القِسمُ الثَالِث
العهْدُ في الأرض المقدّسَة
22 : 1 – 24 : 23
وعادت القبائل الشرقيّ أردنية إلى أرضها (22: 1 - 8)، فأقامت هناك مذبحًا لها (22: 9-12)، فأثار عملُها القلقَ عند سائر بني إسرائيل المُقيمين غربيّ نهر الأردن. فتفاهم الفريقان بعد أن كادوا يصلون إلى الحرب، وجدّدوا المُعاهدة فيما بينهم (13:22-34)
ونسمع خُطبة يشوع الأولى لكلّ بني إسرائيل، وفيها أقوال وَدَاع وتحريض لكلّ الشعب، ليظلّوا أمينين لشريعة موسى وللعهد الذي عقدوه مع الرب (23: 1-28).
ونسمع خُطبة يشوع الثانية إلى القبائل المُلتئمة في شكيم: ذكّرهم بإحسانات الربّ منذ يوم دعا إبراهيم، إلى يوم أعطاهم الأرض الموعود بها. وطلب من الشعب أن يعلن من يختار: ألربّ أو الآلهة (24: 1-24). وقطع العهد في شكيم، ورفع حجرًا كبيرًا سيكون شاهدًا لهم أنهم سمعوا أقوال الربّ (25:24-28).
وينتهي الكتاب بنقل التقاليد عن موت يشوع والعازار الكاهن العظيم، وبذِكْر قبرهما وقبر يوسف بن يعقوب (29:24-33).
نقرأ 43:21-45، فنستخلص العبر التالية:
ألله وعد ووفى بوعده. هذا ما قاله سفر التثنية (1: 8، 21؛ 6: 10، 18، 23؛ 8: 1؛ 5:9؛ 6؛ 10: 11)، فردّد التقاليد القديمة من يهوهية وألوهيمية (تك 12 : 7 ؛ 13 : 14-17؛ خر12 : 25 ؛ 13 : 5، 11؛ 32 : 13؛ 33 :1 – 3 ). نحن نعرف أن طريقة الكلام هذه، تُلهمها نظرة تستعيد التاريخ. فمنذ العهد الملكيّ، بعد نجاح داود ومجد سليمان، يتيقّن بنو إسرائيل من عناية الله بالنسبة إليهم. ولَّد الإيمانُ هذا اليقينَ، ولكنّه تغذّى منه أيضًا. عرف بنو إسرائيل منذ اختبار موسى على جبل سيناء، أنهم شعب الله الحقّ الوحيد، شعب يربطه تعلّق مشترك بالله أكثر من رباط الدم. ولكنّه احتاج إلى أرض يُقيم فيها، فقادته خُطاه إلى أرض كنعان، فاستولى عليها. ولكنّه تأكد أنّ الله هيأ الأمور وتمّمها. فكنعان ليست أرضًا احتلها الشعب، بل هي عطيّة من الرب.
وتقول التقاليد القديمة، إنّ الأباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، زاروا الأرض وأقاموا فيها وارتبطوا بها. وتعرّفوا إلى أماكنها المقدسة التي اسمها شكيم، بيت إيل، حبرون، بئر سبع، والتقوا فيها ربّهم. وعدَهم الرب بالأرض، وها هم الأبناء يتمتّعون بثمرة هذا الوعد.
وهكذا تكون قصة الاحتلال واقتسام الأرض، انتصار الرب الساهر والصبور، ألربّ القدير وسيّد الأحداث. بهذا يدلّ الربّ على أنه الإله الأمين الذي يُتمّ ما وعد به .
ِومنح الربّ شعبه الراحة (21: 44). أنجحه في حملاته العسكرية، والاستيلاء على الأرض. فالنصر أزال أو أخضع كلّ الأعداء. وهكذا ارتاحت الأرض من الحرب (11 : 23 ؛14: 15؛ تث 3: 20؛ 12: 9- 10)، فاستطاع شعب الله أن يَنْعم بالحريّة والأمان.
نحن نعرف ما يعني "قَهْر كلّ الأعداء"، ونفهم كيف أنه لا يستطيع أحد أن يُقاوم شعب إسرائيل. هذا كان صحيحًا في زمن داود، أو يوشافاط ملك يهوذا (1 مل 22: 41- 51؛ 1 أخ 17: 10-18؛ 20: 29- 30)، أو يربعام الثاني ملك إسرائيل (2 مل 25:14). وتمنّى الشعب أن تبقى الحالة هكذا، يوم أحسّوا بالأعداء يهددونهم، قبل أن يُزيلوا السامرة وأورشليم بسبب خطاياهما. ثمّ إنّ الهجومات ما توقّفت ولا السَّلْب ولا القتل، فصارت الأرض منهوكة، وتاقت إلى زمن الخير، حيثُ يقيم كلّ من بني يهوذا وإسرائيل تحت كرمته وتينته، من دان إلى بئر سبع (1 مل 25:4؛ مي 3:4-4). إذًا إعلان الراحة هو تعبير عن رغبة ونداء إلى الربّ ليُتمّ مشروعه، وفعْل إيمان بالربّ القدير.
إذا كان الربّ أخرج شعبه من أرض العبودية، فلأنه يريده حرًا لا يعبد سواه. وهكذا نفهم معنى سفر يشوع، واختياره لأخبار الانتصار، وتصويره للأرض وتعداده لمُدُنها. هذه النصوص تريد أن تُوضح لنا عمل الله التحرّري الذي منح شعبَه ظُروفًا ساعدته ليكوِّن نفسَه كشعب خادم للرب. إقرأوا هذه الأسماء وهي حُجّة لنا فتلك الأرض. تنزّهوا بمخيلتكم في كلّ مكان من أرض اختارها الله ليُعطيها لشعبه. فبعد النجاة من مصر، لا شيء يُضاهي عطيّة أرض نعيش فيها بحرية. وهكذا يكون سفر يشوع نشيد الحمد لله الذي منح شعبه مثل هذه الموهبة