تقْديم

 

تقْديم

الرسالة إلى رومة هي أطول الرسائل البولسيّة وأغناها على مستوى التعليم، بحيث اعتبرها بعضُهم مقالاً لاهوتياً يُوجز اللاهوت المسيحيّ. الرسالة إلى رومة رسالة مبنيّة بناء محكماً بين العقيدة والارشاد. تصف وضع الأمم (= الوثنيين) واليهود الذين حُكم عليهم، فبرّرت نعمةُ المسيح أولئك الذين آمنوا. تصف وضع البشريّة التي تضامنت مع آدم في الخطيئة، قبل أن تتضامن مع المسيح. تصف بشريّة استُعبدت للشريعة قبل أن يحرّرها الله. وأخيراً تصف الشعب اليهوديّ ورفْضه للمسيح، بانتظار عودته مع الأمم لكي يمجّد الجميعُ الله في يسوع المسيح. وهكذا توزّع القسم العقائديّ في هذه الرسالة على أربعة مستويات: المستوى القانونيّ كما في حكم محكمة. المستوى الأسراريّ مع التبرير والعماد. المستوى الروحي مع عمل الروح في المؤمنين. وأخيراً، المستوى التاريخيّ في نظرة إلى الشعب اليهوديّ ورفضه للمسيح.
الرسالة إلى رومة رسالة تعليميّة ورسالة ظرفيّة. منذ القديم اعتُبرت مقالاً تحمل تعليماً كما في رسالة مفتوحة. ما عرف بولس كنيسة رومة، لهذا ما استطاع أن يكتب لها كما كتب إلى كورنتوس. من أجل هذا، توقّف عند المواضيع اللاهوتيّة الهامّة في الكنيسة: مسألة التبرير والخلاص، شريعة موسى والإيمان المسيحيّ، وجه ابراهيم النبويّ... وهي رسالة ظرفيّة بمعنى أن لها مكانها في تاريخ الكنيسة. المشكلة الكبرى هي وحدة الكنيسة. هذه الكنيسة التي يهدّدها الانقسام. بين يهود كانوا الأوائل في الكنيسة، وبين مسيحيّين بشّرهم بولس فجاءوا من الأمم. ازداد عددُهم بحيث صاروا الأكثرية واحتقروا الأقليّة المتعلّقة بأمور تجاوزها زمنُ تاريخ الخلاص. وإذ دوّن بولس رسالته كان قلقاً من الطريقة التي ستتقبّله فيها أورشليم. لهذا وجّه رسالته إلى القرّاء العديدين ليشدّد على وحدة الوحي في العهد القديم وفي الانجيل، على مواعيد الله للشعب الأول مع دوره في تاريخ الخلاص.
الرسالة إلى رومة رسالة بولسيّة، وما شكّ أحد بصحّتها تقريباً. كتبها بولس ذاك الذي وُلد كيهوديّ، وما زال يسمّي نفسه كذلك (11: 1؛ فل 3: 5). كتبها ذاك الذي اهتدى على طريق دمشق حين التقى بيسوع القائم من الموت. فذاك الرسول إلى الأمم، الذي انطلق من أنطاكية، ما زال على علاقة بأورشليم. كتب رسالته هذه بعد الرسالة إلى غلاطية بقليل، فعاد إلى هدوئه بعد حماس قويّ على الذين يشوّهون انجيل المسيح في منطقة غلاطية.
رسالة دُوّنت أولاً إلى العنصر اليهوديّ الذي ظنّ أنه بار لأنه يمارس الشريعة، وأن الأمم الوثنيّة خطأة وأنجاس. الوثنيون خطأة، هذا ما لا شك فيه. واليهود أيضاً يتنكرون لوصايا الله. ودُوّنت إلى العنصر المسيحيّ الآتي من العالم الوثنيّ، الذي استكبر حين وجد نفسه مرتبطاً بيسوع دون أكثريّة اليهود. إذا كان اليهود سقطوا لأنهم لم يؤمنوا، فالأمم الذين اهتدوا يمكن أن يسقطوا أيضاً. فلا بدّ أن تحترم الفئةُ الفئةَ الأخرى للحفاظ على وحدة الكنيسة.
الرسالة إلى رومة رسالة توخّت توسيع حقل البشارة. إذن، هدفها رساليّ، والمشروعُ الذي وراءها ذهابٌ إلى اسبانية. وهي رسالة دفاعيّة عن الانجيل الذي يكرز به بولس، والذي يستند إلى التبرير بالإيمان، لا بأعمال الشريعة. وهي رسالة رعائيّة، تنطلق من أشخاص عرفهم بولس وأرادهم أن يهيّئوا مجيئه الذي يحاول أن يجمع البعيدين والقريبين في الإيمان الواحد.
تلك هي الرسالة إلى رومة التي نحاول أن نشرحها. وقد جاء كل فصل في ثلاث محطات. في الأولى، ندرس النصّ من الوجهة الخارجيّة. في محطّة ثانية نحلّل النصوص. أما المحطة الثالثة فوجهتُها رعائيّة تأمّليّة. إن كانت المرحلتان الأولى والثاني صعبتين، فيمكن أن يبدأ القارئ بالمرحلة الثالثة، بالخلاصة اللاهوتيّة، ويعود إلى المرحلتين السابقتين.
الرسالة إلى رومة رسالة واسعة، لهذا أردنا أن يكون التفسير موسعاً، طويلاً. وقسمنا النصّ مقاطع بحيث نقدر أن نختار ما نحتاج إليه في حياتنا. ويا ليتنا نفتح الرسالة حين نقرأ هذا الكتاب، فتترافق مطالعتُنا للكتاب مطالعة النص الملهم. عندئذ نكتشف الدرة الثمينة التي نستعدّ لبيع كل شيء لكي نشتريها.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM