الفصل الثالث عشر: اقتسام شرقيّ الأردنّ

الفصل الثالث عشر
اقتسام شرقيّ الأردنّ
32: 1 - 42

أ- المقدّمة
يستعيد هذا الخبر ما ورد في سفر التثنية (18:3- 20) ويتوسّع فيه. كانت كلّ من قبيلة جاد ورأوبين قد أقامت شرقيّ الأردن واستقلّت عن سائر القبائل، فكان على موسى أن يُضفي على هذا العمل المنفرد طابعًا شرعيًّا. قَبِل رجل الله بما فعلته هاتان القبيلتان، ولكنّه حدَّد الشروط التي تقومان بها لتبقيا داخل اتحاد قبائل بني إسرائيل.

ب- تفسير الآيات الكتابية
32: 1- 42
آ 1- بنو رأوبين وبنو جاد. رأوبين هو البكر واسمه يَرِدُ اولاً. ولكنّ التقاليد اليهوهية درجت على ذكر جاد قبل رأوبين لأنّ رأوبين خسر مركز الصدارة الذي كان يتمّتع به كونه البكر (تك 3:49). وسيأتي وقت لن نعرف فيه شيئًا من رأوبين، أي منذ عهد الملكية، بحيث إنِّ مسلّة ميشع، ملك موآب، لا تورد اسمه بين أسماء إخوته.
أرض يعزير تقع غربي عمّان الحالية (21: 32). وأرض جلعاد تقع إلى الشمال، وكانت أرضاً زراعية مشهورة بكرومها. أرض يعزير متاخمة لأرض جلعاد، ولكن وادي يبوق يفصل بينما، وهذا ما يبرر فصل يعزير عن جلعاد.
آ 3- أرض عطاروت... هذه الأسماء جُعلت هنا في وقت متأخّر وقد استقاها الكاتب من آ 34- 38. نحن مع هذه المدن في أرض يعزير، مملكة سيحون القديمة.
آ 7 ي: لماذا تضعفون عزيمة بني إسرائيل؛ هذا الموضوع تطرّق إليه سفر العدد (ف 13 - 14) عندما حدّثنا عن الجواسيس الذين أرهبوا الشعب بما رأوا من رجال أشدّاء، فضعفت عزيمتهم وتراخوا وما عادوا يريدون أن يتقدّموا إلى أرض الميعاد.
آ 12- كالب بن يفنا القنزي. القرابة بين بني كالب والقنزيين معروفة (رج قض 1: 13، 1 أخ 15:4).
آ 25 ي: نعمل بما يأمرنا سيّدنا. هذه العبارة معروفة عند الشعوب القديمة في تخاطبها مع الملك. وهكذا يبدو موسى هنا كملك له سلطة على كل القبائل، وسلطته ستنتقل إلى يشوع.
آ 34- 38- عطاروت، عروعير. هذه الأسماء التي نقرأها هنا هي مدوّنة على صخرة كتبها ميشع، ملك موآب، حوالي السنة 830 ق. م. بلغة قريبة من اللغة العبرانية، فافتخر بنجاح ثورته على بني إسرائيل (رج 2 مل 3: 5). أمّا موت هذه المدن فبين وادي أرنون ووادي يبوق.
آ 39- 42- نقرأ تقليد كلّ قبيلة استولت على قسم من الأرض وأقامت فيه (قض 1: ي). يائير بن منسى (آ 41). هل هناك ما يربط هذا الاسم بيائير الجلعادي، أحد قضاة بني إسرائيل (قض 3:10)؟ سؤال لا جواب عنه.

ج- ملاحظات حول الفصل الثالث عشر
لكي نفهم هذا الفصل لا بد من مقابلته بسفر يشوع (13 ؛8- 32) الذي يرسم لنا عن شرقيّ الأردنّ صورةً غير التي نراها في 32: 34- 42. أيكون نصّ سفر يشوع نسخة كهنوتية متأخّرة عمّا نقرأه هنا في سفر العدد؟ ونقابل هذا الفصل أيضاً بسفر العدد (21: 21- 35) الذي يقدّم لنا رواية أُخرى عن احتلال بني إسرائيل لشرقيّ الأردنّ: نصر على سيحون، ملك حشبون، احتلال يعزير، هزيمة عوج، ملك باشان. فهل نحن أمام روايتين لحدث واحد؟ قال بعض الشراح إنّ احتلال شرقيّ الأردنّ تمّ انطلاقًا من غربيّ الأردنّ، وهذا يعني أنّ بني إسرائيل احتلّوا كنعان ثمّ عبروا إلى شرقيّ الأردنّ. ولكنّ هذا الافتراض غير معقول، والمعروف في التاريخ القديم أنّ البدو ينمون بسرعة فلا يستطيعون العيش في برّية قليلة الموارد فيضغطون على الحضر، فيأخذون منهم أرضهم ويتحضّرون بدورهم.
نحن في هذا الفصل أمام ذكريات قديمة من جاد ورأوبين. بدأ تأثير رأوبين يخفّ منذ عهد دبورة (قض 5: 15- 16). انتصر عليه الهاجريون (1 أخ 5: 10) في زمن شاول وقالت فيه "بركات موسى" (قيلت في زمن داود) إنّ رجاله قليلون (تث 33: 6). ولمّا قام يوآب بإحصاء القبائل في عهد داود، لم يحصِ رأوبين بل جادًا وحده (2 صم 24: 5).
أخذ التقليد الالوهيمي بهذه الذكريات القديمة وجعلها في إطار نشيد ينشد عظمة جاد وانتصاراته والمعاهدة التي أبرمت بينه وبين موسى والتي تفرض عليه أن يشارك في المجهود الحربي إلى أن يستريح الشعب كلّه كما استراح بنو رأوبين وبنو جاد.
لمّا أراد بنو جاد وبنو رأوبين أن يقيموا شرقيّ الأردنّ اغتاظ موسى لأنّهم لا يريدون أن يعبروا الأردنّ مع سائر الشعب، وشبّه موقفهم بموقف الجواسيس الذين أُرسلوا من قادش وعادوا إليها ليصرفوا الشعب عن متابعة الطريق إلى أرض الميعاد. إنّ كاتب هذا المقطع مقتنع من وحدة الشعب، وهو يعتبر أنّ انفصال أيّة قبيلة يعني التخلّي عن مصير الشعب ورفض دخول أرض الميعاد، وبذلك تتجدّد خطيئة الجواسيس، وتتكرّر خطيئة داتان وابيرام (من بني رأوبين) اللذين قالا: لا نصعد (16: 14). في هذه الحالة يتصرّف موسى كنبيّ يحثّ الشعب على التوبة، لا كملك، وهو لذلك لا يأمرهم أمرًا، بل يدعوهم ليبقوا أمناء لعهدهم متّحدين بسائر قبائل بني إسرائيل.
ثمّ ينبّه موسى يشوع، خَلَفه في عالم الحرب، والعازار، خلفه في عالم الكهنوت، بما اتخذه من قرارات بالنسبة إلى بني جاد وبني رأوبين، فيفرضان عليهم العمل بالمعاهدة بعد موته. هنا يبدو موسى كملك يفرض سلطانه على القبائل، يفرضه باسم الله، والذي لا يطيعه تحلّ عليه لعنة الرب: خطيئتكم تقع عليكم (23:32). داخل شعب الله تستطيع كلّ قبيلة أن تأخذ المبادرة بحسب رغبتها الخاصة، ولكن بشرط أن يوافق عليها موسى، ملكُ الشعب ونبيّه. الشعب متعدّد، ولكنّه واحد، فعليه أن يتابع مسيرته إلى أرض الميعاد حزمةً واحدة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM