الفصْلُ الثّامِن: مُعَاهَدة مَع الجبعُونيّين

الفصْلُ الثّامِن
مُعَاهَدة مَع الجبعُونيّين
9 : 1 – 27

أ- المقدّمة
1- مع خبر المُعاهدة بين الجبعونيين وبني إسرائيل، نجد نفوسنا أمام حالة تختلف عما قرأناه في أخبار أريحا والعيّ: رَسم الأماكن واضح، والحفريات في الجيب (= جبعون تبعد 12 كلم إلى الشمَال الغربي من أورشليم) كشفت بقايا مدينة فيها جرَّة كتب على عُنُقها "جبعن"
2- يبدو النصّ معقدًا، وقد اكتشف بعض الشُرّاح طبقتين: ألأولى كهنوتية، وهي تتضمن حيلة الجبعونيين، ألعهد معهم، اكتشاف الحيلة، إحتلال المدينة، تحويل الجبعونيين إلى خدمة المذبح. ألثانية ويبدو الفاعلون فيها الجماعة والشعب، والنتيجة تحويل الجبعونيين إلى مجموعة في الجماعة. وسوف نرى أنّ دور يشوع كان ثانويًا في هذه المعاهدة، وهو سيكتفي بإلقاء الخُطبة. أمّا المشاركون في الوليمة، فهم الشعب أو هم الرؤساء، إذا أخذنا بما تقوله السبعينية.
3- ولكن لماذا أراد الجبعونيون أن يعاهدوا بني إسرائيل، وهم الآتون من بعيد (آ 6، 9: 22)؟ فأيّة فائدة لهم مدنهم؟ وكيف خُدِع بنو إسرائيل؟ لا شكّ في أنّ العِبرانيين ارتابوا بعض الشيء بالجبعونيين (آ 7)، وأنّ الرؤساء اندفعوا أكثر من يشوع، في هذه المعاهدة، ولهذا تذّمرت عليهم الجماعة (آ 18). طلب الجبعونيون وقالوا : إقطعوا لنا عهدًا (آ 6، 11)، نحن خُدّام لكم وعبيد. ثمّ أعلنوا إيمانهم بقُدرة الله الذي فعل ما فعل للعِبرانيين.
4- في أي حالة، نحن أمام مُعاهدة بين بني إسرائيل والجبعونيين، تتألّف من العناصر التالية: طَلبُ الجبعونيين (آ 6، رج 8: 11) الذين يريدون أن يكونوا تابعين لبني إسرائيل. مُبادلة الطعام في وليمة مُشتركة (آ 14). إعطاء السلام من قِبَلِ المُعاهِدِ الأقوى (آ 15). ألقَسَم النهائي الذي يمنع المُعاهد الأقوى من التراجعُ عن معاهدته (آ 15). نجد بين بنود المُعاهدة بَنْدًا يُشير إلى الدفاع المُشتَرك (10: 1 ي). تُصيب اللعنات المُخطىء الذي يتعدّى بنود المُعاهدة (رج 2 صم 21 ي).
5- بعد مقدمة تُدخلنا في إطار الخبر (9: 1-2)، نقرأ عن حيلة الجبعونيين، لينجوا من القتل: أرسلوا وفدًا وعقدوا معاهدة (آ 3-15). ولكن انفضحت حيلتهم. ما قَدِرَ بنو إسرائيل أن يتراجعوا، بعد أن حلفوا أمام الربّ، فأعطوهم الأعمال الوضيعة من جَلْب الماء وقَطعْ الحطب في المَعْبد (آ 16-27).

ب- تفسير الآيات الكتابية
(آ 9: 1- 2) عِبْرَ الأردن أي أرض كنعان. ألجبل هو المسكن العتيد لإفرائيم ويهوذا وبنيامين. ألسهل هو التلال الواقعة بين الجبل وشاطىء البحر.
ونقرأ هنا لائحة بالشعوب الستة المُقيمين في أرض كنعان (11 : 3؛ 8:12؛ رج تث 17:20).
(آ 3-6) كان تث 20: 10-15 يفرض الرأفة بالشعوب البعيدة، ويمنع المعاهدة مع الساكنين في أرض كنعان (تث 7: 2)، ولهذا قال الجبعونيون أنهم جاؤوا من بعيد.
(آ 7- 11) اعتُبر الجبعونيّون من الحويين، ولكن 2 صم 21: 2 يحسبهم بقايا الأموريين. هم لا يذكرون لهم مَلِكًا بل يقولون "شيوخنا" (آ 11) وهذا يعني أنهم مُدُن متحالفة. (آ 17)
(آ 12- 15) هنا نعود إلى آ 4- 5. أمّا الطعام الذي حملوه، فهو بالنسبة إلى الجبعونيين العلامة أنهم لا يكذبون، ولكنّه في الواقع علامة الضيافة والسلام والعهد: يأكل الجميع من الطعام الواحد (تك 31: 46-54 ؛ لا 13:2؛ ومعاهدة المِلْح: عد 19:18 ؛2 أخ 5:13)
(آ 16-17) ألجلجال ببعُد 30 كلم عن جبعون. كفيرة (أو اللبوة) تقع شَماليّ غربيّ جبعون، وتبعد 13 كلم عن أورشليم. بئروت (أو البئر) أو البيرة تقع شماليّ جبعون، وتبعد 16 كلم عن أورشليم. قرية يعاريم أو قرية الوَعْر (الغابة) تقع جنوبيّ غربيّ جبعون. وهكذا تكون جبعون الأولى بين مُدُنٍ متحالفة.
(آ 18- 21) ما أساء العبرانيون إلى الجبعونيين، لأنهم حلفوا لهم، وقد وجب عليهم لولا الحلف، أن يُخضعوهم لشريعة الحرام (تث 2:7). ولكنّ مخالفة القَسَم خطيئة يُعاقَبُ عليها الإنسان.
(آ 22-27) ألعقاب الذي حلّ بالجبعونيين: أن يقوموا بأعمال الخدمة في قرية يعاريم (آ 17)، حيث مكث تابوت العهد زمنًا طويلاً (1 صم 6: 21؛ 7: 1؛ 2 صم 6: 1 ي)، أو في جبعون (1 مل 4:3؛ رج 2 صم 2:21)، بانتظار أن يعملوا في هيكل أورشليم، ألموضع الذي اختاره الله (النتينيم أو خدّام الهيكل عز 2: 58 ؛ 8: 2 ؛ نح 46:7-60) ليُقيم فيه اسمه.

ج- ملاحظات الفصل الثامن
1- جبعون هي تلّة عليها معبد، وقد كان فيها لاويّون من بني قهات (25:18). موقعها بين مُدُن بنيامين، وعليها قدّم سليمان ذبائح عديدة (1 مل 3: 4 ي؛ 9: 2؛ 2 أخ 1:3-6)، قبل أن يبني هيكل أورشليم. أمّا اللاويون الذين فيها، فستنحطّ منزلتهم ويُصبحون خدَمًا في هيكل أورشليم. وهذا النصّ الذي قرأناه، يُحاول أن يُفسّر هذا الانحطاط.
2- كان الغريب مُشكلة في ضمير العبرانيين، وخاصّة في نهاية زمن الملوك وولادة الجماعة اليهودية. فشعب الله ما استطاع يومًا أن يحسب نفسه مُغلقًا على الخارج، وعلى مرّ العصور ستُمحى الفوارق العَرقيّة بين الساكنين في أرض كنعان، كمُقدّمة لشُموليّة الخلاص الذي أنبأ به الأنبياء، وأعلن عنه الإنجيل. إنّ الكنيسة تنفتح اليوم على كلّ الجبعونيين، ففيها البعيد صار قريبًا بدم يسوع المسيح.
3- دخل الجبعونيون في العهد بالحِيلة، واستولى يعقوب بالحِيلة على البُكُوريّة (تك 27: 1 ي)، وتقبّل الوكيل الظالم تهنئة المعلّم بسبب حكمته ودهائه (لو 16: 1-9). فهل يكون الكَذِبُ عملاً صالحًا والحِيلة فضيلةً؟ كلا. ولكنّ الربّ يُفضّل الشجاعة والفَهْم على البلادة والبلاهة والخُمول

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM