الفصل الأول: حَيَاةٌ في العُبُوديّة

الفصل الأول
حَيَاةٌ في العُبُوديّة
1 : 1 – 2 : 25

1- مقدّمة
يكوِّنُ الفصلان الأوّلان مقدّمة تضع أمامَنا الأشخاص الذين سيَروي سفرُ الخروج قصّتَهم، وتصوّرُ لنا الحالةَ المُزْرية التي عاشها العبرانيّون يومَ عُبوديّتهِم في مصر، وتتوقّفُ على الحديث عن ذلك الذي سيكونُ مخلّصَ الشعب.
في الفصلِ الأوّل يسرد لنا الكاتبُ الملهمُ أسماءَ أبناءَ يعقوبَ الذين نَمَوا وتكاثرُوا، فما عادوا أسرةً وحسْب، بل شعبًا كبيرًا يهدّد أمنَ الدّولة المصريِّة (1: 1-7). ثم يصوّر لنا حالةَ العبوديّةِ التي يعيشُها بنو إسرائيل في مصر (1: 8-14)، وينتهي بذكْرِ الإجراءاتِ التي اتّخذها فرعونُ، ليحُدّ من انتشار العبرانيّين ونفوذِهم (1: 15-22).
في الفصلِ الثاني، يَروي لنا الكاتبُ ولادةَ موسى ونجاتَهُ من الموت (2: 1-10)، وتربيتَهُ على يدِ ابنةِ فرعَوْن، ثم يتوقّفُ على حادثتَيْن من أيامِ شبابهِ، دفعتاهُ إِلى الهربِ إلى أرضِ مديان، بعيدًا عن غضبِ الملكِ المصريّ (2: 11- 25).
يستقي الكاتبُ معلوماتهِ من التقاليدِ الثّلاثة التي ذكرناها، فيوحّدُها في إطارٍ واحد، ويقدّمُها الى القارىءِ بطريقةٍ حيّةٍ وجذّابة. يعتبرُ الشرّاحُ أنّ الآياتِ (1: 1- 5، 7، 13، 14 ؛ 23:2-25) تَرجعُ الى التّقليدِ الكهنوتيّ، وأنّ الآياتِ (6:1، 8-12 ؛ 2: 15-23) ترجعُ الى التقليد اليَهوهيّ، وأنّ الآياتِ (1: 15-22؛ 2: 1- 15) ترجع الى التقليد الإلوهيميّ.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- عبوديّة قاسية وإجراءات قمعيّة (1: 1-22)

أولاً: وإليك أسماءَ (1: 1-7)
نقرأُ في هذهِ الآيات أسماءَ الذين وُلدوا ليعقوب، ونعرفُ أنّهم تكاثروا وَنَموا جدًا. هذا المقطع يشكّلُ الرّباط بين سفرِ التكوين وسفر الخروج، بين حياة الآباء إبراهيمَ وإسحقَ ويعقوب، وحياةِ الشعب العبرانيّ الذي أقام في مصرَ أربعةَ أجيال.
(آ 1: 1) نقرأُ عُنْوانَ الكتاب في النصّ العبريّ والتقليد اليهوديّ: "هذه أسماءُ" (اله شموت)، وهو تعبيرٌ نجدهُ في سفرِ التكوين (13:25؛ 36: 40 ؛ 8:46). ونجد ما يقابلُه في عبارة "هذه مواليد" (إله تولدوت) في سفر التكوين أيضًا (2: 4؛ 5: 1؛ 6: 9) للدّلالة على بدايةِ تاريخٍ من التّواريخ. فإن كان سفرُ الخروج امتدادًا لسِفْر التكوين، فهو ولادةٌ أيضًا بمعنى أنّ عهدًا جديدًا سيبدَأ وأحداثًا هامّة سوف تتِمّ.
ويذكر الكاتبُ أسماءَ بني إسرائيل. الله يعرفُ كلَّ واحدٍ من شعبهِ باسمه أمّا الأعداءُ، ومنهم الفرعونُ، فلا يذكرُ الكاتبُ أسماءَهم (رج 1: 8) لأنّهم يمثّلون القوّة الغاشمةَ التي لا اسْمَ لها، والتي تقاومُ مشيئةَ الله.
عبارة "بني إسرائيل " تعني أبناءَ يعقوب الاثنَيْ عشَرَ، وتعني كلَّ شعبِ إسرائيل. بهذه العبارة ترتبطُ الأسرة الصغيرةُ، بالشعبِ الكبيرِ الذي أخذَ يملأ بعددِهِ أرضَ مصر.
(آ 2-4) لائحةٌ بأسماء أبناءِ يعقوب: راجع سفر التكوين (8:46-27) حيث يذكر أمّ كلّ واحد، وسفرَ التكوين (29: 30- 31 ؛ 35: 16-20) حيث يذكرُهم بحسب أعمارِهم.
(آ 5) يشدّدُ الكاتبُ على وحدةِ الشّعب، الذي خرجَ من صُلْبِ يعقوب. هو لا يهتمُّ بالفردِ بل بالجماعةِ.
يتّفقُ المؤرّخون على القولِ: إنّ شعبَ إسرائيلَ لم يكُنْ بكلّ قبائلِه في مصر، بل إنّ قسمًا منهم بقي في أرض كنعان، وقسمًا آخرَ ظلّ يعيشُ حياةَ البداوة في الصّحراء. هذا هو الواقع التاريخيّ. أمّا الواقع الدينيّ، فيعتبر أنّ تاريخَ الخروج هو تاريخُ الشّعبِ كلِّه، وأنّ الخلاصَ من مصرَ هو قضيةُ بني إسرائيل كلِّهم.
العدد 70 يمثّلُ الكمال مرّتين (10 × 7)، وهو يمثّلُ رمزيًا شعبَ الله كلَّه. (إنّ التقليد اليونانيّ يوردُ العدد 75 انطلاقا من سفر التكوين 46: 20- 21، رج أع 7: 14). أبناءُ يعقوبَ السّبعون هم نواةُ شعبٍ جديد، كما أنّ أبناءَ نوح السبعون (تك 10: 1 ي) هم نواةُ كلِّ الشّعوب. وهكذا يكونُ شعبُ إسرائيلَ رمزًا لكُلّ الشّعوب.
(آ 6-7) هلَكَ الجيلُ المعاصرُ لأبناءِ يعقوبَ (تك 14:50، 22)، وبرزَ جيلٌ جديد. إنّ هذه الأُسَر التي خرجت من يعقوبَ صارت شعبًا كبيرًا، فأقلقت بالَ المصريّين، وفرضت عليهم أن يبدّلوا سياستَهم تجاه هذا الواقع الجديد الذي هو نموُّ بني إسرائيل.
لا شكّ في أنّ قُرْبَ كنعان من مصرَ، جعل التبادلَ السّكّانيَّ بين البلدين أمرًا مألوفًا، كما أنّ العبرانيّين الذين كانوا في مصرَ، لم يشكّلوا إلاّ أقليّة ضئيلة بالنسبة إلى السّبعة ملايين التي كانت تقيمُ بمصرَ في تلك الأيّام. ولكنّ الكاتبَ الملهمَ، لا يهتمّ بتاريخَ الجماعاتِ الإسرائيليّة خلال إقامتِها في أرض مصر، بل يهتمُّ بالتّاريخَ المقدّس، وهو يستعمل الخبرَ، ليوصِلَ بني إسرائيل إلى جبلِ سيناءَ، حيث سيعقِدون عهدًا مع الرب.
يذكُر الكاتبُ هنا أربعة أفعال: " فرو" أي نَمَوا (راجع في السريانيّة "فيرو" الثمرة)، " شرحو" أي توالدوا (راجع في السريانية "شرح" أي دبّ وزحف)، "ربو" أي كثروا (راجع في العربية ربا أي زاد ونما)، "عصمو" أي عظُموا. وهكذا أتمّ الله وعدَه للآباءِ، بأن يكونَ نسلُهم كبيرًا (رج تك 12: 3 ؛ 13: 14؛ 15: 5). الله يعِدُ وَيفي بما يَعِدُ، بطريقةٍ لا يتصوّرُها عقلٌ بشريّ. بالإضافةِ الى ذلك، يبدو هذا النموُّ كأنّهُ امتدادٌ لكلامِ الله في بدايةِ الخَلْق (تك 1: 20-22، 28)، وبعد الطُّوفانِ (تك 9: 1): "أُنمُوا واكثُروا واملأوا الأرضَ ".
الأرضُ تعني هنا أرض رعمسيسَ وجاسان، حيثُ يقيمُ بنو يعقوب (تك 4:47- 11)؛ وتعني أرضَ مصر، كما تعني الأرضَ كلَّها حيثُ يتمّ تاريخُ الخلاص.
هذا هو سرُّ الله في عملِه. يختارُ الضّعفاء وينميهم (تك 17 : 19- 21؛ قض 13:6)، يحبُّ المساكين والوضَعاء، ويبارِكُ البائسين (1 صم 2: 4-9؛ تث 7:7 ؛ مز 19:37)، بحسَب حكمتِه السّامية (1 كور 1 :25-29)

ثانيًا: عبوديّة قاسية (8-14)
(آ 8- 10) لقد تبدّلتِ الحالةُ بعد موتِ يوسف. جاء ملكٌ لا يَعرفُ يوسفَ ولا يذكُر خدماتِه، كما لا يريدُ لهذهِ الأقليّاتِ الآتيةِ من آسية، أن تتحرّك كما تشاءُ في أرضِ مصر. كان بإمكانهِ أن يطردَ هذه الجماعاتِ، ولكنّه فضّلَ أن يسخّرَهم، في أعمال بناءِ المدن والحُصون.
(آ 11) يذكر الكاتبُ الفيتوم (بيت أتوم أي بيتَ الإلهِ الشمس)، ومدينة رعمسيس (تك 47: 11)، اللتين تقعانِ في دلتا النيل. هاتانِ المدينتان جُعِلَتا لخَزْن المؤونة، وحصِّنتا لتكونا موقعَيْن عسكريّين.
لا يذكرُ الكاتبُ اسمَ ملكِ مصر، بل لقبَهُ وهو الفرعون (فرعون في المصريّة يعني البيت الكبير والقصر والبلاط)، أي الملك بالمعنى المطلَق.
عندما نقرا النّصَّ، نحسَبُ أنّ العبرانيّين أُجبِروا على أعمالِ السُّخْرة، غير أنّ الأمر هو خلافُ ذلك، إذ إنّ كلّ صغارِ القوم وجميعَ الغرباء كانوا عُرضةً للسّخرة في مصر، وفي آشّور، وعند بني إسرائيل. هذا ما سيفعلُه داودُ وسليمان.
نقرأ في هذه الآية كلمة "عنا" (رج 3: 7، 17)، وهي تعني "خَضْع وذُلّ ". في هذه الحالة، سيتخلّى شعبُ الله عن الاعتدادِ بنفسهِ وقومهِ، ليتّكلَ على الله فيصبحَ شعب "عنايم " أي مساكين الربّ.
(آ 12) شرْحٌ لاهوتيٌ يبيّنُ عملَ الله الذي يهزأ بمؤامرات الشّعوب التي لا تستطيعُ شيئًا ضدّ مخطّطهِ.
(آ 13-14) تتردّدُ كلمةُ "عبد" بمعانيها المتعدّدة (رج تث 26 : 6). إنّ شعبَ الله يتذكّر بعد أجيالٍ عديدة، حالةَ العبوديّة التي عرفَها في مصر، والتي خلّصهُ الله منها. لا شكَّ في أنّ الحياةَ في مصرَ، أنعمُ منَ الحياةِ في الصّحراء، ولهذا تحسّر العبرانيّون على خيراتِ مصر (3:16؛ عد 15: 5) ؛ غير أنّ حرّيّةَ عُبّادِ الله والواحد، لا تقابلها خيراتُ الدّنيا كلُّها، إنْ رافقتْها العبوديّةُ وقيودُ الذلّ.
يذكرُ سفر الخروج نوعين من الأشغال: العملَ بالطّين واللبن، وفلاحةَ الأرض، ويزيد سفر التّثنية (11: 10)، أعمالَ الرّيّ. أمّا القسوةُ في معاملةِ المُسخَّرين، فأمر مألوفٌ في المدنيات القديمة، والعصا أخفّ عقابٍ يلجأ إليه رقباؤهم.
يبدأ سفر الخروج بالخبَر عن عبوديّة العبرانيّين، وعن الخلاص الذي سيتمُّهُ الرّبّ. إنّ الله سيمضي الى حيثُ الشّعبُ يتألّم، وسيأخذُ بيدِ الشّعبِ من جحيم ألَمِهِ فيقودهُ إلى البرّيّة، الى الحرّيّة. هناك شعوب عديدة عرفت ذلَّ العبوديّة وقساوة المعاملة، غير أنّ شعبَ إسرائيلَ سيهمُّه أن يشدّد على خبرِ الخلاص الذي ثم له بِيَدِ الله القديرة. (تث 21:6).

ثالثًا: إجراءات قمعيّة (1: 15-22)
لم يكتفِ الفرعونُ باستعبادِ العبرانيّين، ليَمنعَهُم من النّموِّ والازدياد، فلجأ الى عمليّة إبادةٍ منظّمة. طلب إلى كل قابلة أن تقتل المولود الذكَر، وأمر أفراد شعبهِ أن يرمُوا ذكور العبرانيّين في النيل.
يبدو أنّ هذه الاجراءاتِ كانت محلّيّةً، ولم تُعمّمْ على كلّ البلاد، ولكنّ هذا أمر ثانويّ. أمّا المهمّ فهو تصويرُ مراحلِ الصّراع، بين إلهِ العبرانيّين وفرعونِ المصريّين. سُحقَ الشّعبُ، ولكنّه ما زال ينمو ويتوالد (آ 12). أعطي أمرٌ إلى القابلتين، ولكنّ شعبَ الله ما زال يكثُر ويتعاظم (آ 20). أعطي أمر إلى المصريّين أن يَرْمُوا كلّ ذكَرٍ في النيّل، ولكنّ موسى سينجو من الموت بفضلِ ابنةِ الملك ذاتها. حَسِب الفرعونُ أنّه يستطيعُ أن يربَح المعركةَ مع هذا الشّعبِ الضّعيف الذّليل، فسدّد ضرباتهِ هنا وهناك، ولكنّ الله هزمَهُ المرّةَ بعد المرّةِ، وستتمّ هذه الهزيمةُ يومَ يتركُ شعبُ الله أرضَ مصرَ، ويعبُر البحرَ الأحمر منطلقًا إلى البرّية.
ونتساءل: ألم يكن للعبرانيّين إلاّ قابلتان اثنتان؟ هل استدعى فرعونُ شخصيًّا هاتين القابلتَيْن؟ هل اكتفى بما قدّمتا إليه من حُجّةٍ واهية؛ وإلاّ فماذا لم يعاقبْهُما؟ أسئلة نافلة لم يأْبَهْ لها الكاتبُ الملهم الذي أراد أن يبيّنَ أنّ هاتين القابلتين الوضيعتين، قاومتا ظلْمَ الملك، وكانتا آلةً بيدِ الله عطّل بها مخطّط فرعون.
تذكر آ 17 أنّ القابلتين كانتا تخافانِ الله (تث 10: 12- 20)، والخوفُ يدلّ على عاطفةِ الاحترام لله، والاهتمامِ بأن نعملَ إرادتَه ونحبَّه ونحترِمَه، ونسعى إلى عملِ الخير إكرامًا له (ام 14 : 2 ؛ 15 : 33؛ مز 25 : 12 – 14 ؛ 33: 18-19؛ 34 : 10- 12).

2- ولادة موسى وحداثتُه واتّصالُه بشعبه (2: 1- 25)

أولاً: ولادة موسى (2: 1- 10)
يُخبِرُنا الكاتبُ الملهم، كيف وُلد موسى وكيف تبنّتْهُ ابنةُ فرعون، ويبيّن لنا أنّه حقًّا من الشّعب العبرانيّ، وهو مَنْ وُلدَ مِنْ أمّ عبرانيّة ورضَعَ حليبًا عبرانياً، وهكذا يجعلُنا نتوقّع ببعضِ الغُموض، ما سينتظرُه في مصرَ من أعمال. أجل، انطلقَ الكاتبُ من حالة العبوديّة، فتطلعّ إلى المستقبل، ليبشّرَ الشّعب بالخلاص الذي يُعِدُّهُ الرّبّ. لقد جاء الخلّصُ وهو سينجو من الموت بطريقة عجيبة، وهكذا سينجّي أبناءَ شعبهِ بطريقة عجيبة. إنّ الله يوجّه الأمورَ خفيةً دون أن يتدخّل فيها مباشرة. أمَا هكذا فَعلَ مع يوسفَ بنِ يعقوب (تك 39: 1 ي)؟
(آ 2: 1) موسى هو ابنُ لاوي، تلك القبيلة التي لعنَها يعقوب لجُرمٍ اقترفتْه (تك 34: 25-29؛ 49: 5-7)، والتي ستصبح في ما بعد القبيلةَ المقدّسة بين القبائل (خر 32: 26-29؛ تث 33: 8-18؛ عد 3: 6-13؛ 8: 14-19). إنّ قبيلةَ لاوي تشهدُ على رحمةِ الله وقدرتهِ. رفعَها من الضَّعة الى المجد، وكرّسَها لخدمتهِ فكانت رمزًا الى الشّعب كلّه.
لا يقول النّصُّ شيئًا عن هارون أخي موسى، ولا عن مريم أختهِ (رج 6: 18-20؛ عد 37:26-39)، كما لا يذكرُ اسمَ أبيه، لأنّ كل اهتمامهِ ينصبُّ على موسى.
(آ 2) حملت أمّه... رأت الصبي أنّه "طوب" (راجع في العربية طاب أي لذّ وحلا وحسن) أي حسن وحلو (رج أع 7: 20؛ عب 11 :23)، فخبّأته خوفًا من إجراءات السّلطة المصريّة.
(آ 3-9) مشهد النّهر، وفيه نلاحظُ قلب الأمّ والأخت، وقلبَ ابنةِ فرعون التي ستصبحُ لموسى أُمًّا ثانية.
البرديّ: نباتٌ كالقصب، كان قدماءُ المصريّين يستعملونه في صناعةِ الورق، كما في صناعة الزّوارق الخفيفة (اش 18: 20) وحَبْكِ السّلالِ والحصائر.
السِّفْط أو السلّة تترجم الكلمة العبريّة " تبت "، التي استُعمِلت أيضا للدّلالة على سفينة نوح (تك 6: 14 ترجمت الى تابوت). في كلا الحالين نحن أمامَ خلاص شعب الله ، في زمان موسى وفي زمان نوح، وهذا الخلاصُ هو في عهدةِ وسيلةٍ ضعيفة يستعملُها الله، فيخلّص من المياه الشّخصَ الذي اختاره. إنّ القدّيسَ متى (2: 13-16)، سيتذكّر أحداثَ سفر الخروج، فيروي أحداث طفولة يسوعَ ونجاتَه من الملك هيرودس، رُغْم موتِ أطفالِ بيتَ لحم. كما نجا موسى سينجو يسوعُ الذي هو موسى الجديد.
تعوّد الشُّرّاح أن يقابلوا بين خبر مولد موسى، ومولد سرجون البابليّ، معتبرين أنّ هدف الكاتب هو أن يضع موسى في عِداد الرّجال العظام الذين نجَوْا بأُعجوبة بعد أن هيّأتْهم العنايةُ ليخلّصوا شعبَهم (ريموس ورومولس في روما، فرسيس عند اليونان، قورش عند الفرس). ولكنّ الكاتبَ المُلهَم لا "يؤلّه" النّاس ولا يعظّم الأبطال. وسوف يحدّثنا عن موسى الضّعيفِ الخائفِ الذي سيحتاج إلى عون هارون، ليجرؤ على مقابلة الملك. كُتِب سفرُ الخروج لا لتمجيد النّاس، بل لتمجيد الله.
(آ 10): اسمُ الصبّيِّ موسى، ومعناه في العبرّية المنشولُ من الماء، أو ذلك الذي ينتشِلُ شعبَه من الماء. أمّا في المصريّة، فمعنى كلمة موسى "ابن"، ونحن نقرأها في اسم تحوتمس (أي ابن تحوت الإله) ورعمسيس (ابن الإلهِ رع). أيكونُ قد حُذف القسمُ الأوّل، من اسمِ موسى فلا يعودُ له أيّةُ علاقةٍ بمصر؟ لا يبدو الأمرُ مستحيلاً، ومهما يكنْ من أمرٍ ، فإنّ ابنةَ فرعونَ اتّخذتِ الصّبيّ "المعدّ للموت" وتبنّتْهُ. إعتبرتْه يتيمًا فأعطتْه اسمًا سيكون أعظمَ أسماءِ العهدِ القديم.
رضَعَ موسى حليبَ أمِّه وتربّى عندَ الملكِ تربيةً مصريّة. تعلّمَ الكتابةَ والحساب والرّسم والتّاريخَ والجغرافيةَ والطبّ... وفنَّ السّحر فأصبح كاتبًا ماهرًا (اع 7: 22) وقد يكونُ دوّن بعضَ نصوصِ الكتَاب المقدّس (4:24-7 ؛ 27:34؛ عد 2:33).
إنّ عنايةَ الله لم تكتفِ بأن. تنجّي موسى، بل أمّنَتْ له تربيةً في البَلاط الملكيّ نفسِه.

ثانيًا: عملٌ من دونِ الله مصيرُه الفَشَل (2: 11- 25)
نجدُ في هذا المقطع أربعَ لوحاتٍ قصيرةٍ، تصوّر لنا ذلك "البطلَ " الذي أراد أن يخلّصَ شعبَه من دونِ مساعدةِ الله، ففَشِل فَشَلاً ذريعًا وأُجْبر على تَرْك البلاد. ولكنّ لقاءَهُ بالربّ أمامَ العلَّيقَى (3: 1ي) سيُفهِمُه أنّه ضعيفة، وأنّ عليه أن يتَّكِلَ على الله.
يذكُر الكاتبُ موسى ولا يذكُر شيئًا عن حداثتهِ. كلُّ ما نعرفُ أنّه عندما كَبِر (كان عمره أربعين سنة بحسب اع 23:7)، هربَ من مصرَ وأقام في مديان.
توقّف الشُّراحُ على إقامةِ موسى في مديان، ليشدّدوا على ما أخذهُ موسى من تقاليدهم وشعائرِ عبادتِهم، ويبدو أنّ اسمَ يهوه كان معروفًا عندهم منذُ القديم.
(آ 2: 11-12) اللوحة الأولى: خرج موسى. كان ذلك أوّلَ " خروج " له، بانتظارِ الخروج الحقيقيّ مع شعبه. هو يعتبرُ العبرانيّين إخوتَه، وهم يعتبرونه غريبًا لا شأْنَ له في أمورِهم. رأى قساوةَ أحدِ الوُكلاء فقتَلَهُ.
(آ 13-15) اللوحة الثانية: تدخّل موسى ليفصلَ النّزاع بين عبرانيَّيْن متخاصمَيْن، وهمُّه أن يقيمَ العدالة بين بني شعبهِ وإخوته (كما سيفعل في المستقبل) ولكنّهم يعتبرونه أخًا كاذبًا تنكّر لشعبه وتربّى في بلاط مصر.
(آ 16-20) اللوحة الثالثة: تدخّل موسى فنجّى، عند البئر، بناتِ كاهنِ مديان. أبرزَ روحًا شهمةً وداع عن الضّعفاء والبؤساء.
(آ 21-22) اللوحة الرّابعة: أقام موسى في أرض مديان، وتزوّج صفوّرة ابنةَ كاهنِها، ولكنّه بقي ذلك المصريَّ الغريب ( آ 19) الذي سمّى ابنه "جرشوم " لأنّه اعتبر نفسَه نزيلاً (أي "جر" في العبرية وتعني أيضًا الجار واللاجىء والمستغيث) في أرضٍ غريبة.
إسمُ كاهنِ مديان رعوئيل، أي صديق الله (عد 10: 29)، واسمُه أيضاً يترو ( رج 3: 1، 18:4؛ 18: 1). تزوج موسى بابنةِ كاهنٍ فدخل في أسرة كهنوتية قديمةِ العهد.
موسى هو منذ الآن المخلّص (راجع كلمة "يشع" في آ 17 التي منها تشتقّ كلمة يسوع)، والمُخرِجُ من الضّيق، وها هو يخلّصُ بناتِ يترو من استبداد الرّعاة بهم.
(آ 23-25) صرخ بنو إسرائيل... المستعبَدون يصرخون وكذلك المساكين والمظلومون (22: 22، 34: 28)، والسّجناءُ والأسرى (مز 79: 11؛ 102: 21)، والشّعبُ في ضيقِه (قض 3: 9، 15؛ 3:4؛ 6: 7؛ 1 صم 9: 16). والرّبّ يستمع إلى هذا الصّراخ الذي يرتفع إليه صلاةً من أعماق القلب (7:3).
ذكر الربُّ عهدَه. هو لا ينسى شيئًا. هو لا ينسى أحدًا، لا سيّما البؤساء (مز 9: 13، 19؛ اش 49: 14-15) ؛ ولكنّ الربَّ لا يكتفي بأن يسمع ويفطن للأمر، بل يتدخّل (1 صم 25: 31) فيفعل ما يجبُ من أجل طالبي خلاصه (تك 8: 1؛ 15:9؛ لا 26: 41-45). ذكَرَ عهدَهُ لإبراهيمَ وإسحقَ ويعقوب (تك 8:17-9؛ 35: 12)، وها هو يبدأ بتحقيقِ ما وعدَ به (1 صم 1: 20؛ مز 16: 60؛ 74: 2 ي).
ورأى الله، نظر بملءِ عينيه وعزم على الاهتمام بأحبّائِه. وعرف الله شعبه فعَلِمَ بحالِهم واستعدّ لتدبيرِ أمورهم كما يتدبّرُ الزّوجُ أهلَ بيته. المعرفة في الكتاب هي علاقة صحيحةٌ بين الله وشعبهِ. إنّ الله سيُلزِم نفسَهُ بأن يكون معهم فلا يفارقُهم.
وهكذا يبدأُ الخلاصُ على ضوءِ وعدِ الله للآباء. الأشخاصُ حاضرون على مسرح الأحداث، ونحن ننتظر حضور الشّخصِ الرئيسي الذي هو الله بالذات، وهو الذي رأى شعبَه وسمعَ صراخَهم وتذكّر وعدَه لآبائِهم، فبدأ تنفيذَ خطّتِه بواسطةِ عبده موسى.

ج- المعاني الكتابية.
ونتطرّق الآن الى موضوعين اثنين: الأوّل شخصيّة موسى، والثاني موضوع العبوديّة والعبادة.

1- شخصية موسى
موسى هو أهمّ شخصٍ في سفر الخروج وفي سائر أسفار البنتاتوكس، بل لولاه لما كان مِنْ معنى لسفرِ الخروج ولا لتاريخِ شعب الله. ولهذا سوف نتكلّم عنه في ما بعدُ مطوّلا. إنّما نتوقّف الآن، على ما يذكره سفرُ الخروج عن مولده وشبابِه، وعن نداءِ الربّ له، وعمَّا فعلهُ لإخراجِ شعبهِ من مصر. وبعدْ ذلك نطرح بعض الأسئلةِ التي تربطُ النصّ الكتابيَّ بتاريخَ المؤرّخين.
يمكنُنا انطلاقا من النص الكتابيّ، أن نرسمَ الخطوطَ الكبرى، لوجهِ هذا الإنسانِ الذي سيتعاظمُ شأنُه، في كلِّ من التقليدِ اليهوديّ والمسيحيّ. تعرّفْنا الى عائلتِه، وولادتِه بين أفراد شعبٍ يعيش في الضيق، بسببِ أمر الفرعون بتسخير الكبارِ، وقتْل كلِّ صغير يولد عند العبرانيّين. ولكنّ موسى سينجو بفضل ابنةِ الملك، ويترّبى تربيةً مصريّة، ويمتلىءُ قلبُه من روحِ العدالةِ، فيناضل ضدَّ هذا الظُّلم الذي يعانيه شعبُه. على أثر ذلك أحسّ أنّ حياتَه صارت في خطر فهرب إلى الصحراء حيث قضى السنين الطوال. دعاه اللهُ فتردّد طويلاً، ثم ذهب الى الفرعون مرّة بعد مرّة طالبًا إليه أن يسمح للعبرانيّين بالذّهاب إلى البرّية لعبادة الله الواحد.
وتبدأُ المسيرةُ في البرّية، وهناك سيحِسُّ موسى بعبء المسؤوليّة التي يتحمّلُها مع شعبٍ عَرَف الحِرْمان والأخطارَ، فتذمّر وتململ وخان ربَّه. غير أنّ موسى سيبقى صديقَ الربّ، وقائدَ شعبه، والمشترِعَ له القوانينَ ليسير بموجَبِها. يبدو موسى في حياته رجلَ الصلاة والمقاتلَ والشيخَ الجليلَ الذي سيرى أرض الموعد من بعيد ولا يدخلُها، فيموت على الجبل ويدفنُه الله بيده.
تأمّل المؤمنون بإيمان موسى، وصبرِه وصلاته وطاعته لشريعةِ الرب، فكان بالنسبة إليهم رمزَ الشريعة، كما كان إيليّا رمزَ النُّبوءة (مت 17: 3؛ مر 9: 5؛ لو 9: 30). وإذا أردنا أن نعرف ما كان يقولُه الوُعّاظ عن موسى، انطلاقًا من سفر التوراة، يكفي أن نقرأ كلام اسطفانس أمام رئيس الكهنة والشعب (أع 7: 10): وفي تلك الأيام ولد موسى، وكان جميلاً جدا...
هذا من الناحية الكتابيّة، أمّا من النّاحية التاريخيّة فسنسمع تساؤلاً: هل شخصيّة موسى شخصيّة تاريخيّة أم هي من نَسْج الخيال؟ والحجّة في ذلك أنّنا لا نجد ذكرًا له خارجَ الكتاب المقدّس، وأن اسمَه لا يَرِد، إلاّ قليلاً، خارجًا عن أسفار التوراة الخمسة (25 مرة فقط)، وأنّ ما كُتِبَ عنه قد كتب بسبعةِ أو ثمانيةِ قرون بعدَ موته، وأنّ الكاتب الملهمُ لم يهدفْ، في ما كتبَهُ، الى إعطائنا خبرًا تاريخيًّا بل نشيدًا دينيًّا، يكرّمُ فيه الله موسى عبدُه، من أجل الخلاصِ الذي ثم في شعبه.
نجيب على هذه التساؤلات فنقول:
أولاً: لن ننتظر أن يَرِد اسمُ رئيس قبيلة في رسائلِ الملوك والعظماء التي اكتُشفت في تلّ العمارنة (في مصر) أو في غيرها من الأماكن.
ثانيًا: إن لم يَرِدِ اسمُ موسى، إلاّ قليلاً ، خارجَ الأسفار الخمسة، فالتلميحُ الى ما فعله واضحٌ في أسفار الأنبياء والحكماء الذين تأمّلوا طويلاً أحداثَ سفر الخروج، واستنتجوا منها العِبْرةَ لنبيّ جيلِهم.
ثالثًا: إذا كانت الأحداثُ قد دُوّنت في ما بعد، واستقت من مراجعَ شعبيّةٍ ، فهذا لا يعني أنّنا أمام الفولكلور البحْت الذي لا يستند إلى الواقع التاريخيّ.
رابعًا: لا شك في أنّ سفرَ الخروج ليس كتابَ تاريخٍ بحسبِ مفهومنا الحديث، إلاّ أنّ الكاتب الملهم، اعتمد على التاريخ كأساسٍ لِما كتب، وإلاّ كان عمل الله في الكون خداعًا وسرابًا.
ونضيف الى ذلك فنقول: إنّنا لا نستطيع أن نفسّر الأحداث التي عاشها الشعبُ العبرانيّ ، إن لم يكن هناك قائدٌ من طراز موسى. ولا نقدر أن نفهم شرائعَ ووصايا نَظّمت حياةَ العبرانيّين الأخلاقيّةَ والاجتماعيّة على مدى أجيال دون وجودِ مشترِعٍ مثلِ موسى. ونزيد فنقول: اسمُ موسى مصريّ، فلو اخترع العبرانيّون شخصيّته لأعطَوه على الأقلّ اسمًا عبرانيًّا ولجعلوه يتربّى في محيط عبرانيّ، لا في بَلاطِ ملكِ مصر.
وهكذا، إذْ نُقرّ بجهلِنا للكثير من أحداث حياة موسى، لا نستطيع أن نُنكر شخصيةَ موسى التي وحدَها تساعدُنا لنعرف كيف تنظّمت شراذمُ من العبيد في جماعة اختبرت عملَ خلاصِ الله، وآمنت به وقطعت معه عهدًا، وسارت في طريقه متّبعةً وصاياه سالكةً بحسبِ أوامرِه.
ولكن، لماذا نطرح هذا السؤال، ونحن لا نتوقف على قصّة شعب من الشعوب، ونحن لا نهتمّ أكثر من العادة بشخص من الأشخاص؟ لا شكّ في أنّ قصّة الخلاص هي قصّةُ الله؛ ولكنّ الله يتدخّل في التاريخ، فإذا جعلنا الأحداث والأشخاص خارجَ التاريخ، نكون كَمَن ينفي تدخّل الله.

2- العبوديّة والعبادة
العبوديّة والعبادة كلمتان تشتقّان من جِذر واحد "عبد" نقرأه في (1: 13-14؛ 23:2...).
في العبريّة كلمةُ "عبد" تعني الخادمَ الذي يعمل لسيّده، وهو بخدمته لسيّده يعبّر عن خضوعه له. في العربيّة "عبدَ" الإنسان: لزمه ولم يفارِقْه وتمسّك به. وتعبّد الإنسان: إنفردَ للعبادة وتنسّك. العبوديّة هي الطاعة والاسترقاق للأسياد (يصبح الإنسان مُلكًا لهم)، العبد هو الرِقّ المملوك.
لفهم كلمة "عبد" ننطلق من عبارتين قديمتين، الأولى نقرأها في قانون العهد (21: 2)، وهي تدلّ على الأشغالِ الشّاقّة والعبوديّة والاسترقاق، والثانية نقرأها في 20: 2، وهي تذكر لنا أرض مصر، أرض العبودية.
العبدُ هو من يعملُ في خدمة شخص، فيقف مستعدًا لخدمته، وهكذا ظهرت العادةُ عند المؤمنين، أن يحسبوا نفوسَهم عبيدًا للّه (مز 12:19، 14؛ 9:27؛ 17:31)، فيفرضوا على نفوسِهم الطاعةَ له والإخلاصَ والأمانةَ.
إنّ بني إسرائيل، بخروجهم من أرضِ مصرَ، انتقلوا من "عبد" الى "عبد"، من عبوديّة تجعلُهم مُلْكَ الفرعون، الى عبادةٍ تجعلهم شعبًا خاصًّا بالله، ولكنّهم وقد تحرّروا من عبوديّة مصرَ وآلهتِها، فيجب عليهم ألاّ يتعبّدوا لآلهة آخرين غيرِ الله الواحد، فيُستعبدوا للشعب الذي يعبُد هذه الآلهة (20: 5؛ 23: 24؛ تث 19:4؛ 5: 9). وعبادتُهم للّه الواحد، تقتضي إقامتَهم الطقوسَ ومراسمَ الليتورجيّا والاهتمامَ ببيتِ الرب (10 : 26؛ 1 اخ 13:9 ؛ 2 اخ 31: 4؛ 16:33). في هذا الإطار يكونُ الكهنةُ واللاويّون عبادَ الله وخدّامَ معبدِه (مز 44: 11 ؛ 113: 1؛ 134: 1 ؛ 135: 1).
والمؤمنون الحقيقيّون هم أيضًا عبادُ الله وعبيدُه (تك 50 : 7؛ 1 صم 23:8؛ ار 30: 10) ، وإسرائيلُ كشعبٍ هو عبدُ الله (36:32 ؛ ار 30: 10)
وَلَقب عبد الله سيُعطى بصورةٍ خاصة، للذين يرتبطون بالله برباط خاصّ. فالآباء (32: 13؛ تث 9: 27) إبراهيم (تك 18: 3- 5، مز 105: 6) وإسحق (تك 24: 4؛ دا 3: 35) ويعقوب (تك 32: 11؛ مز 28: 25) والأنبياء (عا 3: 7 ؛ ار 7: 25) ورجالُ الله (يش 24: 29؛ قض 2: 8...) كموسى (4: 10؛ 14: 31) وداودَ (1صم 23: 10- 11؛ 2 صم 18:3) هم عبيدُ الله.
وعبادة الله ليست فقط القيامَ بالطقوس، بل هي ارتباطٌ بالله في كلّ أعمال حياتنا.
فإن كانت إقامةُ الطقوس أفضلَ تعبيرٍ عن عبادتِنا للّه، فهذه العبادة تتمّ في أشغالِ أيدينا كما في سجودِنا وصلاتنا. وسوف نقرأ في سفر التثنية (13:6؛ 12:10 ؛ 13:11؛ 47:28-48) أنّ العبادة تعني خوف الله ومحبّتَه وطاعتَه ، واتّباعَ وصاياه بكلِّ أمانة

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM