الفصْل الثّامِن عَشر: جَمَاعة شكِيم

الفصْل الثّامِن عَشر
جَمَاعة شكِيم
24 : 1 – 33

أ- المقدّمة
1- يُحدّثنا ف 24 عن اجتماع شكيم العظيم (24: 1-28)، ثمّ عن موت يشوع والعازار اللذين بهما ينتهي زمن أعمال الله العظيمة في شعبه (آ 29-33). يدعو يشوع القبائل (آ 1)، فتجتمع وتسمع خُطبة يشوع باسم الربّ (آ 2-15). ويبدأ حوار بين يشوع والشعب، ينتهي بتجديد العهد (آ 25-27) وإطلاق الشعب (آ 28). هذا الخبر يرجع إلى تقليد قديم لعهد قُطعَ في شكيم، أعاد كتابته مؤلف تشرّب من اللاهوت الكهنوتي والاشتراعي، فجعله قريبًا من 8: 30-35 ومن تث 26: 16-27: 26
2- رغم بعض الفروقات، نجد مُوازاةً بين خُطبة الوداع في ف 23 وخُطبة شكيم هذه. فإذا كان ف 23 يرجع إلى سفر التثنية، فالفصل 24 يُلامس كتاب العهد وخاصّة خر 27: 20- 31، كما أُعلن على جبل سيناء. أراد الكاتب أن يجعل إطار ف 24 كإطار ف 23. أحسّ يشوع بدُنو أجله، فجمع القبائل علي عليهم وصاياه الأخيرة، ويترك لهم وصيّته الروحية. ولكنّ هذا مستحيل والوقت يدهَم يشوع. إمّا إذا اعتبرنا أنّ الجماعة مدعوة كلّ سنة في وقت محدد، فالأمر معقول. يحتفلون بعيد العهد، فيترأس يشوع هذه الحفلة، ويذكّر الشعب بما وعدوا به الربّ في جبل سيناء.
3- يقف شعب إسرائيل في شكيم التي هي تل البلاطة وتقع على أبواب نابلس. ونتساءل: متى وصل بنو إسرائيل إلى شكيم، وهل احتلّوها بالقوة؟ هذا ما لا نعرفه. إذا رجعنا الى الحفريات، يتبيّن لنا أنّ شعب الله، أقام في شكيم إقامة سِلميّة، وأصبحت المدينة في أرض إفرائيم، فسُمِّيت مرّات مدينة إفرائيمية. والإقامة السلمية واضحة مما نقرأه في قض 8-9، حيث يعيش بنو إسرائيل وبنو شكيم في وئام، ولم يعكر صفو حياتهم إلا حَدَث أبيمالك.
4- ونتساءل: أيّ عهد هو هذا الذي قطعه بنو إسرائيل في شكيم؟ ألجواب بسيط: لا عهد إلا عهد سيناء الذي يُجدّده الشعب في هذا المكان. ولكن نحن أمام شعبين: يشوع وبيته الذين اختاروا الرب، والأخرون المدعوون لأن يقوموا بالعمل نفسه. وهكذا نعتبر أنّ عهد سيناء امتدّ على أهل شكيم وجوارها، فدخلوا في العهد على غِرار بني إسرائيل. وبعد هذا، تمّت معاهدة بين بيت يوسف (بنيامين وأبناء راحيل) وجماعات ترتبط بلِيئة، أقامت في تلك المنطقة (رج تك 34)، فكوَّنوا جميعًا "كل إسرائيل". في هذه الحال، إن جماعة يوسف التي ينتمي إليها يشوع الافرائيمي، والتي حملت تقاليد الخروج، قد دعت الجماعات الأخرى، فنتج عن اجتماعهم تجمعّ القبائل الاثنتي عشرة في وحدة فدرالية، حول معبد تخدمه كلّ قبيلة شهرًا من شهور السنة.
وظلّت شكيم مركزًا هامًا: كانت عاصمة مؤقتة لمملكة إسرائيل (1 مل 12: 25)، وحافظت على أهميتها فيمَا بعد، بسبب وجود مَعْبَدَ بيت إيل الملكيّ فيها. ويبدو أنّ الاحتفال كان ينطلق من شكيم فيصل إلى بيت إيل. وفي ما بعد الجلاء، صارت شكيم المركز الدينيّ للسامريين... ولكن تبقى شكيم موطن الكتاب الذي انتقل إلى أورشليم، فأحدث اصلاحًا دينيًا، سيطبع بطابعه وجه اليهودية بعد الجلاء (2 مل ف 22-23)، وهو سفر تثنية الاشتراع.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- مقدّمة واعتراف إيمان (24: 1-13)

(آ 24: 1-3) تبدأ آ 1 كما في 23: 1 وتدّلنا على يد اشتراعية. ألعرفاء هم الكتبة (رج 1: 10؛ 3: 2). ويُقدّم لنا فعل الإيمان القديم، عناصر منقولة عن تقليد أسفار موسى. نقرأ أولاً: ألربّ إله إسرائيل، وهذا يربطنا بمعبد شكيم (تك 33: 20؛ يش 8: 30)، بعد أن صار يهوه هو إيل إله شكيم. ويُتلى نصّ الإيمان، فيُطلب من الشعب أن يختار: بين آلهة الآباء التقليدية، حين تركوا بلاد الرافدين، وبين يهوه الذي يتبع الأباء في تنقّلاتهم. فلا مشاركة بين يهوه والآلهة. هذا ما سيكون عليه موقف إيليا على جبل الكرمل (1 مل 18: 21): أو يهوه أو إله المنطقة. ثمّ لا ننسى أنّ الآلهة كانوا يمارسون سيادتهم على هذا المكان لا على ذاكَ وهذا ما يطرح مُشكلة على المؤمن الذي ينتقل من مكان إلى آخر (1 صم 26: 19). هل نسي بنو إسرائيل يهوه، وعبدوا الآلهة المحليّة؟ ألأمر ممكن.
ويرسم لنا الكاتب ديانة الأباء في بلاد الرافدين، بطريقة واقعية تختلف بعض الشيء عمّا نقرأه في شريعة موسى (رج تك 19:31 ي، 53): عبد الآباء آلهة بلاد الرافدين وآلهة مصر، والخطر ذاته يُهدّد الموجودين في المنفى، ولا بدّ لهم من أن يختاروا بين الآلهة وبين يهوه.
ولكن لا حدود ليهوه، وهو يتحدّى الآلهة في عُقْرِ دارها. يتدخّل فيُبَلْبِلُ الأمور. دعا إبراهيم ودفعه إلى أن يذهب إلى بلد مجهول (تك 12: 1 ي؛ 15: 1 ي)، وحمَّله وعدًا يمتدّ إلى البشرية كلّها. لا بدّ أن نختار بين إله شخصي يُرافق مؤمنيه أينما ذهبوا، وبين آلهة متعددة محلية، لا تُعبد إلا في مناطق نفوذها. ولكن ألا يُمكن أن نعبد يهوه والآلهة المحلية؟ لا، فهذا مستحيل في نظر يهوه. ألربّ أتمّ وعده بالنسبة إلى ابراهيم، أتمّ القسم الأول وهو سيُتمّ القسم الثاني. فيبقى أن ننتظر.
( آ 4-7) ويتوالى الاستعراض التاريخي، فيُحدثنا عن مصر والضربات التي أصابتها. ونجد هنا تقليدين: تقليد أول تُهِمّه مسيرة الأحداث، وتقليد ثان يهتمّ بجعل الأحداث مُعاصرة للمؤمن العائش الآن.
(آ 8- 13) تُشدّد آ 8- 10 على الطابع الحربي لعبور ممالك شرقيّ الأردن (عد 23:21-25؛ تث 1 :44؛ 24:2؛ 9:3)، وهذا ما لا يقوله قض 25:11 ولا تث 23: 3 ي. وبعد الحديث عن بلعام نسمع تقليد المعارك حول أريحا (آ 11-12)، بل مع كلّ قبائل كنعان. خاف بنو إسرائيل الله بل خاف رؤساؤهم. ولكنّ الله حقّق وعده لهم وأعطاهم الأرض بطريقة مجانية. هذا الكلام يتوجه إلى المنفيين الذين اتكلوا على قِواهم الذاتية (اش 2: 7 ي؛ 30: 16؛ أر 51: 12؛ تث 17: 16). فعليهم أن يعرفوا الآن أنه لا قواهم ولا نشاطاتهم تُنقذهم من المنفى، لأنّ الخروج الجديد، سيكون كالأول، علامة لعطف الله نحو شعبه بل نحو شعوب العالم كلّه.
2- ما يكون جوابنا إلى الربّ وماذا نختار؟ (24: 14-24)

(آ 14- 15) وينتقل النصّ من كلمة الله بصورة مباشرة إلى كلمة البشر. فبالنسبة إلى الشعب، دخول الأرض يعني الإقامة تحت سلطة إله الأرض، والتخلّي عن الآلهة التقليدية. أمّا الناس الذين حول يشوع، فقد اتخذوا قرارهم، ويبقى على الباقين أن يحذوا حَذْوهم. فإذا قالوا نحن لله، صار الفريقان فريقًا واحدًا، رغم الفوارق التي تُميّز بينهما. يدعوهم يشوع: أو أن تفعلوا كما فعلنا، وأنتم كنتم شهودًا لأعمال الله العظيمة من أجلنا ومن أجلكم، أو أن تتميّزوا عنّا، فحينئذٍ تنقطع العلاقات بيننا. هنا يظهر أن يهوه لا يرتبط بأرض معينة، بل هو سيّد الأرض كلّها، ولهذا يستطيع أن يُحدّد لشعبه أرض كنعان، دون أن يستشير أحدًا. فلا مجال لشعبه أن يساوم بينه وبين آلهة مصر وبلاد الرافدين: أو أن يعود بنو إسرائيل إلى أرضهم بعد أيام المنفى، أو أن يمتزجوا بالمجتمع البابلي.
(آ 16- 18) كان جواب الشعب حاضرًا في الاحتفال بتجديد العهد. والارتباط بالله برز على أساس أعماله العظيمة التي شاهدها الأباء في الماضي، وتأوّنت لأبنائهم في الزمان الحاضر. فالشعب عرف أنه لا يختار إلهًا جديدًا على حساب آلهة أخرى بل هو يُقرّر موقفًا أساسيًا نتيجة الخروج من عالم الديانات الفوضوي، للدخول في مخطط الله الخلاصيّ من أجل البشر. نترك عالم الخُرافات لندخل في التاريخ، نخرج من إطارٍ جُغرافي ضيق هو إطار الآلهة المحلية، لنُصبح جُزءًا لا يتجزأ، من عالم هو مسكن الله السيّد الذي لا يرتبط ببلد خاص به، لأنّ كلّ البُلدان له. وسيادة الله هذه تُنشِدُها المزامير الملوكية (مز 24: 6، 47؛ 68: 25؛ 93؛ 96-99)، وتكوّن أساس كَرازة أشعيا الثاني في القرن السادس ق. م. يوم كانت بابل في كلّ قوّتها، كرز النبي لجماعة المنفى، وطلب منها فعل إيمان بسيادة الله، واستعدادًا للرجوع إلى أرض الميعاد. ومن رجع بعد قرار كورش سنة 539؟ ألمؤمنون الحقيقيون الرافضون كلّ مساومة. أما السامريون فطردوا، وكذلك الغرباء الذين حاولوا الدخول في العهد بواسطة الزواج (تث 7: 1-4؛ 23: 21؛ عز 9: 1 ي؛ نح 9: 1).
(آ 19-22) بعد أن ذكَّر يشوع الشعب بعبادة الله الواحد، ذكّرهم أيضًا بقداسة هذا الإله الغيور (خر 20: 5 ي؛ 34: 14؛ تث 5: 9 ي). فمن نقض العهد حكم على نفسه، وهو سيشهد على نفسه ولا من يُدافع عنه.
(آ 23-24) وينتهي هذا المقطع باحتفال، تُنزَعُ فيه الآلهة الغريبة. هكذا فعل يعقوب بعد رجوعه من أرض حاران (تك 35: 1- 4): أخذ الآلهة الغريبة ودفنها تحت البُطْمة التي عند شكيم، وتزيد السبعينية أنه أفناها إلى هذا اليوم، قبل أن يتابع طريقه إلى بيت إيل.
3- شروط العهد في شكيم (25:24-28)

باسم الرب أدخل يشوع الشعب الذي يمثّله في عهد (كالملك يوشيا. رج 2 مل 3:23). كتَبَ على الحجر مجموع الشرائع التي تُنظِّم حياة بني إسرائيل. وهكذا نفهم أنّ النشاط التشريعي لم يتوقف بعد موسى (1 صم 25:10).
سفر شريعة الله. هذه العبارة عَنتْ في أيّام نحميا البنتاتوكس (أو كتب الشريعة الخمسة). إمّا في إطار سفر يشوع، فعَنَت سرّ التثنية وحده (8: 13؛ تث 28: 61؛ 29 :20). وكما كان المذبح شاهدًا (27:22، 34)، كذلك سيكون هذا الحجر شاهدنا، فيُذكّر المؤمنين بكلام الله ويَكْفَلُ حِفْظه والعمل به.
وبعد هذا صرف يشوع الشعب إلى بيوتهم.
4- موت يشوع والعازار (24: 29-33)

ومات يشوع رج 49:19 ي؛ قض 6:2 ي.
تِمْنة سارح تقع في جبل إفرائيم بعيدًا عن شكيم.
قبر يوسف يزوره الناس اليوم في بلاطة. ومات فنحاس أيضًا. وهنا يزيد النص اليوناني: "في ذلك اليوم أخذ بنو إسرائيل تابوت العهد، وداروا به في وسطهم. ومارس فنحاس الكهنوت بعد أبيه حتى موته، ودُفِنَ في جبعة مدينته. أمّا بنو إسرائيل فراحوا كلّ واحد إلى بيته ومدينته. وعبد بنو إسرائيل العشتار وآلهة الأمم الذين حولهم. فأسلمهم الربّ إلى أيدي عجلون ملك موآب، فاستعبدهم عشر سنين". رج قض 2: 11-13؛ 7:3 ،14

ج- ملاحظات ختامية
1- يشوع يعني خلاص الله أو الربّ هو الخلاص، ألربّ يُنجّي، ألربّ يُوسعّ، ألربّ يُعطي العون والنصر، ألربّ هو المحرر. هذا الاسم المؤلف من يوه، ألإسم الإلهيّ، ومن فِعْل "يشع " العبري الذي يعني وسعّ، حرّر، أنجح، خلّص، كان اسم أوّل قائد لشعب إسرائيل. "هوشع " الخلاص، وهو اسم حمله أحد الأنبياء الصغار (هو 1: 1-2؛ رج سي 10:49) وآخر ملوك مملكة السامرة (2 مل 30:15؛ 17: 1-6). ولكنّ موسى بدّل له اسمه، ليدلّ على أنه سيكون أداة بيد الرب من أجل عمله (عد 13: 16)، فصار اسمه كاسم أكبر الأنبياء في العهد القديم، عنيت به أشعيا.
ألاسم المُعطى لإنسان، هو دعوة تدلّ على رسالة ومصير. فيشوع قد حقّق اسمه (خلاص الله)، بطريقة عجيبة، فاستحقّ أن يحمل اسم الكتاب الذي يروي ما عمله الله بواسطته. ولكنّ مضمون مثل هذا الإسم، لا ينحصر في مرحلة من تاريخ شعب الله وموقف حاسم وماضٍ بدأ مجيدًا وما اكتمل، وما زلنا ننتظره. اسم يشوع يُخبر بخلاص الله وسيحمله من جديد انسان يختاره الله ليعمل عمله من أجل الخلاص، فيتمّ بطريقة أعمق وأكمل. وهذا الشخص سيكون يسوع المسيح.
2- الخلاص هو ملء الحياة الناضجة في الحريّة والوفاق، هو ازدهار الجميع، وسعادتهم في السلام. ألخلاص هو عهد تحقّق مع الله، فعاشه كلّ شعبه الموّحد في الإيمان والأمانة والخدمة والحياة الأخوية. يكفي أن نفكّر بهذا البرنامج وهذا الهدف، لنفهم أنّ احتلال أرض، والنجاح الكامل لمواعيد الله وانتظارها لم يتمّا مع يشوع. فالله يواصل عمله عَبرَ الأزمات في تاريخ شعبه. وفي الأخير، سيُرسل إليه يسوع الذي ستكون رسالته في أن يُدخلنا في ملكوت العهد النهائي... يبقى علينا أن نتأمّل في الوحي الإنجيليّ والرسوليّ لنعمّق تفكيرنا. والمُقابلة بين يشوع الأول ويسوع الأخير، توحي إلينا بأفكار عميقة، تبدأ في الفصول الأولى من الرسالة إلى العبرانيين (عب 3: 7- 4: 11). وهكذا نفهم أنّ سفر يشوع هو إعلان نبوي عظيم في هذه النظرة المسيحانية والنهيوية .
3- نحن لا نكاد نعرف شيئًا عن يشوع الإنسان وعن حياته. لا رسم له ولا صورة لذلك الذي افترضناه مُنتصرًا. خلال الاحتلال أو التوغل في أرض كنعان، كانت تدّخلاته متقطعة ومحدودة. لم يلعب دورًا دائمًا في أخبار السفر الذي يحمل اسمه، وإذا صادفنا هذا الاسم، فبطريقة عامّة وغير شخصيّة. فالتوراة لا تتعبّد للأشخاص مهما كبروا، لألها تعبُد الله الذي هو وحده كبير.
4- إنّ أدقّ تسمية ليشوع هي "عبد الله وعابده وخادمه ". وإذا حاول ابن سيراخ أن يمتدح أحد آباء شعب إسرائيل والرجال المشهورين برحمتهم وعطفهم وحبهم، فلكي يُبيّن لنا أنّ هذا الشُجاع كان يُحارب حروب الربّ. واللقب الحقيقي لهذا الإفرائيمي العظيم، هذا الابن الروحي لموسى وخليفته، هذا القائد الحربي في مرحلة البُطولات الأولى قبل الإقامة في كنعان، هذا الممهّد الأول للقاء القبائل والمكوِّن لوحدة الشعب، اللقب الحقيقيّ المزدوج الذي يُلازمه، وهو رسالة وتعليم: ألمُخلّص والخادم. هو مخلّص لأنه كان خادمًا للربّ أمينًا، وهو شجاع بقدر ما ترك الله ينتصر، وقد أدخل الشعب إلى الأرض، لأنه قبِلها كعطيّة من الله.
5- يشوع هو من الأشخاص القلائل الذين لا يُوجِّه اليهم الكتابُ لومًا. فالسفر الذي قرأناه ينتهي بهذه الكلمات: "وعَبدَ شعب إسرائيل الرب كلّ أيام يشوع". أمّا حقيقة هذا الكلام، فيعني يشوع لا شعب إسرائيل الذي لم يتحلّ دومًا بالأمانة. أمّا أمانته الجوهرية والحقيقية في أيام السخاء الأولى، فراجعة إلى هذا القائد النبويّ. لهذا يبدو من الأهمية بمكان، أن نرى عمله الذي هو عمل الله مكرسًا بدفنه "في جبل إفرائيم" في قلب الأرض التي احتلّها، فصارت أرض الله. عمره لما مات كعُمْر يوسف (تك 50: 26). ودَفنُ يوسف في أرض العهد، يربط تاريخ الاحتلال بتاريخ التحرّر من العبودية، بل يربطه بتاريخ الآباء، ولا سيّمَا بأبي جميع القبائل، عنيت به يعقوب (تك 33: 18- 20).
6- وتُورد النصوص (24: 33) دَفْنَ ألعازار الكاهن في إفرائيم. وخليفته في ما بعد الجلاء، سيكون الكاهن الأعظم لشعب صار كنيسة، لشعب صارت حياته المشتركة دينية في الإيمان بالله الواحد والعبادة له. بهذه الطريقة اكتمل، أقلّه في الرجاء، عمل اللاوي موسى وشقيقه هارون في الخدمة الليتورجية، وتحقق تاريخ العهد بخدمة الله.
7- وظلّ ذكر يشوع، المحتلّ الشجاع لأرض الله، حيًا في تقليد شعبه. والسفر الذي يحمل اسمه، حافظ على معناه بالنسبة إلى الذين يقرأونه. فحاول الكتّاب المُتتابعون أن . يدوّنوا لقرّائهم ولعصرهم التاريخ الذي يروونه. وإن دُوِّن الكتاب ونُشِرَ، فغايته تفسير ذِكْرياتٍ تقليدية، تتوجّه إلى الجماعة المعاصرة بشكل تعليم. بهذا الشكل يجد القارىء نفسه معنيًا بتاريخه وبحياته، فيطرح عليه السؤال: هل أنت مستعد أن تتابع العمل الذي قام به يشوع في بدايات الإقامة في أرض كنعان؟ ولكنّنا لن نحتلّ أرضًا نحرم الغير منها، بل نسبي العالم كلّه إلى معرفة الله، ونكشف له سرّ الخلاص.
8- وهكذا تهيأت الطريق للإنجيل. فالمسيح ما جاء ليحمل الينا سلامًا (مت 10: 34). فلا بدّ من الاختيار، لأنّ المقاومة حاضرة في الجماعة بل حاضرة في كلّ منا، حيث تُقيم المفاسد والأفكار الشريرة (مر 7: 21-23). هذه الحرب التي لن تنتهي، يُمكنها أن تستوحي تصرفاتها من أخلاقية نُسكية وحكمة بشرية. لكنّ وحي العهد، يُعطي طابعًا آخر لمغامرة التاريخ " الحربية". فالله هو الذي يضعنا على الخطّ، وهو الذي يدلّنا على الأهداف والشروط والوسائل، هو الذي يُعطينا نعمه. يجب أن يكون الله مع شعبه، ويؤمّن له العون، حينئذ يتأمّن النجاح الذي هو نجاح الربّ. "ألذي يولد من الله يغلب العالم، وإيماننا انتصار على العالم " (1 يو 5: 4). وروح هذه الحرب هو روح العهد، هو حبّ الله والقريب، بُغْضٌ للكُفْر ورَفْضٌ للأنانية، بَحْثٌ عن السلام الحقيقيّ والراحة الحقيقية، وكلّ هذا إنجاز خلاص العالم وخدمة الربّ والإِخوَة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM