الفصْل الثّاني: الجاسُوَسان عِندَ رَاحَاب في أريحَا

الفصْل الثّاني
الجاسُوَسان عِندَ رَاحَاب في أريحَا
2 : 1 - 24

أ- المُقدّمة
1- أرسل يشوع جاسوسين إلى أريحا. وبهذا هيأنا الكاتب للحديث عن احتلال أريحا في 6: 22-25. ولكنّه لم يتطرّق الى ما فعله الرجلان، وما الذي أخذاه من معلومات، وما هو مخططهما. كل ما يهمّه هو إيمان راحاب التي ستساعد العبرانيين على دخول المدينة.
2- بعد مقدّمة، نسمع الحوار بين مُوفَدَي الملك وراحاب التي أخفت الجاسوسين، قبل أن تُخبئهما على سطح بيتها، وتحلّفهما بالربّ انهما سيعملان لتنجو بحياتها هي وأهل بيتها. وحين دلّتهما عن السُّور، علّمتهما كيف يُفلتان من سُعَاة الملك. أمّا هما فعلّماها ما تفعل يوم يدخل العبرانيون أريحا: تعقد خيطًا أحمر على باب بيتها. وينتهي الفصل بوصول الجاسوسين سالمَين الى المعسكر مع ثقتهما بأنّ الربّ أسلم المدينة إليهما.
3- نُلاحظ بعض التوتّر في النصّ: أخبأت راحاب الجاسوسين مرّتين (آ 4، آ 6). هل البيت مبني على السُّور أو بجانب السُّور (آ 15)؟ يستعد الجاسوسان مرتين للذهاب، ويعتبران نفسيهما مرتين في حلّ من قسمهما (آ 15، 21؛ آ 17، 20). ولهذا حاول بعض الشُرّاح، أن يعتبر أنّ النصّ كان نصين اثنين في الأساس ثمّ جُمعا في ما بعد.
ثُمّ إنّ خطبة راحاب، تُبرِزَ بعض الصعوبات: ترجع إلى اعترافات إيمانية في شعب إسرائيل (تث 26: 5-9؛ يش 24: 2-13). وهذا أمر غير معقول في فم هذه المرأة، حتى وإن قبلنا أنّها ارتدَّت ارتدادًا فُجائيًّا. لا شكّ في أنّ الكاتب الاشتراعي، ترك الأسباب البشرية التي دفعت راحاب إلى العمل، وأخذَ بأسباب لاهوتيّة مَحضَةٍ .

ب- تفسير الآيات الكتابية
(آ 1: 1) راحاب أو راحابئيل، إسم يرتبط بالله (إيل): الله وسعّ، الله أنمى. مَوْقع بيتها يُساعدها على استقبال الجاسوسين، بانتظار أن تهيء لدخول العِبرانيين إلى أريحا.
يُشدّد العهد القديم طوعًا على طبيعة الأشخاص الذين يدعوهم الله ليلعبوا دورًا في تحقيق مُخططاته: هم من أصل وضيع، وليسوا مُهيَّئين لما سيقومون به من عمل. داود كان راعي غنم (1 صم 16: 11 ي)، وإرميا يتهرّب لأنّه يُحِسّ بضُعفه أمام خطورة الرسالة. أما راحاب فهي زانية. وسيُحاول التفسير اللاحق، أن يتحدّث عنها كصاحبة نُزُلٍ ، فيُخفي بعضًا من حقيقتها، كما سيُخفي السبب الذي لأجله أُخِذَت أريحا بالسلام.
شطيم أو شجر الأكاسيا (عد 25: 1؛ 33: 49) هي اليوم تلّ الكفرين التي تبعُد 11 كلم تقريبًا إلى الشرق من نهر الأردن.
أريحا أو مدينة القمر (يرح في العبرية) تقع في تلّ السلطان الذي يبعُد كيلومترين عن أريحا الحالية. في آ 16، سيختفي الجاسوسان في المغاور الموجودة في جبل الأربعين.
(آ 2-7) إنّ وجود هؤلاء البدو الغُزاة، على بضعة كيلومترات شرقي المدينة، جَعَلَ أهلها يعيشون في حالة استنفار ويشدّدون الحِراسة. ولن يتدبّر الجاسوسان أمرهما إلا بفضل هذه المرأة. شعرت بالجوّ الذي يسيطر على المدينة، فأخفتهما حين وصولهما إليها. ضلّلت مُلاحقيهما بأقوالها. أصعدت ضيفيها إلى السطح، وأخفتهما بين عيدان الكتّان.
نُشير هنا إلى أنّ الكتّان كان معروفًا في اوغاريت وفي روزنامة جازر الزراعية (القرن العاشر ق. م.)، وها هو يظهر من جديد في أرض فلسطين، بعد غياب طويل.
(آ 8- 14) هذه خطبة راحاب الأولى، وفيها عناصر اعتراف إيماني، يستطيع عِبرانيّ أن يجعلها في فَمِ غريب يريد أن يتقرّب من شعب الله. هذه العناصر تُفسّر لنا مُوافقة راحاب لنَظرة الغُزاة. أمّا جواب الجاسوسين فكان: نحلف لك بحياتنا أنّك لن تموتي إذا لم تُخبري بأمرنا.
(آ 15- 21) تُورد خُطبة المرأة الثانية وتذكّر بهرب الجاسوسين. لا شكّ أنّه من الصعب أن نتصوّر كيف يكون الحِوار بين المرأة والجاسوسين المعلّقين على السّور، والمدينة في حالة استنفار. ولكنّ الراوي يجعل هذا الكلام هنا ليَفْصِل بين الخُطبتين.
ويضع الجاسوسان شرطًا للمرأة: أن تجعل الخيط الأحمر على بيتها، فتنجو هي وأهلها المُجتمعون هناك. ونحن نتساءل: أيكون الخيط علامة اتفقت عليها مع الجاسوسين، ليدخل العِبرانيّون المدينة؟ ألأمر معقول. واللون الأحمر يذكّرنا بالدم الذي رُشَّت به أعتاب أبواب بني إسرائيل، خلال الضربة الأخيرة التي أصابت مصر (خر 13:12).
(آ 22-24) بعد هذه الأحداث المُتلاحقة، رجع الجاسوسان إلى المُخيّم وقدمّا تقريرهما إلى يشوع: لا بدّ من الهجوم والظروف موآتية.

ج- ملاحظات حول الفصل الثاني
1- ما هي العلاقة بين 2: 1 ي و1: 1 ي وف 3-6؟ يبدو 2: 1 ىِ وكأنه مُستقلّ، وتجسُّس الجاسوسين، يُهيء عادةً عملاً حربيًا تُوجّهه الحيلة. ففي 18:2 نقرأ في النص اليوناني: "وإذا نجحنا في دخول قسم من المدينة... " هذا يفترض احتلال المدينة بالقوّة، وقتالاً من بيت إلى بيت. ثُمّ إنّ اعتراف الإيمان في 24: 11 يقول لبني إسرائيل: "وصلتم إلى أريحا فحاربكم أهل أريحا". ومن جهة ثانية، لو أنّ المدينة سقطت فجأة، فما الحاجة إلى كلّ هذه الاستعدادات؟ وإذا كانت راحاب اكتفت بأن تُخبّىء الجاسوسين وتساعدهما على الهرب، ألا يكون مُبالغًا في عرفان الجميل الذي أبداه بنو إسرائيل لهذه المرأة؟ طلبوا منها أن تسكت، فهذا يعني أنّها عرفت مخطط المُهاجمين، بل لعبت دورًا في هذا المُخطط.
2- كلّ هذه المُعطيات، تدفعنا إلى القول إنّ هذا الفصل كان يروي في البداية احتلالا المدينة بالقوة العسكرية، إنطلاقًا من معلومات حملها الجاسوسان وبمساعدة راحاب وأهل بيتها. وهكذا يقدّم ف 2 خبرًا عن احتلال أريحا، يختلف جوهريًا عمّا نقرأه في ف 6. ف 2 هو احتلال حربيّ، وف 6 هو تصوير ليتُورجي للأحداث، كُتب في ما بعد، فأبقى بعض آثار الخبر الأول (6: 25).
3- نُلاحظ أنّ العهد القديم، لا يذكر نسل راحاب بنت أريحا وصديقة شعب إسرائيل، ونعرف أنّ المدينة بُنيت حوالي نهاية القرن التاسع ق. م. (1 مل 16: 34). ولكن هذا لا يعني أنّها ظلّت مُقْفِرة بعد أن أخذها العِبرانيّون (رج 2 صم 6:10).
4- ألعهد الجديد أدخل راحاب في سلسلة داود، على أنّها ام بوعز زوج راعوت، وبهذا أدخلها في نسل المسيح. إنطلق مت 1: 5 من 1 أخ 2: 10 ي وجعل الاستيلاء على أريحا، يتمّ قبل داود بأربعة اجيال، وهذا ما يرجع بنا إلى القرن 12.
أمّا هب 11: 31 فيجعل من راحاب مثالاً للإيمان، فيقول فيها: "بالإيمان نجت راحاب البغيّ من الهلاك مع الكفّار، لأنها رحبّت بالجاسوسين". ويقول عنها القديس يعقوب (2: 25): "برّرها الله لأعمالها، حين رحبّت بالرسولين، وصرفتهما في طريق آخر".
5- في التقليد اليهودي، صارت راحاب رمزًا إلى المهتدي حديثًا الذي يتخلّى عن حياته الخاطئة، لينضمّ إلى إيمان شعب إسرائيل. وهي أيضًا مِثَالٌ حيّ لفاعلية التبشير اليهوديّ، إذا كان بنو إسرائيل أمناء لدعوتهم

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM