الفصل التاسع: بنو إسرائيل يخونون الرب في بعل فغور

الفصل التاسع
بنو إسرائيل يخونون الرب في بعل فغور
25: 1 – 19

أ- المقدّمة
بعد أن ذكرنا قصة بلعام نورد ما فعله بنو إسرائيل عندما خانوا ربهم فعاقبهم.
نجد في هذا الفصل خبرين متشابهين أُخذا من مراجع قديمة (آ 1- 5) وحديثة (آ 6-12) ومُزجا معًا في عمل أدبي واحد. وكلا الخبرين يتعلّق بضلال بني إسرائيل مع النساء في مكان قريب من الأرض المقدّسة. هذان الخبران وُضعا بعد قصّة بلعام وفيها ما فيها من حديث عن عظمة بني إسرائيل، ليدلاّ أيضاً على ضعف بني إسرائيل وخطيئتهم رغم كل ما أعطاهم الله. ومع أن أرض الميعاد بادية أمام نظرهم تراهم يقعون في أوّل تجربة تعرض لهم.
ولكنّ هذين الخبرين، وإن متشابهين، فهما متمايزان. في الأوّل يخطأ بنو إسرائيل مع نساء موآب ثم ينقادون إلى العبادات الكاذبة، إلى عبادة آلهة موآب. في الثاني يأتي إسرائيلي بامرأة موآبية إلى المحلّة، فيقتل فنحاسُ الرجلَ والمرأة، فيُعطى وعد الكهنوت له ولنسله. سيهتمّ الكاتب الكهنوتي بالخبر الثاني ويزيد عليه آ 14- 18.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
25 : 1 - 19
25: 1- 5: عبادة الأوثان في بعل فغور (نصّ يهوهي)
يروي الكاتب أوّلاً كيف التقى العبرانيون بالموآبيات فاغروهنّ بمشاركتهنّ في عبادة الإله بعل (رج خر 15:34، 1 مل 11: 1- 9). غضب الله على هذا العمل ولم يهدأ غضبه إلا بعقاب المذنبين: جلسوا في الشمس أمام الرب بحسب عادات الوثنيين الذين اتبعوا عباداتهم (يش 10: 26، 2 صم 21: 6- 13).
ثمّ يحدّد الكاتب المكان: شطيم، شرقي الأردنّ الذي يستعد بنو إسرائيل لعبوره (33: 49، يش 2: 1 ؛ 3: 1). هناك عبدوا بعل فغور، وكان معبده على الحدود بين بني موآب وسبط جاد، وكان يؤمّه الناس من قبائل أخرى كالمديانيين وغيرهم. أمّا عقاب المذنبين فستنّفذه السلطة القضائية (آ 5، رج خر 27:32).
كانت عبادة بعل فغور تتضمّن اشتراكًا في الوليمة المقدسة وفي طقوس جنائزية مختلفة.
وينتهي هذا الخبر الأوّل بتنفيذ أمر موسى: كلّ من تعلق ببعل فغور يُقتل.

آ 6- 13: البغاء المكرّس في المحلّة (نصّ كهنوتي)
جاء إسرائيلي بامرأة مديانية لممارسة البغاء المكرس أمام خيمة الاجتماع (1 مل 14: 24 ؛ 15: 12، هو 4: 14). فضرب الرب الشعبَ ضربة مات بسببها الكثيرون منهم (13:17)، ولم تتوقّف قبل زوال الشر من بني إسرائيل بغيرة فنحاس.

آ 14- 15: ويحدد نص لاحق اسم المذنبين: اسم الرجل زمري والمرأة كزبي
إنطلاقًا من هذا النصّ الذي يحمل تشريعًا وقولاً نبويًّا، يستنتج الكاتب الكهنوتي أوّلاً موضوع تنصيب فنحاس ونسله (أي بيت صادوق) كاهنًا أعظم في بني إسرائيل: كهنوت إلى الأبد (آ 12- 13). ويمكننا أن نقرأ في 1 أخ 5: 30- 34 لائحةً بأبناء فنحاس تصل بنا إلى صادوق (رج عز 8: 2). نحن هنا إذا في خضمّ الخصومات بين العائلات الكهنوتية يوم قام بيت صادوق المترئس منذ عهد سليمان (1 مل 1:32- 40 ؛ مز 40: 46، 44: 15 ي، 48: 16)، يدافع عن حقوقه بوجه مطالب سائر العائلات الكهنوتية.

آ 16- 19: عداوة العبرانيين للمديانيين
ويستنتج الكاتب ثانيًا استنتاجًا يبرّر فيه عداوةَ العبرانيين للمديانيين ويُهيّئ القارئ لخبر مذابح ف 31. هذا المقطع يعكس وجهة نظر متأخّرة عن الحرب المقدسة التي يقوم بها بنو إسرائيل للدفاع عن إيمانهم.
"وكان بعد هذه الضربة... " (آ 19). يمكن أن تكون هذه الآية المبتورة بداية ف 26 ولكنّ التقليد الماسوري يضع علامة القطع والفصل بعد هذه الآية، فتبقى ناقصة.

ج- ملاحظات حول الفصل التاسع
1- خطيئة بني إسرائيل
خطيئة بني إسرائيل التي ذكرناها قد ندّد بها الأنبياء، وهي تقوم بمزج شعائر دينية مأخوذة عن الوثنية بشعائر دينية أمر بها الرب. وصل بنو إسرائيل إلى عتبة أرض الميعاد وسينتقلون إلى حياة الحضر، وها هم ينسون الرب الواحد الذي أخرجهم من أرض مصر، ويتعلّقون بالبعل، إله الزراعة والخصب، فيُدخلون ممارسة البغاء في شعائر عبادتهم للرب. إذًا، أين وحدانية الله وتعاليه وتنزّهه؟ صار بعلاً مثل غيره!
إرتبط بنو إسرائيل بعهد مع الرب، ولكنّهم حلّوا نفوسهم من هذا الرباط بعد أن تعلّقوا ببعل فغور ونذروا نفوسهم له (نزر في العبرانية. رج هو 9: 10) وتكرّسوا لخدمته. حرّروا نفوسهم من الذي نجّاهم من عبودية مصر، وجعلوا نفوسهم تحت نير آخر (مز 28:106). يستعمل الكاتب الكلمة العبرانية "حمد" (راجع في العربية خمد) التي تدل على جمع حيوانين تحت نير واحد، فيصل بالقارئ إلى الحديث عن العلائق الجنسية.
الزراعة هي المورد الأوّل في أرض الموعد، وقد جرّت الشعب بعيدًا عن الله. والعلاقات الزوجية التي كانت تهدف إلى جعل سلالة إبراهيم شعبًا عظيمًا وحُرًا، صارت مناسبة استعباد للأوثان. هذا العهد "المعكوس " الذي يحطّ بالشعب ويذلّه، قد سمّاه الأنبياء فسقاً وزنى، ومن أجله سيعاقب الرب الشعب بالجفاف والقحط. قال هوشع (9: 1ي): "وجدت بني إسرائيل كمن وجد العنب في البرية، وكمن رأى الباكورة في التين أوّل أوانها رأيت أباءكم. ولكنهم جاؤوا إلى بعل فغور ونذروا أنفسهم للخزي فصاروا أرجاسًا كتلك الآلهة التي أحبوها. سيطير مجد بني أفرائيم كالطائر، ولا يبقى لهم لا ولادة ولا رحم ولا حَبَل، وإذا ربّوا بنيهم فأنا أُميتهم فلا يبقى بينهم أحد".

2- وسائل اقتلاع الخطيئة
وسائل اقتلاع الخطيئة من قلب الشعب عديدة. فهناك العقابات التي ترسلها الطبيعة بصورة عجيبة ويسمّيها الكاتب "ضربة" أو "غضب الله ". وهناك أيضاً عقوبات بفعل تدخّل موسى، وعمل السلطة الشرعية، وقوّة الذين يشتعلون غيرة للرب. هذا يدلّ على أنّ لكل فرد من أفراد الشعب واجبًا للعمل في سبيل الله.
في قصّة العجل الذهبي (خر 25:32- 29) ارتبطت الحرب على الخطيئة بالكهنوت. حينئذ أقام الله كهنته بسبب غيرتهم التي جعلتهم يحسّون كما يحسّ الله ويفعلون بحسب وصاياه. من أجل هذا أقام معهم عهد سلام (أش 54 :10 . لن ينزع حبه لهم) وأعطاهم أن يعيشوا في سلام واطمئنان (ملا 2: 5). هذا العهد هو عهد كهنوت أبديّ يثبت فنحاس ونسله في وظيفة رئاسة الكهنوت أجيالاً (سي 45: 24). وكما بدأ فنحاس فاقتلع الشرّ من شعب إسرائيل فحصل على الغفران، كذلك يمكنه أن يتابع عمل التكفير عن الشعب فيثبت السلام بين الله وشعبه.

3- وجه فنحاس
سيتّخذ وجه فنحاس أهمية كبرى في التقليد اللاحق. فترجوم يوناتان الذي يرى قي زواج زمري وكربي مجرّد زواج بين رجل يهودي وامرأة وثنية، وهذ أمر تحرّمه الشريعة، يتخيّل اثنتي عشرة معجزةً رافقت غيرة فنحاس منها أنّ جسدي المذنبَيْن ظلا معلَّقَيْن على حربته، فحملهما على كتفه ودار بهما في المحلة.
أمّا يشوع بن سيراخ (23:45- 24)، فهو يقابل بين عهد فنحاس وعهد داود فيقول: "وفنحاس بن لعازر هو الثالث في المجد (بعد موسى وهارون) لأجل غيرته في مخافة الرب. يوم ارتدّ الشعب عن الرب، ظلّ ثابتًا في شجاعته وسخائه، فكفّر عن بني إسرائيل. لذلك أعطاه الرب عهد سلامه لكي يكون رئيس المعبد والشعب، وتبق له ولنسله عظمة الكهنوت مدى الدهور".
وبكلام ابن سيراخ هذا توسّع الاسيانيون في الحديث عن مسيح كهنوتيّ وملوكي

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM