خاتمة

خاتمة

ماذا تفيدنا اليوم قراءة سفر العدد وسفر التثنية؟ أما صارت شرائعهما ساقطةً بعد أن مرّ عليها الزمن، وجاء المسيح فأسّس عهد الإيمان بالنعمة والروح؟
أمّا جوابنا فهو كالآتي: قبل أن يكون سفر العدد وسفر التثنية مجموعةَ وصايا وأحكام، هما تفكير في ما تتأسّس عليه طاعتنا لله، ألا وهو عمله في تاريخ شعبه. وهذا يفرض على المؤمنين اكتشافَ هذا الحضور والتجاوبَ مع هذا العطاء بإقرار ما عمله الله لنا وعرفان جميل وشكر دائم.
إنّ الأحكام التي نقرأها هنا لم نعد نمارسها اليوم كما وردت حرفيًّا في نص الكتاب، إلاّ أنّ طريقة التعبير عنها تُنير دربنا وتعلّمنا كيف نعيش بالأمانة الحقيقية في قلب عالمٍ يتحوّل يومًا بعد يوم ويتبدّل ويتغيّر.
إنّ المؤمنين يبحثون اليوم عن أساس لعلم الأخلاق. وها هو الكتاب يعطينا مثلاً عن شريعة لا تفرض ذاتها على المؤمن من الخارج، بل تتجذَّر فيه فتصبح يقينًا في فكره وفي قلبه. إنّ علم الأخلاق هذا يستند إلى العقل والوحي ويفترض أن يكون الإنسان صاحبَ وجدان ناضج تزيّنه الحكمة والفهم.
وإنّ سفر التثنية خاصّة يدعونا إلى حياة أخلاقية مبنيّة على الحبّ لا على الخوف. فحبّ الله يُلزمنا بالعيش حسب هذا الحبّ في كلّ مجالات حياة الإنسان: من السياسة إلى الحياة الإجتماعيّة والعائلية، وحبّ الله يطب منّا حبَّ القريب واحترامَ الحيوان والشجر وكلّ خلق الله. حبّ الله هذا يطرح علينا السؤال الدائم: هل نحن مع الربّ أو عليه؟
هذا هو التعليم الذي نستنتجه من سفر العدد وسفر التثنية اللذين يدعوانا اليوم إلى سماع كلام الله وإقامة عهد معه: إن نحن آمنّا به آمن هو بنا، وإن أنكرناه أنكرنا هو أيضاً. ولكن إذا كنّا خائنين ظلّ هو وفيًا لأنّه لا يمكن أن ينكُر نفسَه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM