الفصل الخامس عشر: قصيدة موسى في مباركة شعبه

الفصل الخامس عشر
قصيدة موسى في مباركة شعبه
33: 1 - 29


أ- المقدمة
قَرُب دنوّ أجل موسى فبارك القبائل. والمبارَكة قول وفعل، إذ إنّ في الكلمة قوّة خلاّقة تؤثّري مجرى الأحداث في المستقبل. من هنا كانت قصيدة موسى في مباركة شعبه. تتألّف هذه القصيدة من وحدتين متميّزتين. في الأوّلى (11- 5) نقرأ مديحاً للرب وتذكيراً بأعماله العظيمة من أجل شعبه. في الثانية (آ 6- 25) نقرأ مجموعة من الأقوال تستعرض مصير كلّ قبيلة من القبائل. هذه المجموعة تشبه إلى حد بعيد ما نقرأه في تك 49: 1ي. فكما بارك يعقوب بنيه كذلك فعل موسى فتوجّه إلى كل قبيلة بتمنٍّ أو دعاء تكون له نتائجه بعد موته.
متى قيلت هذه الأقوال؛ يومَ أقامت القبائل في أرض كنعان، وقبل توحيدها في إطار الملكيّة.

ب- تفسير الآيات الكتابية: 33: 1- 29
33: 1- 5: مزمورُ مديح
نحن أمام مديح حربيّ يشبه إلى حدّ بعيد نشيد دبورة بعد موت سيسرا (قض 5: 1ي)، أو يشبه مز 68 وفيه نقرأ: "يقوم الله فيتشتت أعداؤه ويهرب مبغضوه من وجهه. كما يتبدّد الدخان يبدّدهم، وكما يذوب العشبُ أمام النار يبيد الأشرار أمام الله ".
آ 1: تُسمّي موسى "رجلَ الله " (1 أخ 23: 14) وهو يوازي لقب نبيّ (1 صم 9: 6-9) كما يشرحه سفر التثنية (18: 18؛ 34: 10).
آ 2: تُصوّر مسيرةَ الرب عبر بريّة سيناء ليلتقي بشعبه الذي يتحفّز لاجتياحِ أرض كنعان. مثل هذا الكلام نقرأه في نشيد دبورة (قض 5: 4- 5): "حين خرجت يا رب من سعير، حين برزت من صحراء أدوم رجفتِِ الأرض... تزعزعت الجبال أمام الرب ". ونقرأ في سفر حبقوق النبي (3: 3): "الله يجيء من تيمان، القدّوس من جبل فاران. غطّى جلاله السماوات، وامتلأت الأرض من تسبيحه ".
كان العبرانيون يعتبرون جبل سيناء موضع إقامة يهوه: من هناك أرسل موسى، من هناك أعطى شريعته لشعبه. أمّا في هذا المقطع فنقرأ أنّ الرب يذهب مباشرة إلى شعبه دون اللجوء إلى موسى او الى الشريعة، فيصل إليهم عبر سعير (أي جبل أدوم) وفاران (جنوبي كنعان).
في آ 3- 4 نقرأ: الرب (أو موسى) أحبّ شعبه. وبيده قدّيسوه، أي بنو إسرائيل يتقبّلون كلامه.
آ 5: تستعرض مؤتمراً للقبائل يُعلَن فيه الله ملِكاً وقائداً حربيًّا... لقد كانت قبائل بني إسرائيل منذ إقامتها في موآب مجتمعة في رابطة ضيّقة حول معبد شكيم.

آ 6- 25: مباركةُ موسى وتمنّياته لشعبه
يبارك موسى كلّ قبيلة ويتمنّى لها تمنّياً ينطلق من ظروف حياتها. أمّا الأسلوب فمقتضب وهو يشبه إلى حد بعيد الأقوال الشعبية المأثورة. يمكن أن نكون أمام أقوال قديمة جمعها اللاويون كما جمعوا الأقوال التي وضعوها في فم يعقوب يوم بارك أبناءه (تك 49: 1ي).
يعدّد النص القبائل في ترتيب يشبه الترتيب الذي نجده في تك 30: 1ي، ويهمل ذكر سبط شمعون الذي ابتلعه سبط يهوذا.
آ 6: كان بنو رأوبين شعباً قليلاً قبل أن يبتلعهم سِبط جاد.
آ 7: إسم يهوذا يعني أكثر من قبيلة يهوذا، وهو يضم أيضاً شمعون وكالب... إنه يدلّ على مجموعة انفصلت منذ زمن الصحراء عن سائر القبائل فدخلت إلى أرض كنعان من الجنوب (1: 36) وظلّت على هامش رابطة القبائل، والدليل على ذلك أنّ نشيد دبورة لا يذكر اسمَ يهوذا. يجعلنا الكاتب يومَ دخل يهوذا أرضَ كنعان، ويذكّرنا بانقسام المملكة، ولا ينسى حالة يهوذا بعد دمار أورشليم.
آ 8- 11: حصّة بني لاوي كبيرة، لأنّ جامعَ هذه الأقوال هو من بني لاوي. منذ زمن البرّيّة كان لبني لاوي دور مميّز في حياة بني إسرائيل الدينيّة. وهذا الوضع المميّز (الذي هو نعمة من الله) قد استحقّه بنو لاوي لأجل تعلّقهم بربّهم.
ما جرى في مسة ومريبة كان امتحاناً حاسمًا لبني إسرائيل (مز 81: 8؛ 95: 8). وفي حوريب (خر 32: 25- 27) وفي بعل فغور (عر 25: 7)، لفت اللاويون الأنظار بتصرّفهم عندما قمعوا بني إسرائيل الجاحدين دون أي اعتبار لروابط العائلة والصداقة.
الأوريم والتميم هما شيئان أو حجران يتسعملهما الكهنة ليعرِف به إرادة الله (خر 28: 30). على الكهنة أيضاً أن يطبّقوا الشريعة في الحالات الخاصّة فيجيبوا على أسئلة السائلين (حج 2: 11- 13؛ زك 7: 3).
كانت قبيلة لاوي قبيلة محارِبةً كغيرها (تك 34: 25- 31؛ 49: 6) قبل أن تتخصّص في أعمال العبادة (المذكورة في الدرجة الثالثة) وتترك الأعمال الحربية (رج خر 27:32، وما يذكره 1 أخ 26:12-29 عن وجود فرقة من بني لاوي في جيش داود).
آ 12: بنيامين هو حبيب الرب، قبل أن يكون "إسرائيل " كلّه حبيبَ الرب (إر11: 15). لقد كان بنيامين أحبّ الأبناء إلى قلب يعقوب (تك 42: 2- 38؛ 44: 20- 34) وأحبّ الأسباط إلى قلب الله لأنه حافظ على نقاوة إيمانه وحفظ نفسه من فساد الأمم الوثنيّة.
آ 13- 17: يوسف هو والد افرائيم ومنسّى. له البركة الفُضلى في أرضه وغلاله، لأنّه عِماد رابطةِ القبائل. يوسف هو رئيس إخوته (رج تك 37: 5- 11)، ومن أجل هذه الرئاسة نذر نفسَه لخدمة إخوته. هو البكْر بالفعل لا بالإسم (رأوبين هو البكر، ولكنّ البكورية نُزعت منه)، وقد كانت له حصَّتان من ميراث أبيه.
آ 18- 19: زبولون ويساكر قبيلتان تعيشان من التجارة. الأولى تتاجر عبر البحر، والثانية عبر البر (رج تك 49: 13- 14). أمّا الجبل المذكور هنا فهو جبل تابور الذي كان مركزاً للعبادة اليهوهية (قض 4: 12، هو 5: 1).
آ 20- 21: جاد قبيلة مغامرة وقد قامت بحملة على شرقي الأردنّ (عد 32: 1ي)، فكان لها قسم كبير من الأرض ومواقع استراتيجيّة في البلاد. إلا أنّ إقامتها شرقيّ الأردنّ لم تمنعها من مدّ يد العون إلى سائر القبائل من أجل احتلال غربي الأردنّ (3: 18 ي) إطاعةً لأوامر موسى ويشوع.
آ 22: قبيلة دان قد أغارت على لاييش (قض 18: اي) انطلاقاً من باشان.
23: اقامت قبيلة نفتالي إلى الغرب والجنوب من أرض كنعان.
آ 24: أشير أقام على الشاطئ الممتدّ بين عكّا وصور. أُعطيت له بركة خاصة أكثر من سائر إخوته، واسمه يدلّ على الطُّوبى والهناءة والسعادة (أشر في العبرانية. راجع في العربية آثر بمعنى أكرم واختار وفضّل).

آ 26- 29: القسم الثاني من المزمور
هذا المقطع هو تتمّة آ1- 5، وهو يتحدّث عن احتلال أرض كنعان: الرب يقود شعبه، ولا شيء يقف بوجهه.
الله على السماوات كالفارس على فرسه، وهو يهاجم أعداء شعبه (رج خر 15: 11 ؛ أش 19: 10؛ مز 18: 11؛ 68: 5).
الأذرع الأبديّة تدلّ على قدرة الله الحاضرة دوماً لتتدخّل فتنجّي بني إسرائيل (مز 46: 2 ؛ 121: 4) وتسندهم في مسيرتهم (هو 3:9).
عين يعقوب أي نسل يعقوب الذي يفيض كالنهر (مز 68: 27).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM