الفصْل الخامِس عشَر: مُدُنُ اللاويّين

الفصْل الخامِس عشَر
مُدُنُ اللاويّين
21 : 1 – 45

أ- المُقدّمة
1- إنّ لائحة المُدُن المخصصة للاويين، ترسِم لنا نظامًا، يعود إلى أمر أعطاه الله لشعبه في البرّية (عد 35: 1-8)، وذلك لتلافي نقصٍ حصل حين لم يُعطَ اللاويون، حِصّةً بين سائر القبائل (عد 18: 20-24). وهكذا يكون نصّ يشوع هذا مطبوعًا بالطابع الكهنوتي. في عد 35: 5 نقرأ مساحات الأراضي المخصصة لكلّ مدينة، فنرى فيه تنظيمًا مُصطنعًا. ثُم إذا عرفنا أنّ سفر العدد، كان آخر كتب الشريعة، يُمكننا القول إنّ سفر العدد يرتبط بهذا الفصل من يشوع.
2- متى تنظّمت مُدُن اللاويين. تنظّمت مرّة أولى في القرن العاشر، أي في السنوات الأخيرة لسُليمان، والسنوات الأولى لانقسام مملكة سليمان. وتنظمت مرّة ثانية في عهد يوشيا الذي ألغى المعابد، وجمع اللاويين في هيكل أورشليم. هل كان في زمن الجلاء مُدُن تأوي عائلات اللاويين؟ ألأمر معقول، ولكنّنا نجهل علاقة هذه المُدُن، بالمُدُن اللاويّة المذكورة في هذا الفصل.
3- إنّ العلاقة بين مُدُن الملجأ ومدن اللاويين تبدو واضحة. ففي كلّ منطقة تكون أول مدينة لاوية هي مدينة ملجأ، لأنّ المدينة الأولى هي أيضاً عاصمة المِنطقة (آ 13، 12، 27، 32، 76). شكيم وحبرون هما مركز مَعْبَدْين مشهورين وقديمين. أمّا سائر المعابد فلا نعرف عنها شيئًا، وإن يكن من المعقول، أنّ حقّ الملجأ ارتبط دومًا بمعبَدٍ من المعابد.
4- ما هو هدف هذا النظام؟ لا نجد مثلاً عمليًا عن شكل المُدُن اللاوية، وسَيْر عملها. فما نقرأه في 1 صم 2:21 ؛ 9:22-19 لا يرتبط بمُدُن لاوية بل بمواضع يُقيم فيها بعض الكهنة. وإذا أوردت آ 18 عناتوت التي كانت موضعًا يُقيم فيه أبناء أبياتار الذين نفاهم سليمان من أورشليم (1 مل 2: 26)، فهذا لا يعني أنّ كلّ المواضع التي أقام فيها الكهنة، تُشكّل مثالاً لسَير عمل مُدُن اللاويين. فإذا كان هدف المدن اللاوية أن يؤمّن معاش اللاويين، فالمعابد التي يخدمون فيها، تكفي لهذا الأمر. ثمّ إن هناك مُدُنًا لاوية لا نعرف شيئًا عن معابدها.
5- هل تكوِّن المُدُن اللاوية، أماكن أقامت فيها عناصر عُرفت بأمانتها للتقليد كما كان اللاويون؟ هذا ممكن. فإذا ألقينا نظرة إلى موقع هذه المدن، لوجدناها في المناطق الخَطِرة وعند الحدود. في آ 11-15 نجدها على الحدود مع الفلسطيين، وفي آ 17-23 بالقُرب من منطقة الكنعانيين. وفي آ 36-39 تقع هذه المدن في شرقيّ الاردن التي احتلها داود بصورة موقتة (2 صم 8: 1 ي). وإذا جعلنا شكيم جانبًا، فلا مُدُن لاوية في مِنطقتي أورشليم وإفرائيم.
6- هذا النظام لم يدم طويلا بعد انقسام مملكة سليمان. فمناطق شرقي الأردن سقطت في يد السكان المحليين، ومدن غربي الاردن احتلها ودمرها الفرعون شيشاق (941- 921). هل بقيت مدن الجنوب قائمة بينما دمرت مدن الشمال. لا شك في ذلك. وهنا نفهم محاولة يوشيا لاعطاء مضمون ديني لهذا النظام في إطار لاهوته الاصلاحي.

ب- تفسير الآيات الكتابية
(آ 21: 1- 8) مقدّمة: ألقسمة تمّت في شيلو بحضور ألعازار ويشوع، ألكاهن والرئيس. رجعوا إلى أمر موسى الذي قال إنّ اللاويين لا يرثون أرضًا مثل سائر القبائل (عد 35: 1-8)، بل يكونون مشتّتين في أرض إسرائيل (تك 7:49)، موزّعين على مُدُن متنوعة.
كانت قبيلة لاوي تُقسم إلى ثلاث عشائر: قهات، وجرشون، ومراري.
(آ 9- 26) حِصّة بني قهات، ألفرع الهاروني: حبرون، شكيم... ألمجموع: 13 مدينة. وأُعطيَت حِصّة ثانية لمن بقي من بني قهات (آ 20-26): عشر مدن.
(آ 27- 33) حصّة بني جرشون: جولان في أرض منسّى، يرموت في سِبْط يساكر... ألمجموع 13 مدينة.
(آ 34- 42) حصّة بني مراري: في سِبط زبولون: يقنعام، في سبط رأوبين: باصر: ألمجموع: 12 مدينة. أمّا المجموع العام فهو 48 مدينة بمَراعيها.
نُشير هنا إلى الزيادة التي نقرأها في السبعينية على آ 42، وهي تُعيدنا إلى سكاكين الصَوّان التي استُعملت عند دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان (5: 2-3): "وهكذا أكمل يشوع اقتسام الأرض في تُخومها. وعيّن بنو إسرائيل ليشوع، مكانًا بحسب أمر الرب، فأعطوه المدينة التي طلبها وهي تمنة سارح في أرض افرائيم، فبنى فيها مدينته وأقام فيها. وأخذ يشوع ايضاً سكاكين الصوّان التي بها خَتنَ بني إسرائيل بعد مجيئهم من البرّية ووضعها في تمنة سارح".
(آ 43- 45) ألخاتمة التي تشكّل أيضاً جسرًا بين بداية ف 22 وف 23. ألربّ وعد والربّ وفى. قال كلمته فتمّت بحروفها. ونَعِمَت الأرض بالسلام بعد الحرب. وما عاد في الأرض المقدسة مكان للعدو. كانت هذه أمنية لا واقعًا.

ج- ملاحظات حول الفصل الخامس عشر
1- في الزمان القديم، كان شيخ العيلة أو القبيلة، مُمارس الوظيفة الكهنوتية التي كانت تقوم على الأخصّ بتقدمة الذبائح، وهذا ما نراه في قِصّة كلٍ من إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولكن تبدلت الحال في شعب آخذ بالتحضر، فصار الكهنة حرّاس المعبد وخُدّامه، يُقدّمون الذبائح وينقلون أقوال الربّ إلى الناس. كانوا يقولون: نذهب ونسأل الرب، فيذهبون إلى الكاهن، فيفسّر لهم علامات إرادة الربّ (1 صم 9: 1 ي) .
2- نجد صورة عن الكهنوت القديم في قض ف 17-18. نرى رجلاً إفرائيميًا هو كاهن، لأنه ربّ عائلة. بنى بيتًا لله وسلّم سُلطاته إلى أبنائه (قض 17: 1- 5). ولكنّ الخبر ذاته يُشير أنه في تلك الأيام القديمة، كان أبناء لاوي، ابن يعقوب، قد تخصصوا في أمور العبادة (قض 17: 7، 10؛ 18:30). وكان الناس يأتون إليهم، ويثقون بخدمتهم ويتكلون على أمانتهم للتقاليد التي حافظوا عليها منذ أيام موسى. وهؤلاء اللاويون لا وظيفة لهم ولا أرض تخصهم، بل يعيشون كفقراء وضُيوف. هذا ما تعبّر عنه بطريقة شعرية بَركة يعقوب: يكونون مشتّتين في أرض إسرائيل (تك 49: 5-7). وانطلق سفر التثنية من وَضْعهم الصعب، فطلب من المؤمنين أن يُساعدوهم كما يساعدوا اليتيم والأرملة والغريب (تث 12: 12، 18-19؛ 14: 27-29؛ 16: 11، 14؛ 26: 11، 3؛ رج سي 7: 29-36)

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM