يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا :الأرملة والقاضي
 

 


الأرملة والقاضي
18: 1- 8

الله ينصف مختاريه الضارعين إليه ليل نهار، ويستجيبهم.
من هو على طريق الملكوت؟ ذاك الذي يعرف أن يشكر، كما فعل هذا السامري والغريب. والذي يعرف أن يصلّي ولا يقنط، وهو متأكد كل التأكيد أن الله يستجيب الذين يدعونه ليل نهار. المسيحي هو رجل إيمان عنيد، رجل صلاة يرفع يديه مثل موسى، يتوسّل إلى الله في وقته وفي غير وقته مثل هذه الأرملة.
إن مثل الأرملة والقاضي يصور أموراً غريبة. أخذ يسوع مثلاً نموذجياً ليفهم تلاميذه أهمية الصلاة. من جهة، نجد قاضياً تقوم مهمته عادة بأن ينصف اليتيم ويدافع عن الأرملة (أش 1: 17). ولكن هذا القاضي "لا يخاف الله ولا يستحي من البشر". ومن جهة ثانية، نجد أرملة ضعيفة، لا سند لها ولا معين.
إذ نظرنا إلى توازن القوى، لا سبيل للأرملة بأن تنال حقها. ولكنها ثبتت وثبتت إلى أن جعلت القاضي يلين. غير أن القاضي الشرير ظلّ شريراً في البداية كما في النهاية. ولكن عناد المرأة انتصر عليه.
أراد هذا المثل أن يعطينا فكرة عن العلاقات بين الله والإنسان. لقد أدرك السامع الهوّة التي تفصل هذا الرجل اللامبالي والشرير (الذي يصمّ أذنيه عن صراخ البشر ويغلق قلبه عن شريعة الله) عن الله كما يحدثنا عنه الكتاب المقدّس، إلهاً يستمع إلى نداء خليقته. وسيتوسّع التفسير في هذا الاطار.
إذا كان رجلاً قاسياً إلى هذا الحدّ قد لان في النهاية، فهذا يعني أنّ على المزمن أن يتيقّن من أن صلاته ستستجاب دائماً. فإن كان البشر ينطلقون من أنانيتهم وحبهم لراحتهم، فينصفون الفقراء ويستجيبون طلبهم، كما بالأحرى الله الذي يستمع إلى الذين يرفعون إليه الصلوات.
ثم يتوقّف الإنجيلي عند خط آخر من التفسير حول الصلاة المثابرة. لقد شدّدت مقدّمة المثل على أنه يجب أن نصلّي دائماً، أن نداوم على الصلاة. فلا نفهم اقتناعنا باننا نستجاب، على أننا أمام نتيجة سحرية وآلية. إذا كانت الصلاة دخولاً في علاقة مع الله وعرضاً لضيقنا أمامه، فالإستجابة التي تتحقق دائماً تتحقّق على غير ما كنا نرجو.
وتأتي العبارة الأخيرة حول الإيمان فتدقّ كتحذير احتفالي يزاد على المثل. ومعناها: الله يكفل الجواب لصلواتنا. الأمانة مؤكّدة من جهته. تبقى جهتنا. ولهذا يدعو لوقا المؤمن لكي يبقى ساهراً، بانتظار مجيء ابن الإنسان. ونحن نعرف أنه في تلك السنة "ستبرد المحبة في قلوب الكثيرين" (مت 24: 12). وأن الأنبياء الكذبة سيتكاثرون. والمداومة على الصلاة التي بدأت في المثل هي التي تمنعنا من الخطر، خطر خسران إيماننا.
حين يأتي ابن الإنسان، هل يجد إيماناً على الأرض؟ لقد ربط يسوع برباط قوي الصلاة والإيمان. وبعد أن بيّن كيف أن هذا القاضي الشرير لان أمام عناد ألأرملة، خاف من إن لا يبقى على الأرض إلا بعضُ الإيمان.
قال أحدهم: لقد صلّيت كثيراً، ولكن الله لم يستجبني. حين يقال لي هذا الكلام، أرد بما عرفناه عن هذه الارملة: انتم لا تصلّون، لا تتشفعون بما فيه الكفاية.
ولكن من لا يقنط، من لا ييأس؟ هنا المعركة. يقولون ألف شيء وشيء عن الصلاة. أما السرّ فواحد ويسوع يعلّمنا إياه: لا تترك الله إلى أن يلين.
غريب هذا الواقع. هل الله هو هذا القاضي الشرير؟ لا. فالدرس ليس هنا، بل في عناد الارملة ومثابرتها.
ولماذا يريد الله اناساً عنيدين؟ هنا نعود إلى الايمان. الايمان العنيد الذي لا يتوقّف ولا يتراجع، بل يجعل الله يلين بسبب حبّنا له وثقتنا به: أي أحبك بما فيه الكفاية لكي اؤمن بأنك ستعطيني ما أطلب. ساعة تشاء. وكما تشاء. ولكنك ستعطيني إياه.
حين نرى على ماذا يحصل أكثر المعاندين في الصلاة، نفهم أن الله يحب هذا المداومة التي يسمع في صراخها صوت الايمان والمحبة. وسيكون حقاً الله بالنسبة إلينا. أي ذلك الذي نستطيع أن نطلب منه كل شيء شرط أن يكون الحب (الذي فينا) هو الذي يطلب من الحب (الذي هو في الله). ولكننا نحتاج الى الايمان من أجل هذا.
ونحتاج إلى إيمان من نوع خاص. ايمان لا شك فيه ولا ارتياب. قال يسوع: "آمنوا. من لا يشك في قلبه، بل يؤمن بأن ما يقوله سيكون، تمّ لك ذلك" (مر 11: 22- 23).
حين يتكلم يسوع هكذا، نحس أنه أمام قدرة الله وصلاحه. ولكن حين نشك لا نعود أمام الإله الحقيقي. بل تتوجّه صلاتنا إلى صنم هو إله تخيّلاتنا. "هل هو قدير؟ هل هو صالح؟ هل يحبني؟" كل هذه الأقوال التي تقتل الصلاة تصمت حين ينتفض الايمان الحقيقي، الايمان الذي لا يتزعزع: "انت الله وانت تحبني، وهذا يكفي".
لا يقول هذا الايمان: سوف تستجيبني بل انت قد بدأت تستجيبني. كيف ذلك؟ هذا ما لا أراه، ولكنني متأكد منه. ولهذا يجب ان نخترع صفة لهذا الايمان الذي "يهجم" على الله. هو إيمان لا يعرف القنوط ولا اليأس.
هناك تجربة بأن نرخي أيدينا يا رب، بأن نتعب من الصلاة، فالمحن ومناسبات الفشل كثيرة في الحياة. ونتساءل: هل الله بعيد؟ هل يسمع؟ ولكنه يدعونا إلى الصلاة...
فيا رب، أنت أمين على مواعيدك. فحين تثقل علينا المتاعب، وحين يسيطر علينا القنوط، ثبّت قوانا، زد ايماننا، انت يا من تستجيب دوماً جميع الداعين إليك.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM