الفصْلُ الرابع: دبُورَة وَبَاراق

الفصْلُ الرابع
دبُورَة وَبَاراق
4: 1 – 5 : 31

أ - المقدّمة
1- يَبرز هذا الخبر في وثيقتين مُتلاحقتين: نشيد (ف 5) يعتبره الشرّاح قريبًا من الأحداث، ألِفّ في غَفرةِ النصر لمجد يهوه وجيشه. وخبر نثري (ف 4) مليء بالتفاصيل الظرفية والجغرافية. ألنشيد والخبر ظهرا في قبائل الشمَال، إلا أنّ الخبر مطبوع بطابع ديني: فدبورة النبية هي وسيط بين الربّ وباراق. ثم إنّ باراق قد حجبته امرأتان لقلَّة إيمانه، واحدة في بداية المعركة والأخرى في نهايتها.
2- ألاختلافات عديدة بين النشيد والخبر، إليك بعضها: في ف 5 نعرف أنّ 6 قبائل لبّت نداء الحرب، في 4: 5 نقرأ اسم زبولون ونفتالي. في الخبر حصلت المعركة عند سفح تابور، أمّا في النشيد ففي تعناك. ألرئيس الأعلى للكنعانيين هو يابين وقائد. جيشه سيسرا. هذا في الخبر، أمّا في النشيد فسيسرا هو قائد الملوك المتحالفين. على كل حالٍ لم يَعْلَق في ذاكرة بني إسرائيل إلا اسم سيسرا.
3- كيف يبدو إطار الحَدَث؟ عرفنا في 1 :27 ي أنّ الحصون الكنعانية في سهل يزرعيل وبيت شان قاومت العبرانيين، فشكّلت حاجزًا بين بيت يوسف وقبائل الشمَال، وأنّ الكنعانيين كانوا يجولون السهل بمركباتهم الحربية، فيروّعون السكّان، ويقطعون طرق التجارة والتعامل بين القبائل. حينئذ قامت ستّ قبائل، بناءً على نداء دبورة، فاجتمعت وكسرت العدو. أمّا النتيجة: تحطّمت سلطة الكنعانيين، فاستراح بنو إسرائيل. وفهم العبرانيون أهميّة التضامُن وفوائد الوحدة. كانوا ست قبائل فانتصروا، فماذا لو كانوا اثنتي عشر قبيلة.
4- في الخبر (ف 4)، نتعرّف إلى بني إسرائيل الذين ضيَّق عليهم الكنعانيون عشرين سنة (4: 1- 3). فبرز باراق ودبورة ليُخلّصا الشعب من هذا الضيق (آ 4-9). دعا باراق زبولون ونفتالي إلى قادش (آ 10-13) فتمّ له النصر في قيشون (آ 14- 16) ولكن هرب سيسرا، فاستقبلته امرأة اسمها ياعيل، فغرزت الوَتَد في صُدْغه فقتلته (آ 17- 22)، فانقلبت الأمور لصالح بني إسرائيل (آ 23- 24).
أمّا النشيد (ف 5) فنقسمه إلى مقاطع. بعد العنوان النثري (5: 1) نقرأ المقطع الأوّل: ألربّ يُعِين شعبه (آ 2- 5). ألمقطع الثاني: ألضيق المُلِمّ ببني إسرائيل (آ 6-8). ألمقطع الثالث: ثورة العبرانيين المقهورين (آ 9- 12). ألمقطع الرابع: ألمجد للأبطال (آ 13-16). ألمقطع الخاسر: ألويل للجُبناء (آ 17- 18). ألمقطع السادس ألمعركة قُرْبَ تعناك (آ 19-23). ألمقطع السابع: ياعيل وسيسرا (آ 24-27). ألمقطع الثامن: والدة سيسرا تنتظر ابنها (آ 28-30). وينتهي النشيد بالآية 31، وفيها هتاف الحرب والنصر.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- معركة تعناك (4: 1-24)

(آ 1: 1-3) وانتقل الكاتب إلى قبائل الشمال التي تتحمّل الضيق من الكنعانيين. فعلوا الشرّ أمام الربّ، فباعهم الربّ كما يُباع العبيد، ليُعاقبهم. أمّا أداة عقابه فيابين ملك الكنعانيين في حاصور، وقائد جيشه سيسرا.
حاصور مدينة ملكية كنعانية، يَردُ اسمها واسم ملكها حتى في النصوص المصرية في نهاية السلالة الثانية عشرة، وفي رسائل ماري على شاطىء الفرات، مع ملكها يبني. وفي نصوص تلّ العمارنة، نسمع ملك صور يتّهم ملكها، بأنّه يساعد جماعات المتمرّدين على مصر. موقعها شماليّ بحيرة طبرية وجنوبي قادش في نفتالي، وملكها مارس هيمنته على منطقة الجليل. أمّا حروشت الأمم فهي الحريثية التي تبعد 15 كلم إلى الجنوب الشرقيّ من يافا .
يابين هو الملك الذي قهره يشوع ودمّر مدينته (يش 11: 1-13). سيسرا هو اسم غريب حثيّ أو حوريّ. مهما يكن من أمر، فملوك كنعان يُضيّقون بمركباتهم التسعماية على العبرانيين... لهذا صرخ بنو إسرائيل إلى الربّ.
(آ 4-9) فاختار الله دبورة، لتُنْعِشَ القلوب الميّتة وتُثير الهِمَم. دبورة (أي النحلة) ابنة لفيدوت (أو القناديل)، هي نبيّة لأنّها تُعرِّفُ الشعب الى إرادة الله، مثل مريم أخت موسى (خر 15: 20) وحلدة (2 مل 22: 14) ونوعادية (نح 6: 14). كانت تتولّى القضاء، فتحكم في أمور الناس عند نخلة عُرِفت باسمها أو باسمِ دبورة مرضعة رفقة التي دُفِنَت قرب بيت إيل (تك 35: 8). الرامة تبعد 9 كلم إلى الشمال من أورشليم، وبيت إيل تبعد 16 كم.
باراق (يرتبط اسمه بإله البَرْق في عالم بابل وراس شمرا)، هو قائد معروف من قادش (في نفتالي) التي تبعد 18 كلم إلى الشمال من صفد. إذًا باراق هو من قبيلة نفتالي. دعته دبورة باسم الربّ، وأمرته بأن يُجنّد الرجال، ووعدته بالنصر على جيش سيسرا عند نهر قيشون. قَبِل باراق المُهمّة، واشترط عليها أن ترافقه ليكسب مُساعدة قبائل الوسط. إيمان باراق ضعيف وهو يحتاج الى مُساعدة امرأة، لهذا لن يكون قتل قائد جيش العدو على يده، بل على يد امرأة. تابور أو جبل الطور يرتفع 562 عن سطح البحر، ويقع شمالي شرقيّ سهل يزرعيل. كان مركزًا للعبادة قديمًا (تث 19:33؛ هو 5: 1). نهر قيشون أو نهر المقطع، يجري في سهل يزرعيل بمحاذاة جبل الكرمل، تبل أن يصبّ في البحر قرب حيفا.
(آ 10-13) وصعد باراق إلى تابور ترافقه دبورة التي وعدته ووفت بوعدها. عرف سيسرا بتحرّكات بني إسرائيل، فاستعدّ للقتال: حشد جيشه وجمع مركباته.
(آ 14-16) وَعَد الربُّ بالنصر (آ 7) وها هو يُحقّق وعده. قالت دبورة لباراق: ألربّ يسير معك، سيُظهر قدرته من أجلك. تقوّى باراق فنزل من الجبل إلى السهل لمُلاقاة الكنعانيين. ولكنّ يهوه ربّ الحرب، أخذ بزمام المعركة، فأرعب الكنعانيين ورمى البلبلة في صفوفهم فمات من مات... ولا ننسى المُغالاة: لم يبق منهم أحد بل ماتوا كلّهم.
(آ 17-22) تأمّل سيسرا أن ينجو بحياته ويعود إلى أرضه. فدخل بيت ياعيل زوجة حابر القيني، وكان بعض القينين أقاموا في المنطقة (آ 11). إستقبلته المرأة، سقته فنام. ثم أخذت وتدا فغرزته في رأسه. ولما وصل باراق، كانت ياعيل قد أنهت كلّ شيء، عابثة بقوانين الضيافة.
(آ 23-24) ونعود إلى 3: 30 مع ذِكْر يابين ملك كنعان الذي أذله إسرائيل ولم يقهره. وفي آ 24 نعرف أنّ الحرب لم تتوقف، وظلّت مُدُن الكنعانيين منيعة، غير أنّ طرق المواصلات فُتحت.
2- نشيد دبورة النبية (5: 1-31)

نشيد بطوليّ وصلنا على لسان دبورة. ألّفه شاعر مجهول، فتكلّم باسم شعبه ليمّجد الله لعظمة أعماله (خر 15: 1؛ تث 30:31؛ 1 صم 2: 1؛ 2 صم 1 :17).
(آ 5: 1) ألعنوان النثري ألفّه الكاتب، فنسب النشيد إلى دبورة وباراق، كما جرت العادة في إسرائيل أن يُنسب إلى الشخصيات التاريخية أناشيد إكرامًا لله القويّ.
(آ 2- 5) ترك المُحاربون شعورهم حتى النصر (عد 6: 5) فكانوا كمن نذر نذرًا للربّ. وينشد الشاعر ويعزف، لأنّ الربّ آتٍ لمساعدة شعبه. سعير، جبل يقع جنوبي البحر الميّت. تحرّكت الأرض، اضطربت السماوات (البروق، الرعود)، لتُرعب أعداء العبرانيين.
(آ 6-8) ويذكر الشاعر الضيق الذي حلّ بالبلاد في أيّام شمجر وياعيل: طُرُق غير آمنة، لا سلاح في يد الشعب، لا قائد، لا كاهن يَصْرِفُهم عن عبادة الأوثان.
(آ 9-12) في الأزمنة القديمة، كان القائد يركب حمارًا لأنّ الفرس لم يكن معروفًا عند العبرانيين. تَعوّد المحاربون أن يروُوا بطولاتهم، حيث يجتمعون لسِقاية المواشي. ويعود الشاعر إلى الوراء قبل زمن الحرب: جاءت ساعة الأبطال. ليتذكّر باراق خُصومته مع الكنعانيين، وليستعدّ للانتقام من خصومه وخُصوم شعبه.
(آ 13-16) نشيد إلى الأبطال: إفرائيم، بنيامين، ماكير أي منسّى، زبولون، يساكر، نفتالي، رأوبين. نشير هنا إلى أنّ الخبر لا يذكر إلا اسم زبولون ونفتالي.
(آ 17-18) أمّا الجُبناء والمُتخاذلون، فهم رأوبين (آ 16) وجلعاد (أي قبيلة جاد) الذين يحتمون وراء الأردن، ودان واشير ألمُقيمون على الشاطىء.
(آ 19-23) ودارت المعركة في تعناك، في مياه مجدو، أمّا النصر فجاء من الله الذي أعطى أمرًا بالهجوم بواسطة نبيّته، والذي ظهر منذ البداية في بروقه ورعوده، فأنزل مطرًا أغرق مركبات العدو.
(آ 24-27) في ذلك اليوم مات القائد الكنعاني، لا بَيدِ باراق بل بيد امرأة كما قالت دبورة (4: 9). مباركة تلك المرأة. ياعيل استقبلته كشخص عظيم، وصبّت له الماء وقتلته وهو يشرب.
(آ 28-30) ويصور هذا المقطع أَلَم أم سيسرا: مكثت تنتظر ابنا الذي واكبه النصر أينما ذهب.
(آ 31) وينتهي النشيد بصرخة الحرب والانتصار، بصلاة الشكر للربّ الذي أتى من جبل سيناء، ليقود شعبه إلى النصر. ولا ننسى أنّ أعداء بني إسرائيل هم أعداء الله أيضًا (عد 35:10؛ 1 صم 26:30).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM