الفصل التاسع والأربعون: يعقوب يبارك بنيه

الفصل التاسع والأربعون
يعقوب يبارك بنيه
(49: 1- 33)

أ- المقدّمة:
1- بعد الآية الأولى الكهنوتيّة، نقرأ في التقليد اليهوهيّ ما قاله يعقوب لأبنائه، أو بالأحرى ما جعل في فم يعقوب من كلمات تلخّص تاريخ كلّ قبيلة من القبائل عبر الجدّ الذي تفرّعت منه.
2- تعوّد الشرّاح أن يسمّوا مجموعة الأحكام هذه "بركات يعقوب"، غير أنّنا نقرأ فيها توبيخاً لِمَا فعله بعض القبائل في الماضي، وصورة عن الحاضر الذي تعيشه الآن غيرها من القبائل، ونبوءة عن مستقبل يهوذا الذي سيكون زاهراً. هذه الأحكام قد قيلت في أوقات متباينة، فقيل أوّلها في شمعون وآخرها في يهوذا، والزمن الذي يفرّق بين أوّلها وآخرها يستغرق ثلاث مئة سنة.
3- في مقطع أوّل (49: 1- 28) يورد الكاتب شعراً أقوال يعقوب في بنيه، وفي مقطع ثانٍ (49: 29- 33، تقليد كهنوتيّ) يروي نهاية حياة يعقوب.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- بركات يعقوب (49: 1- 28)
(آ 1- 2) قال يعقوب لأبنائه: إجتمعوا لأنبئكم بما سيقرأ الناس عنكم في آخر الأيّام. هل تعني عبارة "آخر الأيّام" الأزمنة الأخيرة كما نقرأ عنها في أشعيا (2: 2) وحزقيال (38: 16)، أم أنّها تعني المستقبل القريب والزمن الآتي دون أيّة نظرة نهيويّة إلى الأيّام الأخيرة، (عد 34: 14، تث 31: 19)؟
(آ 3- 4) تتحدّثان عن قبيلة رأوبين التي زالت من الوجود في زمن القضاة. ذكرها نشيد دبّورة (ض 5: 15 ي) فوبّخها على تقاعسها عن نجدة بقيّة القبائل في الحرب، وصوّرها نشيد موسى (تث 33: 6) الذي كتب في ما بعد، قبيلة في طريقها إلى الزوال. كانت مساكن رأوبين جنوبيّ شرقيّ الأردنّ (يش 13: 15 ي) وكان له مركز مرموق بين إخوته، إلاَّ أنّ لعنة أبيه جعلته يخسر مركز الصدارة (وقد كان البكر) فيزول دون أن يعطي إسرائيل قاضياً أو ملكاً أو نبيّاً.
(آ 5- 7) تتحدّث عن شمعون ولاوي وتذكّر ما فعلاه بمدينة شكيم (34: 1 ي) وتحكم عليهما حكماً قاسياً، لو تحقّق، لعنى الدمار والخراب لهمَا (يش 11: 6- 9).. سكنت قبيلة شمعون جنوبيّ البلاد، قرب يهوذا، تم زالت من الوجود. أمّا قبيلة لاوي، فهي قبيلة كسائر القبائل، وهي لا تتمتعّ الآن بأيّ امتياز كهنوتيّ، كما سيكون في ما بعد.
(آ 8- 12) تذكر يهوذا وقوّته. هو أسد وأمامه فريسته. سيكون سيّداً لأعدائه، وإخوته يخضعون له. ظلّت قبيلة يهوذا منسيّة بين القبائل، وسكنت في الجنوب، ولن تظهر على مسرح الحياة السياسيّة إلاَّ مع الملكيّة. وهذا هو معنى الصولجان وقضيب السلطان اللذَين يحملهمَا يهوذا (عد 21: 18؛ مي 7: 14).
"حّتى يأتي شيلو" نقرأ هذه العبارة في الآية العاشرة ونتساءل عن معناها. مَن هو شيلو هذا؟ أيكون الملك "الرفيع" (في العربيّة شال الشيء رفعه)، وارث داود (حز 34: 23؛ 37: 24) والملك المسيح المنتظر؟ أتعني العبارة "حتّى يأتي الذي له (والشيم اسم موصول) الصولجان وقضيب السلطان (حز 21: 23)"؟ ولقد قدّم بعض الشرّاح تفاسير عدّة فقالوا: "حتّى يأتي إلى شيلو" وهي مكان عبادة معروف في أفرائيم بين بيت إيل وشكيم (قض 21: 19؛ 1 صم 2: 14؛ 4: 1- 11)، وقال البعض الآخر إنّ العبارة تعني واهب السلام، أو المسلَّط الذي تطيعه لا بقيّة القبائل فحسب بل سائر الشعوب أيضاً.
ويصوّر الكاتب الوفر الذي ينعم به يهوذا: يربط بالجفنة جحشه... ويغسل بالخمر ثيابه. تعني هذه العبارة الغنى والخصب كما في جنّة عدن، وسيأتي من سلالة يهوذا ملك يختاره الربّ فيحلّ السلام قي الفردوس ويفيض الخير على الناس (اش 16: 1- 9؛ حز 34: 23- 31؛ مز 72: 16).
(آ 13- 15) تتحدّث عن زبولون ويساكر. سكن زبولون على منحدر جبال أفرائيم (قض 12: 11) قبل أن يتّجه إلى الشمال، على حدود فينيقيا (منطقة حيفا اليوم). أمّا يساكر فقد نزل من الجبال وسكن السهل الغربيّ. أغوته السهول الخصبة فخسر استقلاله السياسيّ واشتغل في أعمال السخرة عند الكنعانيّين فشابه الحمار الضخم (في قض 5: 15 تمتدح دبورة يساكر في نشيدها).
(آ 16- 21) تتحدّث عن دان وجاد وأشير ونفتالي. الدين يعني القضاء، واسم دان يرتبط بتقليد قضائيّ مشهور في المنطقة (2 صم 20: 18 يذكر دان وهابيل). يشبّه دان بالثعبان الذي ينتصر على أعدائه. وذكر الافعى يجعل الكاتب يقول: خلاصك انتظرت يا ربّ. جاد يسكن شرقيّ الأردنّ، جنوبيّ يبّوق، وعليه أن يدخ عن نفسه غزوات الأعداء الآتين من الصحراء. مقام أشير على هضبات الجليل الغنيّة (تث 33: 34) وهو يصنع حلويّات ملوك أورشليم والسامرة (1 مل 5: 7)، أمّا مسكن نفتالي فعلى شاطئ بحيرة جناسر.
(آ 22- 28) تذكر يوسف وبنيامين. يشبّه يعقوب بالأغصان الخضراء ( لا ننسَ علاقة يوسف بأفرائيم ومعنى اله الخصب) التي تجري قربها المياه طوال السنة (مز 1: 3؛ ار 17: 8). وقف بوجهه أصحاب السهام (وهم بنو مديان أم غيرهم من الأعداء)، غير أنّ الله مدّ إليه يد العون. يمنح يعقوب يوسف بركة تعطيه مياه الشتاء والينابيع. تمّ يذكر بنيامين فيذكر معه الشجاعة والبأس والإقدام متأثّراً بمثاليّة الصحراء القديمة.
2- موت يعقوب ودفنه (49 :29- 33)
(آ 28- 33) بعد أن فرغ يعقوب من وصيّته ضمَّ رجليه على السرير وفاضت روحه. بساطة في الحياة، بساطة في الممات. يقف المائت أمام مصيره دون حزن مؤثّر أو أملٍ مشرق. يقف وقفة الخضوع أمام واقع الموت (رج 25: 7- 11).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM