الفصل السادس والأربعون: تحيّات خاصة

الفصل السادس والأربعون
تحيّات خاصة
16: 1- 16

رأى عدد من الشرّاح أن ف 16 لا يخصّ روم. غير أن موقفهم غير مقبول. إن 15: 33 ليست عبارة ختاميّة عند بولس (رج 2 كور 13: 11؛ غل 6: 16؛ أف 6: 23؛ 1 تس 5: 23). ثم إن «دي» (لكن، أمّا) في آ 1، تتضمّن متابعة ما قيل من قبل (هناك من تحدّث عن رسالة مستقلّة). وأخيراً، اعتاد بولس أن ينهي رسائله بالبركة (آ 20 ب) وبالتحيات (نجد هنا 26 اسماً، قد يكون بولس عرفهم أو سمع بهم). أجل، ف 16 هو خاتمة روم مع نهاية تحمل سلاماً إلى «جميع كنائس المسيح».

1- دراسة النصّ وبنيته
أ- دراسة النصّ
في آ 1، الضمير في «أختنا» (متكلّم جمع)، صار= المخاطب الجمع: أختكم في برديّة 46 والاسكندرانيّ و010، 011.
في آ 5، نقرأ «ابارخي»، باكورة، أول الثمار. قرأت برديّة 46 والبازي: من البدء (أب. ارخيس) وقُرئت «أخائية» (خاباس) بدل «آسية» (رج 1 كور 16: 15). وقرئ «في (إن) المسيح» بدل «من أجل (إيس) المسيح».
في آ 6، مريم تُكتب تارة مع الميم (برديّة 46، السينائي، البازي، 010، 011) في النهاية، وطوراً مع النون (مرتين في الاسكندراني، الفاتيكاني، الافرامي، 024، 044).
في آ 7، قرأت برديّة 46 «يوليا» (رج آ 15). وهناك مخطوطات قرأت «يونيا» في آ 15. ربط البازي و010، 011، «قبلي» مع الرسل، لا مع «نسيبي». فصار النص: الرسل الذين كانوا قبلي.
في آ 8، ألغت برديّة 46 والبازي و010، 011 «الربّ» بدل «المسيح» (معاوننا في الربّ).
في آ 16، نقل البازي و010، 011 العبارة: إلى نهاية آ 21: «كنائس المسيح كلها تسلّم عليكم».
ب- بنية النصّ
تبدو آ 1- 2 رسالة توصية بفيبة، وقد ارتبطت بباقي الرسالة: لتستقبل الكنيسة فيبة، والرسالة التي تحمل، بانتظار أن تستقبل بولس. جاء في بداية التحيّة بريسكا (بريسكلة) وأكيلا، لأسباب معروفة (أع 18: 2- 3، 18؛ 1 كور 16: 19؛ 2 تم 4: 9). هناك من اقترح وجود خمسة بيوت تشكّل خمس «كنائس» (لاجتماع المؤمنين) في رومة. في آ 5، تجتمع الكنيسة في بيت بريسكا وأكيلا. في آ 10، يُذكر بيت ارستوبولس. في آ 11، بيت الذين سلّم عليهم بولس هم أعضاء بيت بريسكا وأكيلا (رج آ 5 أ ثم آ 5- 13). غير أن صيغة المخاطب الجمع (سلّموا)، تدلّ على أن الرسالة تُقرأ في أكثر من مكان. وتُقرأ مرّات عديدة.

2- تحليل النصّ الكتابيّ (16: 1- 16)
نتوقّف عند ثلاثة مقاطع في تحليلنا لهذا النصّ. بدأ بولس فأوصى بفيبة (آ 1- 2) التي يبدو دورُها كبيراً في الكنيسة. وكان سلام خاص (آ 3- 7) إلى بريسكا (أو بريسكلة) وزوجها أكيلا. فبيتُهما موضع تجتمع فيه الكنيسة. وذُكرت معهما أسماء. ويتوالى الفعل «سلّموا» (آ 8- 6)، حتّى نهاية هذا الفصل الذي عنوانه تحيّات خصوصيّة توجّهت إلى أشخاص عرفهم بولس أو عرف بهم. وانتهى كل هذا بكلام يربط كنيسة رومة بسائر الكنائس. «كنائس المسيح كلّها تسلّم عليكم».
أ- توصية بفيبة (آ 1- 2)
«أوصيكم بأختنا» (آ 1) «سينيستيمي»: أوصى واحداً بآخر. يرد الفعل مراراً في البرديات. رج 1 مك 12: 43؛ 2 مك 9: 25. في 2 كور 3: 1 نجد دلالة على رسائل توصية في المسيحيّة. فيبة هي حاملة الرسالة على ما يبدو. كانت أول اسم في اللائحة (2 كور 8: 16- 24؛ فل 2: 25- 30؛ فلم 8- 20). اسمها يونانيّ، وقد ورد مراراً في الميتولوجيا. إذن، هي وثنيّة اهتدت إلى الإيمان.
اعتاد أعضاء الجماعات الدينيّة أن يدعوا بعضهم «ادلفوس»، الأخ (1: 13). ولكننا لا نجد الاستعمال عينه بالنسبة إلى الأخت (أدلفي) مع أن وجودهنّ كان كبيراً في العبادات السرانيّة. واستعمال لفظ «أخت» هو أمرٌ مميّز في المسيحيّة (1 كور 7: 15؛ 9: 5؛ فلم 2؛ يع 2: 15). هي أختنا نحن، أخت الجميع. هي أخوّة على مستوى الكنائس المتوزّعة.
هذه الأخت هي «دياكانوس»، خادمة، شماسة، في كنيسة محليّة (13: 4؛ 15: 8). هي صاحبة مسؤوليّة في الجماعة، مثل ليدية في فيلبي. «كنيسة» (إكليسيا). لفظ يرد للمرّة الأولى في روم: كنيسة كنخزية (جماعة محليّة). أُخذ من السبعينيّة ليدلّ على جماعة الربّ (تث 23: 1- 2؛ 1 أخ 28: 8؛ نح 13: 1؛ مي 2: 5). قبل أف لا نجد كلاماً عن «كنيسة» شاملة، بل محليّة. لهذا استُعملت صيغةُ الجمع (16: 16؛ 1 كور 7: 17؛ 16: 1، 19؛ 2 كور 8: 18- 19، 23- 24). ثم المؤمنون الذين يجتمعون في «بيت» يُدعَون «كنيسة» (16: 5، 23).
«تقبّلوها في الربّ» (آ 2). «بروسداخوماي»: قبل، استقبل مرتاحاً. «في الرب». رج فل 2: 29. أو: في المسيح يسوع (6: 11). ستتكرّر «في الربّ» هنا، في آ 2، 8، 11، 12، 13، 22. هي طريقة للتعبير عن علاقة حميمة (1 كور 4: 17؛9 : 1- 2؛ 15: 31؛ 16: 19؛ 1 تس 3: 8؛ فلم 20؛ وخصوصاً فل 2: 29). أو للدلالة على سلطة الربّ وقدرته (14: 14؛ 1 كور 7: 22، 39؛ 11: 11؛ 2 كور 2: 12؛ غل 5: 10؛ فل 1: 14؛ 2: 19، 24؛ 1 تس 5: 12)، أو في كلام تحريض وإرشاد (1 كور 15: 58؛ فل 3: 1؛ 4: 2، 4؛ كو 3: 18، 20). «أكسيوس» لائق. لائق بالربّ أو بالله (كو 1: 10؛ 1 تس 2: 12؛ 3 يو 6). في أف 4: 1: تليق بالدعوة. في فل 1: 27: تليق بالانجيل. «يليق بالاخوة». هكذا تكون الضيافة المسيحيّة.
«وساعدوها» (باريستيمي): وقف بجانبه، أعانه (2 تم 4: 17). «خريزان» كان في حاجة (مت 6: 32= لو 12: 30؛ ثم لو 11: 8 2و كور 3: 1). «لأنها أسعفت». «بروستاتيس»: المحامي عن انسان. حملت عوناً كبيراً لعدد من المسيحيّين. هو تأثير على مستوى الغنى أو قوّة الشخصيّة في المجتمع (فيلون، الفضائل 157؛ يوسيفوس، العاديات 14: 157، 444).
ب- بريسكلة وأكيلا (آ 3- 7)
«سلّموا على بريسكلة» (آ 3). هو الاسم القصير هنا: بريسكا. «أسبازوماي». يدلّ على التحيّة في نهاية الرسالة. نقرأ صيغة الأمر (سلموا) 16 مرة في آ 13- 16، ثم 5 مرّات في آ 21،16- 23 في صيغة أخرى. لعبت بريسكلة وأكيلا دوراً كبيراً في رسالة بولس. أكيلا هو يهوديّ من البنطس (18: 2). ويبدو أن امرأته كانت يهوديّة. جاءا من إيطالية إلى كورنتوس (أع 18: 2)، يوم طرد الامبراطورُ كلوديوس اليهود من رومة سنة 49 ب م. وقد يكونان مسيحيّين قبل أن يلتقيا ببولس. أو ربّما اهتديا على يده، مع أن لوقا لا يقول شيئاً من هذا الموضوع في سفر الأعمال. يمكن أن يكونا من وجهاء كنيسة رومة، ولهذا طُردا. شاركهما بولس في العمل، ورافقاه إلى أفسس (أع 18: 18- 19) وهناك أقاما بعض الوقت (1 كور 16: 19). وها هما قد عادا إلى رومة بعد موت كلوديوس سنة 54. وتجعلهما 2 تم 4: 19 في أفسس. قد يكون هذا التنقّل وليد عملهما التجاريّ. اعتادا أن يستضيفا بولس في بيتهما (أع 18: 2- 3)، كما الكنيسة كلها (16: 5؛ 1 كور 16: 19). وقد يكون هذا شكّل خطراً عليهما، على مثل ما حدث مثلاً لياسون في تسالونيكي (أع 17: 9). لهذا يقول بولس هنا: عرّضا حياتهما للموت من أجلي (آ 4). استعملا غناهما وتأثيرهما. بل أكثر من ذلك. «جميع الكنائس» تشكر لهما مساندة المجموعات المسيحيّة بالتعليم أو بالمال (سينارغوس، يعملان مع؛ أع 18: 26). ونلاحظ أن اسم بريسكا يُذكر أكثر من مرة قبل أكيلا. هذا يدلّ على دورها في البيت. كما في الجماعات المسيحيّة.
«اللذين عرّضا» (آ 4). هو المعنى الرمزيّ. وربّما الحقيقيّ. لا تُذكر المناسبة، وقد يكون هناك أكثر من مناسبة (أع 18: 12- 17؛ 19: 23- 41؛ 1 كور 15: 32؛ 2 كور 1: 8- 10؛ 6: 5؛ 8: 2؛ 11: 23). الكنائس تشكرهما (افخارستيو). رج 1: 8: احترام بولس واحترام الجماعة لهما.
«وأيضاً على الكنيسة» (آ 5). ذُكر «البيت الكنيسة» في 1 كور 16: 19 (أكيلا وبرييسكلة)؛ فلم 2؛ أع 12: 12. اهتداء أهل البيت في أع 10: 44- 48؛ 16: 15، 30- 34؛ 18: 8؛ 1 كور 1: 16. هي أماكن صغيرة، لهذا كان المؤمنون يجتمعون في أكثر من بيت في المدينة (دمشق، كورنتوس، رومة، أفسس).
«سلّموا على الحبيب» ابينيتوس. هو من أصل وثني. اسم يذكره ديودورس الصقليّ. قد يكون ارتبط بأكيلا وزوجته، فاهتدى على يدهما (أع 18: 24 ي ورسالة هذه الأسرة مع أبلوس). أو هو انضمّ إلى التجارة معهما. «أغابيتوس» (الحبيب). هي علاقة شخصيّة (آ 8، 9، 12). رج 12: 19؛ 1 كور 4: 14، 17؛ 10: 14. كما كان استفاناس باكورة أخائية (كورنتوس، 1 كور 16: 15)، كذلك كان ابينتيوس باكورة آسية.
«سلّموا على مريم» (آ 6). اسم يهوديّ. ممّا يعني أن هذه المرأة كانت من أصل يهودي قبل أن تهتدي إلى المسيح. «كابياوو»، تعب، جاهد، كدّ. هكذا يتحدّث بولس من جهاده في الرسالة، في 1 كور 15: 10؛ غل 4: 11؛ فل 2: 16؛ كو 1: 20. قد تكون مريم قامت بمبادرة من عندها. فلتعتبر الكنيسةُ عملها. نلاحظ هنا دور القيادة في يد نساء، في المسيحيّة الأولى.
«سلّموا على اندرونيكوس» (آ 7). اندرونيكوس اسم وثنيّ، ولكنه دخل في اليهوديّة الهلينيّة (يوسيفوس، العاديات 13: 75، 78). «يونيا» هي زوجة اندرونيكوس. كانا في السجن مع بولس الذي سُجن أكثر من مرة (كو 4: 10: ارسترخوس). «إبيسيموس»، معروف، مشهور، مميّز بين الرسل. وقد يعني: معروف في نظر الرسل. قد يكون هذان بين المرسلين الأولين (2 كور 15: 7). هنا لا ننسى أن بولس وبرنابا كانا من الرسل (أع 14: 4، 14). قد يكونا أسّسا جماعة مسيحيّة أو أكثر في رومة. «اهتديا» قبل بولس. هذا يعني أنهما كانا من أول المسيحيّين في فلسطين، من الهلينيّين (أع 6- 8) مثل اسطفانس وفيلبس.
ج- سلّموا، سلّموا (آ 8- 16)
«سلّموا على امبلياتوس» (آ 8- 9). هو اسمُ عبد عُرِف في رومة وبومبايي واسبانية واثينة وأفسس. قد يكون ارتبط ببيت الامبراطور. وكذا نقول عن «اوربانوس» وعن «إستاخيس».
«سلّموا على أبلِّس» (آ 10). عُرف في الجماعة اليهوديّة في رومة، كعضو في بيت الامبراطور. «دوكيموس» (مقبول). رج 14: 18. برهن عن ثباته. أو ربّما امتُحن وما خان الربّ. «أهل بيت أرستوبولس». هو صغير هيرودس الكبير وشقيق أغريبا الأول (يوسيفوس، الحرب 2: 221). عاش أغريبا في رومة، وكان صديق كلوديوس (العاديات 20: 12). قد يكون تُوفّي حين دُوّنت روم. ولكن ظلّوا يقولون: بيت ارستوبولس بما فيه من عبيد وأحرار، وبينهم المسيحيون. قد يكون هذا البيت «كنيسة» تلتئم فيها الجماعة، وفيها اليهود والأمم.
«سلّموا على هيروديون» (آ 11). هو يهوديّ. «سينغانيس» (آ 7): قريب، نسيب، من القوم. وُلدا معاً. قد يكون هو أيضاً من عائلة هيرودس. «نركيسوس». اسم عبدٍ واسمُ حرٍ. ولكن بما أن عنده بيتاً تلتئم فيه الجماعة، فقد يكون أحد مساعدي كلوديوس المقرّبين. حين صعد نيرون على العرش (54 ب م) كان ضحيّة انتقام أغريبينا (تاقيتس، الحوليات 13: 1). «الذين في الربّ». أي المسيحيّون.
«سلّموا على تريفينة» (آ 12- 13). اسم يهوديّ (في المدوّنات). «تريفوسة»: اسم يونانيّ ورومانيّ. امرأتان حرّتان مع استقلاليّة كبيرة وتأثير معروف في الجماعة. عمل دقيق ونحيف في الربّ. هذا معنى اسميهما. «روفس». اسم لاتينيّ. نجد الاسم في مر 15: 21 كابن سمعان القيريني. إذا كان مرقس كتب إنجيله من رومة، نفهم لماذا ذكر روفس. «إكلكتوس» (المختار). هم اسم يُعطى لجميع المسيحيّين (8: 33). قد تعني الكلمةُ المحبوبَ الذي اختير اختياراً خاصاً من أجل مهمّة (حك 3: 14؛ مز 18: 26؛ سيب 3: 1، 5). ذُكرت أم روفس. هذا يعني أنه وُلد في رومة. وإذا كانت «أم» بولس أيضاً، فهذا يعني أنها سافرت لأنها من أسرة مهمّة.
«سلّموا على اسينكريتس» (آ 14- 15). هو من لا شبيه له. من الرجال الأحرار، كما تقول المدوّنات. «فيلغون»: اسم شخص حرّره كلوديوس. «هرماس»: اسم عبد. «بتروباس» (شكل آخر لاسم بتروبيوس). رجل حرّ عُرف في بلاط نيرون (تاقيتس، التاريخ، 1: 49). «الاخوة الذين معهم». هم المؤمنون الذين يجتمعون في بيت واحد. «فيلولوغس» اسم عبد واسم حرّ، واسم أحد أعضاء العائلة الامبراطوريّة. جوليا هي امرأته. نلاحظ وجود أسر رسوليّة: الرجل وامرأته: أكيلا وبرسكيلة. اندرونيكوس ويونيا. فيلولوغس ويوليا. «نيريوس». اسم من الميتولوجيا. اسم عبد في خدمة الامبراطور. هناك من قال إن نيريوس وأخته هما ولدا فيلولوغس ويوليا. «أولمباس»: ملخّص أسماء تبدأ مع «اولمبيوس». اسم عُرف حتى في بلاط الامبراطوريّة. «والاخوة القديسين». قد نكون هنا أمام مجموعة من البلاط الامبراطوريّ في رومة.
«ليسلّم بعضكم» (آ 16). رج 1 كور 16: 20؛ 2 كور 13: 12؛ 1 تس 5: 26 (قبلة مقدّسة). في 1 بط 5: 14: قبلة المحبّة. تدلّ القبلة على الاحترام أو الشكر... رج مر 14: 45 وز؛ لو 7: 45؛ 15: 20؛ 22: 48. «مقدّسة». هي قبلة احتفاليّة بين المسيحيّين خلال الليتورجيا، كاستعداد لعشاء الربّ. «كنائس المسيح». صيغة الجمع (إكليسيا، آ 1). اعتاد بولس أن يتكلّم عن «كنيسة الله» (في المفرد). رج 1 كور 1: 2؛ 10: 32؛ 11: 22؛ 15: 9؛ 2 كور 1: 1؛ غل 1: 13 ... يتطلّع بولس إلى الكنائس التي أسّسها.

3- خلاصة لاهوتيّة
في آ 1- 2 بدأ بولس الجزء الأخير من روم بالتوصية بفيبة في كنائس رومة. هي سيّدة معروفة، حامت عن الكثيرين من مسيحيّين وغير مسيحيّين. كانت شماسة في كنيسة كنخرية، فكان تأثيرها كبيراً في خدمة المسيحيّين. كان لها أعمال «محاماة» في رومة. وقد تكون حملت الرسالة إلى جماعة رومة. هذا ما يعطينا فكرة عن الواقع التاريخيّ والاجتماعيّ في المسيحيّة الأولى.
وبعد ذكر فيبة (الضيافة، المساندة) نتعرّف إلى أشخاص «قياديّين» في جماعات رومة (آ 3- 16).
أولاً: إن لبولس علاقات قويّة مع عدد من هذه الأسماء. وبالدرجة الأولى بريسكا وأكيلا: اشتغلا معه. عرّضا حياتهما للخطر من أجله، وأمّنا له منزلاً صار «كنيسة» (آ 3- 4). وهناك شخص آخر عمل مع بولس في بداية الرسالة: اوربانوس (آ 9). وحيّى بولس «حبيبي» ابينيتوس، أول المهتدين إلى المسيح في آسية، وامبلياتوس وإستاخيس (آ 5، 8، 9). كان اندرونيكوس ويونيا رسولَين اهتديا إلى المسيح قبل بولس (آ 7). وتحدّث الرسول عن «أم» روفس التي هي أمّه أيضاً بعد أن استقبلته بحرارة خلال أسفاره السابقة.
ثانياً: وما يلفت النظر، التركيبة الاجتماعيّة لهذه اللائحة. هناك غياب أسماء رومانيّة خاصة (ولكن هناك يوليا). ثلاثة أسماء هي يهوديّة (اندرونيكوس، يونيا، هيروديون؛ آ 7، 11). وربّما يكون اكيلا وبريسكا ومريم وروفس وأمّه (آ 3، 6، 13) من اليهود. مع ذلك، فاللائحة في أكثريّتها أمميّة، وهي تدلّ على توازن بين اليهود والأمم في جماعات رومة. ويلفت النظر أيضاً أن الأسماء مشتركة بين أحرار وعبيد: يونيا، امبلياتوس، أوربانوس، إستاخيس... هذا يعطي صورة عن الكنيسة الأولى في رومة. وتُذكر مريم، تريفينة، تريفوسة، برسيس (آ 6، 12) بما يملك من وسائل مساعدة. سافَروا، فاتصلوا ببولس قبل أن يقيموا في رومة فيرسل إليهم الرسول تحيّاته.
ثالثاً: نلاحظ عدد النساء في كنيسة رومة: بريسكا، يونيا... تعبن في الرسالة وكان لهنّ دور القيادة. ولكن هذا الدور سوف يتضاءل في الجيل الثاني والجيل الثالث، ونحن نراه بشكل خاص في الرسائل الرعائيّة.

الخاتمة
اعتادت الرسائل أن تحمل في نهايتها التحيات إلى أشخاص عرفهم بولس أو ربّما سمع بهم، فدلّ على تقديره لعملهم وعلى صداقته لهم وعلى شكره لما يفعلون من أجله ومن أجل الانجيل. أما هنا، فجاء العدد كبيراً بحيث تساءل الناس كيف عرفهم. في أي حال، هذه الأسماء هي صورة عن الجماعة المسيحيّة في رومة، وقد تألّفت من يهود ومن أمم، من أحرار ومن عبيد، وربّما من أغنياء وفقراء. كما أنها تجتمع في أكثر من بيت لأن عددها صار أوسع من أن يضمّه بيتٌ واحد. وقد تكون هناك بعضُ الانقسامات كتلك التي عرفها بولس في كورنتوس. في أي حال، هناك الانقسام الكبير بين المسيحيّين الآتين من العالم اليهوديّ، وأولئك الآتين من العالم الوثنيّ. إلى هؤلاء جميعاً كتب، وقد أراد أن يسمع الجميعُ رسالته. وهكذا يستعدّون لاستقبال رسول الأمم، الذي سينطلق من رومة لكي يصل إلى مضيق هرقل، نهاية العالم في ذلك الزمان.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM