يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا: تلميذا عماوس

تلميذا عماوس
24: 13- 35

كان قلبنا يحترق في صدرنا حين حدّثنا في الطريق وشرح لنا الكتب.
هذا الخبر هو احتفال افخارستي: ليتورجية الكلمة (آ 13- 28). كسر الخبز (آ 29- 35). ونجد فيه وظيفتين أساسيتين للنبيّ القدير في القول والعمل. فيما يخصّ الكلام، فدوره يقوم بشرح معنى الأحداث. وعلى مستوى العمل، فالنبي يقوم بأعمال رمزية هي فعلات تحمل معناها في ذاتها. مثلا إرميا حطّم جرّة جديدة ليدّل على أن شعبه سيقسم إلى أجزاء (إر 19). وفعلة كسر الخبز تدلّ هي إيضا على تقسيم الجسد ثم تكوينه في الوحدة. هذه هي المقاسمة: نقسم ثم نعيد توحيد ما قسمناه.
وهذه هي علامة اعتراف الجماعة المسيحية. فالافخارستيا هي رمز بالمعنى السامي للكلمة. كانت جماعة التلاميذ مقسّمة ومشتتة. والاثنان اللذان ذهبا إلى عماوس، كانا راجعين إلى بيتهما بعد أن حزنا وخاب أملهما. واذ كانا يسيران بدأا بتهيئة العظة. بدأا يتجادلان بانتظار أن يأتي شخص ثالث ويشارك في الحديث. حرّكهما ذاك "الغريب" بجهله وفضوله. وإذ جعلهما يتكلّمان، أجبرهما على قراءة الماضي بانتباه متجدّد. وزاد النبي عناصر بعيدة فأشعل قلبيهما.
وفي نهاية الخبر، أعيد ترتيب الجماعة بعودة "المسافرين" إلى أورشليم. وتحدّث كل واحد عن خبرته. فالكنيسة تتكوّن من الخبر الذي تتداوله الجماعة. نلاحظ في هذا المقطع أهمية العينين والنظر. كانت العيون مغلقة في البداية (عميت عن معرفته). فانفتحت في النهاية (آ 16، 31) وساعدت التلميذين على التعرّف إلى يسوع.
تتفتح العيون دوماً ساعة يحل نور الواقع محل الظواهر (أو الظهورات). وقلب النص هو هذه الجملة الشهيرة التي شكّلت إعلاناً لفشل: "وأما هو فما رأوه". إنها المدار الذي ينقل بين النبي يسوع (آ 19) وأنبياء الماضي (آ 25- 27). الخبر إلى جهة الايمان. وحول هذا المدار تتجاوب عنصر الخبر في توازية دائرية. مثلا، التوازي بين النبيّ يسوع (آ 19) وأنبياء الماضي (آ 25- 27). إن بنية هذا الخبر قريبة من بنية 2: 41- 52 حيث "نجد" يسوع بعد أن نكون قد أضعناه.
ونلاحظ دور المسيرة في هذا الخبر الذي يرسم مسبقاً مسيرة الكنيسة. فحين يتوقف الموكب (آ 28) يعي التلميذان أهميّة الطريق في اكتشاف القائم من الموت. فنحسّ أن طريق الحياة، يمرّ بمسيرة (وسلوك) ومواجهة لا بدّ منها. فخبر عماوس يجعل الأمور تتحرّك بقدر ما يمنعنا من "الإقامة" في اليأس.
لقد ظلّ هناك أمل سري. فيسوع الناصري يسير على طرقاتنا التي تقودنا الواحد إلى الآخر. وهو يجعل كل اللقاءات ممكنة. إنه رب الأحياء. وفيه لا تتوقّف الحياة أبداً.
نقول مراراً: لا وقت لنا ولا كتب لكي نعمّق إيماننا. ولكن النص الذي قرأناه هو ملخّص لكل الانجيل، لكل ما يجب أن نؤمن به ونعيشه. هذه الصفحات لا بدّ من قراءتها واعادة قراءتها بدون ملل. إنها طريق حياتنا في خمسة أوقات تتداخل وتتفاعل.
هناك الوجهة السلبية التي لا يفلت منها أحد: وقت خيبة الأمل. تأؤه تلميذا عماوس: "كنّا نأمل". من تخيل ايماناً عظيماً تعرّض للسقوط المريع. فيجب بالأحرى أن نقر بخيبة الامل في أحلك أيام حياتنا.
ولكن يجب أن نؤمن أننا سنقوم. سنقف على رجلينا. إن صوت الحبيب يقول لنا: "لا تخف أنا هنا". هذا هو وقت اللقاء. ويستطيع إيماننا أن يتفجّر من جديد.
سنسمعه من جديد. هذا هو وقت الكلمة: "أخذ يشرح لهما كل شيء". لنقرأ هذه الصفحة ونحن متيقّنون أنه هو الذي يكلّمنا. هو يكلمنا بواسطة واعظ، بواسطة صديق، وخلال حوار نكون فيه سامعين لا متكلّمين. لا نخسر هذه الكلمة. لا نبدّدها.
يعلّمنا إنجلينا الكلمة التي هي مفتاح حياة يسوع وبالتالي مفتاح حياتنا. "كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام ليدخل في مجده" (آ 26). لقد رفضنا هذه الكلمة مدة طويلة. وتساءلنا "لماذا الالم"؟! نستقبله منتقلين من "لماذا" إلى "كيف". كيف نتألم مع يسوع لنكون "مخلَّصين" مثله. نخلّص حياتنا ونخلّص حياة الآخرين.
لم يكن الالم مصيراً مهيئاً ليسوع، بل نتيجة حبه. "يجب" أن نتعلم كيف نتألم بقرب يسوع، فنبقى مثله في الحب، ونذهب مثله إلى "غاية الحب" (يو 13: 1) وسيقوم مجدُنا بأن ندخل في الحب. ليس هناك إلا طريق مسيحية واحدة: من الصليب إلى المجد.
وهناك وقت رابع: كسر الخبز، الافخارستيا. هنا نعود إلى قداسنا. يجب أن يكون ذروة التقدمة (تقدمة المسيح، تقدمة العالم، تقدمة حياتنا) وذروة الطعام (خذوا حياتي لتحيوا حياتي).
نشكرك ايها الرب الاله، لابنك هذا المسافر الذي لا يزال يمشي معنا على طرقاتنا. إنه بجانبنا حتى حين لا تستطيع عيوننا أن تراه وتتعرّف إليه. نشكرك لابنك الكلمة الذي لا يزال يفسرّ لنا الكتب ويكشف لنا سرّ تحريرنا. نشكرك لهذا الخبز الذي يمسكه يسوع في يديه. يكسره ويعطيه فيكشف لنا أنه هو القائم من بين الاموات والحي فينا من الآن والى الأبد.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM