الفصلُ الأوّل: صَموئيل المكرَّس للرَّبّ

الفصلُ الأوّل
صَموئيل المكرَّس للرَّبّ
1 : 1 – 3 : 21

أ- المقدّمة
يتركّز هذا الفصل، على المرحلة الأولى من حياة صموئيل التي تتشابك مع حُكْم الله على عائلة عالي، كاهن الربّ في معبد شيلو. ينتقل بنا الكاتب من مشهد إلى آخر. عندما يُوجّه أنظارنا إلى صموئيل، يذّكرنا بشرور بني عالي، وعندما يُلفت انتباهنا إلى عائلة عالي، يُصوّر لنا صموئيل ينمو بالحكمة والتقوى، ويحظى برضى الربّ والناس ( 2 : 26 ) .

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- ولادة صموئيل (1: 1-28)

قِصّة بداية المَلَكية في بني إسرائيل، تبدأ بطريقة بسيطة جدًا. في مدينة الرامة، في جبل إفرائيم، كان رجل اسمه ألقانة، وله زوجتان. حنّة العاقر التي ستكون أمّ صموئيل، وفننة التي رُزِقت البنون العديدون.
(آ 1: 1-8) ألحجّ إلى شيلو. اعتاد ألقانة أن يحجّ كلّ سنة مع عائلته، فيعبد الله في شيلو.
جبل إفرائيم يقع وسط أرض كنعان. الرامة (أو ألرامتائيم) أي المكان المرتفع، تقع شماليّ لِدّة (أع 9: 32 ي) وهي مدينة يوسف الرامي الذي دَفَن يسوع (مت 27: 57؛ يو 19: 38).
كان لألقانة زوجتان. لم تكن الشريعة تمنع تعدد الزوجات (تث 21: 15-17)، بل كانت تحدّ من نتائجها السيئة. فابراهيم ويعقوب وداود وسليمان، اتخذوا لهم نساء عديدات، فكان لهم أولاد عديدون يحفظون ذكرهم. ثم إنّ القانة اتخذ زوجة ثانية، لأنّ الأولى كانت عاقرًا، ولأنّ الولد أهمّ من الزوجة، في مجتمع لا يُقيم وزنًا إلا للذكور. (رج أم 31 :10- 31 ومديح المرأة). هذا لا يعني أن لا مشاكل عند رجل تعدّدت زوجاته (آ 6؛ رج تك 30: 1 ي).
تقع شيلو جنوبي نابلس الحالية، وكانت مركزًا دينيًا هامًا. كان فيها تابوت العهد، (3:3؛ رج يش 18: 1) رمز حضور الله، ولاسيّمَا في القتال (4: 1ي). سيُهدَم معبدها (رج ار 12:7؛ 6:26-9؛ مز 78: 60) وتزول فلا يبقى منها إلا الشوك والحجارة في واد أجرد قاحل.
اسم حنّة (أي الحنان والرحمة والنعمة) هو أيضًا اسم النبيّة التي استقبلت يسوع (لو 2: 36) ووالدة العذراء مريم. فننة أي الجوهرة. قصّة حنة وفننة تشبه قصّة راحيل وليئة زوجتي يعقوب. كانت حنة عاقرًا مثل أمّ شمشون (قض 13: 2) وأليصابات أمّ يوحنا المعمدان (لو 1 :7).
ألعيد المذكور هنا هو عيد المظالّ. يُعيَّد مرّة كلّ سنة (خر 14:23-17؛ 23:34-24) منذ عهد القضاة (قض 19:2؛ لا 39:23).
ربّ الجنود هو إله السماء بنُجومها (تك 2: 1) أو إله جيوش بني إسرائيل (4: 1ي، رج2 صم 2: 2). هو إله الآلهة، والإله القدير، وإله الأكوان.
نصيب من الذبيحة. في ذبيحة السلامة كان يُعطى للمشتركين حصّة، علامة اتحادّهم بالربّ وبعضهم ببعض (لا 7: 11 ي).
بيت الربّ. في البريّة كان تابوت العهد في خيمة، أمّا في شيلو، فهو في مَعْبَد له باب، (1: 9؛ 3: 15) ويتألّف من غُرَف متعددة (1: 9؛ 3: 2-3) .
(آ 9-18) وصلَّت حنة ونذرت نذرًا
إن أنت رزقتني مولودًا ذكرًا، أكرِّسه لك كلّ أيام حياته، فيكون منذورًا للربّ مثل شمشون (قض 13: 5؛ 16: 17؛ رج عد 6: 1 – 21؛ سي 13:46)، لا يعلو رأسه موسى. وأكثرت حنّة من صلاتها أمام الربّ. كانت تتكلّم في قلبها، لا بصوت عالٍ ، كما جرت العادة (1 مل 28:18) وشفتاها تتحرّكان ولا تُخرجان صوتها. حسبها عالي سكرى. لم يُميّز امرأة تصلّي لحُزنها، وامرأة شربت خمرًا.
ابنة بليعال أي كلا شيء، أي من بنات الفُجور (27:10؛ تث 13: 14؛ 1 مل 21: 10) التي هي أهل للاحتقار.
حنّ الرب على حنّة (آ 18)، فنعمت برضاه وانتظرت خيرًا.
(آ 19-28) مولد صموئيل وتكريسه للربّ
ذكر الربّ حنة (تك 8: 1؛ 29:19)، أي اهتمّ بها،. بعد أن كاد ينساها (مز 2:13؛ اش 14:49).
صموئيل (شموئيل في العبرانية) يعني اسم الله (عد 34: 20 ؛ 1 أخ 2:7). ولكنّ حنّة قالت إنّها سألت (شأل في العبرانية) الله (أي شاول). هل أراد الكاتب أن يقول إنّ الولد المطلوب والمُقدّم إلى الله هو صموئيل لا شاول؟
يحضر المؤمن أمام الربّ أي يأتي إلى هيكله (خر 23:34-24) حيث مركز حضوره. سألت حنة الربّ واستعطت، وها هي تقدّم للربّ ما أعطاها، فتُكرّس له ابنها. يحقّق الرب كلمته (آ 23). لا نعرف إلى أيّة كلمة يُلْمِح النصّ، ولكنّنا نجد نفوسنا أمام موضوع عزيز على قلب الكاتب الاشتراعي: ألربّ يَعِد والربّ يفي بوعده (تث 9: 5؛ 2 صم 7: 25)، وعطاياه مجّانية.
نقرأ في 2: 11 وكان الصبيّ (صموئيل) يخدم الربّ أمام عالي الكاهن. إنّ ابن حنة هو نمُوذج الولد المُكرّس لخدمة المذبح، الذي تعلّق قلبه بمعبد يهوه وأحبّه. لَبِس الأفود (18:2) وقدّم ذبائح (7: 9؛ 13:9؛ 8:10)، مع أنّه من قبيلة إفرائيم لا من قبيلة لاوي (رج 1 أخ 18:6-23 الذي يُدخل صموئيل في سُلالة بني لاوي). نحن في زمن لا تنحصر فيه الوظائف الكهنوتية بقبيلة لاوي.
وهكذا وصل إلى بني إسرائيل مختار الله، شخص عَمِلَ على نطاق واسع، فأنهى عهدًا ودشّن عهدًا آخر، شخص التقت فيه نداءات متعددة: كان القاضي في خَطّ الذين سبقوه منذ جدعون وشمشون ويفتاح، وكان الكاهن الذي تسلّم وظيفته من عالي الكاهن، وكان القائد الذي اختار شاول ومسَحه ثم داود، وكان فوق كلّ ذلك النبي الذي يسبق الآتي ، فيُعلن عن مجيء الملك الذي يخلّص الشعب. مِثْله سيكون يوحنا المعمدان صوتًا يُعلن مجيء الكلمة.
2- نشيد حنّة أم صموئيل (2: 1- 11)

تعوَّد الكاتب المُلهم، بعد حَدَث مهمّ، أن يجعل على لسان أحد الأشخاص نشيدًا يمتدح فيه الله لأجل العمل الذي عمله. تُنشد حنة وتكاد تنسى ذاتها (آ5)، فتُعلن قدرة الله الذي يتصرّف بمصائر الناس كالسيّد المطلق، فيحُطّ هذا ويرفع ذاك. وينتهي النشيد بصرخة تُعبّر عن ثقة المؤمن بربّه، وتنتظر منه خلاصًا بواسطة الملك مسيحه.
(آ 2: 1) إبتهج قلبي، إرتفع قرني أي رأسي، صِرْت قويّة (مز 5: 12؛ 34: 4؛ خر 2:15)
(آ 2) الله صخرة قوّية لا تتزعزع (2 صم 3:22؛ مز 8:86؛ 7:89-8)
(آ 3) ألربّ هو إله عليم بأعمال الإنسان (مز 94: 1- 11؛ أم 16: 2-9).
(آ 4) تكَسّرت قِسِيّ الجبابرة. (رج مز 15:37؛ 46: 10).
(آ5) ألشبعان اشتغل بالأجرة ليأكل. (رج اش 54: 1؛ مز 107: 9).
(آ 6) ألربّ يُميت ويُحيي (رج تث 32: 39؛ مز 30: 4؛ 71: 20)، لسنا أمام تعليم عن قيامة الأموات، بل عن قدرة الله التي لا حدّ لها، فتصل إلى عالم الموتى.
(آ 7) ألربّ يُفقر ويُغني (رج مز 8:75؛ 6:147).
(آ 8) ينهض المسكين عن التراب (رج مز 7:113-8). عرش المجد يعني وظيفة رفيعة (اش 22: 23). تقوم الأرض على أربعة أعمدة فوق الغَمْر العظيم (مز 24: 2؛ 26:102).
(آ 9) لا يغلِب الإنسانُ بقوته (رج هو 1 :7، اش 31: 1). هذه هي ثقة المؤمن بربه.
(آ 10) ألربّ يدين الأرض (رج مز 96: 10، 13؛ 98: 9).
نحن هنا أمام نشيد يستوحي أفكاره وكلماته من نصوص سابقة. يعود الكاتب إلى صلوات شعبه، فيُنشد فرحه وامتنانه للربّ، ويُعلن قداسته التي لا مثيل لها، ويقول: من الربّ المعرفة والشجاعة والحياة والخِصْب، والموت والحياة، والغنى والفَقْر، والذلّ والنجاح. ألربّ سيّد الأرض وديّان الكَون، وهو يَعْهَد بسُلطانه إلى الملك الذي اختاره ومسَحَه (46:1-55).
مِثْل الكاتب الاشتراعي فعل القديس لوقا: وجَد نشيدًا دينيًا يهوديًا، أخذت به الجماعة المسيحية الأولى، فجعله على لسان مريم أمّ يسوع (هناك ثلاث مخطوطات، لاتينية تنسب نشيد "تعظم نفسي " إلى أليصابات). نشيد يستوحي كلماته من مزامير عديدة، وبالأخصّ من نشيد حنّة خادمة الرب (1: 11). إستحقت حنّة أن تكون أمّ صموئيل، ولكنّ مريم صارت أمّ الله فعظمَّها جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بها عظائم.
ألمسيح لقب ملوكي. كان الشعب (2 صم 2: 4؛ 3: 5 بالنسبة الى داود) أو الله (10: 1 بالنسبة الى شاول؛ 13:16 بالنسبة الى داود) يختار الملك فيُمسح. والمسيح لقب كهنوتي: أبناء هارون هم ممسوحون أيضًا (لا 3:4؛ خر 41:28).
كان صموئيل يخدم الربّ (آ 11) عكس ابني عالي اللذين كانا يقتطعان حصّتهما من الذبائح قبل الله (12:2-17)، ينحطّ عالي ويرفع صموئيل، كما سينحطّ شاول ويرتفع داود.
3- شرّ ابني عالي (2: 12-36)

تُجاه تقوى القانة وحنّة، يرسم الكاتب صورة عمّا يحدث في معبد شيلو من فساد.
(آ 2: 12-17) لوحة تبيّن فساد ابني عالي.
كان ابنا عالي فُجّارًا (من ابناء بليعال).
كانت الشريعة (لا 3:3 ي) تفرض أن يُحْرَق الشَحْم حالاً بعد نَحْر الضحية، أمّا ابنا عالي فما كانا ينتظران، مستهينَين بذبيحة الرب. وكانت تُفرض للكهنة حصّة معينة (تث 3:18؛ لا 29:7-36)، فلم يعبأ ابنا عالي بهذه الفرائض.
(آ 18- 21) وننتقل إلى صموئيل الكاهن المثاليّ، وخادم الربّ لا نفسه. ألأفود لباس كهنوتي ارتداه داود حين رقص أمام تابوت العهد (2 صم 6: 14)، وهو غير الأفود الذي هو كيس يضع فيه الكاهن حجارة يرمي بها القُرعة (14: 3 ي؛ 23: 6 ي؛7:30 ي).
(آ 22-25) وبّخ عالي ابنيه: لماذا تعملان هذه الأعمال؟
إذا خطىء إنسان إلى انسان، فالربّ (والقاضي باسمه) يحكمُ بينهما، أمّا إذا خطىء إنسان إلى الله، فسيحلّ غضب الله بالخاطىء ولا مِنْ مُنْقِذٍ .
شاء الربّ أن يميتهما... نلاحظ هنا أنّ الله هو السبب الأول لكلّ شيء (خر 4: 21؛ يش 11: 20؛ اش 6: 9- 10)، ولكنّ الإنسان يبقى حرًا أن يتوب إلى الربّ أو يقسّي قلبه.
(آ 26) لم يسمع ابنا عالي كلام أبيهما، أما صموئيل فكان ينمو أمام الله والناس، ويستعدّ لسماع كلام الله.
(آ 27-36) خطاب رجل الله (نبي) إلى عالي.
وضع الكاتب هذا النصّ، ليُبيّن محاولات الله المتعددة، قبل أن ينزل العقاب بعالي وابنيه. وموت حفني وفنحاس (4: 11) هو نذير وعلامة (آ 34) لنكبات آتية (آ 33): مقتل كهنة نوب، أبناء عالي (18:22-19)، ما عدا أبياتار الذي سيحطّه سليمان من درجة الكهنوت (1 مل 27:2) ويُحِلَّ محله عائلة صادوق (آ 35). هذا ما سيحدث لكهنة الريف أمام كهنة أورشليم في زمن إصلاح يوشيا (2 مل 9:23).
تجلّيت لسَلَفك (هارون): بيت عالي فرع من قبيلة لاوي التي اختصها الله لخدمته. يسيرون أمامي أي يخدمُونني فينعمون برضاي (تك 17: 1؛ 48: 15).
لا يظهر اسم صادوق الكاهن قبل احتلال داود لأورشليم. ولكن بعد ذلك يذكر الكتاب اسم صادوق قبل أبياتار (2 صم 15: 24-29؛ 17: 15؛ 19: 22). أما ابياتار، ابن عالي (3:14) فهو كاهن داود ورفيق دربه التائهة (22: 20-23؛ 23: 6-9).
قاسم أبياتار صادوق خدمة تابوت العهد، وظلّ أمينًا لداود حتى وفاته. غير أنّ سليمان سيعزله لأله تحزّب مع أدونيا عليه في حرب خلافة الملك داود، وسيظلّ بنو صادوق موظفين يأتمرون بأمر الملك، خلال حُكْم سلالة داود. سيثُورون على عثليا (2 مل 11: 1 ي)، ويلعبون دورًا في إصلاح يوشيا (2 مل 23:22) ويحتفظون بحقوقهم بوجه الكهنة الآتين من الريف.
لا يعرف حفني وفنحاس الربّ، أي لا يهتمان بتتميم الخدمة الكهنوتية، كما هو واجب ولائق. فكلّ خدمة كهنوتية تفترض طقوسًا لا يستطيع أن يتعداها المُحتفل، وإلا عصا أمر الله وحلّ به العِقاب. مات ناداب وأبيهو (عد 26: 60- 61) اللذان لم يُتمّما فريضة التبخير كما يجب الا 10: 1-3)، وحلّ البرص بالملك عُزيّا (2 أخ 16:26- 21)، لأنه عمل عملاً محفوظًا للكهنة.
يُبطل الربّ كهنوت عالي، ويُقيم له كاهنًا بحَسَب قلبه (آ 35)، سيكون صادوق، ومن بعده أبناؤه (حز 44: 15-16).
4- نداء الربّ لصموئيل (3: 1- 21)

هذا كشفٌ من الله يُكرّس به صموئيل نبيًا له. ما يحدث لصموئيل ليلاً ليس بحُلُم، لأنّ الصوت يُوقظه، فينهض ثلاث مرّات، ويذهب إلى عالي. وليس برؤية، لأنّ صموئيل لا يرى الله بل يسمع صوته. ناداه الله كما نادى أشعيا (6: 1ي) وإرميا (1: 4- 10) أو أحد الأنبياء. تعرّفنا إلى صموئيل كخادم الربّ، وها نحن نتعرّف إليه كنبيّ (آ 20) يسمع كلام الربّ ويتقبّل رؤاه. إنّه الوسيط بين الله وشعبه.
(آ 3: 1-2) صموئيل الصبيّ (26:2)، أي الذي لا خُبْرة له في أمور الله (ار 1 :6 ي).
(آ 3) كان مصباح الله يُضاء في المعبد طوال الليل (خر 27: 20- 21؛ لا 3:24).
أمّا في هيكل سلمان فتُضاء عشرة مصابيح (1 مل 49:7)، وفي الهيكل الثاني يُضاء شمعدان بفرُوعه السبعة (خر 25: 31 ي). كان الله يحضر على تابوت العهد، ويُلقي أوامره من هناك (خر 22:25).
(آ 4-9) التكرار في الخبر يَخْلُق تَشوُّقًا عند القارىء، ويُبيّن له حقيقة نداء الربّ.
(آ 10) جاء الربّ، وقف، دعا صموئيل. أجاب صموئيل: تكلّم يا ربّ، فإنّ عبدك يسمع.
(آ 11-14) سيحمل صموئيل رسالة إلى بيت عالي على مثال أشعيا (9:6 ي) وعاموس (7: 15 ي).
(آ 15-18) وأخبر صموئيل عالي بكلام الربّ، فقال عالي: هو الربّ، وما حَسُنَ في عينيه فليفعل.
(آ 19) كان الربّ مع صموئيل ولم يَدَع شيئًا من كلامه يسقط، أي أنّه كان يحقّق ما يقوله بلسان صموئيل.
(آ 20) من دان إلى بئر سبع. هذه هي حدود مملكة بني إسرائيل (1 مل 4: 25). أمّا نشاط صموئيل، فلم يتعدّى منطقة الرامة حيث كان يُقيم.
هذا الذي كان قائدًا محليًا، صار بطلاً وطنيًا، وهذا الرْائي (9: 11) المُقيم في مكان من الأمكنة، صار نبيًا للشعب كلّه، فلعب دورًا أساسيًا في تاريخ شعبه.
وانطلقت مسيرة الله مع شعبه من جديد. كانت رؤاه نادرة، فعاد يتراءى في شيلو. كانت كلمته عزيزة، فعاد يكلّم الشعب عبر نبيّ ائتمنه على رسالة، هو صموئيل. تصوّر الكاتب المُلهم لقاء الله بصموئيل، بشكل حوار في أعماق قلب من دعاه الله ليكون نبيّه. أما أشعيا فتصوّر لقاءه بالرب كلقاءِ إنسان مع مَلِكه في الهيكل حيث الكاروبيم والسارافيم يُحيطون بتابوت العهد. هناك جلس الربّ (4: 4، 2 صم 6: 2؛ اش 37: 16)، واسمع صوته وأعطى أوامره (خر 18:25-22؛ عد 7: 89): من أُرسل، من ينطلق باسمنا؟ قال أشعيا: ها أنذا فارسلني. فقال له الرب: إنطلق وقلْ لهذا الشعب (اش 6: 8-9)
هيأ الربّ صموئيل منذ صباه ليكون نبيّه، وكذلك هيأ إرميا قبل أن يُصوّره في البطن، وجعله نبيًا للأمم، مع أنّه صبي لا يعرف أن يتكلّم لقلّة خُبرته. ولكنّ الربّ قال له: إنطلق وقلْ ما آمرك به ولا تخف منهم، فإنّي معك لأُنقذك (ار 1: 5-8). صموئيل وإرميا نبيّان عاشا ازمة حادة في شعب إسرائيل، وربطا بين زمانين مختلفين. رأى صموئيل دمار شيلو وهلاك الكهنوت الذي ارتبط به عبر الكاهن عالي. وأعلن إرميا عن النكبة التي فيها يُدمَّر هيكل سليمان العزيز علىٍ قلب كلّ مؤمن، والتي فيها يذهب الكهنة إلى المنفى. لذلك نرى على وجهيهما مسحة من الوقار بل من الألم والكآبة. أتُراه من السهل أن يقول صموئيل إنّ الربّ سيقضي على بيت عالي إلى الأبد؟ أتُرى إرميا فرح عندما تنبّأ باسم الربّ: ها أنذا أدَمِرّ الجميلة المُترفة بنت (مدينة) صِهْيون (ار 6: 2)؟
ويُشْبه صموئيل يوحنا المعمدان: أَعَدّ الطريق، مسَحَ الملك الذي وضع حدًا لسلطته في الشعب، صمت إلى أن مات، بعد أن أسّس المَلكية في شعبه. وهكذا فعل يوحنا بالنسبة الى يسوع المسيح. قال: يأتي الآن من هو أقوى مني، ولست أهلاً لأن أحلّ سَيْر نعليه (لو 3: 16). وقال أيضًا: لست المسيح بل رسول قدّامه. لا بدَّ له من أن يَعْظُم ولا بدَّ لي من أن أصغُر (يو 28:3-29).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM