الفصْلُ السّابع: دَاوُد رَئيسُ عصَابَة

الفصْلُ السّابع
دَاوُد رَئيسُ عصَابَة
22: 1- 36: 25

أ- المقدّمة
ألموضوع العام هو حرب داود أمام شاول: من كان صاحب الحُظوة الأولى عند الملك صار اليوم مُلاحَقًا كلصّ ومجرم. في هذا الإطار يبدو شاول بغيضا أو أهلاً للشفقة، وأما داود فما زال ينمو، فيُصبح مُحبّبًا إلى القارىء. وخاتمة هذا الصراع ستكون موتًا لشاول، وحُرّيةً لداود. وبانتظار تلك الخاتمة نتعرّف الى "حكمة" ملك شعب إسرائيل العتيد.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- شاول يذبح كهنة نوب (22: 1-23)

(آ 22: 1- 5) داود يهيم على وجهه هاربًا من شاول: عدلاَّم مدينة من مُدُن السهل (يش 12: 15 ؛ 15: 35) تقع شرقيّ سوكو (17: 1) وشمالي قعيلة (23: 1). أمّا مغارة عدلاَّم (تك 38: 1)، فتقع إلى الجنوب الغربيّ من أورشليم (مي 1 :15).
مصفاة موآب، مكان نجهل موقعه. أبعد داودُ أهلَ بيته الى موآب، وهو ابن راعوت الموآبية (را 4: 21-22، مت 1: 5-6)، فلا يطالهم انتقام شاول.
يلعب النبي جاد (2 صم 24: 1 ي) دورًا كدور الكاهن أحيملك (22: 10)، أو الكاهن أبياتار (23: 9- 12؛ 30: 7-8). تصل أوامر الربّ إلى النبي أو إلى الكاهن، فينقلانها بدورهما إلى داود (23: 4؛ 2 صم 2: 1؛ 5: 9، 23).
(آ 6-23) مقتل كهنة نوب: عرف شاول بواسطة دوئيج الأدومي أنّ داود زار أحيملك الكاهن (21: 2- 10)، فدعا الكاهن وأهل بيته، وبعد محاكمة سريعة، أمر رجاله أن يقتلوا الكهنة فرفضوا، حينئذ أمر دوئيج فقتلهم كلّهم، ما عدا أبياتار الذي نجا بنفسه وهرب إلى داود.
(آ 7) إسمعوا يا آل بنيامين. ماذا سوف تنتظرون من رجل هو من قبيلة يهوذا. لا ننسى أنّ شاول كان من قبيلة بنيامين.
(آ 14) أجاب أحيملك... أي شرّ عمل وهو الذي استقبل صهر الملك ورئيس حرسه. يظهر هنا شاول بوجهه البغيض: لا يستطيع شيئًا ضِدّ داود، فهو ينتقم بطريقة ظالمة.
(آ 17) قال للسُعاة (أو الحرس): أقتلوا كهنة الربّ، فرفضوا. ولكنّ رئيسهم الغريب عن أرض إسرائيل، لن يتردّد في القيام بالمهمّة. نلاحظ هنا تشديد النصّ على ذكر كهنة الربّ.
(آ 20) نجا أبياتار وحده، فتمتّ كلمة صموئيل على بيت عالي (2: 31-32). ولكنّ سليمان سيُبعده (1 مل 26:2-27)، ويُحلّ محلَّه صادوق (1 مل 1 :26).
2- داود في البرّية: قعيلة، زيف (23: 1-28)

(آ 23: 1-13) داود في قعيلة: قعيلة مدينة في المنطقة السُفلى (او السهل، يش 15: 44)، تقع جنوبيّ عدلاَّم (22: 1 ). سأل داود الربّ (آ 5) بواسطة النبي جاد (22: 5)، فأجابه الربّ: إذهب. ثُمّ سأل الربّ ثانية: هل يُسلّمني أهل قعيلة؟ نم يسلّمونك. لا شكّ أنّ داود ورجاله عاشوا على حساب أهل قعيلة، ولهذا أراد أهل قعيلة التخلّص منه ومن رجاله. فهرب داود، وكفّ شاول عن مُلاحقته.
(آ 14-18) زيارة يوناتان لداود: هذا الخبر يرتبط بالتقاليد المتعلّقة بصداقة يوناتان لداود (20: 11-17). يُعلن يوناتان أنّ داود سيكون الملك، وسيكون هو ثانيه. هل نحن بصدد موآمرة بين داود ويوناتان (20: 3؛ 22: 8)؟ يستبق الكاتب الأحداث (2 صم 12:5) ولكنّ لا شيء مؤكّد. ويوناتان ينتظره مصير مأسوي.
برية زيف تقع جنوبي حبرون، وحرشة في جنوب هذه البريّة.
(آ 19-28) داود ينجو من شاول: آ 7-13 و آ 19-28 تروي كيف أفلت داود من شاول الذي يُلاحقه. تصرّف أهل زيف كما تصرّف أهل قعيلة حين اختبأ داود ورجاله في برّية معون، جنوبي زيف. تلّ حكيلة (آ 191) يقع شرقيّ زيف.
سلع ها- محلقوت (أي الصخرة الملساء: خلق العربية)، أي صخرة الافتراق (بين شاول وداود) أو صخرة التردّد (تردّد شاول فيمَا يجب عمله).
3- داود يعفو عن شاول (24: 1-23)

إنّ ف 24 يقابل ف 26، وكلاهما يُشدّدان على كرَم داود واحترامه لمسيح الربّ. في أساس ف 24 نقرأ خبرًا قديمًا (آ 4، 5، 8، 9، 12، 13)، يروي كيفا عفا داود عن شاول الذي يُلاحقه (23: 8، 25) وكيف أبان داود عن عِزّة نفس وإخلاص تُجاه شاول. ألربّ بذاته سلّم شاول إلى يد داود (آ 5، 11، 19؛ رج 26: 8، 23). ولكن داود رفض أن يمدّ يده الى سيّده (آ 7، 9، 11؛ رج 17:26، 18، 19) مسيح الرب (آ 7، 11؛ رج 26: 9- 11، 16، 23). لقد سلّم داود قضيته إلى الربّ وهو يفعل (آ 13-16؛ رج 25: 26، 31، 33، 39). ولقد توسعّ الكاتب في رسم مشهد مؤثر في آ 17-23 (رج 17:26-25)، فجعل شاول نفسه يُعلِنُ أنّ داود سيكون ملكًا (آ 21؛ رج 17:23؛ 28:25-30)، ويطلب إلى داود إلاّ يقطع نسله من بعده (آ 22؛ رج 18:23)
عين جدي قريبة من شاطىء بحر الميّت
قطع طرف رداء شاول (آ 5)، ولكنّه ندم، لأنّ الثوب هو بديل الشخص، فمن أعطى ثوبه، ألزم نفسه (18: 4) ومن لمس ثوب إنسان، يكون وكأنّه لمسه.
هاعيناك رأتا اليوم (آ 11). يسلم داود دعواه إلى الربّ وهو ينتقم له (تث 35:32، 43؛ ار 11 : 20).
قال داود لشاول: أنظر يا أبي (آ 12)، قال شاول: يا ابني (آ 17)، ورفع صوته وبكى. هنا نُشفق على شاول.
4- داود وابيجائيل (25: 1- 44)

(آ 25: 1) ومات صموئيل: هذه محطة تاريخية بحسب الأسلوب الاشتراعي. هكذا يقول الكتاب عن موسى (تث 34: 5) ويشوع (يش 24: 29- 30؛ قض 8:2-9) وجد عون (قض 8: 32) ويفتاح (قض 12: 7؛ رج 10: 2، 5؛ 12: 10، 12،15) .
دُفن في بيته أي في ملكه، بحسب العبرانية واليونانية، أمّا السريانية فتقول: دُفن في قبره هذا يعني أنّه مات بشيبة صالحة، ودُفن في قبر أجداده. سيكون حظّه أفضل من حظّ شاول الذي سيموت في ساحة الوغى، فلا يُدفن إلاّ بعد زمان.
نزل داود إلى بريّة فاران (تك 21: 21؛ عد 10: 12؛ 12: 16)، وهي تقع جنوبي المنطقة التي يهيم فيها (ف 22-26)، لذلك قالت الترجمة اليونانية: برّية معون
(آ 2-42) قِصّة نابال وابيجائيل: ألكرمل مدينة جنوبي معون وحبرون. إمتزجت قبيلة كالب ببيت يهوذا منذ دخول العبرانيين أرض الميعاد (يش 13:15 ي؛ قض 1 :12 ي).
جزّ الغَنَم مناسبة عيد (2 صم 23:13 ي)، فيدلّ صاحب الغنم على سخائه. وقد استفاد داود من المُناسبة، ففرض "حقّ الأخوة" أو "خُوّة" على نابال، لأنّه يحميه من الغازين ومن رجاله، فلا يسمح لهم بان يُؤذوه.
نابال هو الجاهل والأحمق الذي يتصرّف بطريقة رعناء مع الله ومع الناس (آ 25). هو البليد والمُنافق والشرّير (اش 32: 5 ي).
دافعت أبيجائيل عن نفسها وعن بيتها، فتحدّثت عن نجاح داود العتيد، وربطت هذا النجاح بسلوك داود الذي لا عيب فيه. ولكنّ نبوءة ناتان (2 صم 7: 1 ي) ستشدّد على أنّ هذا النجاح هو نعمة من الرب، لا ثمرة أعمال داود.
فلتكن حياتك مصرورة (آ 29) أي محفوظة كالكنز. يُشبَّه الله بحامل مقلاع، يحتفظ بالحجارة الصالحة ويرمي بالطالحة من جرابه. هناك نصوص مُشابهة تحدّثنا عن سِفْر الحياة (مز 29:69، اش 3:4): أمّا حياة أعدائك... وهذا ما سيحدث لنابال (آ 36-38). أبعدت أبيجائيل الشرّ عن بيتها حين ذهبت إلى داود، وذكرت أنّ الانتقام للربّ لا للناس (13:24، 16). ولكنّ الكاتب جعل من كلامها إعلانًا مُسبقًا عن مُلْك داود: لا بدّ أن يُقيم الربّ ملكًا (آ 28)، سيُقيمك الربّ رئيسًا على إسرائيل (آ 30) سيُنْعِم عليك فاذكر جاريتك (آ 31؛ رج 17:23؛ 24: 21؛ 26: 25).
(آ 43-44) وتزوج داود أيضًا احينوعم من يزرعيل، وهي مدينة قرب الكرمل (يش 15: 56) في الجنوب، وهي غير عاصمة ملوك إسرائيل الصيفية، والتي تقع في شمال البلاد.
وخَلَف شاول بوعده، فأعطى ابنته ميكال زوجة لفلطي من جليم، وهي مدينة تقع شمالي أورشليم (اش 10: 30)، ولكن ميكال ستعود، فيمَا بعد، إلى زوجها الأوّل (2 صم 13:3-26).
5- داود يعِفّ عن شاول (26: 1- 25)

يُورد ف 26 خبرًا مُشابهًا لما نقرأه في ف 24: أُبلغ شاول بوجود داود، فانطلق في أثره: يجعل الكاتب داود وشاول في مكان واحد مع تمييز لداود: يأخذ داود شيئًا يكون شاهدًا على مروره قرب شاول، يتعرّف شاول إلى هذا الشيء. يتحاور داود وشاول ثم يفترقان. بين الخبرين عبارات كثيرة متشابهة أو مشتركة، وهي تدلّ على عمل الرواة الذين توسّعوا في سَرْدِ خبر قديم. أمّا نواة الخبر في ف 26، فتكريم لشجاعة داود وكِبَر نفسه: تسلّل إلى مخيّم شاول، وأخذ رمح شاول دون أن يؤذيه، وأعلن من بعيد عمله المجيد، هازئًا برجال شاول الذين عجزوا عن حراسة سيّدهم.
ألتقارب بين ف 26 وف 24 يجعلنا أمام اقتراحين اثنين: ألأوّل يعتبر أنّنا أمام حَدَثين مُتشابهين، قد جعلهما التقليد الشفهيّ والخطيّ في قالب واحد. والثاني يعتبر أنّنا أمام خبر واحد، كرّره الراوي ليزرع في قلب سامعيه خبر سخاء داود وعزّة نفسه. الافتراض الثاني أقرب إلى المعقول، مع بعض اختلافات، منها أنّ داود جاء وحده إلى الموضع (آ 5، 12)، فأخذ رمح الملك (آ 22)، ومنها أنّ داود وأبيشاي (آ 6 ي)، جاءا إلى الموضوع وأخذا رمح شاول وكوز الماء (آ 11، 12، 16).
رجال من زيف (آ 1) خانوا داود (23: 19 ي) وأبلغوا شاول بوجوده بينهم. أبنير هو قائد جيش شاول (14: 50 ؛ 17: 55 ؛ 2 صم 8:2). ذكره الكاتب هنا فذكر ابيشاي عدوّه اللدود (2 صم 2: 1 ي).
لا يُذكر أحيمالك الحِثّي إلاّ في هذه الآية (آ 6). أبيشاي ويوآب هما ابنا أخت داود "صروية" (1 اخ 16:2). بعد عَزْل يوآب (2 صم 6:20) سيقود ابيشاي الجيش الملكيّ.
دَعْني أطعنه بهذا الرمح (آ 8)، هذا ما حاول أن يفعله شاول بداود (18: 11؛ 19: 10) ولكنّ داود قال: لا تقتله، لا تَمُدَّ يدك إلى مسيح الربّ. وكان الرمح يُشَكُّ في الأرض قرب خيمة الرئيس. أما كلام ابيشاي، فيتوافق مع طبع هذا "المقاتل" الذي يريد أن يسير إلى حيث يُقيم شمعي، فيقطع رأسه (2 صم 9:16؛ رج 19: 22).
سُبات من الربّ وقع عليهم (آ 12)، كسُبات آدم يوم أُخِذَت ضِلعْ من أضلاعه (تك 2: 21) أو كسُبات إبراهيم يوم عقد عهدًا مع الله (تك 15: 12). أراد الكاتب أن يُبيّن أنّ الله مع داود: وصل إلى شاول بطريقة مُدهشة، وكأنّ الله أسلمه إلى يده، ولكنّه لم يمدَّ اليه يدًا.
حوار بين داود وأبنير (آ 13 ي) حوار بين شاول وداود (آ 17 ي): إذا كان الربّ أثارك عليّ، فسأقدّم له مُحرقة تُرضيه، وإذا كان البشر فهم ملعونون أمام الربّ، لأنّهم طردوني من أرض الربّ. إرتبط يهوه بأرض بني إسرائيل التي هي ميراثه. صارت أرض كنعان الموضع الذي يُعْبَد فيها الله، بينما تُغتد الآلهة الغريبة في الأرض الغريبة عن أرض بني إسرائيل. أخذ نعمان السرياني بعضًا من تراب أرض إسرائيل معه (2 مل 17:5) ليعبُد الله. وإن أُجْبِرَ داود على ترك أرض إسرائيل فهذا يعني مَنْعه من عبادة يهوه.
وأكثر من هذا، سيُجبر داود على الفرار إلى البريّة، الأرض الملعونة، حيث لا تصل يد الله المِعطاء (اش 13: 21؛ 13:34-14 ؛ لا 16: 10).
ولهذا يقول داود في آ 20: لا تدع دمي يسقط على الأرض، بعيدًا عن وجه الربّ. إن عاش تحميه يد الرب، وإن قُتِل انتُقم لدمه (رج تك 4: 14-15 عن قايين).
مبارك أنت يا ابني داود (آ 25) ستنجح. وكان قد قال له بصريح العبارة (24: 21): تأكدت أنّك ستصير ملكًا، وإنّ مملكة إسرائيل تثبت في يدك. ولكنّ هذا الكلام قد دوِّن، وجُعِلَ على لسان شاول، بتأثيرٍ من الكاتب الاشتراعي

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM