فيها، لأنّها من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب" (اش 2: 1-2 ؛ رج مي 4: 1-2).
وصارت أورشليم المدينة الحصينة التي لا تُؤخذ (مز 46؛ 48 ؛ 76؛ اش 29: 1-8). ويوم أدخل داودُ إليها تابوت العهد، سبقه نشيد قديم: إنفتحي أيّتها الأبواب، وليدخل ملك المجد. من هو ملك المجد؟ الربّ القويّ القدير (مز 7:24-8). وهكذا أقام الرب في راحته هو وتابوت عزّته، فدخل المؤمنون إلى مساكنه، وسجدوا لموطىء قدميه، ولبس كهنته الثياب الموشّاة ورنّم أتقياؤه أجمل الترانيم (مز 132: 6-8).
3- ألمسيح الملك

المسيح هو الذي مُسح بالزيت المقدّس، وقد أُطلقت الكلمة أول ما أطلقت على الملك. فالمسح بالزيت يرمز إلى تقليد السُلطة. يكفي أن يَمسَحَ صموئيلُ شاول، ليُصبح شاول قائدًا على شعب الله (1 صم 9: 16؛ رج 10: 1، 10؛ 13:16). حين يُمسح الملك، يُكرَّس لوظيفة تجعله نائب الله على الأرض.
يُمسَح الملك فيصبح مسيحَ الله (22:19؛ مرا 4: 20)، أعني شخصًا مكرسًا، يجب على كلّ مؤمن أن يقدّم له إكرامًا دينيًا. وهذا ما نتيقّنه خاصّة لدى قراءتنا سِفْري صموئيل. فداود مثلاً، يمتنع عن رَفع يَدِه على مسيح الله، رغم أنّه خصْمه ويُطارده حتى الموت (1 صم 24: 7- 11؛ 9:26-23). وحين أخبره الرجل العماليقي، أنّه أجهز على شاول، بناءً على طلبه، أمر داود بقتله، لأنه لم يتورعّ أن يَمُدّ يده، ويقتل مسيح الرب (1: 14-16).
كان شاولُ مسيحَ الرب ومُحقّق مقاصده، ثم صار داود. وبعد نبؤة ناتان (7: 12-16) أصبح نسله هو الذي يتخذه الله له، ليُحقّق تدابيره في شعبه. فيكون بين الله وملكه عهد. هو يفضّله على سائر الناس بل يتبّناه (مز 7:2). وبسبب حماية الله لملكه، تُصبح الثورة عليه ضربًا من الجُنون، لأنّ الله لن يتأخر عن التدخّل من أجل إنقاذه.
ولكنّ الملوك في السامرة، كما في أورشليم، لم يحفظوا عهد الله، بل عملوا الشرّ أمامه وما حفظوا وصاياه. لهذا رذلهم الله ورذل معهم شعبهم. وتجسّم هذا الرذل في دمار الهيكل والمدينة وإزالة السلالة الملكية وإذلال المؤمنين بالإقامة في المنفى. أمام هذه الحالة تطلعّ الناس إلى خلاص من الربّ، يؤمّنه ملك يختاره الربّ ويُرسل عليه روحه.
فشلت التجربة الملكية، فأنبأ هوشع بزوالها: سيُحرم بنو إسرائيل أيامًا كثيرة من ملك ومن رئيس ومن مذبح يقدّمون عليه الذبائح (هو 3: 4- 5)، وواجه إرميا الشعب فأبان لهم انحطاط أسرة داود، وما سيحلّ بها من خراب في شخص يوياقيم بن يوشيا: يموت فلا يُندب ولا يُدفن بل يُطمَر كالحمار، ويُطرَح خارج أبواب أورشليم (ار 18:22-19). أمّا كنيا الابن، فلا يكون حظّه أفضل من حظّ أبيه: كان خاتمًا في يد الله، فنزعه الله ورماه (ار 22: 24)، بل أبعده عن أرضه.
ولكن منذ القرن الثامن، يوجّه أشعيا (9: 1-6؛ 23: 1-5؛ 11: 1-9)، الأنظار إلى الملك الآتي، منح الشعب الفرح والنصر والسلام والعدل، وحين يحلّ الدمار بالملكية وتزول أورشليم، سيصلّي الشعب ويطلب من الربّ ملكًا يكون مثل داود. يتصوّره زكريا (9:9- 10) صدِّيقا مُخلّصا وديعًا، يُلغي كلّ سلاح عن الأرض.
سينتظر الشعب اليهودي هذا الملك المثالي، وما زالوا ينتظرون، أمّا الذين آمنوا بابن الله الذي صار جسدًا (يو 1: 14)، فقد عرفوا في يسوع المسيح ذاك الآتي من عند الربّ، والخارج من أرض البشر ليُقيم ملكوت الله. بهذه الصورة تمّت النبؤة التي جعلت يسوع ابن داود. ولكنّ يسوع لم يكن كملوك الأرض، وملكه ليس من هذا العالم، بل كان مَلِكًا بموته وقيامته، فجمع في شخصه كلّ أبناء الله المشتتّين إلى واحد

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM