القسم الثالث: في سهول موآب إستعداد لدخول أرض الميعاد

القسم الثالث
في سهول موآب
إستعداد لدخول أرض الميعاد
22: 1 – 36 : 13

نلاحظ في هذا القسم جزئين منفصلين. في الأوّل نقرأ حادثة بلعام وحماره وحادثة بعل فغور، وفي الثاني نقرأ مجموعات من تشاريع وقوانين ترجع إلى أزمنة مختلفة.
1- في الجزء الأوّل نقرأ حادثة بلعام (22: 1- 24: 25). خاف بالاق، ملك موآب، من الخطر الذي يحمله العبرانيون معهم، فدعا العرّاف بلعام ليلعن بني إسرائيل. وصل بلعام راكبًا على أَتانه الحرون الشموس، ولكنّ الربّ أمره بألاّ يقول إلاّ ما يقوله له (22: 1- 41). وقدّم ملك موآب الذبائح على رأس الجبل واستعطف العرّافَ ثمّ غضب عليه، ولكنّ العرّاف لم يقل إلاَّ كلام البركة في شعب إسرائيل. وها نحن أمام أربعة أقوال شعرية تنشد اختيار الله لشعبه (23: 1- 10)، وقداسة هذا الشعب وقدرته (23: 11- 24)، وتقدّمه وانتصاره (25:23- 29:24)، وملكه الذي يسود الأم. فلم يبق لبالاق وبلعام إلا أن يعودا أدراجهما (24: 25).
ونقرأ في هذا الجزء أيضاً ما حدث لبني إسرائيل في فغور (25: 1- 18): خانوا ربهم ومارسوا البغاء المكرس مع بنات موآب. لم يستطع ملك موآب أن يتغلّب على بني إسرائيل بالحرب، فهل يستطيع أن يفسد أخلاقهم فيسهل عليه إخضاعهم واستعبادهم!
2- في الجزء الثاني (ف 25- 36) تطالعنا تعليمات عن تقسيم الأرض بعد احتلالها. نقرأ في فصل أوّل (26: 1- 27: 32) الاستعداد لاقتسام الأرض: أحصى موسى الشعب ورأى أنه لم يبق أحد من الذين أحصوا في ما سبق (ف 1- 4) ما عدا كالب ويشوع. أما قال الرب عنهم إنّم سيموتون في البرّية؟ ثمّ نظّم إرث البنات في إسرائيل (27: 1- 11). بعدها دعا الرب موسى لينظر إلى الأرض التي يعطيها الرب لشعبه قبل أن يموت، لأنّه لن يدخلها. حينئذ عيّن موسى يشوع ليكون خلفًا له. كنّا ننتظر أن يروي الكاتب وفاة موسى في هذا الموضع من الكتاب، ولكنّه لم يفعل: فقد بقي الكثير من النقاط العالقة التي تحتاج إلى عمل موسى التشريعي.
3- ونقرأ في فصل ثاني (28: 1- 29: 39) أحكامًا في الذبائح تحدّد عدد الضحايا وكمّيات التقدمات من الدقيق والخمر في الذبائح اليومية (28: 3- 8) والأعياد والمناسبات: السبت وأوّل القمر، والفصح وعيد الأسابيع أو عيد الحصاد، وعيد الهتاف وعيد التكفير وعيد المظالّ. ونقرأ في فصل ثالث (30: 1- 17) شرائع عن النذور وعن الشروط التي تجعلها شرعيةً بالنسبة إلى من تلفَّظ بها: الرجل أو ابنته أو امرأته. في فصل رابع (31: 1- 54) نقرأ قواعد تتعلّق بالحرب المقدّسة: لقد جاء وقت إفناء المديانيين وسيكون النصر سريعًا وكاملاً. بعد ذلك تُعطى التعليمات للحرب المقدّسة: يتقدّس المحاربون قبل الحرب. بعد الحرب تُقتل النساء وتورع المغانم على المحاربين ويكون للكهنة واللاويين حصّتهم، ويعود إلى المعبد ما وجد من آنية الذهب. وفي فصل خامس (ف 32 - 36) ينتهي الكتاب بتشريع يتعلّق بإقامة شعب الله على الأرض التي احتلّها أو التي سيحتلّها. فأبناء رأوبين وجاد ومنسى قد أقاموا في شرقيّ الأردن، ولهذا يملي عليهم موسى شروطاً ويفرض عليهم واجبات. أمّا سائر القبائل فيعطيهم تعليماته للحرب: يهدمون معابد الكنعانيين، يقسمون أرضهم بالقرعة، ويعطون لبني لاوي مدنًا خاصة بهم.
وينتهي سفر العدد وبنو إسرائيل ما زالوا في سهول موآب (22: 1)، قبالة أريحا والأرض المقدّسة. لقد استعدّوا استعدادًا كاملاً، ولكنّ يشوع هو من سيقودهم، بعد موت موسى (يش 3: 1)، ليقيموا في الأرض التي عيّنها الله لهم.
4- كان القسم الثاني من الكتاب قد جمع ذكريات عن إقامة بني إسرائيل في قادش والنقب، وعن الجهود التي قاموا بها ليدخلوا أرض كنعان من الجنوب. وها هو القسم الثالث يتوقّف على تقاليد تتعلّق باحتلال شرقي الأردن فيجمع ذكريات عن عبور وادي أرنون وعن الحرب مع مملكة حشبون وملك عوج، ويورد أخبارًا عن معبد بعل فغور وعن بلعام العرّاف وعن بني مديان وحرب بني إسرائيل معهم.
إنّ ما يميّز هذا القسم هو أنّ الشعب المختار قد صار شعبًا لا يُقهر: فلا سيحون ولا عوج استطاعا أن يوقفا مسيرتهم، ولا توصّل بالاق إلى دفع بلعام ليلعنهم، بل رأى اللعنة تعود إليه. وإن نجحت بنات موآب ومديان في إغواء الشعب لفترة ما، إلا أنّهنّ سيفشلن فيما بعد بفضل غيرة فنحاس وعنفه. وتجدّدت عناصر الشعب الذي باركه الرب، فلم يعد فيه أحد من الذين خطئوا في البرّية. وبفضل عمل موسى الدؤوب ندموا على خطايا آبائهم ووعدوا بتجنّب كلّ اختلاط بالعبادات الوثنية.
5- بعد هذا يوجّه الكاتب أنظارنا إلى المستقبل: ها هو موسى يعيّن يشوعَ خلفًا له. ثمّ يُحصي الشعبَ لحرب الإحتلال، ويعطي بني جاد ورأوبين أرضا في شرقي الأردن ويرسم الحدود بينهم، ويحدّد قواعد اقتسام أرض كنعان، ويختار الرؤساء الذين يرئسون المناطق، ويحلّ المشاكل العالقة مثل حقّ البنات الوارثات ومسكن اللاويين، وينظم كلّ ما يتعلّق بالأعياد والذبائح والنذور.
لقد كانت المسيرةُ طويلةً بين مصر وكنعان، وتقدّمُ الشعب الروحي عظيمًا منذ انطلاقه بقيادة موسى. وها هم بنو إسرائيل قد صاروا قريبين من الهدف، من أرض الميعاد، وقد استعدّوا الاستعداد الكافي للدخول إليها. وهذا ما سيقوم به يشوع بن نون بعد موت موسى وانتقال السلطة السياسية والحربية إلى يده

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM