الفصْلُ الرّابع: حُرُوب شَاوُل

الفصْلُ الرّابع
حُرُوب شَاوُل
13 : 1 – 15 : 34

أ- المقدّمة
تبدو آيات هذا الفصل غير متماسكة. في 13: 1 ي و 14: 1 ي نلاحظ تقليدًا صريحًا عن حروب مع الفلسطيين في قلب بلاد بنيامين، دون أن نستطيع تحديد موقع هذه الحروب في عهد شاول. أمّا الأحداث التي يُلفت إليها النص انتباهنا، فهي تتعلّق بشخصية يوناتان الذي بدأ حرب التحرير (13: 3) وألقى الرعب في صفوف الأعداء يوم عَبَر إليهم (14: 1- 5)، فأحبّه الشعب (14: 45) على مثال داود (18: 1 ي).
أمّا دور شاول، فبسيط في الحرب ومهمّ في الأمور الدينية. منع المقاتلين من الأكل (14: 24)، فجاءت مُبادرته في غير محلّها، ولا شيء يُبرّرها، ولكنّ الشعب سيُعارض أمر الملك، ويُنقذ يوناتان من الموت. ويروي الكاتب الاشتراعي (15: 1 ي) كيف تدخّل شاول في عالم القُدسيات قبل حربه مع بني عماليق، فتعدّى فريضة إلهية واضحة. فعاقبه الله لا في نَسْله وحسب (13:13-14)، بل في شخصه أيضًا. وهكذا تبرز ف 13-15، فتُبيّن أنّ شاول ليس المَلك الذي يليق بالسُلطان الذي جعله الله في شعبه، بل داود هو الذي سيكون الملك بحسب قلب الله.

ب- تفسير الآيات الكابية
1- تمرُّد به إسرائيل على الفلسطيين (13: 1-23)

ما إن بدأ شاول حكمه، حتى رذله الله، فاتحًا الطريق أمام داود، مؤسس سُلالة عظيمة ستدوم حتى سنة 587.
(آ 13: 1-7) وثار بنو إسرائيل. وقتل يوناتان (أي شاول) قائد الفلسطيين في جبع... .
بدت آ 1 غامضة، فأهملتها الترجمة اليونانية. أمّا السريانية فقالت: إذ ملك شاول سنة وسنتين، والارامية: ملك كابن سنة (أي بقلب طاهر وبسيط). هناك تقليد يقول (اع 13: 21): أمّا شاول فَمَلك أربعين سنة. لا نعرف لماذا سقطت الاشارة إلى سنوات مُلْك شاول، مع أنّ أسفار صموئيل والملوك، تُشير إلى عُمْر الملك لمّا ملك، وإلى أيّام مُلْكه (2 صم 2: 10 ؛ 1 مل 14؛ 21؛ 2 مل 17:8-26). تقع مكماش شماليّ أورشليم. وجبل بيت إيل هو المنطقة الواقعة بين مكاش وبيت إيل. بيت اون هي بيت إيل بعد ان لقبّها هوشع (4: 15؛ 5: 8) بهذا الاسم. أمّا عدد جيش الفلسطيين فمُبالغ فيه .
(آ 8- 5) ألقطيعة بين صموئيل وشاول: هنا تبدأ مأساة شاول الذي اختاره الله ليُنقذ شعبه (11: 1ي؛ 14: 1ي)، ولكنّه رَذَله (13: 1ي؛ 15: 1ي)، كما رَذَل عيسو واختار يعقوب (تك 23:25). باع عيسو بُكوريّته، وخان شاول عهد ربّه، فرُذِلا كلاهما. ولكن ما كانت خطيئة شاول، وهو الذي انتظر قُدوم صموئيل سبعة أيّام؟ كان عليه أن ينتظر أن تصل إليه إرادة الله بلسان صموئيل، ولا يُعجّل مهما كانت الظروف. غير أنّ شاول، رجل الحرب، تدخّل في مجال الدين فتصرّف بحماقة (آ 13)، وسيتصرّف بحماقة أكثر فيمَا بعد فيرْذَل هو ونَسْلُه (15: 1 ي). أجل، إن المُلْك لا ينتقل من الأباء إلى الأبناء، إلا إذا ملك الملك بالحقّ أمام الله (1 مل 2: 4؛ 8: 25؛ مز 132: 12).
ألربّ اختار له رجلاً (آ 14) هو داود (16: 1ي؛ 2 صم 6: 21). فَفشَلُ شاول لا يعني أنّ الربّ يتخلّى عن شعبه.
(آ 16-23) الاستعداد للحرب: أرسل الفلسطيون فِرَقًا تُغير على أرض الأعداء، إلى الشمال والغرب والشرق: عفرة: بلدة في بنيامين تقعِ شماليّ مكماش. بيت حورون: تقع على الحدود بين بنيامين وإفرائيم، وتبعُد 12 ميلاً إلى الشمال من أورشليم. وادي صبوعيم (أي وادي الضباع)، تقع شرقيّ مكماش إلى جهة البرّية.
وضع الفلسطيون يدهم على البلاد كلّها، ومنعوا بني إسرائيل من صناعة الأسلحة. هذا الوضع يُهيئ القارىء إلى الإعجاب بالنصر الذي حازه شعب إسرائيل (14: 1 ي).
2- انتصار يوناتان على الفلسطيين (14: 1-52)

قام يوناتان بعمل بطوليّ، فكان عمله بداية حرب ستجرّ على الفلسطيين هزيمةً نكراء. ولكنّه جهل أمرًا من والده، كاد يقوده إلى الموت لولا تدخّل الشعب. ويُنهي الكاتب كلامه بنظرة سريعة إلى عهد شاول: حارب، قاتل بشجاعة، كان له بَنُون.
(آ 14: 1-14) هجوم يوناتان على مخفر الفلسطيين: تقع مجرون في منطقة مكماش وجبع (اش 28:10-29).
ألأفود أداة يسأل بها الكاهن الله (18:2). آ 3 تُهيّئ القارىء لما سيحدُث في آ 8 وآ 36- 42.
ألحرب التي يقوم بها يوناتان هي حرب مقدّسة، والنصر سيأتي من الربّ، أكان عدد المقاتلين كثيرًا أو قليلاً (آ 6). ولقد طلب من الربّ علامة، فإن تمّت تقدّم مع حامل سلاحه، وإلا يعودان من حيث جاءا.
(آ 15-23) حرب شاملة: حلّ الرعب في معسكر الفلسطيين... وعرف شاول أنّ يوناتان غائب، فطلب الأفود ليسأل الله قبل أن يُعلن الحرب. أراد الكاهن أن يلقي القُرعة، ولكنّ الملك منعه من ذلك، وسار إلى الحرب ولم ينتظر جواب الله.
وانتصر الشعب وعاد الفلسطيون إلى خطوطهم القديمة إلى بيت اون (أو بيت حورون).
(آ 24- 30) يوناتان يُخالف أمر والده: أمر شاول بصوم طوعيّ للحصول على النصر، ولكنّ يوناتان لم يعرف بما أمر به والده، فأكل بعض العسل فانتعشت روحه. ولمّا عرف بأمر أبيه قال: أقلَق أبي الأرض.
(آ 31-35) خطيئة الشعب: أكلوا لحمًا بدمه: ألدم مركز الحياة وهو مُلكُ الله سيّد الحياة، وقد مُنع أكلُه منذ القديم (تك 9: 4؛ لا 17: 10-14؛ 26:19؛ تث 12: 16، 23). وهكذا فنَحْر كلّ حيوان يُعتبر ذبيحة ويفترض وجود مذبح. لهذا طلب شاول أن يُدحرج إليه صخر كبير (آ 33)، فكان ذلك الصخر "مذبحًا للربّ " (آ 35).
(آ 36-46) يوناتان ينجو من الموت: سأل شاول الله: هل أنزل وراء الفلسطيين، فلم يُجِبْه الله. حينئذ عرف أنّ في المخيم خطيئة (6:28) يعاقب الله شعبه عليها. وألقيت القُرْعة فأصابت يوناتان الذي أقرّ بخطيئته وأعلن استعداده للموت.
ولكنّ الشعب تدخّل وأنقذ يوناتان من الموت: لا تسقط شعرة من رأسه على الأرض، ثمّ قدّم عنه الفِدْية اللازمة (خر 13:13-15؛ 34: 20؛ لا 27:27).
لإلقاء القُرعة، كان هناك حجران "أوريم " و"توميم ". قال شاول: إذا كانت الخطيئة فيّ أو في ابني يوناتان، فأجبني بالاوريم، واذا كانت في شعبك، فأجبني بالتوميم.
(آ 47-52) عهد شاول: هذا الملخّص يُشبه ما نقرأه عن صموئيل (13:7- 15) وداود (2 صم 8: 1ي)، وعن عائلة داود وقواده (2 صم 3: 2-5؛ 13:5-16؛ 20: 23-26)، وهو فنّ أدبي سابق للإشارات التاريخية التي نقرأها في كتاب الملوك (1 مل 15: 31 ي؛ 16: 5 ي). يورد النص أسماء أعداء سيُقاتلهم بنو إسرائيل فيما بعد (2 صم 2:8-14 ؛ 10: 6 ي).
يشوي (أي رجل يهوه) هو اشبعل (رجل بعل) في 1 أخ 33:8، وايشبوشت (رجل الخِزْي) في 2 صم 8:2.
ذكر الكاتب ميراب وميكال، ابنتي شاول، بسبب دورهما في سيرة داود (18: 17 ي).
3- حرب مقدّسة على بني عماليق (15: 1-35)

يُشكّل هذا المقطع وحدة مستقلّة بالنسيبة إلى التقليد الملكيّ أو التقليد المُعارض للملكيّة: كاتبه يجهل أنّ الربّ رذل شاول (13: 8-14). ثُمّ إنّ آ 24-29 زيدت فيمَا بعد، لتُخفّف من قساوة مصير شاول الذي تجاوزته الأحداث، فلم يقدر أن يُسيطر عليها. تألّم صموئيل حين رأى حالة الملك الذي أحبّه وكرّسه ملكًا باسم الرب، وأعلن له أنّ الله رذله، فلمِ يبق عليه إلاّ أن يلبس الحداد لأجله. ولكنّ الله لا يتخلّى نهائيًا عن النظام الملكيّ: فشِلَ شاول فاختار الله داود.
في تقليد قبائل الشمال، يتدخّل الأنبياء في تنصيب الملوك وعزلهم: أحيّا من شيلو (1 مل 11: 29-39؛ 14: 1-18)، وإيليا وأليشع وتلاميذهما (1 مل 17 ي؛ 2 مل 9 ؛ 14:13-25).
(آ 15: 1-9) حَمْلة على بني عماليق: أنا الذي أرسلني الرب... بهذه الكلمات يبرز الحلاف بين النبيّ والملك (قض 6: 8؛ 13: 8؛ 2 صم 12: 1) بين صموئيل وشاول، كما سيبرز بين إيليا وأحاب، وأشعيا وحزقيا، وإرميا وصدقيا، بين السلطة السياسيّة ومُتطلّبات الله. قال الربّ: "تذكرت ما فعل عماليق" (خر 8:17 ي ؛ تث 25: 17-19) الذين كانوا بدوًا رُحَّلاً في جنوبي كنعان. يعظّم الكاتب دور بني عماليق، بينمَا تكفي داود حملة صغيرة لتُنهي أمرهم (30: 1 ي)، وهم يمثّلون في التقليد اليهودي العدوّ النموذجي لبني إسرائيل (عد 24: 20).
أهلك أو أبسل أي حرّم استعمال اي شيء نأخذه من العدوّ (تث 7: 2؛ 17:20)، لأنّه مكرّس للرب: ألأواني الثمينة تُعطى للمعبد، والكائنات الحيّة تُقتل (يش 17:6-21).
طلائيم هي مدينة في النقب (يش 15: 24: طالم). مدينة عماليق مكان غير محدّد. حويلة وشور، مكانان في شماليّ الجزيرة العربية تُشكّلان الحدود الشمالية (تك 25: 18) لانتشار بني إسماعيل. ألقينيون: قبيلة عاشت في سيناء وارتبطت ببني إسرائيل (قض 4: 11؛ رج خر 18: 1 ي؛ 10: 29-32)، ودخلت معهم أرض كنعان.
أهلكوا ما كان حقيرًا (آ 9). قد يكون شاول تصرّف بنية حسنة، ولكنّه أراد أن يكرّم الله على طريقته الخاصة لا بحسب وصايا الله. بحث عن ارضاء الشعب الذي نادى به ملكًا، لا عن طاعة الله الذي لا يريد شريكًا له.
وذهب شاول إلى صموئيل في الكرمل، وهي مدينة تقع جنوبيّ حبرون، على الطريق الواصل النقب بالجِلْجال (قُرب أريحا).
كنتَ حقيرًا، ولكنّك صرت رئيسًا، فكان عليك أن تُقاوم رَغَبات الشعب. ولكنّك لم تفعل. رذلتَ كلام الربّ، فالرب رذلك من المُلْك.
أبالمُحرقات والذبائح مسّرة الربّ (آ 23)؟ أراد شاول أن يقدّم ذبيحة للربّ على حساب الطاعة لوصاياه. أمّا الربّ فتهّمه طاعة القلب أكثر من المُحرقات. ومن قام بطقس لا يرضى عنه الله، يُشبه العرّافين وعُبّاد الأوثان الذين يريدون أن يفرضوا إرادتهم على الله.
(آ 24- 31) سأل شاول غُفران الربّ، ولكن عبثًا: كان عليه أن لا يُساوم وأن يفهم أنّ عليه أن يُطيع الله وحده. سمع صوت الله بالنسبة إلى أجاج، ولكنّه عصى الرب بالنسبة إلى الغنائم: خِفتَ من الشعب وسمعت لهم. ظلّ اللقاء سريًا بين صموئيل وشاول، ولهذا سيعودان معًا، ويسجدان في المعبد.
(آ 32-35) موت أجاج وذهاب صموئيل: وقتل صموئيل أجاج، تنفيذًا لشريعة الإبْسال التي لم ينفّذها شاول، ثم ترك الملك راجعًا إلى الرامة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM