الفصل السابع والأربعون
توصيات ختاميّة
16: 17- 27
هكذا وصلنا إلى نهاية الرسالة إلى رومة. بعد مقدّمة وضعت الأساس على إيمان بالله وأمانة له دون غيره، كان توسّعٌ جعل اليهودَ يعرفون خطيئتهم، ويعرفون شريعة تبقى ضعيفة إن لم تنفتح على المسيح. وجعل الأممَ يفهمون أن ما نالوه من نعمة مجانيّة، يمكن أن يخسروه إن لم يحافظوا على الإيمان. وما اكتفى بولس بكلام لاهوتيّ، بل قدّم إرشاداً من أجل جماعة يسيطر عليها التوتّر، بين فئة من الضعفاء تحكم على الآخرين باسم نظرتها الضيّقة. وبين فئة من الأقوياء حسبوا حرّيتهم مناسبة ليحتقروا الآخرين. أما أساس الحياة في الجماعة فهو المحبّة. وأنهى بولس الرسالة بكلام عن مشاريعه الآتية، وأرسل تحيّاته إلى أشخاص عديدين عرفهم أو سمع بهم. وها هو ينبّههم التنبيه الأخير على ما فعل في غلاطية حيث قال لهم: لا الختان ينفع ولا عدم الختان. ويحذّرهم بقساوة كما فعل في الرسالة إلى فيلبي، ممّن هم أعداء صليب المسيح. والتحيات الأخيرة تجد ختامها في مجدلة لله القدير الذي يثبّت المؤمنين في الانجيل، لله الحكيم الذي ظهرت حكمتُه بيسوع المسيح. له المجد إلى الأبد.
1- دراسة النص وبنيته
أ- دراسة النصّ
في آ 17: أن تكونوا على حذر. هنا توسّع البازي و010، 011. «ابتعدوا عنهم». صيغة الحاضر، ولكن برديّة 46، السينائي الاسكندراني، البازي 010، 011 جعلوا الماصي الناقص.
في آ 20، صار النصّ: الربّ يسوع المسيح. أضيف «المسيح». وهناك مخطوطات غربيّة تجعل «لتكن نعمة» في آ 23.
في آ 21، يدرج البازي و010، و011 آ 16 ب (كنائس المسيح) في النهاية.
في آ 22، 010، 011 يجعلان «جميع الكنائس» في صيغة الجمع، وهي في صيغة المفرد.
في آ 23، أضيف في النهاية: ولتكن نعمة ربّنا يسوع معكم (المخطوطات الغربيّة).
إن آ 25- 27 تأتي بعد 14: 23 في عدد من الشهود، منها 044، وبعض مخطوطات اوريجانس. وبعد 15: 33 في برديّة 46. وفي الموضعين في أحد المخطوطات الجرارة. وبعد 14: 23 وهنا في الاسكندراني وفي 024. وهنا فقط في برديّة 61، السينائي، الفاتيكاني، الافرامي، البازي... ومخطوطات أخرى لاوريجانس. يبدو أن آ 25- 27 أضيفت إلى نصّ قصير ينتهي في 14: 23 (المرقيونيون). ثم أدرجت في نصّ أطول. هناك من اعتبر أن هذه الخاتمة من يد بولس. ولكن يبدو أنها وُضعت هنا فيما بعد. فبولس ما اعتاد أن يقدّم مثل هذه المجدلة الطويلة. وموضوع السرّ والوحي قريب من أفسس، كولوسي، والرسائل الرعائيّة. كل هذا يساعد على فهم التقليد النصوصيّ.
في آ 26 أضيف (كما يقول أوريجانس): «وظهور ربّنا يسوع المسيح» بعد «ما كتبه الأنبياء». هي إضافة ليتورجيّة شبيهة بما في 1 تم 6: 14.
في آ 27، نقرأ «له» (هو) كما في برديّة 46، السينائي، الاسكندراني، الافرامي، البازي ... ولكنها ألغيت أو حل محلّها «أوتو» (نفسه). فصارت الآية متواصلة بدون وقفة. وفي برديّة 46، السينائي، البازي، 024، أضيف «الدهور» أو «الأبدين». فصار النص: دهر الدهور أو أبد الأبدين. هو توسّع ليتورجيّ. رج 1: 25؛ 9: 5؛ 11: 36؛ 2 كور 11: 31 (النصّ القصير: إلى الأبد فقط). والنصّ الطويل نقرأه في غل 1: 5؛ أف 3: 21؛ فل 4: 20؛ 1 تم 1: 17؛ 2 تم 4: 18.
ب- بنية النصّ
إن قساوة التحذير المفاجئ في آ 17- 20 تدهشنا. هي تقابل فل 3: 2- 21؛ غل 6: 11- 15. يبدو أنها من أصل النصّ، وما أقحمت فيما بعد. هي قطعة ختاميّة توازي المقطع الأخير في 1 كور 16: 21- 24؛ غل 6: 11- 18؛ كو 4: 18؛ 2 تس 3: 17. انتبه بولس إلى العلاقات بين اليهود والأمم داخل جماعات رومة، فرأى أنها قد تجاوزت الخطر. غير أن هناك تعليماً متحرّراً من كل قيد (غل 5: 13 ي؛ فل 3: 17- 19) وكلاماً يغوي الناس (1 كور 1: 18- 2: 5) يبدو في الأفق. لهذا كانت هذه اللهجة البولسيّة.
هناك من قرأ آ 21- 23 فاستاء من هذه النهاية البسيطة لرسالة بهذه الضخامة. ولكن لا بدّ من بعض الاعتبارات. لا نستطيع القول إن آ 21- 23 يجب أن تتبع آ 3- 16. ففي آ 3- 16 نجد لائحة من التحيات من أجل تأمين استقبال حارّ لفيبة ثم لبولس. ووحدها آ 21- 23 هي التحيٌّة الختاميّة وهي في محلّها. إن كانت آ 17- 20 من يد بولس، فقد تكون آ 21- 23 بيد ترتيوس قبل أن يختم الرسالة ويسلّمها إلى حاملها. وغياب النساء هنا (عكس آ 1- 16) يشرحه سياق «بيَتوتي» يتميّز عن سياق حياة الجماعة في عبادتها وتبشيرها بالانجيل كما في آ 1- 16.
أمّا المجدلة (آ 25- 27) فهي توجز المواضيع المركزيّة في الرسالة: قدرة الله (آ 16). انجيل بولس (2: 16). تعليم المسيح (1: 9). السر الذي أوحيَ (11: 25). الوحي الذي وصل «الآن» (3: 21). كتابات الأنبياء (1: 2؛ 3: 21). طاعة الإيمان. إلى جميع الأمم (1: 5). وجاءت البنيةُ في طابع ليتورجيّ:
إلى القادر أن يثبتكم
حسب إنجيلي
والكرازة بيسوع المسيح
حسب إعلان السرّ
المكتوم في الدهور الطويلة
والمظهر الآن
بكتابات الأنبياء
حسب أمر الله الأزليّ
لطاعة الإيمان
في كل الأمم
والمعروف
إلى الله الحكيم وحده
بيسوع المسيح
له المجد في الدهور. آمين.
2- تحليل النصّ الكتابيّ (16: 17- 27)
نجد هنا ثلاث محطات. في الأولى (آ 17- 20)، نقرأ تحذيراً قاسياً من الذين يُثيرون الخلافات والمصاعب. في الثانية (آ 21- 23)، نجد سلامات أخيرة يُذكر فيها تيموتاوس، رفيق بولس، وترتيوس، كاتب الرسالة. وفي المحطّة الأخيرة (آ 25- 27)، نرفع المجد إلى الله القادر وإلى الله الحكيم.
أ- كونوا على حذر (آ 17- 20)
«وأناشدكم» (آ 17). ويتواصل الكلام بين «أوصيكم» (آ 1) وأناشدكم (باراكاليو). رج 12: 1؛ 15: 33. هناك خطر جديّ يحذّر منه الرسول قرّاءه. أتوسّل إليكم. أستحلفكم. «الاخوة» (1: 13). هو يدلّ على الجماعة كلها، من رجال ونساء، واللائحة برهان كافٍ. «سكوبيو»: النظر بدقة، التفحّص. هذا الفعل لا يرد إلاّ عند بولس في العهد الجديد (2 كور 4: 18؛ غل 6: 1؛ فل 2: 4؛ 3: 17) مع استثناء في لو 11: 35. ويرد مرّتين في السبعينيّة. يكون المؤمنون على حذر ويحكمون حكماً مسؤولاً. «ديخوستاسيا» (الخلاف). لا يرد في اليونانيّة البيبليّة إلاّ في 1 مك 3: 29؛ 1 كور 3: 3 (اختلافة)؛ غل 5: 20. «سكاندالون» (شك، عثرة). رج 9: 33؛ 14: 13. «ديداخي». التعليم. هي تقاليد يسوع كما وصلت إلى الكنائس التي أسّسها بولس مع آخرين. «ابتعِدوا»، تجنّبوا. هي لغة الحكمة (مز 34: 14؛ 37: 27؛ أم 1: 15؛ 3: 7؛ 4: 15؛ 14: 16؛ 16: 6؛ سي 2: 7؛ 22: 13؛ 1 بط 3: 11). لا يُقال شيء عن نوع الخطر، ولكنه يهدّد الجماعة. رج 1 كور 5: 9؛ 2 تس 3: 6، 14؛ 2 تم 2: 22؛ 3: 5؛ تي 3: 10؛ 2 يو 10.
«لأن أمثال هؤلاء» (آ 18). «يخدمون الربّ يسوع». رج 12: 11؛ 14: 18. من نتجنّبهم هم خارج الجماعة المسيحيّة». ما تعمّدوا ولا استسلموا للربّ يسوع. أو هم مسيحيّون يعتبرون أنهم يخدمون المسيح، وفي الواقع يخدمون بطونهم (كويليا). هي الشراهة وسائر الشهوات (حسب الجسد، 8: 12- 13). في فل 3: 19: إلههم بطنهم. هو جحود الإيمان (فيلون، الفضائل 182؛ 3 مك 7: 11؛ وص موسى 7: 4)، هو أسلوب هجوميّ. «خريستولوغيا» (التملّق). لا يرد إلاّ هنا في اليونانيّة البيبليّة: تكلّم كلاماً حلواً. «اولوغيا» الكلام المعسول الذي يحمل في طيّاته الخداع. هو المكان الوحيد، في العهد الجديد، تستعمل «أولوغيا» في معنى سلبي. «إكساباتوو» (خدع). رج 7: 11؛ أف 5: 6؛ تي 1: 10. «أكاكوس»، لا شرّ فيه، بسيط (عب 7: 26). رج أم 1: 4، 22؛ 8: 5؛ 14: 15 (البسيط يصدّق كل شيء)؛ 21: 11 (حين يُعاقب الساخر يصبح البسيط حكيماً)؛ حك 4: 12 (الشهوة تدوِّخ العقل السليم). من يهاجم بولس؟ لا الأقوياء وهو منهم. بل ربّما اليهود المسيحيّون. ولكن يبقى التنبيه عاماً تجاه الخطر الذي يتربّص بكنيسة رومة.
«وما من أحد» (آ 19). وعوّض بولس بهذا المديح (1: 8؛ 15: 14). «هيباكوي» (طاعة). رج 1: 5؛ 6: 17. وعاد بولس إلى الفرح (خايرو). رج 12: 12، «سوفوس» (حكيم). لا يرد عند بولس إلاّ في 1 كور (ارتباط بالأسفار الحكمية). والتعارض بين الخير (أغاتوس) والشر (كاكوس). رج 2: 10. «أكارايوس» (بريء. طاهر، لا خطأ فيه). رج فل 2: 15؛ مت 10: 16.
«وإله السلام» (آ 20). رج 15: 33. ولكن الصلاة هنا تدلّ على رجاء واثق. «الشيطان». في العبريّة: ش ط ن، في اليونانيّة: ساتاناس. يلعب دور المتّهم في مجلس الله (أي 1- 2؛ زك 3: 1- 2؛ رج 1 أخ 21: 1 كتفسير لما في 2 صم 24: 1). ولكن في الأدب البعدبيبليّ، هو خصمُ الله وقائدُ جيش الملائكة الذي يقاوم الله. أسماؤه كثيرة: بليعال أو بليعار. الشرير، مستيما، عزازيل، ملاك الظلمة (1 أخن 53: 3؛ 54: 6؛ حاح 12: 1؛ 17: 1، الخصم؛ يوب 10: 8؛ 11: 5، 11؛ وص رأوبين 2: 2؛ وص شمعون 2: 7؛ نظح 13: 2، 4، 10- 11؛ 17: 5- 6؛ نج 3: 20- 21). في العهد الجديد، جُعل ال التعريف للدلالة على الوظيفة المرتبطة بالاسم (الشيطان. أما إبليس فيعود إلى اليونانيّة: ديابولوس). يركّز بولس أكثر ما يركّز، في كلامه عن الشيطان، على الشرّ (1 كور 5: 5؛ 7: 5؛ 2 كور 2: 11؛ 11: 14؛ 12: 7؛ 1 تس 2: 18؛ 2 تس 2: 9). والأمل بأن يُسحَق الشيطان هو جزء من الرجاء الاسكاتولوجيّ (يقيّد، يُهزَم، يوب 5: 6؛ 10: 7 ...). وتنتهي هذه القطعة بالكلام عن النعمة (خاريس، 1: 5): نعمة ربّنا يسوع.
ب- سلامات أخيرة (آ 21- 23)
«يسلّم عليكم» (آ 21). تيموتاوس هو أكثر شخص يُذكر في الرسائل البولسيّة (1 كور 4: 17؛ 16: 10؛ 2 كور 1: 19؛ 1 تس 3: 2، 6). رج أع 16: 1؛ 17: 14- 15؛ 18: 5، 19، 22؛ 20: 4؛ 1 تم؛ 2 تم. «سينارغوس» (آ 3). العامل معي. عُرف تيموتاوس على أنه مساعد بولس في كل الظروف. «لوكيوس». قد يكون ذاك المذكور في أع 13: 1 كأحد المسؤولين في كنيسة انطاكية. وبالأحرى «لوقا» صاحب الانجيل الثالث وسفر الأعمال (كو 4: 14؛ فلم 24؛ 2 تم 4: 11 (لوكاس ولوكيوس هم اسم واحد كما قال اوريجانس). «ياسون»: مضيف بولس في تسالونيكي (أع 17: 5- 7، 9). «سوسيباترس» ذُكر في أع 20: 4 (سوبترس، الاسم عينه). هو بين الذين يحملون التبرّع إلى أورشليم. هؤلاء الثلاثة الأخيرون هم «أنسبائي» (سنغانايس، 9: 3) مثل اندرونيكوس ويونيا وهيروديون (آ 7، 11)، وكلهم يهود.
«ترتيوس» (آ 22). اسم روماني. يمكن أن يكون عبداً أو حراً. لا نعرف شيئاً عنه سوى أنه كتب هذه الرسالة وأرسل تحيّاته. هو كاتب مسيحيّ (سكرتير. لا نعرف غيره في هذه الوظيفة). ما كان دوره؟ هل اكتفى بما أملى عليه بولس؟ هل كتب هو، ووسّع أفكار بولس كما يتداولها المؤمنون في كورنتوس؟
«ويسلّم عليكم» (آ 23). غايس. يُذكر في 1 كور 1: 14. عمّده بولس، فكان في مركز القيادة في كنيسة كورنتوس. وقد يكون ذاك المذكور في أع 18: 7؛ (غايس) نيتيوس يوستوس. أضاف الكنيسة في بيته الذي صار «كنيسة» تلتئم فيها الجماعة المحليّة. «الكنيسة كلها» (باسا هي إكليسيا). رج تث 31: 30؛ يش 8: 35؛ 1 صم 17: 47؛ 1 مل 8: 14، 22، 55؛ 12: 3 (الاسكندراني). لا يتكلّم بولس عن كل كنيسة كورنتوس التي يسعها بيت غايس. وبالأحرى، عن الكنيسة في العالم. «أراستس». قد يكون غير المذكور في أع 19: 22؛ 2 تم 4: 20، كمساعد لبولس. هو أمين صندوق المدينة، وهي وظيفة يقوم بها الأحرار والعبيد. هو موظف في «الماليّة». «كوارتس». ليس شقيق اراستس. «أخونا». أي هو مؤمن مثلنا. عرفه بعض الناس في رومة، ولهذا جاء اسمه في النهاية.
«نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم أجمعين. آمين» (آ 24). هذا ما نجده في عدد من المخطوطات الغربيّة التي لم تجد نهاية لرسالة رومة، فأخذت آ 20. ولما أضيفت «المجدلة» (آ 25- 27)، لم تعد تُذكر هذه الآية في النصّ الرسميّ، لا سيّما وأنها تكرار لما سبق.
ج- المجدلة الختاميّة (آ 25- 27)
«للقادر أن يثبتكم» (آ 25). رج أف 3: 20؛ يهو 24. قدرة الله ظاهرة في نقاط هامّة من العرض. رج 1: 16، 20؛ 4: 21؛ 9: 17، 22؛ 11: 23؛ 14: 4. «ستيريزو» (ثبّت). آ 1، 11. هو الضيق الاسكاتولوجيّ، في نهاية الزمن (1 تس 3: 2- 4، 13؛ 2 تس 3: 3؛ يع 5: 7- 8؛ 1 بط 5: 10؛ رؤ 3: 2). «حسب انجيلي» (1: 1؛ 2: 16). أي الانجيل الذي أكرز به. هو قوّة لكل من يؤمن. انجيل بولس هو اعلان يسوع المسيح كما هو معروف في الرسالة المسيحيّة (1 كور 15: 1، 3، 11). «كيريغما»: ما نعظ به. أو فعل الوعظ (ترد اللفظة 8 مرات في العهد الجديد، منها 6 في الرسائل البولسيّة، 1 كور 1: 21؛ 2: 4؛ 15: 14؛ 2 تم 4: 17؛ تي 1: 3). «انجيل يسوع المسيح». أو الانجيل الذي كرز به يسوع. خلال حياته على الأرض، أو مضمون التعليم الذي يتحدّث عن يسوع، «وفقاً للسرّ المعلن». نقرأ «أبوكاليبسيس» (2: 5؛ 8: 9): كشف أسرار السماء في زمن النهاية (1: 17). «مستيريون» (السرّ). رج 11: 25؛ كو 1: 26- 27؛ أف 3: 3- 6. مع «الانجيل والكرازة»، هو مخطّط خلاص الله الذي كُشف في رسالة بولس. «خرونوس» (في صيغة الجمع) يدلّ على حقبة طويلة من الزمن مؤلّفة من أزمان قصيرة، هي أزمنة الأبد (أيون). رج «منذ بداية الزمن» في 2 تم 1: 9؛ تي 1: 2. «كُتم» (صيغة المجهول). المجهول الالهي. الله كتمه، ما أعلنه. وهو من يكشفه.
«وظهر الآن» (آ 26). رج 3: 21؛ كو 1: 26؛ 2 تم 1: 10. حرفيا: أُظهر الآن. أظهره الله. بعد صمت الله عن مخطّطه، ها هو الآن يكشفه. «تي» «وعبر». هذه الواو تربط «أظهر» بـ «عُرف» (عرفته): أُظهِر الآن وعُرف بواسطة كتابات الأنبياء حسب أمر الله الأزليّ. دلّ بولس هنا على أهميّة الأسفار المقدّسة في كشف مخطّط الله. أسفار العهد القديم هيّأت العهد الجديد الذي كشفه الربّ تدريجياً بالأنبياء، بانتظار أن يكشفه بكماله في يسوع المسيح. «إبيتاغي» (أمر). لا يرد إلاّ هنا في روم، ولا يرد إلاّ في الرسائل البولسيّة، في العهد الجديد. رج 1 تم 1: 1؛ تي 1: 3؛ 2: 15. «الله الأزليّ». رج 1: 20، 23؛ 1 تم 1: 17. ق 2 مك 1: 25؛ 16: 27؛ 3 مك 6: 12؛ يوب 12: 29؛ 13: 8؛ 25: 15؛ سيب 3: 698؛ وص موسى 10: 7. «طاعة الإيمان». رج 1: 5. «معروف». هو اسم الفاعل الثالث في صيغة المجهول (يصبح اسم مفعولٍ) المرتبط «بالسرّ» (آ 25). إن سبب معرفة السرّ هو جزء من مخطّط الوحي. رج أف 1: 9؛ 3: 3- 5، 10؛ 6: 19؛ كو 1: 27؛ ق تفسير حبقوق 7: 4- 5؛ مد 4: 27- 28؛ 7: 27.
«لله الحكيم» (آ 27)، نستطيع أن نقرأ الاله الواحد والحكيم. هو اعتراف بالله الوحيد. أو نقول: وحده الله هو حكيم، فنشدّد على حكمته في خط سفر أيوب، بعد أن شدّدنا على قدرته. رج 1 تم 1: 17 (لملك الدهور، الاله الواحد الخالد غير المنظور)؛ 6: 15- 16؛ يهو 25؛ رؤ 15: 4؛ ق 2 مك 1: 24- 25 (أنت يا من وحدك الملك السموح، ووحدك الواهب كلّ شيء). الله هو الواحد. رج 3: 30. وهو الحكيم. رج 4 مك 1: 12= 1 أخن 48: 7؛ سيب 5: 360؛ 1 كور 1: 25. «بيسوع المسيح». رج 1: 8؛ 1 بط 4: 11؛ يهو 25. «إله المجد». قد نكون أمام جواب ليتورجي. قال المحتفل: لله الحكيم وحده بيسوع المسيح. فأجاب الشعبُ: له المجد إلى الدهور آمين.
3- خلاصة لاهوتيّة
في آ 17، أخذ بولس القلم من ترتيوس وأضاف أموراً شخصيّة. هي كلمات تنبيه وتشجيع تنبع من خبرته كمؤسّس كنائس. على المؤمنين أن يكونوا ساهرين، حذرين: هم يعيشون مثل غرباء وسط عالمٍ معادٍ، فعليهم أن يتعرَّفوا إلى هذه الأخطار والمضايقات من أيّة جهة أتت. وهم يقدرون، لأنهم نالوا التعليم من تقليد يسوع الذي وصل إليهم بوسيلة أو بأخرى.
من هم الذين يثيرون الخلافات؟ (آ 18). هذا ما ليس بواضح، لأن بولس لا يشير إلى أحد بشكل خاص. بما أنه يقدّم إرشاداً حكميّاً نموذجيّاً، فهو يتحدّث عن نمطِ شرٍّ يجب أن نتجنّبه.
وأسرع بولس (آ 19)، فطمأن جماعة رومة أنه مرتاح من جهتهم. فطاعتُهم معروفة (1: 5، 8). نلاحظ هنا أهميّة الطاعة للانجيل. هي طاعة الإيمان بقيادة المسيح، التي تميّزها شهادة الكتب. غير أن الخطر الذي تحدّثت عنه آ 17- 18 هو حقيقيّ، وهو يؤثّر على جماعة شعب الله. لهذا دعاهم بولس إلى الحكمة في الخير، وإلى البرّ أمام الشرّ. نحن هنا في عالم الحكمة الذي يجد امتداده في وحي المسيح في الحياة اليوميّة.
وأعلن الرسول (آ 20) رجاءه بالنصر على إبليس، في خط الرجاء الاسكاتولوجيّ عند اليهود. فالمسيحيون يشاركون في الثقة بانتصار الخير على الشرّ، بانتصار الله على قوّة الشرّ، بإبعاد حدود الشرّ (مر 2: 23- 27؛ لو 10: 17- 18). هي غلبة نلناها منذ الآن (سريعاً)، وستصل إلى كمالها. ذاك هو تاريخ الخلاص الذي بدأ منذ خطيئة آدم (تك 3: 15). وهدفُ الله هو تدمير كلِّ أنواع الشرّ التي نمَتْ في جسم البشريّة، وعودةُ الخليقة إلى سلام دُعيت إليه منذ البدء.
وسلّم بولس القلم إلى يد ترتيوس (آ 21- 23)، فأضاف هذا بعض التحيّات إلى رفاقه الأقربين، ومنهم اثنان من المسؤولين في كورنتوس: غايس الذي أضافه، واراستس، أمين صندوق المدينة، ثم كوارتس الذي ارتبط بأحد الأعضاء في جماعة رومة. وخُتمت الرسالة بالشمع، وأرسلت مع فيبة إلى رومة، بانتظار أن تدخل في القانون، أي لائحة الأسفار المقدّسة.
ودخلت المجدلة الأخيرة (آ 25- 27) في بداية القرن الثاني المسيحيّ، فأوجزت المواضيع الأساسيّة في الرسالة. كل شيء بدأ مع الله وانتهى معه، وقدرتُه وحدها كافية لتساند الذين ارتبطوا به بالإيمان. والانجيل الذي أوضح كلّ هذا، تركّز على يسوع المسيح، وتضمّن وحي سرّ قصد الله من أجل خلاص البشر. وهذا القصد كان في تواصل تام، مع وحي الله الأول عبر الأنبياء والكتب المقدّسة. وما وضح الآن، هو أن قصد الله الخلاصيّ وصل إلى كل الأمم الذي تدخله بواسطة الإيمان. وهذا الإيمان لا يتعارض مع طاعة طلبها الله دوماً من شعبه. فيعبّر عنه في خضوع يربط الخليقة بالخالق. فلهذا الاله، الاله الواحد، الإله الذي هو ينبوع كل حكمة حقّة، الذي عرفناه واقتربنا منه بيسوع المسيح، لهذا الاله كلّ مجد في الدهور. آمين. ثمّ آمين.
الخاتمة
بعد أن أرسل بولس باسمه الخاص تحيّاته إلى جماعة رومة، ها هو يرسل تحيّات الذين هم معه. هم يلقون بعض الضوء على كنيسة كورنتوس، من حيث كُتبت الرسالة. وأول المذكورين هو تيموتاوس الرفيق الأمين والعامل الدائم بجانب الرسول والذي سيكون بقربه، حين يكون في السجن. تحيّة من جماعة إلى جماعة، فتدلّ الرسالة على العلاقات المتينة، كما تدلّ على اتصال بين كنيسة وكنيسة، بواسطة الرسل أولاً، وبواسطة أشخاص مثل أكيلا وبريسكلة وغيرهما. وما استطاع بولس أن يقف هنا، بل عاد بولس إلى انقسامات تمزّق الجماعة: حول تعليم يهدّد التعليم التقليديّ في الكنيسة. تعليم اليهومسيحيّين الذين يريدون أن يعودوا إلى ممارسات تعدّتها كنيسةُ رومة، فيهتمّون ببطنهم وبالأطعمة، لا بخدمة المسيح يسوع. وهكذا يعود بولس في نهاية روم إلى قساوة غل، فيطلب من المؤمنين أن لا يسارعوا في التخلّي عن الدعوة المسيحيّة الحقّة. أترى الرومانيون سيفعلون مثل الغلاطيين فيتركون تعليم «نعمة المسيح» ويتبعون انجيلاً آخر. لا ليس هناك انجيل آخر سوى ذاك الذي عرضه بولس في روم وهو الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح.