الفصل الرابع عشر: لمحة وجيزة عن مسيرة الشعب في البرّيّة

الفصل الرابع عشر
لمحة وجيزة عن مسيرة الشعب في البرّيّة
33: 1 - 49

أ- مقدّمة
نقرأ في هذا الفصل لائحةً بالمراحل التي قطعها العبرانيون منذ خروجهم من مصر إلى وصولهم إلى سهول موآب. وهذه اللائحة تبدو كملخّص لما قرأناه في سفري الخروج والعدد مع زيادة بعض الأسماء التي لا نجدها إلاّ في هذا المكان.
يبدو هذا الفصل بشكل مسيرة مرسومة بعبارات مقولبة على الطريقة ذاتها، وهي تشبه إلى حد بعيد ما نقرأه في حوليّات الملوك الأشوريين. انطلق كاتب كهنوتي من معطيات قديمة جمعها بعضها إلى بعض ونظّمها في أربعين محطّة وحدّد زمن المحطة الأولى (آ 3) غداة الفصح، والمحطة الأخيرة (آ 38) يوم موت هارون.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
33: 1- 49
33: 1- 4: المقدّمة
جعل الكاتب هذه اللائحة من الأسماء ليرسم أمامنا صورة مثالية عن شعب إسرائيل الذي يشكّل وحدة رغم تعدّده، والذي يتوجّه كلّه صفًّا واحدًا إلى أرض الميعاد بقيادة ربّه.
آ 2- أمر الرب موسى بتدوين هذه المراحل لأنّ قصّة الشعب هي أيضاً قصّة الله.
آ 3- رعمسيس هي إحدى المدن التي بناها العبرانيون للمصريين (خر 1: 11). تقع في الدلتا الغربي.
آ 4- كانوا يدفنون أبكارهم. هنا يتذكّر الشعب خلاص الرب الذي مارس عدالته فخلّص الضعيف من يد القوي، وقتل أبكار المصريين لأنّ المصريين قتلوا أبكار شعبه.

آ 5- 8: المراحل الأولى
هذه المراحل قريبة من تلك المذكورة في الخبر الكهنوتي كما نقرأه في سفر الخروج (12: 37؛ 13: 20 ؛ 14: 2)، والمدن الواردة هنا تقع في منطقة متاخمة للبحر المتوسط. أيتام مدينة الله تام . بعل صفون معبد الإله كاسيوس.
تذكّر الكاتب طريقًا قديمًا يتجّه نحو أرض الفلسطيين، وهو الذي أخذه الملوك الرعاة لما هربوا من مصر وكان كتّاب سليمان المتعلمين بعلوم مصر قد أخذوا بهذه الأسماء وطبّقوها على سفر الخروج. ولكنّ التقليدين الالوهيمي والاشتراعي لم يهتمّا بهذا الطريق المتجه إلى الشمال، بل أخذا بالطريق الجنوبي الموصل إلى سيناء عبر البحر الأحمر، وهمّهما الوصول إلى جبل سيناء (أو حوريب) لإقامة العهد مع الرب.
أيكون التقليد الكهنوتي قد جمع بين التقاليد الثلاثة فضمّ ذكريات كلّ القبائل في وحدة تعبّر عن وحدة شعب الله؟ الأمر ممكن.

آ 9- 16: المراحل اللاحقة
يورد الكاتب في هذا المقطع لائحة بالمراحل اللاحقة كما وردت في سفر الخروج (ف 15- 17) ويزيد عليها بعض المحطات: البحر الأحمر، دفقة، الوش (آ 10- 13). نحن هنا أمام طريق العمال المصريين الذاهبين للعمل في المناجم، وطريق القوافل التي تركت وراءها الكتابات العديدة.

آ 17- 36: من سيناء إلى قادش
تتألّف المراحل من سيناء إلى قادش من بعض أسماء لا نجد لها ذكرًا في النصوص المعروفة، ومن أسماء أخرى قرأناها في غير مكان من التوراة: قبروت هتأوة (11: 34)، حضيروت (11: 35؛ تث 10: 6- 7).

آ 37- 49: الوصول إلى برية سيناء
يذكر الكاتب جبل هور حيث مات هارون، ويورد زمن موته (اليوم الاول من الشهر الخامس) وعمره حين مات (123 سنة)، ويذكر أيضا ملك عراد (21: 1)، ويوصل بني إسرائيل إلى سول موآب.
وقصارى القول، إنّ الكاتب الكهنوتي عرف تقاليد قديمة، فأخذها ورتّبها بحسب التاريخ الكتابي وأعطانا لوحة مبسّطة عن مسيرة العبرانيين. يبقى علينا أن نكتشف التعليم الذي هدف إليه.

ج- التعليم الذي نستنتجه من مسيرة بني إسرائيل في البرّية
1- جمع الكاتب في مسيرة واحدة من مصر إلى الأردن طرقًا جزئية وذكريات قبائل منفردة ومسيرة القوافل أو الحجاج، فأعطانا تعليمًا سمعناه في الفصل السابق، إلا وهو وحدة الشعب رغم تعدده. لا تذهب كلّ قبيلة بمفردها إلى أرض الميعاد، بل تذهب القبائل معًا. كلّ طريق في الماضي كلّ حج في الحاضر على الدروب التقليدية، هو قسم من مسيرة الشعب الدائمة إلى أرض الميعاد.
2- قال الكاتب إنّ موسى دوّن هذه المراحل بأمر الرب ليدلّ على أهمّية ما يدوّن. وكما أنّ نشيد موسى (تث 31: 19- 32: 44)، هو ملخّص لكلام التحريض الذي قاله للشعب خلال حياتهم في البرية، كذلك تبدو هذه المسيرة ملخّصاً للمراحل التي عاشها الشعب وذكرها سفر الخروج والعدد. يقرأ المؤمن هذه اللائحة فتبدو له رتيبة مملّة، ولكنّه يستطيع لدى قراءتها أن يتذكّر أحداث وتقاليد هذين السفرين: عندما يذكر اسم المدينة يتذكّر ما فعله الله فيها من أجل شعبه. من أجل هذا، لا ندهش إن زاد كاتب لاحق اسمَ مدينة لم ترد في نصّ سابق. لقد زاد الكاتب هذا الاسم أو ذاك لأنّه لا يريد أن ينسى المؤمن مكانًا تكرّس بعمل الله فيه. وفي هذا الخطّ جاءت التراجيم فحددت مواضع أخرى لم تذكرها التوراة، فجعلت حادث برص مريم، أخت موسى، في حضيروت، (12: 4- 10) وعصيان قورح في قهلاتة (16: 1ي) والوباء القاتل في حرادة (17: 9 - 15) والحيات السامة في فونون (2: 6- 9) وذكر البئر في علمون دبلاتايم (21: 16- 18).
وفسّر ترجوم يوناتان مراحل هذه المسيرة تفسيرًا روحيًّا: فمنذ مرحلة رعمسيس حطِّمت الأصنام، وفي سكوت غطّت العبرانيين سبع سحب من المجد، وعند البحر جمعوا الحجارة الكريمة التي عرفها الفردوس (تك 12:2).
على خطى التراجيم سار الكتاب المسيحيون أمثال أوريجانس وإيرونيموس وأمبروسيوس، فوجدوا أنّ هذه الأسماء الاثنين والأربعين تذكّرنا بأجداد المسيح الاثنين والأربعين (مت 1: 1- 17)، وأنّ معنى أسماء العلم يرسم أمامنا طريقًا ينطلق من الارتداد إلى الكمال المعبّر عنه بدخول أرض الميعاد. لا شكّ أنّه لا بدّ من المرور في تجارب ومحن، وأنّه يجب التصدّي لحروب روحية قاسية تدفعنا إلى الموت عن الخطيئة والتشبّه بالمسيح. ولكنّنا نجد سترنا في نعمة المسيح وكلمة الله والأرض وسيناء. وهكذا نتقدّم من فضيلة إلى فضيلة، حتّى نصل إلى الله، إلى الخير الأسمى

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM