الفصْلُ السَّادس: الاستِيلاءُ عَلى أريحَا

الفصْلُ السَّادس
الاستِيلاءُ عَلى أريحَا
6 : 1 – 27

أ- المُقدِّمة
1- هذا الفصل هو في الأساس نشيد ليتورجيّ يرتبط بالفصلين 3-4. يذكر النصّ تابوت العهد ستّ مرّات (رج آ 4، 6، 8، 11، 12، 13)، ويحدّثنا عن الكهنة واللاويين الذين يحملون التابوت وينفُخون في الأبواق. وكما أنّ ف 3- 4 أخبرانا بالفصح والخروج، فهذا الفصل يُنشِدُ احتلال المدينة، في احتفال هو أشبه بعمل رمزي، يمثّل الحدَث الذي يُعيّده الشعب.
2- يقدّم لنا هذا الفصل، فكرة عن الحرب المُقدّسة في الاستيلاء على أريحا. ولكن هناك ترداد في الأخبار واضافات تُثْقِلُ النصّ ولا تُوضحه. ففي آ 4- 5، 16، 20 يسير التطواف في صمت، ولا ينفُخ الكهنة في الأبواق إلا في اليوم السابع، ليدعو الشعب ليهتف هُتافاته، أما في آ 8-9، 13، فيتمّ الطَواف على أصوات الأبواق الدائم، ويهتف الشعب هُتافه حين يأمرهم يشوع بذلك (آ 10، 16، 20). من هنا نقرأ مرّتين في آ 20 أنّ الشعب هتف. ثُمّ إنّ خُطبة يشوع في آ 17-19 تقطع مسيرة الخبر، وتصوير التطواف مرّتين (آ 8-9، آ 12-13)، يُشدّد على الاحتفال الليتُورجيّ. غير أنّ كلّ هذه الصعوبات تزول في الملحمة الدينية، حين تسقط أسوار المدينة على أصوات الأبواق.
3- هل احتلّ بنو إسرائيل أريحا؟ وهل كانت أريحا تلك المدينة العظيمة التي يُحدّثنا عنها النصّ، أم أنّ الكاتب ضخّم الأمور ليُبيّن عمل الله؟ ألليتورجيا التي تحتفل باحتلال المدينة، تُبيّن للجماعة التي تشارك فيها، أنّ الله يُحقّق مواعيده بدون أي فَضْل للبشر. أمّا شعائر الطقوس، فتقع بحسب ترتيب الحرب المقدّسة (رج 2 أخ 13:13-16؛ 20: 1 ي)، ألتي لا تحمل من الحرب إلاّ اسمها. يكفي للشعب أن يخرج في طوَاف، وأن ينفُخ في البوق، لتسقط الأسوار. الله يفعل، والشعب يكتفي بأن يُنفّذ الأعمال الليتورجية التي يأمر بها الله بواسطة من أوكلهم بشعبه، وهكذا يتمّ مخطط الله في أرض إسرائيل.
4- بعد مُقدّمة تشرح الظروف التي فرضت تدخّل الله، نسمع تعليماتِ الرب للاستيلاء على المدينة، وأمرَ يشوع إلى الكهنة ثُمّ إلى الشعب. ويُصوّر النصّ الطواف المُنظّم، والتابوت في وسطه، ويُشير إلى الطواف ستة أيام، وإلى طواف اليوم السابع وتعليمات يشوع. وتمّ الاستيلاء على المدينة التي صار مصيرها إلى الدمار، ما عدا راحاب وأهل بيتها. وينتهي الفصل بقَسَم على المدينة التي هدمها الله: لن تُسْكَنَ ولن يُعادَ بناؤُها.

ب- تفسير الآيات الكتابية (6: 1-27)
(آ 6: 1-3) كانت المدينة المُحصّنة في عَيْنِ البدو، مدينة لا تُؤخذ، ولكنّهم نجحوا في محاولتهم بفَضْل عَوْن الله، وها هم يحتفلون بهذا العون.
(آ 4- 5) أحاط الشعب بالمدينة، لا في حرب بل في طَواف دينيّ. والعلاقة واضحة بين السبب والنتيجة، بين العمل الليتورجيّ وسقوط الأسوار. والمُعجزة التي يحتفل بها الشعب، تلّخص اختبار بني إسرائيل الدينيّ: من أجلهم فعل الله أفعالاً عظيمة، فحقّق مواعيده القديمة. وهكذا صارت أريحا نموذجًا لتدخّل الله من أجل شعبه.
(آ 6-10) كيف تسير الليتورجيا؟ بطريقة بسيطة: يسير في المُقدّمة أناس مسلّحون، يتبعهم كهنة يحملون الأبواق. ثم يأتي التابوت، وبعده مُؤخّرة الجيش. أما مُشاركة الشعب في الاحتفال، فتقوم بهُتاف الحرب يطلقونه عندما يُؤمرون بذلك. ويمتدّ العيد سبعة أيام، كالفصح في ف 3- 5. في السبت الأول وصلوا إلى الفصح، وفي السبت الثاني أوّنوا الاحتلال، عبّروا عنه بطقوس دمار أول مدينةٍ احتلّوها.
(آ 11-19) نقرأ في هذه الآيات عُنصرًا آخر من عناصر الاحتفال: داروا حول المدينة ستّ مرّات، مرّة كلّ يوم، ورجعوا إلى المُخيّم. في اليوم السابع داروا سبع مرّات، وأطلقوا الهُتافات، فسقطت الأسوار.
ويذكّرنا النص براحاب التي قرأنا عنها في ف 2، وكذلك بشريعة تحريم استعمال الغنائم، مُهيئًا القارىء لخطيئة عاكان في ف 7-8.
(آ 20-24) كلّ شيء يعود إلى خزانة بيت الرب، أي في معبد الجِلْجال، إذا عُدنا إلى التاريخ القديم، أو في هيكل أورشليم، إذا عُدنا إلى زمن تأليف الكتاب.
(آ 25-26). تُحدّثنا آ 25 عن احتلال أريحا احتلالا عسكريًا. وتفرض آ 26 خبرًا نقرأه في 1 مل 16: 34 عن بناء أريحا. ولكن هناك نصّان في 18: 21 و 2 صم 10: 5، يُبيّنان أنّ أريحا لم تُهْجَر، وأنّ الناس ظلّوا يأتون إليها، ليسمعوا الأخبار من فم أبناء راحاب الذين أقاموا فيها.

ج- ملاحظات حول الفصل السادس
شريعة الحرام. حرم في العربية أي منع، وفي العبرية: أغلق، فَصَل، مَنعَ، أفنى، دَمّر. هذه الكلمة يستعملها سفر يشوع، ليدلّ على تدمير الأعداء وما يملكون. وهذا التدمير هو تقدمة وذبيحة: إذ يُفني الشعب، بالموت والنار، الأحياء والأشياء التي استولى عليها، هو يرفض أن يضع أيديه على غنائم الحرب، ليُقرّ أنّ الربّ هو الذي انتصر، ولذلك يقدمّ له كلّ شيء. هذا ما نجده في احتلال أريحا وقصّة العيّ (15:7، 24-26؛ 26:8-28) وحَمَلات الجَنُوب (10 : 28-42) والشمَال (11: 11-14، 20- 21). ونقرأ أيضًا في هذا السبيل تدمير يابيش في جِلْعاد (قض 21:10- 11) وما فعله شاول مع العماليقيين (1 صم 3:15-33).
نحن هنا أمام عمل مارسه القدماء، فانتشر في كلّ بلد. هكذا فعل الأشوريون، هكذا فعل ماشع ملك موآب، كما تقول مسلّة على اسمه، اكتُشفت منذ قرن ونيف... أعمال قاسية وبربرية، كانوا يمارسونها بروح دينية، فيَنذْرون لآلهتهم دمار المُدُن وقَتْل السكّان.
شَعَر بنو إسرائيل، كسائر الشعوب، أنهم يحاربون باسم الله، وأنهم قطعوا عهدًا معه، فحرّموا على نفوسهم كلّ شيء في الحرب ودلّوا بهذا أنهم يكرّمون الله ويُقِرّون بسُلطانه. وفي سفر يشوع يُعتبر التحريم طاعةً لأمر الربّ (8: 2). تلك كانت طريقة التوراة في أن تَنسُب إلى الله مُباشرةً، ألمبادرة والمسؤولية بالنِسبة إلى كلّ ما يحدث. وهكذا عندما يُدمّرون مدينة يقولون: الله أمَر بذلك. وتوسعّت المُمارسة فصارت فريضةً وتعليمًا (تث 20 : 16-18، رج تث 13:13-19). ليست القضيّة قضية حرب على الكنعانيين بل دفاعًا عن النفس بوجه الوثنية الهاجمة. وهذا هو موقف سفر التثنية (ف 7): يجب على الشعب المُقدّس، أن يحفظ نفسه من كلّ عدوى سيئة، من المُساومة والفِخاخ ومن تأثير الديانات الوثنية. وهكذا يكون الحديث على الحرام، طريقةً للتأكيد على ضرورة مُحاربة الشِرْك وعِبادة الأوثان

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM