الفصْلُ الخامِس: دَاوُد في بَلاط شَاوُل

الفصْلُ الخامِس
دَاوُد في بَلاط شَاوُل
16 : 1 – 18 : 30

أ- المقدّمة
إختار الله داود من بين إخوته، وأرسل صموئيل فسحه ملكًا على شعبه. وكما تكرّس شاول ملكًا حين انتصر على العمّونيين (11: 1 ي)، كذلك تكرّس داود يوم انتصر على الفلسطيين بشخص جُليات الجبّار (17: 141 ي). أعطي النصر لبني إسرائيل على يده، فأُعطي له أن يتقرّب من العائلة الملكة.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- داود يُمسح ملكًا، ويدخل في خدمة شاول (16: 1-23)

(آ 16: 1-13) صموئيلُ يمسح داودَ في بيت لحم: مسح صموئيلُ داودَ ملكًا، كما مسح شاولَ خلال احتفال دينيّ محليّ (9: 23-24؛ 16: 11). لفَّ السرّ مَسْح شاول، خوفًا من الفلسطيين، ولفّ السرّ مَسْح داود، خوفًا من شاول (16: 20). إختار صموئيل داود من بين كلّ إخوته، ولكنّه اختار شاول بعد أن ألقيت القُرعة (10: 22).
يذكر الكاتب هذه المسحة، ولا يعود يتحدّث عنها، ويتجاهلها إخوته، ويكلمّونه كولد يرعي غنم أبيه (17: 14-28)، لا كشخص اختاره الله ومسحه (28:17). فشاول هو "مسيح الربّ " حتى موته (7:24؛ 26: 9). وداود سيَمْسَحُه رجال يهوذا (2 صم 4:2) وشيوخ إسرائيل (2 صم 3:5) في حبرون، بعد موت شاول ببضع سنوات.
إن سمع شاول يقتلني (آ 2). تردد صموئيل في أداء رسالته (ار 1: 6، خر 3: 11)، وشاول رجل خَطِر يعتريه روح شرّير (آ 14).
إضطرب شيوخ المدينة (آ 4): مجيء رجل الله مُخيف، وقد يكون جاء ليُعلن عِقاب الله. بيت لحم (أي بيت الخبز وبيت الإله لحمو) تقع جنوبيّ أورشليم.
قدّسوا أنفسكم (آ 5)، واستعدّوا لعمل ليتورجي (خر 19: 10 يش 3: 5؛ 13:7) ومُشاركة في ذبيحة السلامة (آ 11).
لا تلتفت إلى منظره وطول قامته (آ 7). تلك كانت صفات شاول (2:9، 23:10-24)، أمّا صفات داود فداخليّة، وفيها تفوّق على شاول. حسب صموئيل انّ قامة الياب تُهيئه للمَلَكيّة على مثال شاول، ولكنّ الله اختار الصغير والضعيف في العالم، ليُخزي القويّ (اكور 1: 26-29).
ألربّ ينظر إلى القلب. قال الربّ في إرميا (17: 10) إنّه يفحص القلوب، ويَمتحِنُ الكُلى (رج ار 20: 12).
أجاز يسّى سبعة بنيه (آ 10)، ولكن يبدو أنّ له أربعة أبناء (رج 17: 12؛ 1 أخ 13:2-15) مع داود الذي كان أسمر اللون (ادم رج في العربية ادم اي اسمّر) لا أشقره، ككلّ أبناء هذا الشرق.
حلّ روح الربّ (آ 13) على داود، كما حلّ على شاول (10: 6- 10)، ولكن دون الظواهر الخارجيّة، وظلّ معه طوال أيام حياته، منذ ذلك الوقت وما بعد (رج اش 2:11).
(آ 14-23) داود في خدمة شاول: هناك تقليدان عن بداية حياة داود قرب شاول. في تقليد أول (نقرأه في هذه الآيات) نجد أنّ داود كان حامل سلاح شاول، كما ن يضرب له بالكنّارة، كلّما اعتراه الروح الشرّير. بهذه الصفة رافق داود الملك في حرب الفلسطيين (17: 1- 11)، وبرع في مُقاتلة جُليات (32:17-53). في تقليد ثان نتعرّف إلى داود راعيًا شابًا لا يعرفه شاول. جاء إلى اخوته المُنخرطين في الجيش بزاد، ووصل إلى ساحة القتال، ساعة تحدّى جليات بني إسرائيل. حينئذ استدعى شاول البطل الشابّ وجعله في خدمته (17: 55-2:18).
وفارق روح الربّ شاول (آ 14)، وحلّ عليه روح شرّير ( آ 15، 16؛ 18: 10؛ 19: 9)، يعزوه الكاتب إلى الله الذي هو السبب الأول لكلّ شيء. أحسّ شاول أنّ الله رذله، وأنّ صموئيل تخلّى عنه، فأصابه جنون (18: 10 ي، 19: 9 ي). وكان الناس يظنّون في القديم أنّ الموسيقى تفعل فعلها لتطرد الروح الشرّير أو لتُنعش في الإنسان روح الخير (5:10).
جبّار بأس... (آ 18). يرسم لنا الكاتب صورة عن داود، تفترض أن القارىء يعرف مفاخره الحربيّة (2 صم 8:17- 10)، ولا ينسى أن يُحدّثنا عن رجل الموسيقى الذي سيُسبّح الربّ (1 أخ 7:16)، وقد قال فيه سي 8:47-9: "في جميع أعماله اعترف للقدّوس العليّ بكلام مجيد، بكل قلبه سبّح، فأبدى حبّه لصانعه. أقام المغنّين أمام المذبح، ولقنّهم ألحانًا لذيذة السماع".
أخذ يسّى حمارًا (آ 20). هكذا كان يُجهَّز الجنديّ الذاهب إلى الحرب المقدّسة، والداخل في خدمة الملك (14: 52).
أحبّه شاول (آ 21)، كما أحبّه يوناتان (18: 1)، بل جميع الشعب بمن فيهم رجال شاول (5:18، 16). أحبّته ميكال، ابنة شاول (18: 20، 28)، وغنّت له نساء بني إسرائيل، ورَقَصْنَ له بدُفوف وآلات طرَبٍ (18: 6).
2- داود وجليات (17: 1-58)

هذا المقطع هو ملحمة تمجّد البطل الشاب الذي أسنده إيمانه بالربّ، فطرح الجبّار جُليات أرضًا ثمّ قتله. خبر يقع على حدود القِصّة والأسطورة، وهو نتيجة تجاور تقليدين، واحد يُحدّثنا عن داود الراعي والشاب، وآخر عن داود حامل سلاح شاول. حاول النصّ اليوناني أن يُزيل كلّ تضارب في النصّ، فألغى آ 12- 31، وقد يكون ترجم نصًا غير النصّ الماسوري الذي بين أيدينا، والذي نقرأه اليوم في النسخة العبرانية. إسم جليات ليس ساميًا، وهو قريب من " اليات " والد كريزوس، ملك ليدية. في 2 صم 21: 19، نقرأ تقليدًا قديمًا، ينسُب النصر على جُليات إلى أحد أبطال داود، لا إلى داود. في النصّ الذي نقرأه لا يرد اسم جُليات إلاّ مرّتين (آ 4، 23)، زيدتا في ما بعد، في معرض الحديث عن انتصار داود على فلسطيّ أُغْفِل اسمه (آ 8، 10، 11).
(آ 17: 1- 11) جُليات يتحدّى جيش بني إسرائيل: سوكو تقع جنوبي أورشليم، عزيقة تقع شمالي سوكو، أفس دميم (أي أطراف دميم) تقع بين سوكو وعزيقة، وهكذا تكون ساحة المعركة في منطقة مجاورة لأورشليم. وادي البطمة أو وادي السنط، يبعُد أحد عشر ميلاً إلى الجنوب الغربيّ من أورشليم. طول هذا العملاق: ثلاثة أمتار. درعه يزن ثمانين كيلوغرافًا، حديد رمحه يزن تسع كيلوغرامات... نحن هنا أمام مُبارزة تُقرّر مصير المعركة.
(آ 12- 31) وصول داود إلى عسكر بني إسرائيل: هذا المقطع يجهل أن داود مُسِحَ مَلِكًا (16: 1-13)، وأنّه ويعيش في قصر شاول (16: 14-23). نحن هنا أمام تقليد آخر عن بداية حياة داود، وقد حذفت الترجمة السبعينية هذه الآيات مَنْعًا للتضارُب في المعلومات.
ألإفراتي أي من عشيرة إفراتة المُرتبطة ببني كالب (1 أخ 2: 19، 24، 50)، والمُقيمة في بيت لحم (را 1 :2).
له ثمانية بنين (16: 10 ي)، إنّ له في الواقع ، ثلاثة بنين في الحرب، وقد بقي في البيت داود ووالده: ألأول أصغر من أن يحمل السلاح، والثاني أعجز من أن يحمل السلاح. وأمّا داود فكان يذهب (آ 15). جُعلت هذه الآية لتُنَسِّق بين التقليدين اللذين ذكرنا. وكان الفلسطي يبرز (آ 16) بانتظار أن يصل داود إلى المعسكر.
إفتقِدْ إخوتك (آ 18). كان داود فتى وقد أراد والده أن يتأكّد من صِحّة أقوال الفتى بالنسبة إلى إخوته، فطلب إليه أن يأخذ منهم عربونًا.
ألفلسطي الأقلف (آ 26). لم يكن الفلسطيون يُمارسون الخِتانة، وهذا ما كان يُميّزهم عن جيرانهم (18: 25-27)، ويجعلهم مُحَتَقرين في عيْون بني إسرائيل (آ 36؛ 14: 6؛ 31: 4؛ قض 14: 3؛ 15: 18).
فسمع ألياب (آ 28)... يبدو أنّه لا يعرف شيئًا عن المسحة المُلُوكية المروية في 16: 1-3
في حروب الربّ (17:18 ؛ 28:25). يُقيم الله وسط شعبه (يش 3 : 10)، وأعداء شعبه هم أعداؤه (26:30 ؛ قض 5: 31).
صفوف بني إسرائيل (آ 8، 10-45) هي صفوف القه الحيّ (آ 36) الذي هو إله صفوف بني إسرائيل (آ 45). فن تحدّى هذه الصفوف (آ 10)، تحدّى الله بالذات (آ 45)، تحدّى الله الحيّ (2 مل 19: 4- 16).
(آ 22-39) يتقدّم داود لِيَرُدّ التحدّي: فقال داود لشاول (آ 32). ترتبط هذه الآية بالآية 11، فيتتابع الخبر.
تذكّرنا آ 33 أنّ داود هو فتى، فكيف له أن يلبس ثياب شاول (آ 38).
كان الناس يعتبرون الدُبّ أخطر من الأسد (عا 5: 19)، ولهذا قال داود: ألربّ الذي أنقذني من الأسد والدبّ، هو يُخلّصني من يد هذا الفلسطي. نحن هنا أمام تفكير لاهوتي يُرْجعُ النصر إلى الله لا إلى الإنسان.
يرسم لنا الكاتب صورة عن الحرب المقدّسة، فيبين لنا سلاح الفلسطي وعَجز داود عن الأخذ بلباس شاول، والاكتفاء بسلاح بسيط (آ 40). عندما يكون الله هو الذي يُحارب، فالوسائل البشريّة ليست بذي بال (6:14).
(آ 40- 54) ألمبارزة: هلّم، فأجعل لَحْمكَ لطير السماء (آ 44). كان المتبارزون يتبادلون اللَعنات والشتائم (تث 28: 26؛ اش 18: 6 ؛ ار 15: 3).
ألربّ سيّد الحرب (6:14). فكرة معروفة في الكتاب المقدّس (هو 1 :7؛ مي 9:5-10)
أبواب عقرون (8:5- 10) حيث حدود الفلسطيين. شعرائيم مكان غير معروف.
وأخذ داود رأس الفلسطي (آ 54). لا ننسى أنّ أورشليم كانت أنذاك بيد اليبوسيين، وستُؤخذ فيما بعد (2 صم 6:5-9)، وأنّ داود لا يملك خيمة خاصّة به، أكان مرافق شاول (تقليد أول) أو الراعي الآتي من أورشليم (تقليد ثان). في آ 57 نقرأ أنّ رأس الفلسطيّ حُمل إلى شاول، أمّا سيفه فوُجد في نوب (9:21).
(آ 55-58) داود المنتصر أمام شاول: يرتبط هذا الحدث بالتقليد الذي نقرأ فيه 17: 12- 30، وحيث يبدو داود مجهولاً بالنسبة إلى شاول. ولكن هذا الأمر لا يتوافق وتقليد 16: 14-23، لذلك حذفت الترجمة اليونانية 17: 55-18: 5، كما سبق لها وحذفت 12:17-31
وهكذا يفهم القارىء أنّ القوى البشرية ليست بشيء، وأنّ أسلحة البَشَر لا تستطيع شيئًا في حربها مع الله. هذا هو تعليم الخلاص الذي أظهره الربّ ضدّ قُوة مصر عندما تركها العبرانيون (خر 15: 1- 21). هذه هي العقيدة التي تعتبر احتلال أرض كنعان عطيّة من قِبَل الربّ (يش 24: 12) وانتصارات القضاة انتصارًا لله بالذات (قض 6: 15-16؛ 7: 12- 14). وانتصار داود بوسائل بشرية حقيرة، يدلّ على قُدرة الله العاملة من أجل شعبه: يُهاجم الأعداء بالعَجَلات والخيل وأمّا نحن فنكتفي باسم الربّ إلهنا، فيخرّون ويسقطون ونحن نقوم وننتصب، لأنّ الربّ يُخلص مَلِكَه، ويستجيب لشعبه يوم يدعوه (مز 8:20- 10).
3- صداقة وحُبّ وحسَد (18: 1-30)

إنتصر داود على جُليات، وأحرز نصرًا لشعبه، فارتبط معه يوناتان بن شاول بصداقة متينة، وأحبّته ميكال ابنة الملك حبًا عظيمًا، أمّا شاول فحَسَده، ونوى على قتله. (آ 18: 1- 5) صداقة يوناتان: تعلّق يوناتان بداود وأحبّه كنفسه (آ 1) حبًا سيدوم حتى موت يوناتان (2 صم 1: 26). وهذه الصداقة ستضع بعض العذوبة في حياة داود القاسية (19: 1- 7، 20: 1 ي؛ 23: 16- 18). خلع يوناتان رداءه ووهبه لداود (آ 4) علامة تعلّقه به (24: 5-6). هكذا أعطى ايليا رداءه لأليشع (2 مل 2: 13 ي)، وبسط بوعز ثوبه على راعوت، ليَدُلّ على أنّه وليّها وحاميها (را 3: 9).
(آ 6- 11) حسد شاول لداود: هتفت النساء لداود (آ 6)، كما هتفت ليفتاح ابنته (قض 11: 34)، ورقَصْنَ بالدُف كما فعلت مريم النبيّة، أخت موسى (خر 15: 20) على حسب قول المزمور (68: 26): تقدم المغّنون وخلفهم ناقرو الأوتار، في وسط عذارى ينقرون الدفوف.
اعترى شاول الروح الشرير (آ 10)، وحاول مرّة أولى، وسيُحاول فيما بعد، أن يقتل داود (19: 8 ي).
(آ 17- 30) زواج داود من ميكال ابنة شاول: تزوّجت ميراب ابنة شاول الأولى من عدريئيل (2 صم 8:21) الذي من محولة، موطن أليشع (1 مل 19: 16)، وهي تقع جنوبي بيت شان في وادي الأردن.
وأحبّت ميكال ابنته الثانية داود، ولكنّ شاول أراد أن ينصب فخًا لصهره العتيد، فطلب منه مَفرا صعبًا: أن يقتل مئة من الفلسطيين، ولكن داود قتل ورجاله مئتين، فزوجه شاول ميكال ابنته (آ 27). يذكر النص مئة "قلفة"، لأنّ الفلسطيين لم يكونوا مختونين كسائر الشعوب السامية.
يرتبط خبر زواج داود بميكال بالتقليد القديم، وتذّكرنا خُطبتهما بخطبة يعقوب وابنتي لابان (تك 29: 15- 30)، وحيلة شاول بحيلة لابان

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM