الفصل الثامن: شرائع الطهارة وغيرها

الفصل الثامن
شرائع الطهارة وغيرها
23: 2 – 25: 19

أ- المقدمة
نحن لا نزال في القانون الاشتراعي، حيث جمع الكاتب الملهم الشرائع المتعددة: شرائع عن الطهارة، شرائع اجتماعية وطقسية، شرائع متنوعة تحكي عن الرفق بالحيوان، عن واجب الإنسان نحو أخيه، عن المشاجرة...

1- من ترفضهم الجماعة: 23: 2- 15
هناك أشخاص يُرفض دخولهم إلى جماعة المصلّين ومشاركتهم للمؤمنين في أعمال العبادة.

23: 2- 9: جماعة بني إسرائيل
الجماعة (قهل في العبرانية) تدلّ على تجمّع غير عادي، على تجمّع مقدّس يستعد للقيام بعمل ليتورجي (4: 10، 9: 10، 6:18).
كان الخصيان مرفوضين احترامًا لطبيعة الحياة، وابتعادًا عن ممارسات كنعانية. وكان أبناء الزنى (يعني أبناء امرأة غريبة أكانت من الفلسطيين أو من الاراميين. رج زك 9: 6) مرفوضين أيضاً.
لا يدخل عمّونيّ أو موآبيّ... والعداوة قديمة بين بني إسرائيل من جهة والعمونيين والموآبيين من جهة ثانية (رج تك 19: 21-38؛ قض 11: 4-38؛ 1 صم 11: 1- 11؛ 2 صم 10: 1ي) وقد تحدّث فيها الأنبياء مطوّلاً (راجع مثلا عا 8:2). ولكنّنا نجد في سفر التثنية نفسه (2: 29) موقفًا إيجابيًّا بالنسبة إلى الموآبيين.
لا تكرهوا الأدوميين. يفترق سفر التثنية عن سائر أسفار التوراة في نظرته إلى الأدوميين الذين كانوا بعيدين عن مملكة الشمال (حيث كُتب القانون الاشتراعي)، فلم يكن لهم أن يتحمّلوا شرّ جيرتهم. أمّا أبناء الجنوب فكانوا على خلاف دائم مع الأدوميين، وإن كانوا إخوتهم (أدوم أو عيسو ويعقوب ولدهما إسحق بن إبراهيم).
لا تكرهوا المصريين. هذا الموقف مشترك بين سفر التثنية وغيره من الأسفار (أش 18:19-25؛ 14:45).
كل هذه الفرائض هي تطبيق الشريعة على ظروف تاريخية واقعية، وهي تودّ أن تنمّي الحس الوطني والشعور الديني القومي. وهي بالتالي تجعلنا في إطار ضيّق وأُفق محصور في شعب من الشعوب.

آ 10- 15: طهارة المخيّم
إنّ حضور الرب في المحلّة ووسط شعبه لا يمكن أن يكون إلا إذا كان الشعب بحالة طهارة بحسب الشريعة (عد 5: 1- 3).
يورد النص هنا حالتين من النجاسة. الأولى (رج لا 15: 16) ترتبط بالحياة والولادة، والثانية ترتبط بالصحّة والنظافة.

2- شرائع اجتماعية وطقسية: 23: 16- 24: 22
23: 16- 17: العبد الهارب
العبد الغريب الذي يلتجئ إلى إنسان له حقّ الحماية (اش 16: 3- 4)، حقّ الجيرة (جر في العبرانية).

آ 18-19: البغاء
هذه الشريعة تُطبّق على كلّ أنواع البغاء، وبالأخص البغاء المكرَّس المعمول به في معابد بعل الكنعانية (عد 25: 1- 9 ؛ هو 4: 14؛ 1 مل 15: 12)، والرامز إلى اتحاد الأرض بالإله.

آ 20- 21: الإقراض بالربى
كان مُعدَّل الفائدة مرتفعًا جدًّا في الشرق القديم، فوصل إلى 50 بالمئة في نوزي مثلاً، وكان كلّ تأخير في الدفع يعرّض المقترض أو أحد أبنائه ليكون عبدًا للذي أقرضه (أم 22: 7). ندّد القانون الاشتراعي بهذه الممارسة (رج خر 22: 24 ؛ لا 25: 36- 37؛ مز 15: 5 ؛ أم 8:28 ؛ حز 8:18).

آ 22- 24: النُّذور
أنت حرّ في أن تُلزم نفسَك بنذور أم لا. ولكن بعد أن الزمت نفسك فلا تتأخّر بإيفاء ما ألزمت به نفسك من نذور للرب.

آ 25- 26: زاد المسافر
الإنسان المارّ في حقل له حقّ أن يُشبع جوعَه من ثماره. ولكن يحرّم عليه أن يأخذ منه شيئًا في وعائه. نلاحظ هنا النظرة الإنسانية إلى الأمور.

24: 1- 4: الطلاق والزواج
يتحدّث هذا المقطع عن زواج رجل بامرأة كان قد طلّقها فتزوّج بها رجل آخر وطلّقها. مثل هذا العمل محرّم، وهو ممارسة وثنية لا تليق بأبناء شعب الله.
رجوع المرأة إلى زوجها الأوّل يُعَدّ خطيئة تكون تبعتها ثقيلة على أرض إسرائيل. هل نحن أمام ردّة فعل بوجه الشعوب التي كانت تقبل بهذه الممارسة، وبالتالي هل نحن أمام شريعة تريد أن تميّز شعب الله عن سائر الشعوب، أم هل نحن أمام شجْب واستهجان للطلاق (ملا 14:2-16)؟
إنّ زواج المرأة برجلٍ ثانيةً هو تدنيس لها على مثال الزنى (لا 18: 20؛ عد 13:5- 29). إنحرف اليهود في تفسير هذا النصّ فرأوا فيه سماحًا بالطلاق (رج مت 8:19).
ولكنّ النصّ يكتفي بالتذكير بعادةٍ عُمل بها وهي قديمة جدًا (نقرأها في قانون حمورابي وشريعة تجلت فلاسر الأوّل).
علّة الطلاق: عيبٌ أنكره عليها (في العبرانية "لو تمصا حن " أي لم يوجد فيها ما يجعل قلبه يميل إليها). وفسّر المعلّمون هذه العلّة فوسّعوا أو ضَيّقوا، وكان الطلاق قد بدأ يتفشّى في ذلك الوقت. ولكنّ المؤمنين ظلّوا يتقيّدون بالشريعة التي نقرأها في آ 4.

آ 5: الإعفاء من الخدمة في الجيش
يُعفى المتزوّج حديثًا من الخدمة في الجيش أو من أيّ مهمّة ليتفرّغ لحياته الزوجية. وهو يشارك في البركة المعطاة للشعب عندما يكون له نسل كبير (14:7).

آ 6: شريعة أولى في الارتهان
المبدأ الأوّل الذي ينطق منه القانون الاشتراعي في مجال الاجتماع هو أنّنا لا نستطيع أن نطالب بحقوقنا إذا كانت حياة الآخرين معرّضة للخطر. ويُطبَّق هذا المبدأ على الرهن الذي يحتفظ به المقرض إلى أن يستعيد دَيْنه: يُمنع على المقرِض أن يأخذ أشياء هي ضرورة حياتية للمقترض ولعائلته. كيف يأخذ الرَّحى، والقمح يُطحن يوميًّا لخبز النهار؟ كيف يأخذ ثوب الفقير الذي هو غطاؤه الوحيد في الليل (24: 12- 13)؟ من أخذ هذه الأشياء كان تصرّفه ثقيلاً على المقترِض ومن وضع يده عبلى ثوبه يكون وكأنّه وضع يده على شخصه.
كان قانون العهد قد قال (خر 22: 25- 26): "إن أقرضتَ مالاً لمسكين من شعبي، فلا تعامله كالمرابي ولا تفرضْ عليه رِبَى. وإذا استرهنت ثوبَ آخر، فعند مغيب الشمس ردَّه إليه ". وندّد النبي عاموس (2: 8) بالذين ينامون على ثوب ارتهنوه من البائس. وقال حزقيال (18: 12): "إنّ الشرّير يستثمر المسكين ويسلب البائس ولا يردّ الرهن ". ويحذّر سفر الأمثال (27:22) المسكين فيقول له: "فإن كنت لا تملك ما تفي يؤخذ فراشك من تحتك ".

آ 7: خطف إنسان
تردّد هذه الآية ما قرأناه في قانون العهد (خر 21: 16) وفي الوصايا العشر (5: 19) وتنصّ على عقوبة صارمة: من فعل هذا فليُقتل.

آ 8- 9: البرص
يقول: احرصوا أن تعملوا بكلّ ما يعلّمكم الكهنة. ثمّ يعطي مثل مريم، أخت موسى وهارون.

آ 10- 13: شريعة ثانية عن الارتهان
بعد أن يشدّد الكاتب على حرّية المقترض وعلى أهمّية ثوبه الذي رهنه، يُنهي هذا المقطع بخاتمة مهمّة فيقول إنّ الله يهتمّ بمصالح المساكين. فصَلاتهم من أجل مُحِسن (آ 11) أو ضد ظالم (آ 15) تؤثّر في قلب الله (رج 28:14- 30).

آ 14- 15: أُجرة المسكين
لا تَهضمْ أجرة مسكين (رج لا 13:19). يقول القدّيس يعقوب (4:5) في هذا المعنى: "إنّ الأجرة التي حرمتموها العمَلة الذين حصدوا حقولكم قد ارتفع، وإنّ الحصادين قد بلغ صراخهم أُذني الرب القدير".

آ 16: كلّ انسان مسؤول عن نفسه
هذا مبدأ جديد بالنسبة إلى القوانين التي سبقته. ففي الجماعة الساميَّة كان التضامن قويًّا حتّى إنّهم كانوا يقتلون الأبناء مع أبيهم في حال أخطأ الأب (يش 7: 24 ؛ 2 مل 10: 1- 11) أو يقتلون الابن عن الأب، والابن مُلك الأب (2 مل 14: 6). أمّا في سفر التثنية فكلّ إنسان بخطيئة يُقتل (رج إر 29:31- 30 ؛ حز 2:18 ي).

آ 17- 18: حماية الضعفاء
قيل عن دانيل الأوغاريتي: كان يقضي للأرملة ويُنصف المسكين. هذه هي عدالة الملوك (مز 72: 11- 14؛ إر 15: 16) والمجتمع كلّه (خر 22: 20؛ 23: 6- 9 ؛ لا 13:9؛ أي 3:24) بالنسبة إلى الذين ليس لهم من يحميهم ويدافع عنهم.

آ 19- 22: بقايا الحصاد والقطاف
تعوّد الفلاحون في حصادهم أن يتركوا وراءهم سنبلة تكون تقدمة لبعل الأرض وبمثابة باكورة تقرّب للإله. وأخذ بنو إسرائيل بهذه العادة وبدَلوا معناها فصارت هذه السنبلة تقدمة للرب في شخص مساكينه: دَعْها للغريب واليتيم والأرملة.

3- شرائع متنوّعة: 25: 1- 19
25: 1- 3: جَلْدُ المذنب
إحترام الشخص البشري يفترض أن يكون عقاب المذنب معقولاً. إذا حُكم عليه بالجلد فهو يُجلد أمام القاضي، ولا تزيد الضربات على أربعين ضربة.

آ 4: الرِفق بالحيوان
لا تحرمْ ثورك من الطعام وهو يدرس الحصاد (رج 22: 4، 6-10). سيورد القدّيس بولس هذه الآية (1 كور 9: 9) ليقول إنّ الفاعل يستحقّ طعامه.

آ 5- 10: واجب الإنسان تجاه أخيه
هذا الواجب معروف في مجتمعات عديدة: في الهند، في أفريقيا السوداء، في أميركا الجنوبية، أمّا في الشرق فقد مارسه الحثيون والحوريون والأشوريون.
أمّا في بني إسرائيل فقد عُرف هذا الواجب منذ عهد الآباء، وقصّة أونان (والعقاب الذي ناله) تدلّ على أنّ هذا الواجب مقدّس هو (تك 38: 9-10). أمّا هدف هذا النظام فتأمين نسل للإنسان يحفظ اسمه وميراثه. غير أنّ هذا النظام سيزول تدريجيًّا لأنّ شريعة القداسة اعتبرت هذا الزواج من المحرَّمات (لا 18: 16؛ 20: 21)، فأعطت للنساء الحقّ بأن ترثْن كالرجال (عد 27: 1ي، راجع شريعة نوزي في القرن 15 ق. م.).
يقف سفر التثنية بين التشريع القديم (زمن الآباء) والتشريع الحديث الذي يحصر هذا الواجب بالآخرين الساكنين تحت سقف واحد. ثمّ إنّه يسمح للأخ أن يتهرّب من هذا الواجب شرط أن لا يطالب بميراث أخيه له.

آ 11- 12: المُشاجرَة
كلّ امرأة تمسك عورةَ رجل حتّى في مجال الدفاع عن زوجها تُقطع يدها، لأنّها قامت بعمل لا تنقصه الحشمة فحسب، بل بعمل يمكن أن يؤثّر في إمكانية إيلاد البنين الذين يحملون اسم هذا الرجل فلا يُمحى.

آ 13- 16: المعايير والمكاييل الصادقة
في العلاقات التجارية يكون للمؤمن مِكيال واحد ومِعيار واحد عندما يبيع وعندما يشتري. هناك أناس يقول فيهم النبي عاموس (8: 25): يصغّرون القفّة (أي المكيال) التي يكيلون بها القمح والطحين الذي يبيعونه، ويكبّرون المثقال الذي به يزِنون النحاس والفضّة، ثمن ما يبيعون. مثل هذا الغش يُعيبه الرب (لاّ 19: 35- 36 ؛ أم 11: 1؛ 20: 23).

آ 17- 19: بنو عماليق
بنو عماليق قبيلة بدوية عاشت في برّية سيناء. يروي التقليد أنّ بني إسرائيل هزموهم شرّ هزيمة وهم في طريقهم إلى أرض كنعان. ولكن ظلّت العداوة قائمة بين الشعبين أجيالاً عديدة (خر 17: 8- 13). في عهد داود كان بنو عماليق يهاجمون العبرانيين العائشين في جنوبي يهوذا فيضايقونهم (1 صم 30: 1ي).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM