الفصْل الثالِث
الأسَد وَالأعسَر وًراعي البقر
3 : 7 – 31
أ- المقدّمة
يُحدّثنا النصّ عن ثلاثة قضاة: عتنيئيل وأهود وشمجر. كان الأول من قبيلة يهوذا أو بالأحرى من عشيرة كالب حليفة يهوذا، ومعنى اله أسد الله. وكان الثاني رجلا أعسر من بنيامين، أمّا الثالث فكان راعي بقر، وقد حارب الفلسطيين بمسّاسه، فسبق شمشون.
ب- تفسير الآيات الكتابية
1- عتنيئيل (7:3-11)
ويُبرهن الكاتب بأمثلة تاريخية، عن صحّة القضية التي يعرضها، فيبدأ بعتنيئيل. قصَّة قصيرة تتألّف من بضعة أسماء عَلَم وعبارات مُقَوْلَبة، مُستوحاة من المقدّمة. نقصته المعلومات فما زاد عليها، ولكنّه جعل عتنيئيل أول القضاة، لأنه من يهوذا أولى القبائل التي نعمت برضى الربّ.
(آ 3: 7) ألخطيئة: وعمل بنو إسرائيل الشرّ، وبالأخصّ قبيلتا يهوذا وشمعون. نسوا الله وعبدوا عشتاروت.
(آ 8) ألعقاب: كان عقابهم كوشان رشعتائيم، ملك أرام النهرين. أرام النهرين هو موطن ارامي الشمال. كوشان هو من نسل كوش جدّ نمرود وبطل الصيد والحرب في الأساطير العراقية القديمة (تك 10: 8). رشعتائيم أي الشرّ مرتين.
(آ 9- 11) ألمخلّص الذي أقامه الربّ هو عتنيئيل بن قناز (رج 1: 9-15). إشتهر باحتلاله مدينة دبير، فكانت عكسة ابنة كالب زوجة له. نُشير هنا إلى أنّ عتنيئيل هو من بني كالب، من أدوم، ولكنّ عشيرته انضمّت إلى قبيلة يهوذا، فصارت جُزءًا منها. كان روح الربّ عليه، فأعطاه القُدرة والنباهة والسرعة في التنفيذ. كان رئيس عشيرة فصار قاضيًا ومُحررًّا. انتصر فنعمت الأرض بالسلام والراحة أربعين سنة (3: 30؛ 5: 31؛ 28:7)
إنطلق المؤرخ الاشتراعي من هذا الوضع، ليُبيّن الصراع بين يهوذا وبلاد الرافدين، في أيّام نبوكد نصر ونبوفلاسر، ويدعو المؤمنين إلى الشجاعة، رغم نوايا الشرّ التي يحملها هؤلاء الأعداء لشعب الله.
2- أهود 12:3-30
حَدَثٌ مُثِيرٌ وواقعيّ، أقحمه الكاتب في كتابه، وزاد عليه بعض العبارات التي تساعده على إبراز الأمثولة التاريخية بحسب لاهوت الكتاب. قِصّة قاتل متهوِّر ومُحتال، صار أداة في يد الله من أجل خلاص شعبه. نحن لن نحكم على أخلاقية عمله، بل نشدّد على أنه غامر بحياته من أجل خلاص شعبه، فاستحقّ أن يُحمى بين القُضاة الاثني عشر.
(آ 12-14) خطيئة وعِقاب: باع الله شعبه لكوشان، وها هو الآن يُعطي القوة للأعداء. اتفق العمونيون والعماليقيون مع الموآبيين وعبروا الأردن. مدينة النخل هي أريحا. (1: 16؛ تث 34: 3؛ 2 أخ 28: 15). وهكذا كان عجلون أداة العِقاب بيد الله ضِدّ شعبه.
(آ 15-18) توبة الشعب والجِزْية لعجلون. كان بنو بنيامين يدفعون الجزية لملك عجلون كلّ سنة. في إحدى السنين كان دور أهود، فصنع لنفسه سيفًا خاصًا طوله ذراع.
(آ 19-25) مقتل عجلون. أدخل أهود قومه إلى الجلْجال، ليُبعد عنهم الخطر، وعاد وحده. قال للملك: عندي كلام سريّ، وهذا الكلام السريّ، صار كلامًا من عند الربّ (آ20). وبعد أن دخل وإيّاه على حدة إلى الغرفة، ضربه بالسيف في بطنه.
(آ 26-30) وهرب أهود، فوصل إلى سعيرة (في جبل سعير على حدود يهوذا وإفرائيم. يش 15 :10). فنفخ في البوق، وقاد بني إسرائيل الذين كانوا ينتظرونه في ذلك المكان. أغلقوا مخاضات الأردن، لئلا يفلت الموآبيون المُقيمون غربي الأردن. أمّا الموآبيّون فاضطربوا من قَتل ملكهم، فم يقاوموا بل هلكوا... ولكن هناك مُبالغة في الأعداد، كما تعوّدنا أن نقرأ في التوراة. كان النصر عظيمًا، بل أعظم من نصر عتنيئيل، فارتاحت البلاد لا أربعين سنة فقط بل ثمانين. نُشير هنا إلى أنّ النصّ لا يُسمي كلاّ من عتنيئيل وأهود قاضيًا بل مخلّصاً.
3- شمجر 31:3
هذه اللمحة الوجيزة تطرح بعض المشاكل. و"قام من بعده " ترتبط بأهود، ولكنّنا نقرأ في 4: 1 بعد موت أهود. وهكذا تقطع آ 31 تتابُعَ الخبر. شمجر بن عنات: إسمان غريبان. شمجر تعني المضايق عند البابليين وفي نصوص نوزي، وعنات هي الإلهة المعروفة في نوزي وراس شمرا. وأخيرًا يذكر النصّ الفلسطيين الذين كانوا أقوياء في أواخر زمن القضاة. هذه المشاكل تجعل بعض الشرّاح يرجعون 3: 31 إلى ما بعد 16: 31 (رج 2 صم 23: 11).