الفصَل الثَامِنَ والأربَعُون: يعقوب يتبنى ابني يوسف منسى وأفرائيم

الفصَل الثَامِنَ والأربَعُون
يعقوب يتبنى ابني يوسف منسى وأفرائيم
(48: 1- 22)

أ- المقدّمة:
1- هذا الخبر الذي يوصله إلَينا الكاتب الملهم يهدف إلى الردّ على سؤالَين: الأوّل: لماذا أعطي لقبيلتَين هما منسّى وأفرائيم المرتبة ذاتها التي لسائر القبائل المتفرّعة مباشرة من يعقوب؟ الثاني: لماذا تقدّمت قبيلة أفرائيم على قبيلة منسّى مع أنّ منسّى هو بكر يوسف؟
2- وحاولت التقاليد الثلاثة أن تجيب على هذَين السوءالَين، فوصل إلينا من الألوهيميّ الآيات 1- 2 أ، 7- 9 أ، 10 ب- 12، 15- 16، 20 ب- 22، ومن اليهوهيّ الآيات 2 ب، 9 ب- 10 أ، 13- 14، 17، 20 أ، ومن الكهنوتيّ الآيات 3- 6، وكلٌّ سعى إلى كتابة التاريخ الحاضر وتجذيره في ماض عاشته قبيلتا أفرائيم ومنسّى اللتان، على ما يبدو، لم تنزلا إلى مصر كسائر القبائل. إرتبطتا بإسرائيل عبر شخص يوسف الذي كان من قبيلة ماكير (أي المبتاع) بكر منسّى (1 أخ 7: 14) وأبي جلعاد (عد 26: 29؛ 27: 1، 36: 1). على مرّ العصور سوف تذوب قبيلة ماكير في قبيلة منسّى بانتظار أن تخسر منسّى أهميّتها أمام أفرائيم.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
(آ 1- 7) تبنّى يعقوب ابنَي يوسف، فأعطاهما الحقوق نفسها التي لأبنائه. وهكذا حصل يوسف على حصَّتَين بسبب ما فعله من الخير من أجل سلالة يعقوب. كان سفر التثنية (21: 15- 17) يجعل للبكر حصَّتَين في الميراث الوالدي، ولكن سفر الأخبار الأوَّل (5: 1) يعتبر أن رأوبين لم يعد أهلاً لهذا الشرف بعد أن دنّس مضجع والده فانتقل حقّ البكوريّة إلى يوسف.
(آ 8- 12) نظر يعقوب إلى حفيدَيه وقبَّلهما وجعلهما في حضنه ليدلّ على تبنّيه لهما. بعدها أخذهما يوسف من حضن أبيه وركع معهما لينال الثلاثة بركة يعقوب.
(آ 13- 19) بارك يعقوب ابنَي يوسف فوضع يدَيه عليهما لأنّ القوّة تنتقل عبر اليد من الكبير إلى الصغير. أمّا مَن كان من جهة اليمين فيحصل على بركة كثيرة (35: 8)، والبركة الكثيرة حصّة البكر. لهذا جعل يوسف بكره منسّى عن يمين والده وأفرائيم عن يساره. غير أنّ يعقوب، بوحيٍ من الله الذي يختار الضعيف والابن الثاني بدل القويّ والبكر، خالف يدَيه فوضع يمينه على أفرائيم وشماله على منسّى. فالدور الذي لعبته قبيلة أفرائيم في تاريخ شعب الله يدلّ على غزارة البركة التي حصلت عليها بوضع يد يعقوب عليها في شخص جدّها أفرائيم.
الله هو من يعطي البركة، أمّا الإنسان فيصلّي إلى الله لتُعطى البركة على يده.
هذا ما فعله يعقوب حين قال: "أدته الذي سلك أبوايَ أمامه، الذي رعاني طول حياتي إلى اليوم، هو يبارك هذَين الصبيَّين..."
نقرأ هذه البركة في عبارتَين مختلفتَين. العبارة الأولى (آ 15- 16) تذكر ثلاثة أدعية. في الدعاء الأوّل ينوّه يعقوب بعبادة إبراهيم وإسحق لله وقد كانت حياتهمَا مسيرة إلى الله وحياة بحسب وصاياه. في الدعاء الثاني يُشيد يعقوب باهتمام الله به اهتمام الراعي بخرافه والربّ بمؤمنيه (مز 23: 1؛ 28: 9). في الدعاء الثالث يتذكّر يعقوب ذلك الملاك، ملاك الربّ، الذي هو تعبير عن حضور الربّ، وكيف تدخّل في حياته ونجّاه من كلّ خطر.
إنّ الكلمة العبريّة التي تفسّر خلّصني هي "جائل". و"الجائل" هو القريب الذي يفتدي أحد أقاربه إن صار عبداً (25: 25 ي) ويساعده على فكّ رهان أرضه، ويثأر لدمه إن قتله أحد، ويؤمّن نسلاً له إن مات دون عقب (راجع كتاب راعوت). الله هو "الجائل" أي أقرب أقرباء شعبه فيتحمّل مسؤوليّة خلاصهم وينجّيهم من كلّ الأخطار (اش 41: 14؛ 43: 1).
لقد اختبر يعقوب بركة الربّ في حياته وهو يطلب منه أن يسكبها على حفيدَيه منسّى وأفرائيم، كما سكبها على بكرَيه رأوبين وشمعون. بهذه البركة يحصل الشخص المبارك على الخير العظيم والنسل الكبير ويُعطى القوّة على أعدائه والنجاح في أعماله.
(آ 20- 22) نقرأ في آ 20 العبارة الثانية التي بها يبارك الربّ منسّى وأفرائيم، ولقد صارت هذه العبارة صيغة يبارك بها الكاهن في الهيكل كلّ طالب بركة: يباركك الربّ ويحفظك، يضيء الربّ بوجهه عليك ويرحمك ويرفع الربّ وجهه نحوك ويمنحك السلام (عد 6: 24- 26). بارك يعقوب ابنَي يوسف فأعطى يوسف حصّة علاوة على إخوته

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM