الفصْلُ العَاشِر: الحَملات في شمالي البلاد وَخاتِمة عَامّة

الفصْلُ العَاشِر
الحَملات في شمالي البلاد وَخاتِمة عَامّة
11 : 1 – 12 : 24

أ- ألمقدّمة
1- هناك تَقابُل بين ف 10 وف 11، فكما أنّ 10: 1-5 يُدخِلُنا في خَبَر معركة جِبْعون، كذلك 11: 1-6 يُدخلنا في معركة مياه ميروم. وكما أنّ تحالف الجنوب، قام بناءً على دعوة ملك أورشليم، أهمّ مُدُن تلك المنطقة، كذلك أثار ملك حاصور تحالُف ملوك الشَمال على يشوع.
2- الأمكنة: مياه ميروم تذكُرها لائحة تُحوتمِس الثالث، وهي تقع شماليّ غربي صَفَد. حاصور (أو تلّ الوقاس أو تل القدَّاح) تذكرها كتابات تلّ العمارنة، وهي تبعُد 8 كلم عن بُحيرة الحولة إلى الجنوب. مادون تقع غربيّ بحيرة طبريّة، قُرب قرن حطين، حيث انتصر صلاح الدين على الصليبيين سنة 1187. كان اسمها خربة مادين، وتذكُرها كتابة وُجدَت في العوريمة أي كنارة القديمة، المذكورة هنا باسم كنرّوت على الشاطىء الغربيّ لبُحيرة طبريا. دور (طنطورة في العربية) تقع عند شاطىء البحر، وتبعُد 20 كلم إلى الجنوب من جبل الكَرْمل. شمرون تقع في سهل يزرعيل، وتبعُد 10 كلم إلى الشَمال من مجدو. اكشاف (تل قيسان)، تبعُد 10 كلم إلى الجنوب الشرقي لعكّا. مياه مسرفوت هي خربة مشرفة، الواقعة جنوبيّ رأس الناقورة، وهو اليوم الحدّ الفاصل بين فلسطين ولبنان. نحن لا نعرف شيئًا عن المصفاة، أمّا حدود المعارك فصيدون الكُبرى.
3- كيف تمّت المعركة؟ كانت الجيوش المُتحالفة في الوادي حيث الماء والكلأ. هاجمهم العبرانيون فجأةً من الجبل، وبددوهم في منطقة لا يستطيعون أن يتحرّكوا فيها بسهولة وفاعلية. فلو فشل المُهاجمون، لهربوا إلى الجبل حيث لا تصعد الخيول ولا المركبات، ولا يخاطر الكنعانيون بأنفسهم. ولكنّهم نجحوا.
4- ألحفريات التي قامت بها البِعْثة الأميركية، كشفت عن دمار مدينة، في نهاية القرن الثالث عشر، مع معبدها الذي يُشبه معبد سليمان. وستظلّ حاصور خَربة إلى أن يُعيد بناءها الملكُ سليمان (1 مل 9: 15)، وهذا ما تكشفه الحفريات أيضًا، حين تتبيّن طريقة بناء تختلف عما سبق عهد سُليمان.
5- في 11: 1-15 نقرأ عن احتلال الشمَال، ونكتشف ثلاثة عناصر: تحالُف الملوك ضِدّ يشوع (آ 1- 5)، إنتصار يشوع في مياه ميروم (آ 7-9)، إحتلال سائر المُدُن (آ 10-15). أمّا في آ 16-23، فنجد لائحة بالأمكنة التي احتلّها يشوع. في 12: 1-6، يُورد لنا النصّ لائحة بالمُلوك المقهورين شرقيّ الأردن، وفي 12: 7-24 بالملوك المقهورين في غربيّ الاردن.

ب- تفسير الآيات الكتابية
1- حَمْلات في الشمَال (11: 1- 15)

(آ 11: 1-9) نسمع كلام الربّ إلى يشوع في آ 6: لا تَخَفْ. هذا ما قاله أيضًا في 8: 1. ونعرف أنّ الكنعانيين عرفوا الخَيْل، أمّا العبرانيون فما عرفوا استعمال الخَيْل في الحرب إلا في زمن متأخّر. وانتصر يشوع في مياه يروم.
(آ10-15) وأخذ يشوع مُدُن المُتحالفين رج 12: 19-24. شريعة الحَرَام ستُطبّق بطريقة مُلطَّفة كما في 8: 2، 27. ونُلاحظ هنا أمانة يشوع لأوامر موسى عبد الرب (آ 12).
2- ألأرض التي احتلّها يشوع (11: 16-23)

(آ 16) ألجبل هو جبل مملكة إسرائيل أي وَسَط وشماليّ كنعان، حيث سيُقيم سبطا إفرائيم ومنسّى. ألجنوب هو أرض يهوذا. جوشن مدينة تقع في الجنوب من أرض يهوذا (41:10).
ألعربة: وادٍ يسيل فيه الأردن، ويَنبسِطُ فيه بَحر المَيِّت.
(آ 17) ألجبل الأملس: يقع على بُعد 40 كم إلى الجنوب الغربيّ للبحر المَيِّت. سعير: جبل آدوم (وأرضه) وهو يمتدّ إلى الجنوب والجنوب الشرقيّ للبحر المَيِّت (تث 1:2-4). بعل جاد (7:12، 13: 5): موضع يحمل اسم إله الحظّ (اش 11:65).
(آ 18- 20) وأقام يشوع حربًا... هذا يعني أنّ الحرب لم تتمّ بالسرعة التي نتخيّلها من خلال قراءتنا للفُصول السابقة. والصُعوبات جاءت لأنّ الربّ قسَّى قَلْب الكنعانيين كما قسّى قَلْب فرعون في الماضي، ليستأصلهم بسبب الشِرْك المُتأصِّل فيهم. هنا نشير إلى أنّ تث 19: 10- 20 يطلب من الفاتح، أن يعامل بالرحمة المُدُن التي تستسلم، ولكنّ الشريعة ستتبدّل فتطلب إفناء الشعوب الوثنية، لأنهم جرّوا بني إسرائيل إلى عباداتهم.
(آ 21- 22) ألعَناقيون، أبناء عَناق (رج 14: 12-15 ؛ 13:15-19): شعب قديم من الجبابرة، كما تقول الأخبار القديمة (تث 1: 28؛ 2: 10-12؛ عد 13: 22-28). عَناب: تبعد 25 كلم إلى الجنوب الغربيّ من حبرون. يعتبر الكاتب أنّ بني عَناق أقاموا في كلّ أرض كنعان، في جبل يهوذا وفي جبل إسرائيل. غزة وجت أشدود: ثلاث مُدُن فلسطيّة. هل وصل إلى ساحل كنعان، أناس طِوال القامات قبل أن يأتي الفلسطيون في عهد رعمسيس الثالث، في الربع الأول من القرن الثاني عشر ؟ ألأمر معقول.
(آ 23) ويختتم النصّ أخبار الحروب، ويُعدُّنا لبداية تقسيم الأرض. واستراحت الأرض من الحرب. ستتردد هذه الآية، وإن بطرق مُختلفة (قض 3: 11، 30؛ 5: 13؛ 28:8)، ولكنّ الحرب لن تهدأ.
3- الملوك المقهورون في شرقيّ الأردن (12: 1-6)

ألمعركة تمّت في أيام موسى، كما يرويها سفر العدد (21: 21-35)، واقتسام الأرض تمّ في الماضي، كما نقرأ في تث 2:13-17؛ 7:29؛ رج يش 8:13-31.
حشبون تبعُد 25 كلم عن مصبّ الأردن إلى الشرق. عروعير: عراير الحاليّة. وادي أرنون، هو وادي المجيب، ووادي يَبُوق هو نَهْر الزرقاء. بيت يشيموت تقع في مُحيط البحر الميت. ألفَسْجَة قمَّة قريبة من جبل نَبْو، شماليّ شرقيّ البحر المَيِّت. باشان: مِنطقة هَضَبيَّة بين اليَبُوق وحَرَمون، يرويها اليَرمُوك، وهي مُشتهرة بمَراعيها ومواشيها. ألجَشُوريون والمَعْكيّون: قبائل أرامية أقامت عند سَفْح جَبَل حرمون.
4- ألملوك المقرون في غربيّ الأردن (7:12-24)

(آ 7-8) نَظرة شاملة إلى المناطق المحتلّة، تُهيّئنا لقراءة لائحة الانتصار في آ 9-24 غربيّ الأردن: أرض كنعان أو فلسطين الحاليّة .
(آ 9-13) وتَرِدُ اللائحة بحسب الأخبار التي قرأناها في ف 6-10. ألملوك مذكورون (10 : 3 ، 5، 23، 31-39) من الجَنوب إلى الشمَال. جادِر موضع مجهول (رج 1 أخ 28:27)
(آ 14-24) وتتوالى لائحة بالأمكنة التي احتلّها يشوع. حرمة وعراد في النَقَب (رج عد 21: 1 ي بمُناسبة مُحاولة احتلالهما). أفيق ترد في اللوائح المصريّة، وهي رأس العين الحاليّة، ألقريبة من تلّ أبيب. شمرون مراؤون، تذكُره النُصوص الأشوريّة باسم شمشيمورونا أي مارون الراس الحالية في جنوبي لبنان، ولكن هناك رأي آخر يجعلها خربة شرونا (تذكُرها النصوص المصرية) التي تقع على بضعة كلم إلى الشمال الشرقيّ من جبل تابور. تعناك ومجدو (رج 17: 11)، تمّ احتلالهما في القرن العاشر في زمن داود وسليمان. جوئيم تقع في الجليل. وترصة هي تلّ الفارة الواقع على بضعة كلم الى الشمال الشرقيّ من نابلس.

ج- ملاحظات حول الفصل العاشر
1- ما أراد الكاتب المُلهم أن يعطينا لوحة تاريخية، بل أن يُقدّم لنا شهادة مُؤمن بأعمال الله العجيبة في التاريخ. ومن أهمّ هذه الأعمال احتلال الأرض المقدّسة، وإعطاؤها لشعب من الشعوب. هذه نَظرة من الحاضر إلى الماضي، لا من الحاضر إلى المستقبل. إنطلق المؤرّخ من واقع ، وهو أنّ العِبرانيين سيطروا على أرض كنعان في زمن داود وسُليمان. إذًا الربّ أعطاهم إيّاها، ولا شيء يتمّ في الكون إلا بإرادته وبفِعْل كلمته. وعندما تأتي الجيوش البابلية، ستنتزع الأرض من أيدي العبرانيين، ويكون الربّ أخذ بعدما أعطى، لأنّ شعبه خان العهد. ولكنّ المؤمن سينتظر من جديد، أن يُعيد الربّ أرض كنعان إلى بني إسرائيل، غير أنّ هذا لن يتمّ. حينئذ سيتطلع مساكين الربّ إلى عطية أجلَّ وأسمى، أرض السعادة مع الربّ. وسَتَرِثُ الكنيسة هذه الفكرة، فتحدّثنا عن ملكوت الله الذي دشّنه يسوع بحياته وموته وقيامته.
2- بدأ احتلال كنعان، وكأنه تمّ بأمر الله ومعونته. أما مالكوه القديمون الكنعانيون الذين اتبعوا آلهة أخرى، فهم أعداء الله، وهم يُقيمون على أرضه، فكيف يُبقيهم. لهذا صارت الحربُ عملاً مقدسًا يقوم به العبرانيون، وشريعةُ الحرام فرضًا واجبًا، فتُصبح الأرض كلّها لله، والشعب المُقيم عليها شعب الله، لا يعرف إلاّه ربًا.
3- إحتلال كنعان قِصّة حرب تظهر فيها الأعمال العظيمة والأعمال الوضيعة. والشعوب التي نقرأ عنها، هي مجموعات صغيرة تقُوم بأعمال الغزو والسَلْب لا بأعمالٍ حربية كتلك التي نعرفها. ولكن يبقى أنّ الكاتب المُلهم يريد، من خِلال هذه الأعمال الحربية، أن يقدم لنا تعليمًا نبويًا مزدوجًا. أولاً: ألربّ قاد الأحداث، ليُقيم شعبه في أرض يستطيع أن يحقق عليها العَهْد والبَرَكة والسلام. ثانياً: صار الكنعانيون مُحالفين لبني إسرائيل، ودخلوا في عَهْد مع الله، شأنهم شأن العِبرانيين، فما عادت أرض الموعد لشعب دون سائر الشعوب، أو لعِرقْ دون سائر الأعراق، بل أرض المؤمنين بالله الواحد، ألعاملين بوصاياه

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM