الفصلُ السّادِس عَشر: رجُوع قبَائِل شَرقي الأردُن إلى أرضِها

الفصلُ السّادِس عَشر
رجُوع قبَائِل شَرقي الأردُن إلى أرضِها
22 : 1 – 34

أ- ألمقدّمة
1- يختتم ف 22 مع ف 23 و 24 سفر يشوع، فنجد في بدايته خُطبة صغيرة ليشوع، مطبوعة بالطابع الاشتراعي. فهو يُهنىء قبائل شرقيّ الأردن على المساعدة التي أدّوها لإخوتهم، ويُقرّ بأمانتهم لربّهم، ويدعوهم إلى المحافظة على وصايا الله وفرائضه. ويذكر النصّ الأيام الكثيرة (أ 3) التي كانت طويلة جدًا، فامتدت سحابة قرن أو قرنين من الزمان. حتى اليوم، يقول الكاتب في القرن السادس ق. م.، ما زالت العلاقات قائمة بين العائشين شرقيّ الأردن والعائشين غربيّه.
2- وأطلق يشوع قبائل شرقيّ الأردن (22: 1-8). فلمّا عادوا إلى أرضهم، بنوا لهم مذبحًا (آ 9-12)، فرفضت ذلك الجماعة الممثّلة بفنحاس وشيوخ الجماعة (آ 13-34). حسبوا أنّ عمل الشرق أردنيين ثورة على الربّ، فخافوا أن يغضب على جماعته كلّها. ولكنّ الشرق أردنيين بنوا المذبح، لا ليقدّموا عليه مُحرقة أو ذبيحة كما قالوا، بل "ليكون شاهدًا بيننا وبينكم وبين أجيالنا من بَعْدِنا، لنعبُد الربّ ". وهكذا استفاد المؤرخ الاشتراعي من هذه المُناسبة، ليشدّد على مبدأ الوحدة بين القبائل.

ب- تفسير الآيات الكتابية
(آ 22: 1-8) أنهى الشرق أردنيون المُهمّة التي دُعوا إليها، فعادوا إلى أرضهم التي جاؤوا منها في 1:12-18. ونتوقّف على آ 5: "إسهروا على العمل بالوصيّة والشريعة التي أوصاكم بها موسى عبد الربّ: أن تُحبّوا الربّ إلهكم، أن تسلكوا في جميع سُبُله، أن تحفظوا وصاياه وتتعلّقوا به، أن تعبدوه بكلّ قلوبكم وكلّ نفوسكم". هذه الآية قريبة مما نقرأه في تث 12: 20 (رج تث 6: 5؛ 11 : 13، 22؛ 9:19). فمحبّة الله والتعلّق به، يعني أن نهتمّ بالوحي المنقول إلينا بتقليد شعب الله، وبالتعليم الذي هو شريعة الله، فنستوحي منه في سلوكنا ونَخْدُمُه بكلّ قِوانا.
(آ 9-12) نحن هنا أمام نصّ كهنوتي، يُحدّثنا عن الجماعة (آ 12، 16، 18، 30) التي تُشبه جماعة ما بعد الجلاء، عن رؤساء البيوت (آ 14، 32) وعن الكاهن المترئس على الجماعة، دون أن (آ 13، 30- 32) يذكر يشوع مرةً واحدة، وعن الذبائح الثلاث التي يُصوّرها سفر اللاويين (آ 26، 28-29). كان خبر قديم عن بناء مذبح، فأخذه الكاتب المُلهم في إطار الإصلاح الذي يجعل أورشليم المعبدَ الوحيد لشعب الله.
(آ 13- 20) فعمّ القلقُ القبائلَ الغرب أردنيّة، حين شاهدوا المذبح العظيم الذي يعني وُجودُه تَعديًا على الشريعة. من هنا كانت الخُطبة في آ 16- 20 عن الخيانة للربّ والثورة عليه، كما حَدَثَ في بَعْل فغور (رج عد 25: 1-9؛ 31: 16). فالرب سيُعاقب شعبه كلّه، كما فعل في خطيئة عاكان (7: 1 ي).
(آ 21-29) جواب الشرق أردنيين، يعكس موقفًا تعليميًا، لا يُمكن أن نتخيله في زمن يشوع، وقبل بناء مَعْبَدِ أورشليم: نحن لا نريد أن نقدّم الذبائح إلا في أورشليم، ولكن بسبب الهوة (وادي الأردن) التي تفصل بين شرقيّ الأردن وغربيّه، خفْنا أن ينسى أبناؤنا الله وعبادته، وينشقوا عن سائر القبائل، فأقمنا هذا الحجر لكون شاهدًا، فيذَّكرنا بالوحدة مع بعضنا، والتعلّق بالله الواحد، ويكون لنا علامة الوحدة في الإيمان الواحد والعبادة الواحدة.
(آ 30-34) إعترف الربّ بأمانة الشرق أردنيين لوصاياه، وعرف إرداته في ذلك فنحاس ابن العازار الذي يجعل منه التقليد شخصًا عظيمًا (عد 9:25-13). قبل المنفى كان دور الكاهن دورًا عِباديًا، فصار دوره بعد المنفى دورًا سياسيًا. وبعد أن كان بنو إسرائيل أمّة يحكمها ملك، صاروا بعد الجلاء، جماعة دينية وروحية، فهيأوا الدرب لإسرائيل الجديد الذي هو الكنيسة.

ج- ملاحظة حول الفصل السادس عشر
عَبر قِصّة هذا المذبح الشاهد، يَبرُز أمامنا تعليم عظيم: على الشعب أن يسهر على وحدته ويحافظ عليها. فبُعد المَسافة والانغلاق في المنطقة الواحدة، والخصوصيّات والمُبادرات الفردية، ومراكز العبادة، كلّ هذا يشكّل خطرًا بوجه الوحدة، وقصّة بني إسرائيل في زمن القُضاة والملوك، تُبيّن لنا الانقسامات وتشوّه الإيمان الذي حصل في ذلك الوقت. من هنا نفهم أهميّة إصلاح يوشيا.
وحدة شعب الله قضية صعبة، وهي دومًا مهددة. لهذا نحتاج إلى سهر وتفهّم وثقة مُتبادلة وإرادات خيّرة. ولكي نحافظ على الوحدة الأخوية في الإيمان الواحد، لا بدّ من إقامة الحِوار والمُحافظة عليه، ومن الصبر في تبادُل الآراء واحترام الأشخاص والأخذ بعين الاعتبار الحالات المتعددة. نقبل الآخر في ما يختلف عنّا، ونفهم أنّ الهدف ليس أنفسنا بل يسوع المسيح الذي نسير إليه بطرق متعددة. وتتنوع الطرق، ولكنّ الهدف هو يسوع المسيح، مبدىء إيماننا ومكمّله. فإليه ننطلق وعنده نجد الراحة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM