الفصْلُ السّادس: داوُد يَهْرب مِن وَجْهِ شَاوُل

الفصْلُ السّادس
داوُد يَهْرب مِن وَجْهِ شَاوُل
19: 1-16:21

أ- المقدّمة
ألخطر يُهدّد حياة داود. أحسّ أنّ شاول يحسده وقد حاول قتله، بل ألّب قلوب عبيده ليُهلكوه، فلم يبق له إلاّ اهرب من وجه شاول. ستُشدّد النصوص على براءة داود بالنسبة إلى شاول. سأل داود يوناتان: ماذا صنعت، ما هي إساءتي، ما ذنبي عند أبيك حتى يطلب نفسي؟ (20: 1) وحين استطاع أن يقطع طرف رداء شاول، قال له: لم أقتلك. فاعلم أنّي لا أريد بك شرًا، لم أُذْنِب إليك، وأنت تتصيّدني (24: 12). وقد هدف الكاتب من كلّ هذا، أن يُبيّن أنّ صعود داود لم يكن له أية علاقة بموت شاول.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- ألهرب (19: 1-24)

(آ 19: 1-7): يوناتان يتشفعّ بداود: هذه الآيات هي امتداد 18: 1 ي، ولكنّها لا تتفق مع خبر 20: 1 ي، وفيه يُعلن يوناتان أنّ أباه لم يكاشفه بهذا الأمر (20: 2). إذًا نحن أمام تقليدين عن تدخّل يوناتان من أجل داود.
في آ 5 وضع روحه في كفّه، أو جعل نفسه في راحته، أي أنّه خاطر بحياته وقتل الفلسطي.
(آ 8- 10) وحاول شاول أن يقتل داود، هرب داود ونجا تلك الليلة: نقرأ هنا تكرارًا لما قرأناه في 18: 10- 11، ونلاحظ دور رمح شاول، وبه حاول مرّتين أن يخرق داود (18: 11 ؛ 19: 10)، وبه هدّد يوناتان لمّا طلب من أجل داود (20: 33). إنّ هذا الرمح يُرافق شاول (22: 6) أينما كان. سيأخذه داود مع كوز الماء (26: 12؛ رج 22:13)، ثم يرده (22:26).
ونجا (ملط في العبرانية، ملص في العربية) داود. تتردد هذه الكلمة مرّات عديدة، ونجا داود (آ 10)، وهرب ناجيًا (آ 12)، وقال شاول لميكال: كيف اطلقت عدوّي حتى نجا (آ 17). وهرب داود ونجا (آ 18؛ رج29:20؛ 22: 1؛ 13:23؛ 27: 1).
وهرب (برح في العبرانية، برح في العربية) أي زال عن المكان وفارقه (19: 12، 18؛ 20: 1؛ 21: 11؛ 17:22، 20 ؛ 6:23).
(آ 11-17) ميكال تخلّص زوجها داود من القتل المُحتّم: ترتبط هذه الآيات بالآية 18: 27، وتكّون محاولة قتل شاول لداود ليلة زفافه، إذ لا يُعقل أن يكون هرب إلى بيته تلك الليلة، أو ذهب الى صموئيل (آ 12، 18). في آ 13 الترافيم هي تمثال مقدس يوضع كتعويذة في البيوت، وسيُستعمل فيما بعد في أعمال العِرَافة (تك 31: 34 ؛ قض 5:17).
(آ 18- 24) شاول وداود عند صموئيل: آيات كُتِبَت في زمن متأخّر لتُفَسِّر القول المأثور: أشاول أيضاً من الأنبياء؟ (10: 11) أمّا الخبر فيُذكِّرنا بأفواج الرُسل الثلاثة الذين أرسلهم أحزيا إلى إيليا (1 مل 1: 9 ي). نعرف انطلاقًا من آ 15: 35، أنّ صموئيل لم يعد يُعاين شاول إلى يوم وفاته، ولكنّ هذا الخبر يُرجعنا إلى تقليد آخر.
في آ 18 نايوت مكان قرب الرامة، ويُمكن أن تعني صوامع يُقيم فيها الأنبياء (2 مل 6: 1 ي)، وعلى رأسهم صموئيل (رج 10: 5). سيكون مكان نجهل موقعه، ويُمكن أن يكون بين جبعة والرامة.
ذهب شاول فحِلّ عليه روح الله، فنسي من جاء في طلبه، وهكذا هرب داود (20: 1)، بعد أن نعِمَ بحماية الله له بطريقة عجائبية.
2- ألعهد بين داود ويونانان (20: 1-42)

نقرأ في هذه الآيات خبرًا يُقابل خبر 19: 11-17: هنا يوناتان يُخلّص داود، وهناك ميكال تخلّصه، وكلاهما تعلّق قلبه بداود.
هذا الخبر يتوافق مع خبر محاولة شاول قتل داود (19: 8- 10)، ولكنّه لا يتوافق مع ملاحقة شاول لداود، كما نقرأ في 19: 11-26. إذا قرأنا آ 6، 18، 25-29 نفهم أنّ داود يُقيم عند شاول، وهذا يعني أنّنا في تقليد يختلف عن التقليد الذي نقرأه في ف 19، وأنّ 20: 1 تُشكّل صِلَة وَصْلٍ بين التقليدين.
إنّ ف 20 يجمع خبرين مُختلفين. في الخبر الأول يكشف شاول عن عواطفه فيحتدّ على ابنه بسبب غياب داود. حينئذ يحذَر يوناتان داود، بواسطة علامة اتفقا عليها، وهكذا هرب داود، ولم يعد يلتقي بشاول أبدًا (آ 1- 11، 18-39). في الخبر الثاني يعقد داود ويوناتان عهدًا يُلزم نسلهما بعدهما، وُيودعِّ الواحد الآخر وداعًا مؤثرًا (آ 12-17، 40- 42). في الرواية الأولى يبدو داود ذلك المتوسّل المتواضع أمام يوناتان. وفي الرواية الثانية يبدو داود سيّد يوناتان وملك المستقبل.
(آ 5) رأس الشهر: فيه يحتفلون بعيد ديني (اش 1 :13-14؛ هو 13:2)، ويقدّمون ذبائح لله (عد 10: 10؛ 28: 11 ي). وكان من واجب كلّ فرد من أفراد العشيرة، ألاحتفال بهذا العيد في عشيرته، للدلالة على وحدة العشيرة الاجتماعية (آ 6).
من يخبرني (آ 10)؟ هذا يعني أنّ اللقاء بين داود ويوناتان يُشكِّل خطرًا على الاثنين. لهذا لجأ إلى حيلة توافقا عليها، بعيدًا عن آذان المُراقبين (آ 18-22). وبقي داود في الحقل، ولم يعد إلى القصر مع يوناتان (آ 24).
(آ 15) لا تقطع أمانتك. في 3:18، قطع داود عهدًا مع يوناتان وحده. أمّا في هذه الآيات، فالعهد يُلزم داود بالنسبة إلى نَسْل يوناتان. وتُذكّرنا كلأت هذا العهد بكلمات عهد الرب مع داود (2 صم 7: 12-16؛ 1 مل 6:3؛ مز 89)، وتدلّنا على أنّ داود ارفع من يوناتان. وسيُحدّثنا الكتاب عن أمانة داود لهذا العهد، عندما يذكر موقفه بالنسبة إلى مفيبوشيت (2 صم 9: 1 ي؛ 01 :7).
(آ 19) إذهب الى الموضع. يُلْمِح الخبر إلى 19: 1-7، أو إلى خبر لم يحفظه لنا التقليد الآخر. على كلّ حال، هناك تأثير مُتبادل بين التقليدين.
(آ 26) لعلّه غير طاهر... والنجاسة تجعل الإنسان نَجِسًا حتى المساء (لا 16:15؛ تث 23: 11).
(آ 30) يا ابن الفاجرة... من أفظع الشتائم التي يُلقيها الاب على ابنه، وكأني به يُنكره.
(آ 31) ما دام ابن يسّى حيًّا... يتّهم شاول داود بأنّه يعمل على قلب الحكم. ولكنّ هذا الاتهام، تُكذّبه صداقة داود ليوناتان واحترام شخص شاول حتى بعد موته. وهو لن يثور على شاول، فيجمع حوله كلّ صاحب ضيق (22: 2) إلا بعد أن اجبِرَ على الفرار.
(آ 37) ألسهم أمامك. تلك كانت العلامة التي تُنذر داود بأنّ شاول غاضب عليه ويُريد قتله. هذه الآيات ترسم لنا بريشة رائعة، ألصداقة التي ربطت يوناتان بداود. فالعهد بينهما يُشبه عهد داود مع الربّ (آ 8، رج 3:18). أحبّ يوناتان داود حبّه لنفسه (آ 17)، وهذا الحبّ سيبان خلال الخطر وفي قلب المأساة. أراد داود أن يعرف نوايا شاول، فأرسل يوناتان في أصعب المُهّمات، وقام بها يوناتان بطريقة عجيبة. نبّهه والده إلى الخطر الاتي من ابن يسَّى (آ 31)، ولكن لا شيء يزعزع قلب الصديق الصَدوق، وهو سَيَفي بما وعد به صاحبه. سيلتقي يوناتان بداود مرّة أخيرة، فيشدّده وبجدد معه العهد (23: 16-18). وعندما يموت سيرثيه داود رثاء مؤثرًا.
ولكن داود لم يكن أقلّ كرَمًا من يوناتان.
3- داود يعيش حياة تائهة (21: 1-16)

وتبدأ حياة داود التائهة، وتبقى كذلك إلى موت شاول (31: 1-6).
(آ 21: 1- 10): وصول داود الى نوب: تقع نوب شرقيّ أورشليم، (نح 11: 32؛ اش 10: 32) وكانت الأرض آنذاك بيد الكنعانيين، لذلك كان بنو إسرائيل يدورون حولها، ليذهبوا من يهوذا الى بنيامين. وهكذا نكون على طريق داود الهارب (9:22-3).
أحيملك هو ابن فنحاس بن احيطوب بن عالي (9:22) وشقيق احيا (3:14). لجأ إلى نوب بعد دمار شيلو (4: 1 ي).
(آ 2) لماذا أنت وحدك؟ كيف يمكن أن يسافر وحده وهو قائد الملك وصهره.
(آ 3) أمرني الملك... تجنب داود القول إنّه فرّ من وجه الملك، ليحصل على مساعدة احيملك، ولكن بسبب هذه المساعدة، سينتقم شاول من أحيملك، وسيعترف داود بما فعل (22:22)، فيجعل ابن أحيملك تحت حمايته (23:22).
(آ 5) خُبْز مقدّس. يُقدّمه الكهنة في المعبد (خر 25: 30) ولا يُسْمَح إلاّ للكهنة بأكله ( لا 24: 5-9). يبدو أنّ الشريعة لم تكن تشدّد على هذا الأمر، ولكنّها كانت تفرض أن يكون الرجال صانوا أنفسهم من النساء، فكانوا طاهرين بحسب الشريعة. والأمر معقول، وحرب داود حرب مقدسة (تث 23: 10؛ 2 صم 11: 11). سيُورد يسوع هذه الحادثة في معرض جداله مع الفريسيين، ليُبيّن لهم أنّ الضرورة تحلّ من الناموس (مت 12: 3- 4؛ مر 2: 25-26؛ لو 6: 3- 4).
(آ 6) في كلّ سبت كان يُرفع الخبز القديم، ويُوضع محلّه خبز ساخن (لا 8:24).
(آ 8) يكون الرجل في الهيكل بسبب نَذْر أو للقيام بخدمة أو هو ينتظر قولاً من الربّ. دوئيج هو الذي سيخون داود واحميلك (22: 9 ي).
(آ 10) سيف جليات، كانت بعض الأسلاب توضع في المعبد (31: 10). أمّا الأفود فهو تمثال كبير (قض 27:8)، لا شيء صغير، ليجعل السيف وراءه، وسيتَهّم شاولُ أحيملك بأنّه سأل الأفود (22: 10) من أجل داود.
آ 11-16 داود عند الفلسطيين: تُورد هذه الآيات حيلة اختلقها داود لينجو بنفسه: سبقته شهرته، فخاف على نفسه فتظاهر بالجُنون. يحتال داود على أحيملك، ويحتال على آكيش ملك جت.
أهذا داود ملك الأرض؟ هل يستبق الراوي الأمور، ام يجعل الفلسطيين يقولون حماقة؟ وهكذا لجأ داود إلى أرض قبيلته، بل أحسّ بالحاجة إلى الاختفاء من وجه شاول

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM