الفصل الثامن: قِصة بَلعَام

الفصل الثامن
قِصة بَلعَام
22: 1 – 24 : 25

أ- مقدّمة
نحن في الجزء الأوّل من القسم الثالث، وفيه قصّة بلعام وما حدث لبني إسرائيل في بعل فغور. إنّ قصة بلعام لا ترتبط ارتباطاً محدّدًا بالمسيرة إلى أرض كنعان، وهي على ما يبدو، مزِيجُ خبرين كانا أصلاً مستقلين منفصلين. في الخبر الأوّل (وهو الوهيمي) يبدو بلعام عرّافَا من أرام عابدًا للرب الذي أرسل إليه وحْيَه. طلب إليه ملك موآب أن يأتي ليلعن شعب الله ولكنّ العرّاف لم يلبّ طلب الملك إلا بعد أن سمح الله له بصورة واضحة وجليّة. في الخبر الثاني (وهو يهوهي) ينطلق بلعام المدياني إجابة لطلب بالاق دون أن يأذن له الله بذلك. غير أنّ الملاك أوقفه وأجبره على الرجوع إلى بلاده، فأرسل بالاق يطلبه مرّة ثانية.
يبدو أنّ الخبرين يرجعان إلى تقليد قديم جدًّا وهما يتذكّران بلعام، ذاك العرّاف القدير، الذي يبعث الخوف في قلوب الناس (22: 6) لأنّ كلمات بركاته ولعناته كانت تفعل فعلها لمجرّد التلفّظ بها. ولكن، ألا يستطيع الرب أن يمنع بلعام من أن يلعن شعبه؟ بلى، وهو سيخرج من الشر خيرًا، ويجعل بلعام نبيًا له يقول في شعبه ما يجعل في فمه من أقوال.
إذا كان أيّوب رجلاً بارًّا تقيًّا على مثال الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، وإذا كانت مكانة اجور (أم 30: 1) ولموئيل (أم 3: 1) مع حكماء بني إسرائيل، فبلعام الأدومي أو الأرامي هو أيضاً نبّي الله، لا يقول إلاّ ما يقوله الله له، ولا يفعل إلا ما يأمره الله أن يفعل.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1 - بالاق يدعو بلعام
22: 1 - 41
22: 1 - 6: موآب في رعب
خاف بالاق، ملك موآب، من بني إسرائيل بعد أن عرف أنّهم دمروا مملكة الأراميين، لا بقوّتهم العسكرية، بل بوسائل تفوق الطبيعة. من أجل هذا أرسل يدعو نبيًا يباركه ويلعن أعداءه: هذه هي أفضل السبل للإنتصار على عدو مثل بني إسرائيل.
نحن في هذا المقطع أمام تقاليد متعددة. آ 3- 4 لا تعرفان بالاق وتبدوان من التقليد اليهوهي القديم. آ 2، 5، 6 تذكر بالاق الذي يرسل رسلاً إلى بلعام ويحمّله رسالة ذات أسلوب معروف في الشرق القديم: الرسالة، تصوير الحالة، طلب المعونة، عرض البراهين.
آ 1: سهول موآب هي منطقة واسعة تنفتح على وادي الأردن إلى الشرق وعلى البحر الميت إلى الشمال. ونقرأ هنا للمرّة الأولى اسمَ أريحا التي دلّت الحفريات أنّها من أقدم مدن العالم وأنّ عهدها يرجع إلى 7000 سنة ق. م.
آ 4: بالاق هو ملك موآب. نتعرف إليه في هذا الفصل وفي سفر القضاة (11: 25). صفور يعني عصفور. أسماء العلم من الحيوان معروفة في الشرق القديم (ديب، نمر، اسد). شيوخ مديان يشاركون شيوخ موآب في خوفهم ورعبهم.
آ 5: فاتور هو مكان معروف في النصوص المصرية والأشورية (بدرو اوفترو)، وهو يقع عند الفرات. المسافة بين فاتور وموآب تزيد على 600 كلم وهي تحتاج إلى 25 يومًا ليقطعها المسافر. ولكنّ الكاتب لا يهتمّ لمثل هذا الأمر.
"أرض قومه ". الكلمة العبرية "عمو" التي جعلها بعضهم اسم مكان وحدّد موقعه بين حلب وكركميش فقالوا "أرض عمو"، وهذا ما يتوافق مع المصدر الالوهيمي الذي يجعل موطن بلعام في أرام (7:23).
بلعام هو راءً من وادي الفرات. كان الأنبياء والرّاؤون معروفين لا عند بني إسرائيل وحسب بل عند جيرانهم أيضاً، وعند الشعوب الكثيرة. إنّ الانبياء رجال يعيشون في حالة منفصلة عن العالم الخارجي (حالة انخطاف)، وهم ينقلون رسالة يعتبرونها آتية من عند إلههم. وهم يقومون بعمل النبوة هذا إِمّا من تلقاء ذاتهم، وإمّا بناء على طلب طالبه. تارة يُدفعِ لهم الأجر، وتارة يتنبّأون ولا يطلبون أجرًا على ذلك. تارة يعلنون أمرًا أو يحرّمون عملاً، وطورًا يتكهّنون عن المستقبل. يمكن أن يكون زيّهم كزي سائر الناس، ويمكنهم أن يلبسوا الملابسة الخاصة ويتصرّفوا بغرابة فينظر إليهم الناس باحترام ورهبة ويعتبرونهم قريبين من الله ويسمّونهم رجال الله. حتى في المسيحية، حيث لا مكان رسميًا لهم في الخدمة البيعية، فقد ظهروا مع الرسل والمعلمين ولعبوا دورًا في نشر الرسالة.
بلعام هو واحد من هؤلاء الأنبياء. هو يعبد إلهًا خاصًّا به، ولكنّه يعرف يهوه، الإِله الذي يعتبره بنو إسرائيل إلهَ الأرض كلّها. وهكذا يعلن الكتاب أنّ ما وصل إلى بلعام من كلام الهي قد وصل إليه بفضل يهوه (رج يهو 11، 2 بط 2: 15- 16). هذا هو التقليد القديم عن بلعام. أمّا الكهنة فسوف يرون فيه رجلاً اجتذب بني إسرائيل إلى الشر (16:31).
بلعام بن بعور. ابن بعور هو ملك ادوم واسمُه بالع (تك 36: 32- 33). أيكون تقارب بين الاسمين؟ هل أخذ سفر التكوين عن سفر العدد، أم أخذ العدد عن سفر التكوين؟
آ 6: من تباركه يكون مباركًا. بركة بلعام (ولعنته) تفعل فعلها بطريقة آلية وسحرية.

آ 7- 20: رفض بلعام أن يذهب، ثمّ ذهب بناء على أمر الله
رفض بلعام أن يذهب مع شيوخ بني مديان مرّة ومرّتين. ثمّ قال له الرب أن يذهب معهم ففعل. ولقد صوِّر الكاتب هذا الحدث بطريقة دراماتيكية.
آ 7: أخذوا عطايا. كان الطالب يدفع مسبّقًا للنبّي حتّى يتنبّأ (رج 1 صم 7:9، 1 مل 3:14 ؛ 2 مل 8:8).
آ 8: كما يقول الرب. نرى كم أن دور يهوه بارز في حياة بلعام: هو لن يقول إلا ما يقوله له الرب. وهو يتعرّف إلى كلام الرب عبر حلم يفسره لمن يسأله سؤالاً. والجواب يطلبه النبيّ من الرب في صلاة خاشعة.
آ 12: لا تذهب معهم. يقول الرب لبلعام: لا تذهب معهم، ثمّ يقول له: اذهب معهم (آ 20). النبي إنسان بيد الله أكان من شعب إسرائيل أم من خارجه.
آ 14: عندما نقرأ هذه الآية نحسّ وكأن الطريق بين فاتور وموآب قصيرة وهي تتطلب يومًا واحدًا ليقطعها المسافر. غير أنّ الكاتب لا يهتمّ بهذه التفاصيل.
آ 18: أرسل بالاق وفدًا ثمّ آخر ليؤثّر في بلعام. أنا سأكرمك، أي سأعطيك الفضة والذهب.
آ 20: وافى الله بلعام ليلاً. تُعتبر رؤى الليل ينبوعَ وحيٍ الهيٍّ (أي 4: 12- 16 ؛ زك 1 :8).
يرجع هذا المقطع إلى التقليد الألوهيمي مِع بعض لمسات يهوهية (شيوخ مديان، ذكر جحشة بلعام)، وهو يجعلنا نرى في بلعام رجلاً آتيًا من الشمال وإن قالت تقاليد أخرى (آ 38- 39) إنّه جاء من الجنوب، كما يبيّن لنا أنّ بلعام يتصرف مثل كل الرائين في الشرق القديم.
ونجد في هذا المقطعِ تعليمًا عن البركات واللعنات عبر فكرتين متعارضتين. إنّ بالاق يعتبر أنّ في الكلمة قوةً سحرية لا شيء يوقف جريها وبالأخص إذا صدرت عن عرّاف مشهور: أعلم أنّ من تباركه يكون مباركًا، ومن تلعنه يكون ملعونًا. لا شكّ في أنّ شعب إسرائيل هو موضوع بركة (آ 12) والبرهان على ذلك خروجه من مصر وقوّته وعدد رجاله (آ 4- 6) وانتصاراته السابقة (آ 2- 3). ولكنّ بالاق يظّن أنّ عند بلعام لعنة تتغلّب على بركة الله (آ 6).
ولكنّ الكاتب الملهم، وإن انطق من فكرة قريبة إلى فكر بالاق، فهو يبدو أكثر تفاؤلا لأنّه يعتبر أنّ البركة لا يمكن أن تنقلب لعنة. لا تلعن الشعب لأنّه مبارك (آ 12). لا بل يعتبر أنّه لا يجب على النبي أن يبدّل البركات التي أعلن عنها الله إلى لعنة. وهذا ما فهمه بلعام فرفض أن يذهب إلى بالاق (آ 18). وفهم بلعام أيضاً أنّه لا يستطيع شيئًا بوجه مخطّط الله، بل فهم أنّ عليه أن يعمل مع الله فيطيعه ويعمل بما يأمره به. لا تفعل إلا ما أقوله لك (آ 20). هنا نرى الفرق بين النبي الحقيقي وبين "النبي " الذي يُشترى ويباع ونفهم أن لله وحده المبادرة ليرسل البركة أو اللعنة.
آ 21- 35: جحشة بلعام
يرد الخبر بصورة غريبة: بعد أن قال الرب لبلعام اذهبْ، ها هو يغضب عليه لأنّه ذهب، بل يريد أن يوقفه ولا يسمح له بمتابعة الطريق. أيكون الذي كتب هذا المقطع جهل ما كُتب في المقطع السابق، فدلّ بخبره على المعنى الرفيع لتدخّل الرب من أجل شعبه.
تكلّمت الجحشة... لن نجد حيوانًا يتكلّم في التوراة إلا حيّة سفر التكوين (3: 1 ي). ولكنّ هذا لا يعني أنّنا أمام معجزة بل أمام خبر فيه عناصر فولكلوريّة أراد الكاتب أن يستخرج منه تعليمًا دينيًا.
نحن في هذا المقطع أمام نصّ يهوهي عملَ الكاتبُ الكهنوتي على توفيقه مع النصّ الالوهيمي (آ 21- 35).
يتطلعّ بلعام إلى تصرّف جحشته الغريب (آ 30): مالت عن الطريق (آ 23- 35)، توقّفت وما عادت تتابع السيرة (آ 27)، وأخيرًا تكلّمت (آ 28). حينئذ رأى بلعام ملاك الله وعرف إرادته.
بحد أن اعترف بلعام بخطيئته انتظرنا منه أن يعود إلى وطنه، ولكنّه لم يفعل، لأنّ الملاك قال له: اذهب مع القوم ولا تقل إلا ما أقول لك.

رابعًا: آ 36- 41: لقاء بلعام ببالاق
ذهب بلعام للقاء بالاق وعاتبه على تأخّره عليه. أمّا بلعام فلفت نظر بالاق إلى أنّه خاضع لله، وأنّه لا يقول ولا يفعل إلا ما يأمره به الله.
استقبل بالاق بلعام في "عير موآب " أي مدينة موآب القريبة من أرنون، قرب الحدود بين موآب وبني إسرائيل، ثمّ سارا إلى "حصوت " جنوبي سول موآب. وأقام الملك وليمة للعرّاف.
آ 41: وصعد بلعام إلى المكان المرتفع وهناك سوف يلقي أقواله في شعب إسرائيل.

2- أقوال بلعام الأربعة
23: 1- 24: 25
23: 1- 12: محاولة بالاق الأولى وقول بلعام الأوّل
بعد الاستعدادات الطقسية اللازمة لسؤال الرب (آ 1- 7) أعلن الكاتب ما أوحى به الرب إلى بلعام (آ 7- 10) وصوّر ردة الفعل عند بالاق (آ 11- 12): ماذا فعلت بي؟
هنا نميّز بين الخبر كما يرويه الكاتب وقول بلعام النبوي.
أوّلاً: الخبر. بعد الوليمة ذهب بلعام إلى "باموت بعل " أي هضبة بعل (التي تقع جنوبي نبو) حيث رأى قسمًا من شعب إسرائيل. وأمر العرّاف أن تُبنى سبعة مذابح وتُقدّم المحرقات بينما ذهب هو ليسأل الرب. هكذا كان العرّافون يفعلون في الشرق القديم. ولكنّ الكاتب الالوهيمي أراد أن يبيّن ان الذبائح والمذابح وكلّ محاولات بالاق لا تستطيع أن تجلب اللعنة على شعب إسرائيل.
كان بالاق قد حسب أنّه إن أكثر الذبائح زادت قوّة اللعنات التي يرسلها بلعام على العبرانيين. أمّا بلعام فاعتبر هذه الذبائح بمثابة صلاة يطلب فيها من الله رؤية أو قولاً نبويًّا.
صعد بلعام إلى الجبل، مثل موسى، صعد وحده للقاء الرب. لم يتصرّف كساحر وعرّاف، بل كإنسان اختُطِف في رؤيا وهو يتلمّس الإتصال بالله وينتظر منه كلمة يضعها في فمه. إنّ النبي يخضع لكلمة الله، ولكنّ الله لا يخضع لأعمال السحر. أمّا العلاقة بين شعائر العبادة وكلام الله فواضحة: إذا كانت شعائر العبادة ممارَسة بإيمان، فيمكن أن تكون موضع كلام الله.
ثانيًا: القول النبوي الأوّل. يبدو أنّ بلعام انطلق من علامة من علامات الطبيعة: رأى سحاب غبار فوق مخيّم بني إسرائيل فاعتبر أنه أمام شعب عظيم، وحسِب أنّ النصر سيكون بجانبه: ولكنّ الكاتب الالوهيمي سيحوّل كلام عراف وثني إلى قول من لدن الله يحمل البركة إلى شعبه. فيردّد كلمات كتلك التي قالها موسى مباركًا بها أسباط بني إسرائيل الاثني عشر (تث 33: 1ي).
يستحيل على الإنسان أن يلعن ضدّ إرادة الله (آ 7- 8)، ويستحيل على العرّاف أن يلعن بناء على طلب الملك. فالعرّاف يعلن فقط قول الله ولا شيء غيره.
نسمع قول بلعام فنرى أنّه لا يبارك بني إسرائيل بكلمات جليَّة واضحة، ولكنّه يستعيد كلمات البركات التي قيلت في الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب. آ 10 تذكّرنا بسفر التكوين 16:13، 15: 5؛ 28: 14: إنّ نسل إبراهيم لا يُعَدّ ولا يُحصى، بل سيكون كرمل البحر كثرةً.
يتمنّى بلعام أن يكون موته كموت الأبرار، وأن تكون له البركة التي حلّت على بني إبراهيم ويعقوب (تك 12: 3؛ 68:22؛ 28: 14). وهذه البركة الإلهية جعلت بني إسرائيل شعبًا فريدًا بعد أن اختاره الله (تث 23:4- 40؛ 7: 1- 16) وقدّسه (عز 9: 2).

آ 13- 26: محاولة بالاق الثانية وقول بلعام الثاني
كانت العادة في العالم القديم المثابرة والتشبّث إلى أن يأتي القول النبوي موافقًا لطلب السائل. من أجل هذا أعاد بالاق محاولته الأولى وكأنّه لم يعرف طبيعة الله والتزامه قضيّة شعبه. ولكنّ بلعام سيقول له: الله لا يغيّر رأيه وقد أرسل العرّاف ليبارك لا ليلعن: لا شرّ ولا ذلّ في بني يعقوب. وجاء القول الثاني أطول من القول الأوّل وأوضح منه. ونتوقّف هنا أيضاً عند الخبر وعند القول.
أوّلاً: الخبر. إنّ الخبر الذي يمهّد الطريق للقول الثاني هو مواز للخبر الأوّل، وهو يشبهه إلا في بعض التفاصيل، وقد توخّى الكاتب الالوهيمي من كتابته أن يزيد من تأثير كلامه على القارئ أو السامع تأثيرًا تدريجيًا.
إِنّ بالاق يشبه سائر الناس، وهو لا يزال يسأل الله إلى أن يحصل على قول يوافق ما ينتظره (1 مل 22: 5- 8)، فيقوم بالطقوس التي قام بها في المرّة الأولى، ويأخذ بلعام إلى مكان يرى منه الشعب كلّه ليرسل عليه لعنته.
أخذه إلى حقل "صوفيم "، وهو مكان يترصّد فيه المراقبون الأعداء. أخذه إلى رأس جبل فسجة، آخر رؤوس نبو (سمّي كذلك تيمّنًا بالإله الكلداني نبو). ولكن ما فائدة كلّ هذه المحاولات أمام قدرة الله؟ قال الرب وهو لن يغيّر قوله.
ثانيا: القول النبوي الثاني. يمكن أن يكون الكاتب قد انطلق من علامة طبيعية كان الكلدانيون يعطونها مدلولاً خاصًّا: النظر إلى الحيوان. ولكنّه سيعطي للكلمات معنى جديدًا مستوحيًا ممّا قاله موسى لسبط يوسف وسبط جاد وفي أقواله ما فيها من ذكر للأسد والظبي (رج تث 33: 3- 5).
الله هو القدّوس والسامي (آ 19)، وهو يحقّق مخطّطه فلا يتغيّر أو يتراجع أو يتخاذل. أنا الله وليس بشرٌ (هو 11:9، رج 1 صم 29:15).
بما أنّ الله أمين وثابت فبركته ثابتة (آ 2). وبما أنّه بارك شعبه، فبلعام لا يمكنه أن يعارضه فيعلن. أجل، لا يمكن أن يكون شرّ في إسرائيل.
لا خطر على شعب إسرائيل (آ 21- 22)، لأنّ الله معه، وهو الذي أخرجه من أرض مصر ونصره بقوّته. هذا ما اختبره شعب الله في زمن القضاة، وتعرّفوا إلى حضور الرب وسطهم عبر تابوت العهد السائر في مقدّمتهم إلى القتال. أجل، روعة الملك موجودة عندهم، والله هو ملكهم وله يقدّمون عبادة رؤية واحتفالية.
أمّا نتيجة بركة الله لشعبه واختياره لهم، فهو أن لا شيء يؤثّر في مصير هذا الشعب، لا سحر ولا عرافة. هم كالأسد ولا شيء يقهرهم. وإن ناموا أو استراحوا، فهذا يعني أنّ عدوّهم قد زال واضمحلّ.

27:23- 24: 9: محاولة بالاق الثالثة وقول بلعام الثالث
خاب أمل بالاق مرّة ثانية، ومع ذلك حاول مرّة ثالثة واستعدَّ كما في الماضي وغيّر مكانه، فذهب إلى موضع آخر. إلا أنّ بلعام لم يغيّر كلامه، فبارك بني إسرائيل وأبرز قوتهم لاسيّمَا في زمن الحرب.

أوّلاً: الخبر: محاولة بالاق الثالثة
بعل فغور هو مكان (تث 3: 29 ؛ 4: 46؛ 34: 6، يش 13: 20) وموضع عبادة الإله بعل فغور الذي يقع شمالي فسجة نبو. وهكذا يكون بالاق، قد اقتاد بلعام إلى المعابد الوثنية الثلاثة المعروفة في المنطقة: باموت بعل، نبو، بيت فغور. فشل بالاق ولكنّه ما زال يؤمن بقوة آلهته ليوصل اللعنة إلى بني إسرائيل. ولكنّ هذه المحاولة باءت هي أيضاً بالفشل. وأحسّ بلعام بالهزيمة أمام الله، فامتنع عن البحث عن معرفة طريق العرافة: حلّ عليه روح الله، بعد أن كانت كلمته على شفتيه.

ثانيًا: القول النبوي الثالث
كان القولان النبويان الأوّلان من التقليد الالوهيمي، أمّا القولان الثالث والرابع فمن التقليد اليهوهي. نجد في هذا القول الثالث عرافةً تنطلق من النظر إلى النجوم، أخذ بها الكاتب وقرّبها من بركات يعقوب لبنيه (تك 49: 1ي)، فجاءت مشابهة لها في مواضيعها وعباراتها وطابعها الاسكاتولوجي.
يذكر النصّ أجاج (7:24) الذي قهره شاول (1 صم 15: 8). وهكذا يكون هذا الكلام قد قيل في بداية الملكية، لاسيّمَا وأنّ داود انتصر هو أيضاً على بني عماليق (1 صم 30: 1-20).
ماذا نقرأ في هذا القول النبوي الثالث؟ نقرأ أوّلاً عن بلعام صاحب النظر الكامل والرؤية الواضحة الذي يحلّ عليه روح الله. ونقرأ ثانيًا عمّا رآه بلعام: شبّه خيام بني إسرائيل بنبات على ضفاف النهر، وأعطى في الرخاء المادي صورةً عن العالم المتجدّد بالخلاص (مز 1: 3، إر 17: 7- 8)، ونقرأ ثالثًا أسباب ازدهار شعب إسرائيل (نمّوه السكاني وزرعه الفائض) في أيام شاول وداود، وأعمال الله العظيمة التي ما زالت ترافق الشعب منذ خروجه من مصر ونقرأ رابعًا انتصار شعب الله على سائر الشعوب: من يجرؤ أن يثيره؟ هذا هو التحدّي الذي هو عربون المستقبل وأساس كل أمل. نظر بلعام إلى علامات في الطبيعة، فأعلن قوله في المستقبل القريب، ونظر الكاتب إلى أحداث التاريخ فتنبّأ بمستقبل مجيد لشعبه وزرع في قلوب المؤمنين أصول الرجاء المسيحاني.

24: 15- 19: قول بلعام الرابع بعد خلافه مع بالاق
ثلاثَ مرّات تنبّأ بلعام بناء لطلب بالاق، وفي كل مرّة بارك ولم يلعن. والآن، ومع أن بالاق طلب إليه أن ينصرف ويذهب، فهو يلقي قولاً أمره الله أن يقوله، ويعلن نبوءة عن مملكة داود التي ستنتصر على الأمم المجاورة بما فيها موآب وادوم.

أوّلاً: نظرة بلعام وبالاق
إنّ تباعد بلعام عن بالاق يعني تباعدًا بين نظرة كلّ منهما إلى العمل النبوي. فبالاق يريد أن يستثمر مواهب العرافة عند بلعام لمنفعته، وحسب أنّه إن جرّده من لقب عرّاف الملك فسيزول مجده ويعاقبه الله لأنّه رفض أن يقوم بوظيفته (آ 11). أمّا بلعام فيبدو هنا ذلك النبي المتجرّد والمتواضع والأمين لله الذي عرف أنّه لا يستطيع أن يفعل شيئًا في مصائر البشر، كلّ ما يستطيعه هو أن يعلن المستقبل إن شاء الله أن يوحي إليه به (آ 13- 14). نحسّ في هاتين الحالتين الصراع بين العظماء الذين يريدون أن يخضعوا الديانة لمآربهم، والأنبياء الذين لا يعلنون من الكلام إلا ما يوحي اليهم الرب به.

ثانيًا: نبوءة الكوكب
كان البابليون، وهم المنجّمون العظام، يراقبون دوران الكواكب. واعتبر بعضهم أنّ تيهانَ بعضِ هذه الكواكب علامةُ نحس وبوّابةُ غزوِ بيتِ "عابيرو" وانتصارهم عليهم. وهكذا تكون نواة هذا القول قديمة جدًّا.
نقرأ هنا كما في سفر التكوين 8:49- 12 كلمات بركات يعقوب للأسباط الاثني عشر، ولاسيّمَا لسِبْط يهوذا، كما نقرأ كلمات اللعنات التي ستكون أساس الأقوال في الأمم عند الأنبياء. نقرأ مثلاً في سفر العدد (29:21): "ويل لك يا شعب موآب، هلكت يا شعب الإله كموش. جعل بنيه مشردين وبناته سبيًا للملك، لملك الأموريين سيحون". وفي إرميا (45:48) نقرأ: "توقّف الهاربون والتمسوا ملجأ في حشبون. لكنّ نارًا خرجت من حشبون ولهيبًا من قصر الملك سيحون وأكلت زاوية موآب ". وفي عاموس (12:9): "يستطيع بنو إسرائيل أن يرثوا ملك أدوم وسائر الأمم الذين دُعي اسمي عليهم ".

ثالثا: بعض الشروح
آ 16: يعرف معرفة العليّ أي المعرفة التي يوصلها الله العلي إلى أنبيائه.
آ 17: أراه، أو أُريه وأُظهره للغير. وأبصره أو أعلنه سعيدًا (راجع كلمة أشر في العبرانية).
يطلع كوكب: الفعل العبراني "درك" يعنى مشى فوق. نحن أمام صورة المنتصر الذي يدوس أعداءه (هو 13:10، إر 13:3)
الكوكب في الشرق هو علامة الآلهة والملوك. لهذا، فقول بلعام يتوجّه إلى داود ومن خلاله إلى كلّ نسله، وبالتالي إلى المسيح.
الصولجان هو في الأساس ما يُضرب به. والكلمة العبرانية "شبط " القريبة من السريانية تعني القضيب (الفعل يعني ساطه وجلده) قبل أن تعني السبط والقبيلة. الصولجان رمز الملك. ولكنّ الترجمات اختلفت في النقل فقرأت اليونانيةُ "رجلاً" (يقوم رجل من بني إسرائيل) والسريانية "أميرًا" (يقوم أمير...) واللاتينية "قضيبا" (رج أش 1:11).
"بنو شيت ". يبدو أنه يجب ان نقرأ "بني شوتو"، وهي قبيلة ذكرتها النصوص المصرية. إلا أنّ زوال هذه القبيلة جعل الشرّاح يقولون "شيت" (وهو ابن آدم)، لا "شوتو" تلك القبيلة العائشة قبل بني موآب.
آ 18: "سعير" هو الجبل الذي يقيم عليه بنو أدوم.
آ 19: "عير" أي المدينة كما ذكرنا، وتعني هنا مدينة موآب وعاصمتها (36:22).

رابعًا: يطلع كوكب
قيل هذا القول في عهد داود الذي دلّ عليه الكوكب المرتبط بالملك (14: 12، مز 7:32) والصولجان. في سفر التكوين 8:49- 12 نقرأ عن الكوكب ونربط قولنا بقبيلة يهوذا، وفي هذا النص نربطه بالملك داود.
هنا نرى التدرّج في أقوال بلعام. ففي القول الأوّل وفي القول الثاني أشار إلى الشعب المختار (23: 9، 24)، وفي القول الثالث (24: 7) أشار إلى الملك بالعموم، أمّا في القول الرابع فهو يحدّد لنا هوية الملك الذي هو داود أو سليمان. ففي زمن داود انتهت الحرب وهُزم الأعداء وتثبتّت حدود أرض الميعاد. في عهده انتصر الشعب في الحرب المقدّسة وبدأ عهد جديد وانفتح الأمل عند الشعب على عالم لا حدود له.
من أجل هذا، فالأقوال التي قيلت أشارت إلى الماضي وإلى المستقبل. أخذ الكاتب الملهم بأسلوب أدبي جعل في فم بلعام صورةً عن حاضر داود، والحاضر يمتد في المستقبل. والنبرة الاحتفالية والصور التي الفناها ليست لغة البلاط الملكي بقدر ما هي سند للرجاء وعربون له بواسطة الحاضر والماضي. أجل، إنّ قول بلعام يعبّر بأسلوب جلياني ما قاله ناتان النبي بأسلوبه النبوي. بدأ ناتان فذكر عظائم الله في الماضي (2 صم 7: 6- 7)، وصوّر ما وصل إليه داود فاعتبره محطّة نهائية (2 صم 8:7- 11)، وأكّد خلاص الله الآتي في المستقبل (2 صم 7: 12- 16). على ضوء كلام ناتان نعتبر كلام بلعام نبوءة حقيقية لا تشير إلى داود وحسب، بل إلى كلّ سلالته من بعده.

آ 20- 24: أقوال في الأمم
أولاً: أقوال ثلاثة
إنتهت نبوءة "الكوكب " بتهديدات لموآب وأدوم. بعد ذلك أورد الكاتب أقوالاً ثلاثة في بني عماليق والقينيين وشعب ثالث يبدو أنّهم الكنعانيون.
ينطلق الكاتب في أقواله من أمثال نقرأ ما يشبهها في بابل. إذا رفعت مدينةٌ رأسَها إلى السماء فسوف تزول. أو: إذا وقعت مدينة على مكان مرتفع فهذا نحسٌ لسكّانها. ثم يبني نبوءات سيأخذ بها الأنبياء من بعد.
نحن هنا أمام أقوال أخذ بها التقليد اليهوهي وجعلها سبعة، وهو عدد الكمال، ليبرز بصورة جلية عظمة داود وروعة انتصاراته.

ثانيًا: الشعوب التي يَذكر
- عماليق قبيلة عربية قديمة عُرفت في الألف الثالث ق. م. باسم "ملوحة" وكانت تقيم في مناطق النقب الجنوبية. هذه القبيلة كانت دوما العدوّة اللدودة لبني إسرائيل (خر 8:17- 16؛ عد 14: 43- 45، قض 13:3، 9:6، 33 ؛ 7: 12). ولكنّ شاول سينتصر عليها (1 صم 7:15- 9) ويحذو حذوه داود (1 صم 8:27).
- القينيون أو أبناء قايين، هم شعب أقام بصورة خاصة غربي "العربة" أي جنوبي البحر الميت. هم أقارب بني مديان وحلفاء العماليقيين (1 صم 6:15) وبني يهوذا (10: 29- 32، 1 صم 29:30). لا نعرف الكثير عن تاريخ القينيين، ولكن آ 22 تشير إلى نهايتهم التعيسة.
- أشور الذي انتصر على القينيين (آ 22)، ثم أخضعهم (آ 24)، ليس مملكة أشور المعروفة، بل قبيلة عرفتها النصوص القديمة (تك 3:25- 18، 2 صم 9:2، مز 83: 9، يش 13: 2، هو 5: 13 ؛ 10: 6) باسم اشوريم. أقاموا شمالي شبه جزيرة سيناء، قرب بني عماليق، على حدود الفلسطيين، وهناك ضربهم داود (1 صم 8:27).
- أمّا الشعب الذي أخضع أشور وعابر، والذي لم يذكره الكتاب، فيمكن أن يكون الفلسطيّون، هذا الشعب الآتي من البحر والذي تذكره النصوص المصرية مجتاحًا لبلاده سنة 1187: إجتمع في الشمال، أتى من الجزر، من وسط البحر أمّا الكتاب المقدّس فيتحدث عن الخطر الذي شكّله الفلسطيون على العبرانيين (1 صم 4: 1- 11، 19:13-22)، وعن الهزيمة التي أوقعها بهم داود (1 صم 17: 1ي؛ 2 صم 17:5- 25).
- ومن هو عابر الذي أخضعته شعوب البحر؟ يبدو أنّه جدّ إبراهيم (تك 11: 14- 17) العبراني (تك 14: 3) الذي كان بنوه، أو أقَلَّهُ قسم منهم (1 صم 14: 21)، ضحيّة الفلسطيين قبل نجاتهم منهم بقدرة الله.

ثالثا: ملاحظة تاريخية
كلّ الشعوب التي ورد اسمها في هذه الأقوال سكنت جنوبي كنعان، وقد كانت بينها وبين العبرانيين حرب في زمن القضاة وبداية العهد الملكي في بني إسرائيل. غير أنّ داود سينتصر على كلّ هذه الشعوب فجاءت آ 17- 19 تُنشد انتصاراته.
ولكنّ التقليد الكتابي اللاحق سينسى ما تمثّل هذه الشعوب، فلم يَعُد يفهم "أقوال " بلعام. لذلك "فأشوريم " تلك القبيلة الصغيرة صارت أشور تلك المملكة القوية التي أخضعت الشرق كلّه بما فيه شعب الله. غير أن الله سوف يخضعها في نهاية الأمر. وكتيم، أي جزيرة قبرص الواقعة في القسم الشرقي من البحر المتوسّط (ترجمت "أقاصي البحر")، صارت موطن يونان الإسكندر المقدوني ورجاله الزاحف على مملكة فارس. هل أخطأ التقليد عندما قدّم هذه التفسيرات؟ من الوجهة التاريخية: ربّما. أمّا من الوجهة الدينية فلا، لأنّه وعى أنّ أقوال بلعام لا تعني الماضي وحسب، بل تعني حاضر كلّ عصر من العصور، وتضمن رجاء المؤمنين في الأجيال الآتية.

ج- ملاحظات حول الفصل الثامن
1- قصّة التقاليد المتعلّقة ببلعام
إنّ قصّة التقاليد المتعلّقة ببلعام تحمل الصعوبات والتساؤلات لشرّاح الكتاب المقدّس. يقع الحادث في سول موآب (22: 1) وهو يفترض أنّ العبرانيين يشكّلون خطرًا على الموآبيين (22: 2- 4)، بينما تشير الآيات السابقة (21: 10- 20) إلى أنّ العبرانيين داروا حول موآب، أو هم عبروها فزال الخطر عن أرض موآب. ثمّ نقرأ أقوال بلعام فنحسب أنّ الكتاب لم يعد يهتمّ بمسيرة الشعب إلى أرض الميعاد، وأنّ الإقامة في البرّية صارت أمراً منسيًّا. ونقرأ أقوال بلعام فنلاحظ التردّدات في الأقوال والتشويش في النصوص (قابل على سبيل المثال 22: 20، 22 و 22: 5، 36).
التساؤلات عديدة، ولا حلّ لها أقلّه في الوقت الحاضر أين موطن بلعام؟ أرام (أي العراق) أم أدوم، أم عمون، أم مديان؟ في 22: 5 نقرأ أنّ فاتور التي على النهر هي أرض بني قومه. فكرت الترجمة السريانية كلمة "فاتور" بالعرّاف لأنّها جهلت اسم هذا المكان، وقرأ النصّ الماسوري (ومعه النص السامري) عبارةَ على "نهر" فزاد عليها الـ التعريف فصارت تعني النهر أي نهر الفرات. أمّا اليونانية فقرأت "أرض بني قومه ". وعبارة "أرض بني قومه " يقابلها ما نقرأه في سفر التكوين (7:24؛ 3:31) وهي تعني الموطن والأرض التي ولد فيها إنسان. ولكنّ السريانية (ومعها النص السامري واللاتيني) قرأت "أرض بني عمون " فجمعت في كتلة واحدة العمونيين (تث 23: 5- 6) والموآبيين والمديانيين (22: 4) وجعلتهم أعداء لبني إسرائيل. ولقد جعل بعض الشراح من كلمة "عمو" العبرانية مدينة "عماو" التي تذكرها كتابة الملك ادريمي (اكتشفت سنة 1949 في ألالاخ). فإذا أخذنا بموقع عمّاو بين حلب وكركميش، وبعبارة على النهر، أي على نهر الفرات، نجعل موطن بلعام في أرام (7:23) كما يقول المصدر الالوهيمي. ولكن تبقى أسئلة عديدة لا حلّ لها لا مجال لذكرها الآن.
ونتساءل أيضاً: أيّ نوع من العرافة مارس بلعام؟ هل كان ساحرًا محترفا كالسّحرة الذين تذكرهم المصادر البابلية ("بارو" يلعن على الطب)؟ هل كان كاهنًا رائيًا (على مثال الكهّان العرب) يفسّر العلامات التي يراها دون أفكار مسبقة، ويحدّث طالب السؤال بالغيب؟ هل كان بلعام رجلَ خيرٍ بالنسبة إلى بني إسرائيل، وبالتالي نبيًا حقيقيًا للرب، أم هل كان عدوًّا لشعب الله فحمّله الشعب مساوئ الأرض كلّها؟ من جهة نقرأ قول بلعام (22: 18): لو أعطاني بالاق ملءَ بيته فضةً وذهبًا لما قدرت أن اخالف كلام الرب الهي في أمر صغير أو كبير (رج 23: 5). ومن جهة ثانية نقرأ (8:31) أنّ بني إسرائيل قتلوا بلعام بالسيف لأنه قادهم إلى خيانة الرب في فغور (31: 16).
كلّ هذا يدلنا على أنّنا أمام قصة طويلة وقديمة عرفتها الشعوب المجاورة لإسرائيل، وقد أخذت بها المصادر اليهوهية والالوهيمية وجعلتها في إطار التاريخ المقدس والتفكير الديني.

أوّلاً: قبل إسرائيل
عندما نقرأ قصّة بلعام نلاحظ الأساليب التي يمارسها: النوم (22: 8- 19)، تفسير تصرّف الحيوانات (22: 23- 30)، التماس النبوءات (23: 3، 15)، تقدمة ذبائح العرافة (23: 1، 14، 29)، تأويل آيات السماء (23: 10 ؛ 24: 17). كلّ هذه الأساليب توافق ما نعرفه عن بلاد الرافدين وقبائل العرب قبل الإسلام. وهذا ما يدفعنا إلى الإعلان أنّ هذه الأقوال قديمةٌ جدًّا.
يبدو أنّ أقوال بلعام كانت في الأصل مستقلة عن أخبار بالاق (31: 8، 16؛ يش 22:13 ؛ قض 11: 25)، ومرتبطة بمعبد بعل فغور (28:23، 16:31). ويبدو أيضاً أنّ الإسمَ الوحيد المذكور في هذه النصوص لا يدل على إلهِ شعب إسرائيل، بل على إلهٍ آخر يمكن أن يكون هدد أو بعل (38:22).
إنّ سبط جاد القريب من بعل فغور قد جمع هذه الذكريات وأوصلها إلى بني إسرائيل في زمن القضاة (3: 12- 30 ؛ 11: 30). يبدو بلعام أوّلاً رجلاً قويًّا وصادقًا وأمينًا لله، ويبدو ثانيًا ذلك المضلِّل الذي أغوى الشعب وقد ربط حياته بمعبد بعل فغور المشؤوم (25: 1ي) فانقلب من صديق إلى عدوّ لشعب لله.

ثانيًا: الأقوال النبوية
الأقوال النبوية هي أوّل ما اتخذ شكلاً محدّدًا، أكان شفهيًّا أو خطّيًا. أمّا الفن الأدبي لهذه الأقوال فمعروف في النصوص السامرية والاكادية: تقديم العرّاف وظروف تدخله، ذكر الاله الذي يحمّله رسالة، العلامة التي يلاحظها (عاصفة، مياه، كوكب)، البركة أو اللعنة التي يتلفّظ بها بحسب طبيعة العلامة التي لاحظها.
تلفّظ بلعام بسبعة أقوال (مثل في العبرانية، راجع في العربية كلمة مثل) وصلت إلينا شعرًا يصوّر لنا حالة شعب إسرائيل في نهاية عهد القضاة أو بداية عهد الملوك. غير أنّ هذه الأقوال التي خرجت من عالم السحر والتنجيم، قد تكيّفت بحسب عقلية العبرانيين التي تهتم بالكلمة لا بالتعزيم، وأخذت بعض العناصر من القصيدة القبلية (تك 49: 1ي ؛ تث 33: 1ي ؛ قض 5: 1ي) والأقوال على الأمم (24: 1- 24)، وتأثرت بالفن الجلياني في بدايته.
نقرأ هنا أربع قصائد تتشابه في لغتها وأسلوبها القديم، وتلمح على طريقة الرؤى إلى ملك شعب إسرائيل.
وهنا نميّز بين الأقوال اليهوهية (24: 1ي) والأقوال الالوهيمية (23: 1ي). فالأقوال اليهوهية هي "نأوم " أي قول نبوي (النأمة في العربية تعني الصوت الخفيف)، وهي تبدأ بالمقدّمة نفسه"، وتبدو مستقلّة عن قصّة بالاق. الأقوال اليهوهية (كنصّ بركات يعقوب في تك 49: 1ي) تتحدّث عن يهوذا وتشبهه بالأيل. أمّا الإطار الذي كتبت فيه فهو إطار من السلام بعد النصر الكامل الذي تمّ على أعدائهم أجاج وموآب وأدوم. والجو الذي جعلت فيه هو جو الرخاء المسيحاني الذي ينتظر الملك الآتي بحسب نبوءة ناتان (2 صم 7: 5- 11). والأقوال اليهوهية قريبة أيضاً من كلمات داود الأخيرة (2 صم 23: 1-7) التي تبدأ بكلمة "نأوم "، وقد أَوحى بها روح الهي (2 صم 2:23، رج عد 24: 2)، وتشدد في الحديث عن هزيمة الأعداء وازدهار بني إسرائيل. كلّ هذا يجعلنا نقر بأن القولين اليهوهيين كُتبا في عهد الملكية القوية، أي في زمن داود وسليمان، أي قبل موت سليمان وانقسام العبرانيين إلى مملكتين: مملكة يهوذا بعاصمتها أورشليم، ومملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة.
أمّا الأقوال الالوهيمية فهي تورد كلمةَ "تروعه " التي هي هتاف ملكيّ يتوجه به المؤمنون إلى الله، وهي تذكّرنا بتابوت العهد وتكريمه في زمن القضاة، يوم كان الله وحده ملكًا في بني إسرائيل. وبسبب معارضة هذه النصوص للملكية في أورشليم يمكننا أن نحدّد زمن كتابتها في بداية القرن الثامن، أي في عهد يربعام الثاني.
إنّ الأقوال الالوهيمية تستعيد مواضيع الأقوال اليهوهية وتبعد عنها التفاصيل الدقيقة. هي تعرف قضية بالاق ومعانيها قريبة من النشيد الذي يبارك فيه موسى شعبه: صورة الجبال والتلال (9:23 ؛ تث 33: 15)، قرون الايل (23: 22، تث 17:33)، اللبوة التي تفترس (24:23، تث 33: 20)، تفرّد بني إسرائيل (9:23، تث 28:33)، ملكية مرتبطة بسيناء (23: 21- 22؛ تث 33: 1- 5). كلّ هذه المواضيع تعبّر عن لاهوت التقليد الالوهيمي وتبيّن نظرة الأنبياء إلى السحر والعرافة التي تمارسا الشعوب المحيطة بإسرائيل.

ثالثًا: أقوال بلعام عبر تقاليد بني إسرائيل
في التقليد اليهوهي يبدو لنا بلعام شخصاً آتيًا من الجنوب، وظيفته العرافة، وهو يلعن أو يبارك بحسب طلب الناس، ودون أن يعبأ بإرادة الله. ولكنّ الرب يحلّ روحه عليه، ويفرض عليه أن يبارك فتتحوّل اللعنة في فمه إلى بركة.
في التقليد الالوهيمي يبدو لنا بلعام شخصاً مهمًّا أرسل بالاق في طلبه من وراء الفرات، أرسل لا رسلاً عاديين بل رؤساء وأمراء، أرسلهم لا مرّةً واحدة بل مرّتين وثلاث. ويبدو بلعام أيضاً رجلاً يفسّر الأحلام ويقرأ العلامات، ولا يهتمّ بإرضاء بالاق، بل بالعمل بحسب إرادة الله. هو يتقبّل كلمة الله في فمه كنبي من الأنبياء ويعتبر الرب إلهه فلا يعارض أوامره، بل يخضع له خضوعًا كاملاً.
في مرحلة الجمع بين التقليد اليهوهي والالوهيمي، يشدّد النصّ على الطابع الخاص الذي يتحلّى به شعب إسرائيل بعد أن عطف الله عليه، وينشد مجد الشعب الذي سيدخل أرض الميعاد، ويتذكر مواعيد الله للآباء، والآمال التي حملها ناتان لداود، ويُهيّئ الشعب لمجيء الملك المسيحاني. هنا تبدو سلطة الله: هو يعطّل سلطة البشر الذين يقفون بوجه مخطّطه ويريدون لعن شعبه المختار. من دون الله لا قولَ نبويًا، ولا تكهّن إلا من الله وحده سيّد النبوءة وهو يضع كلامه في فمِ من يريد وساعةَ يريد، ويجعله يقول ما يريد أن يقوله وبالوسائل التي يريد (حلم، رؤيا، ملاك، حيوان). من خلال هذا الحدث نستنتج هجومًا على الأنبياء الكذبة الذين لم يرسلهم الرب باسمه.
عرف التقليد الاشتراعي ما قاله التقليد الالوهيمي عن موطن بلعام، وعن عجز كل نبوءة لا تصدر عن الله، وما قاله التقليد الكهنوتي عن أنّ الله يبدّل اللعنةَ بركةً. ثمّ زاد فقال: إنّ الله فعل ما فعل محبّةً لشعبه. إذًا، على الشعب أن يبادل الرب المحبة، أن يكون أمينًا للرب وإلاّ انقلبت البركة إلى لعنة: تأكل فلا تشبع، تزرع ولا تحصد، تدوس الزيتون ولا يكون لك زيت، والسُّلاف ولا تشرب الخمر (مي 14:6 ي).
أمّا التقليد الكهنوتي فسينظر إلى بلعام نظرة تجعل منه رجلاً شرّيرًا، وهو الذي أشار إلى النساء المديانيات بإغواء بني إسرائيل وجرّهم إلى عبادة الأوثان في بعل فغور. ولهذا استحقّ الموت مع كلّ أعداء شعب الله.
وسينطلق التقليد اليهودي المتأخّر من صورة بلعام الشرير فيقول فيه: قَبِل دعوةَ بالاق طمعًا واستكبارًا، وأراد أن يلعن الشعب إرضاء لرغبة في قلبه. أعمته شهواته فلم يفهم ما نهاه الله عنه، ولم تستطع معجزة الجحشة الناطقة ولا رؤية الملاك أن تفتح له عقله وذهنه. بارك الشعب مرغمًا، ولكنّه ثأر من الرب عندما نصح بني مديان بجرّ بني إسرائيل إلى الشرّ. هو تجسيد للطمع والكبرياء والبغض والحيلة. هو عدوّ بني إسرائيل الاكبر، هو الشرّ بكل معنى الكلمة.

رابعًا: شخص بلعام في التقليد المسيحي
هناك تيار أوّل يسير في خط التقليد اليهودي فيضمر العداء لبلعام ويقول فيه: هو نبي كاذب وصورة عن المعلمين الكذبة. قالت فيه رسالة يهوذا (آ 11): "الويلُ لهم (أي المعلمون الكذابون)! سلكوا طريق قايين واستسلموا إلى ضلال بلعام طمعًا بالمغنم، وهلكوا هلاك قورح بعناده ". وقال سفر الرؤيا (2: 14 ي): "ولكنّ مأخذي عليك (يا أسقف برغامس) هو أنّ عندك قومًا يتمسّكون بتعليم بلعام الذي أشار على بالاق أن ينصب الشرك لبني إسرائيل فيقعوا فيه ويأكلوا ذبائح الأصنام ويفسقوا". وقالت رسالة بطرس الثانية (2: 15- 16): "إنّهم (أي المعلمون الكذابون) خَلْقٌ ملاعين حادوا عن الطريق المستقيم وضلّوا في اقتفائهم آثار بلعام بن بعور الذي أحب أجر الإثم فناله التأنيب لسوء فعلته إذ نطق حمار أعجم بصوت بشري فردّ النبي عن هوسه ".
وهناك تيّار آخر يشدّد على أن بلعام قد نزل عليه الروح القدس فتنبّأ حقًّا عن المسيح. إنّه أبو المجوس الذين أتوا من المشرق فتعرّفوا إلى النجمة (الكوكب) التي أعلنت مولد يسوع. يقول أوريجانس في تفسيره لسفر العدد: "إذا كانت نبوءة بلعام قد دخلت في الكتب المقدّسة، فكم بالأحرى حفظها سكّان بلاد الرافدين وقد كان بلعام مشهورًا عندهم وقد علّمهم فن العرافة. فالتقليد يجعل بلعام أبًا للعرّافين في أرض المشرق، وكان لديهم نص كلّ نبوءاته وفيها: سيخرج كوكب من يعقوب، سيطلع رجل من إسرائيل. أجل، لقد كان هذا النصّ عند المجوس، ولمّا ولد يسوع تعرّفوا إلى الكوكب وعرفوا أنّ النبوءة قد تمّت، وفاقوا فهمًا على بني إسرائيل الذين أهملوا سماع كلام أنبيائهم القديسين. أمّا المجوس فعرفوا، انطلاقًا من الكتابات التي ورثوها عن بلعام، أنّ الزمان قد حلّ، فأسرعوا وبحثوا عنه ليسجدوا له، ودلوا على عظمة إيمانهم عندما كرمّوا ولدًا صغيرًا معتبرينه ملكًا".

2- جحشة بلعام
موضوع الحيوانات التي تتكلّم موضوع معروف في القصص والحكايات القديمة. عرفناه في حديث الحيّة مع حوّاء. ونقرأ في أساطير أوغاريت: سيبدّل الإله "ملك " زئيرَ الأسد إلى هديل حمام، ونعيق الحمار إلى صوت بشري. وتصرّفُ الحيوان بصورة غريبة يطرح سؤالاً على الإنسان بعد أن تعوّد العرّافون البابليون أن يلاحظوا تصرّفُ الحيوان ويعطوا معنى لكلّ حركة من حركاته. يقول أحد النصوص: إذا سافر ملك أو أمير على عربة ونام الحصانُ الأيمن، فلن يحصل على ما يرغب، وإن صوّت حمار سيستولي رجل على صاحبه. فيبقى على الإنسان أن يفسّر هذه العلامات بالطريقة الصحيحة.
من هذا الإطار انطلق الكاتب فبيّن لنا أنّ بلعام رجل أعمى لم يفهم تصرّف حماره، فأراد أن يتابع طريقه غير آبه لما سيحدث. ويبدأ الصراع: يتّقد غضب الله عليه، فينفذ غضبه في جحشته فيضربها ويهدّدها بالموت بينما يستعد ملاك الله ليقتله. ولمّا رأى بلعام آية الله أحسّ بالهزيمة، فسجد معترفًا بخطيئته وأعلن عن استعداده للعمل بمشيئة الله.
بلعام القاسي على جحشته والواثق بنفسه هو أقلّ فهمًا من جحشته، ولن يفهم الأمور إلا عندما يجبره الله على ذلك ويخضعه. وفي هذا أمثولة للأنبياء الكذبة: أن يكشف الله عن ذاته عبر الأحلام أو تصرّف الحيوان، فهذا يفرض علينا أن لا نتعدّى مشيئته، بل نكتشفها ونخضع لها ونتجاوب معها. وفي أي حالٍ الله هو الأقوى، فلماذا نعانده؟
إنّ التقليد اليهودي اللاحق اعتبر بلعام رجلاً شرّيرًا وعدوًّا لشعب الله، وإن ندم فندامته لم تكن يومًا صادقة. أمّا خادما بلعام فاسمُهما يمنيس ويمبرش (رج 2 تم 8:3) الساحرين العاملين لدى فرعون مصر لقد انتظر الرب بلعام قرب كومة الحجارة التي جعلت بين يعقوب ولابان (تك 31: 45- 52). أمّا معجزة الكلام التي أُعطيت للجحشة فهي أمر من الأمور العشرة التي خلقت يوم السبت بين الغرويين، أي بين غروب الشمس وغروب القمر، ومن هذه الأشياء: المّن، البئر، عصا موسى، قوس قزح، السحابة المجيدة، الكتاب، لوحا الشريعة. هذا التقريب بين الأشياء يبدو مصطنعًا، ولكنّه يدلّ على مبدا مهمّ من مبادئ شرح الكتاب، وهو أنّ علينا أن نقرأ كلّ مقطع من مقاطعه في إطار تاريخ الخلاص كلّه.

3- نبوءة الكوكب على لسان بلعام
يقول سفر العدد: "يَطلع كوكبٌ من (بني) يعقوب، ويقوم صولجان من (بني) إسرائيل ". إنّ كلام بلعام هذا يُعتبر نبوءة حقيقية وكلامًا لا يعني داود وحسب، بل كلّ ملك متحرِّر من سلالته.
سينطق التقليد الكتابي من هذا التفسير على خطى المصدر اليهوهي الذي أقحم هذا القول في السياق الإخباري وأكّد أنه سيتمّ في أواخر الأيّام، أو في الأيّام الآتية (24: 14)، أي الأزمنة الإسكاتولوجية العتيدة (تك 49: 1 ؛ تث 4: 30؛ 31: 29؛ أش 2:2؛ إر 23: 40 مي 4: 1). عندما يُلقي إرميا (48: 45) قوله في موآب يورد 24: 17 ولكنّه لا يلمّح إلى الواقع التاريخي )لا يذكر شيت أو شوتو). ويلمح المزمور 110 إلى الآية التي نحن بصددها، فيردد كلماتها (نأوم: قول. دره: تسلّط. محص: حطّم) ويلمح إلى الصولجان (يسميه "مطه " لا "شبط") والنصر والرؤوس المحطّمة وغيرها من المواضيع المسيحانيّة.
وإذا قرأنا الترجمات الآرامية واليونانيّة التي توضح لنا ما قاله التقليد اليهودي لاكتشفنا أنّ الكوكب يدلّ على الملك الذي سيقهر موآب، أو على الملك "المشيح" (ترجوم اونكيلوس) أو على الفادي والمتسلّط (ترجوم نيوفيتي).
ولقد ربط الكتّاب اليهود من القرن الأوّل ق. م. إلى القرن الأوّل ب. م. بين نبوءة الكوكب وسائر النبوءات المسيحانية التي تتحدّث عن الفرع الذي سيخرج من جذع يسى (أش 11: 1 )، وعن بركة يعقوب (تك 10:49)، وعن النبي الشبيه بموسى (تث 18:18)، وعن الملك الذي يذكره المزمور 45 (7- 8) فيقول فيه: "عرشك الإلهي يبقى إلى الأبد، وصولجان استقامة صولجان ملكك. تحبّ الصدق وتكره الشر، لذلك مسحك الله إلهك بزيت الإبتهاج دون رفاقك ".
هذه النبوءة دخلت بين الشهادات المسيحانية التي سيردّدها الكتّاب المسيحيون الأوَلُ. أمّا الشِّيَعُ اليهودية فسوف تجعل هذه النبوءة سندًا لرجائها وآمالها. وقد رأى الأسيانيون في الكوكب وفي الصولجان هارون وإسرائيل أو طالب الشريعة وأمير الجماعة. ولقد سمّى الغيورون رئيسهم "إبن الكوكب" في القرن الثاني ب. م.
إنّ العهد الجديد لا يورد بجلاء قول بلعام، ولكنّ موضوع الكوكب معروف في نصوصه. فنشيد كريّا (لو 1 :78) يلمح إليه فيقول: "تلك رحمة من حنان إلهنا بها افتقدنا الشارق من العلى". وبفضل كوكب طلع في المشرق وجد المجوس طريق بيت لحم وسجدوا للطفل الإلهي (مت 2: 1- 10). أمّا سفر الرؤيا (26:2- 28) فيربط بين كوكب الصبح وفرع يسَّى، ويعطي ذلك الكوكب اسم يسوع. لأجل هذا نجد في النقوش والفسيفساء صورة الكوكب قرب المسيح

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM