الفصْل السَّابع: يفتَاح عَلى حُدود البِلاد

الفصْل السَّابع
يفتَاح عَلى حُدود البِلاد
10 : 1 – 12 : 15

أ- المقدّمة
1- يبدأ ف 10 بنظرة الكاتب الاشتراعي، وكأنه يريد أن يُسدِلَ الستار على نهاية مُظلمة: وأقام بعد أبيملك تولع، ليُخلّص شعب إسرائيل... بعد الملك الذي جعله الناس قائدهم فكان شريرًا، ها هو القاضي رجل الله الذي سيكون الخلّص لشعبه، لا قاتل شعبه كما فعل أبيملك.
ومن هم القاضيان المذكوران؟ رجلان مغموران لم يحفظ لنا التقليد عنهما إلا اسمهما وارتباطاتهما العائلية والمحلية وموضع دفنهما. ألأول، تولع، عمل في وسط البلاد الوعر. والثاني، يائير، كان شيخًا قويًا وغنيًا (يملك الحمير، والحمار كان لاستعمال الأغنياء)، فحكم البلاد شرقيّ الأردن. ألأول كان في أرض إفرائيم، والثاني في شرقيّ الأردن، وفي هاتين المنطقتين سيعمل يفتاح.
2- قال بعض النقاد إنّ سفر القضاة كان مجموعتين ضمتّا فيمَا بعد في كتاب واحد. في هذه الحالة تكون 10: 6-18 مقدمة للجزء الثاني من سفر القضاة. فهي تُعِدُّ القارىء لقصّة يفتاح وقصة شمشون أيضًا، بل صموئيل وشاول، لأنّها تذكر العداء بين بني إسرائيل من جهة والعمونيين والفلسطيين من جهة أخرى. حالة بني إسرائيل هي هي، كما قبل إقامة أي قاضٍ من القضاة: ألظلم والضيق والذلّ، كلّ هذا يُثير صراخ الشعب الذي يطلب من الله مُخلّصًا فيُعطيه.
3- يفتاح هو ابن زنى ورئيس عصابة. دعاه بنو جلعاد ليكون قائدهم، فسار على رأسهم وقهر بني عمّون، ولكنه ضحّى بابنته للربّ، عاملاً بنذر نذره للربّ قبل أن يذهب إلى الحرب. يبدو أنّ هذا الخبر يجمع خبرين، واحد يُورد الحرب مع عمون، والثاني الحرب مع موآب. وفي خطاب يفتاح إلى ملك عمّون يذكر يفتاح كموش إله موآب، لا ملكوم إله بني عمّون.
4- بعد الحديث عن تولع (10: 1-2) وعن يائير (31- 5)، نقرأ مقدّمة لخبري يفتاح وشمشون (آ 6-18). ثم نتعرّف إلى الخلّص الذي هو يفتاح، وكيف دعاه بنو جلعاد ليكون رئيسًا عليهم (11: 1- 11). وتبدأ المحادثات مع العمّونيين، ولكن دون نتيجة (آ 12-28) فيُحاربهم يفتاح وينتصر عليهم (آ 29-33) ولكنّ ثمن النصر كان ابنة يفتاح بالذات (آ 34 - 40). غير أنّ الحرب الأهلية اندلعت، إذ ثار بنو إفرائيم، فأخمدها يفتاح وقضى لإسرائيل ست سنوات وتوفي (12: 1-7). ثم يحدّثنا الكاتب عن ثلاثة قضاة: ابصان (آ 8-10) وايلون (آ 11-12) وعبدون (آ 13- 15).

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- تولع ويائير (10: 1- 5)

قاضيان لا نعرف عنهما الشيء الكثير، وسيكون الأمر مُشابهًا بالنسبة إلى ثلاثة آخرين: أبصان، إيلون، عبدون (12: 8- 15).
(آ 10: 1-2) وقام تولع. أي دخل على مسرح الأحداث، وتصرّف كشخص تاريخي (7:5؛ 18:8؛ دا 11 :2-4؛ سي 47: 1-12؛ 48: 1). تولع (أو الدودة) هو أخو فوّة وابن يساكر (تك 46: 13؛ عد 26: 23؛ 1 أخ 7: 1). هو ابن دودو (أي الخال) (رج 2 صم 23: 9، 24؛ 1 أخ 11: 12، 26. تقع شامير في جبل إفرائيم ونميّزها عن شامير الواقعة في جبل يهوذا ؛ يش 48:15). نشير إلى أنّ قبيلة يساكر أقامت شماليّ شرقيّ سهل يزرعيل. أمّا اسم قبيلة إفرائيم فيرتبط بالأرض التي أقامت فيها.
(آ 3- 5) وقام يائير (أي الذي يُنير) بن منسّى (عد 32: 41؛ تث 3: 14؛ 1 مل 13:4). جلعاد هي منطقة الهِضاب في شرقيّ الأردن، يحدّها شَمالاً اليرموك، وجنوبًا أرنون، وشرقاً الصحراء، وغربًا نهر الأردن.
كان له ثلاثون ابنًا مثل أبصان (12: 9). أمّا عبدون فكان له أربعون ابنًا وثلاثون حفيدًا. هذه علامة القوّة والغنى. كان يملك ثلاثين مزرعة تجمع عددًا من الخيام (1 أخ 2 : 22 )
قامون تقع جنوبيّ اليرموك.
2- مقدّمة ليفتاح وشمشون (6:10-18)

(آ 6-9) يُحدّثنا الكاتب عن الضيق الذي أصاب شعب إسرائيل الذين عبدوا الآلهة الغريبة بعل وعشتاروت، ثم آلهة الآراميين والفينيقيين (أي صيدون) والموآبيين والعمّونيين والفلسطيّين. فالعمّونيون والفلسطيون سيكونونْ أداة عِقاب الله لشعبه. ألعمونيون سيُضايقون بني إسرائيل في زمن يفتاح، والفلسطيون في أيام شمشون.
يُشدّد النصّ على قوّة بني عمّون واتساع نفوذهم: وصلوا إلى أرض إفرائيم وأرض يهوذا... إذا أحسَّ بالضيق كلُّ بني إسرائيل.
(آ10-16) صرخ بنو إسرائيل فكلمّهم الرب، ربّما بواسطة نبي من الأنبياء، ونبّههم إلى خطيئتهم. ذكّرهم بما فعل لهم من خلاص منذ أيّام المصريين. أمّا هم فتركوه وعبدوا الآلهة الغريبة. حينئذ دعاهم ليذهبوا إلى هذه الآلهة الغريبة لكي تخلّصهم. تاب بنو إسرائيل: أزالوا أصنام الآلهة الغريبة (يش 24: 19- 24؛ 1 صم 7: 3 ي)، وعبدوا الربّ، فرقَّ قلب الربّ وأسرع لخلاصهم.
(آ 17-18) واجتمع بنو عمّون للحرب في جلعاد (هو 8:6) ألقريبة من يبوق، وخيّم بنو إسرائيل في مصفاة جلعاد، ألواقعة جنوبيّ يبوق. وبحث العبرانيون عن شخص يُمكنه أن يقودهم في حروبهم. وهنا تلتقي إرادة الله بحاجة الإنسان، فيُوجّه أنظارهم إلى يفتاح.
3- يفتاح قائد الجلعاديين (11: 1- 11)

(آ 11: 1-3) من هو يفتاح (الله يفتح؛ يش 19: 14، 27)؟ جبّار حرب. هو ابن زانية، ولكنّ أباه معروف واسمه جلعاد. تربّى في بيت والده، ولكنّ إخوته رفضوا أن يُعطوه ميراثًا في أرض آبائه، فثار عليهم كما ثار على شيوخ المدينة (آ 7)، فابتعد إلى أرض طوب (الطيبة الواقعة في شماليّ جلعاد بين درعا وبصرة؛ 2 صم 10: 6، 8؛ 1 مك 13:5؛ 2 مك 7:12)، وجعل حوله جماعة من الرجال البطّالين.
(آ 4- 11) حِوار بين يفتاح وشيوخ جلعاد. سيكون قائدهم في الحرب ورئيسهم في السِلْم. قبلوا بكلّ ما طلب، واشهدوا الله على كلامهم في المعبد. ذهب يفتاح إلى المصفاة، فوافق الشعب على ما اتفق عليه الشيوخ مع يفتاح.
4- محادثات بين يفتاح وبنى عمّون (11: 12-28)

(آ 12-13) إحتاج يفتاح إلى كثير من الشجاعة، ليقود الجيش في هذه الحالة العصيبة، ولكنّه بدأ المُحادثات مع ملك عمّون كما فعل موسى مع سيحون ملك موآب (عد 20: 14؛ 11: 21). أمّا ملك عمّون فقال: أخذتم منّا الأرض وأنتم آتون من مصر. ردّوها لنا فتتجنّبوا الحرب. نُشير هنا إلى أنّ العمّونيين، بني لوط، أخذوا هذه الأرض من الزمزميين (تث 2:20). أما بنو موآب، فأقاموا جنوبيها في أيّام عجلون ملكهم.
(آ 14-28) ويُجيب يفتاح ملك العمّونيين، ويذكّره بالماضي يوم رفض أدوم وموآب المرور لبني إسرائيل، فعملوا الحرب. ويزيد: إنّ يهوه هو الذي أعطى شعبه هذه الأرض. وهكذا يعبّر يفتاح عن حقّ شعبه، ويسلّم الحكم ليهوه الذي لن يقاتل فقط من أجل شعبه في وقت الحرب، بل يحكم له في وقت السِلْم.
قادش تبعد 80 كلم إلى الجنوب من بئر سبع. ياهص تقع بين ديبون ومادبة (عد 21: 23 ؛ تث 2: 32).
في آ 24 نقرأ: كوش هو إله العمّونيين، ولكنّه في الواقع إله موآب الذي يُسمّى باسم إلهه (عد 01: 29 ؛ ار 46:48). أمّا اله العمّونيين فهو ملكوم (1 مل 11: 5، 33؛ 2 مل 23: 13؛ ار 49: 1). يعتبر يفتاح ككلّ الشرق، أنّ لكلّ إلهٍ أرضًا لا يَحِقّ لإلهٍ آخر أن يتعدّى عليها. يهوه هو الإله السامي، ولكنه ما أزال بعد سائر الآلهة.
في آ 26 نقرأ 300 سنة. يُشدّد يفتاح على حقّ الاكتساب بمرور الزمن.
5- ألحرب بين يفتاح والعمّونيين (29:11-40)

(آ 29- 31) إستفاد يفتاح من المُهلة فدعا القبائل المجاورة. ولما حل عليه روح الربّ (رج 3: 15) سار على العدو. ولكنّه قبل ذلك نذر نذرًا، أي وعد أن يعطي الله أول انسان يأتي إلى لقائه بعد الحرب.
(آ 32-33) وانتصر يفتاح على أعدائه: أسم الربّ إليه العمّونيين فأذلّهم. فمَا بقي له إلا ان يفي ينَذْره.
عروعير هي خربة الصفراء التي تبعد 7 كم إلى الشرق من ربة. منيت تقع بين حشبون وربة. آبل الكروم تقع جنوبي منيت.
(آ 34-40) ألوفاء بالنَذْر. أوّل من خرج للقاء يفتاح كانت ابنته. تألّم في قلبه، ولكنّه وفى بنَذْره. وهنا العادة السنوية: تبكي بنات جلعاد على ابنة يفتاح.
ذَبْح البشر، إكرامًا لله، عبادة قديمة عرفتها الشعوب السامية وغيرها من الشعوب، فلم يسلم منها بنو إسرائيل ولا جيرانهم. حاول إبراهيم أن يُقدّم ابنه اسحق (تك 22: 1-19)، وأجاز احاز ملك يهوذا ابنه بالنار (2 مل 3:16) وتبعه شعبه (2 مل 17: 17؛ رج مي 6: 7). ودفن حيئيل ابنه البكر ليؤسسّ عليه مدينة أريحا، ودفن ابنه الاصغر حين أقام أبوابها (1 مل 16: 34) فيأمن حماية الآلهة. وأحرق ملك موآب ابنه على السور إكرامًا لإلهه، وطلبًا لمعونته (2 مل 27:3).
حارب الأنبياء هذه العادة الذميمة، فندّد بها ارميا (7: 31؛ 19: 5) وقال حزقيال لأورشليم: أخذت بنيك وبناتك، وذبحتهم للآلهة طعامًا (حز 16: 20- 21؛ 23: 39). أمّا الشريعة فستمنعها منعًا مُطلقًا. قال سفر اللاويين في 18: 21: لا تُعْطِ من نسلك تقدمة للإله مولك فتدنّس اسم الهك. ويزيد في 20: 2-5: من أعطى من نسله للاله مولك فليُقْتل قتلاً: يرجُمه الشعب بالحجارة، وأنا أقطعه من بين شعبه، لأنه دنَّس اسمي القدّوس. وإن تغاضى أهل الأرض عن ذلك الانسان الذي أعطى من نسله ذبيحة لمولك فم يقتلوه، خاصمته هو وعشيرته وقطعته من بين شعبه هو وجميع من واطأه (رج تث 31:12).
6- حرب بين إفرائيم وجلعاد (12: 1-7)

وأرادت قبيلة إفرائيم أن تتسلّط على سائر القبائل، فخافت من يفتاح كما خافت من جدعون (8: 1-3) فطالبت بحقّها، وعبر رجالها الأردن.
(آ 12: 1-3) صافون (يش 27:13؛ عد 15:26) مدينة في أرض جاد في شرقي الأردن. تقع شماليّ سكوت. قالوا: ما دعاهم يفتاح إلى الحرب. أجابهم: دعوتكم فما لبيتّم.
(آ 4-7) قطع يفتاح الطريق على بني إفرائيم، وكان رجاله يتعرّفون إليهم عند مخاضة الأردن بطريقة لفظ كلمة شبولت التي تعني سنبلة القمح أو سبيل الماء.
وانتهى الكاتب فقال لنا كم دامت مدة حكم يفتاح. حاول أن يكون ملكًا ولكنّه فشل.
7- ثلاثة قضاة (12: 8- 15)

مع إبصان وإيلون نعود إلى زبولون. أمّا عبدون فينقلنا الى الجنوب إلى فرعتون الواقعة قرب شكيم.
(آ 8- 10) بيت لحم المذكورة هنا تقع في أرض زبولون، وتبعد 10 كم إلى الشمال الغربي من الناصرة. زوَّج أبصان أولاده من خارج العشيرة، ليحصل على صداقات ومعاهدات. هكذا كان الملوك يفعلون.
(آ 11-12) لا نعرف من إيلون إلا اسمه المُرتبط بزبولون (عد 26:26؛ رج تك 14:46) وموضع دفنه في إيالون التي هي تلّ البطمة.
(آ 13-15) فرعتون (1 مك 9: 5) موطن عبدون، هي فرعاتة المُشرفة على السامرة. حكم 8 سنوات ودُفِن في أرض شعليم (رج 1 صم 4:9).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM