الفصل الخامِسَ والأربعون: يوُسُف يُعرف إخوته بنفْسِه

الفصل الخامِسَ والأربعون
يوُسُف يُعرف إخوته بنفْسِه
(45: 1- 28)

أ- المقدّمة:
1- بعد أن عرّف يوسف إخوته بحقيقة أمره، أرسلهم إلى والده مزوّدين برضى ملك مصر وعطاياه وهكذا ينتهي الخبر بأجمل ما يكون. يرتاح ضمير بني يعقوب ويفرح بنيامين بانتظار فرحة الشيخ العجوز الذي لم يعد له إلاَّ أمل واحد: أن يرى يوسف قبل أن يموت.
2- يرجع النصّ إلى التقليد الألوهيميّ، ولكنّ العناصر اليهوهيّة كثيرة (الآيات 1 أ، 4- 5 أ، 10، 13- 14، 19، 21 أ، 24 أ، 28 وبعض التفاصيل). حاول الكاتب أن يؤلّف بين عناصر هذَين التقليدَين فلم يوفّق توفيقاً تامّاً ولهذا كانت التكرارات التي حافظ عليها لئلاّ يضيَعّ شيئاً من تراث الآباء.
3- عرّف يوسف إخوته بنفسه (45: 1- 15)، وأرسل فرعون من يأتي بيعقوب إلى أرض مصر (45: 16- 20). عاد إخوة يوسف إلى كنعان وأخبروا الوالد: يوسف لا يزال حيّاً (45: 21- 28).

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- يوسف يعرّف بنفسه (45: 1- 15)
(آ 1- 7) إنّ خطاب يهوذا دفع إخوته إلى حافّة اليأس، وجعل يوسف يضطرب في داخله فلم يعد يضبط نفسه. حينئذٍ أخرج يوسف حاشيته وبقي وحده مع إخوته، لا خوفاً من أن يراه المصريّون يبكي فحسب، بل لأنّه أراد أيضاً أن ينظر معهم إلى الأحداث ليرَوا كيف أنّ يد الله قادت إلى النجاة هؤلاء الذين تاهوا في الخطيئة.
(آ 8- 13) يعدّد يوسف وظائفه في بلاط فرعون ليدلّ أباه وإخوته على علوّ مقامه بفضل بركة الله له. إنّه "أبو فرعون" لأنّه باسم الله يعيل مصر بمن فيها الملك (اش 22: 21) وهو "سيِّد كلّ بيته" "والمسلَّط على كلّ أرض" كوزير مسؤول عن تنفيذ الأوامر الملكيّة.
أرسل يوسف إخوته وحمّلهم رسالة إلى أبيه. كذا قال ابنك يوسف... تعالَ إلى أرض مصر وأمامك خمس سنوات من الجوع بعد.
(آ 14- 15) بكى يوسف على عنق إخوته. قبَّلهم وهدَّأَ روعهم.
2- دعوة فرعون ليعقوب (45: 16- 20)
(آ 16- 20) عرف فرعون بخبر قدوم إخوة يوسف فعبّر عن تقديره ومحبّته لوزيره. فأرسل الهدايا والمركبات وطلب من والد يوسف وإخوته أن يأتوا ويقيموا في مصر. هذا في النصّ الألوهيميّ. أمّا في اليهوهيّ (46: 31- 47: 5) فإخوة يوسف وأبوه يأتون من دون علم فرعون.
3- إخوة يوسف في كنعان (45: 21- 28)
(آ 21- 28) أخبر أبناء يعقوب أباهم بمجد يوسف في مصر، فلمِ يصدّقهم، والخبر أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة. غير أنّ كلمات يوسف التي وصلَت إليه مع الهدايا والمركبات جعلت روحه تنتعش، فاهتمّ لا بسنوات الجوع الباقية، ولا بالمجد الذي ينعم به يوسف، بل أن يرى وجه ابنه الحبيب قبل أن يموت.
ج- ملاحظات:
1- إن الفاعل الحقيقيّ في هذه القصّة ليس البشر بقوّتهم ولا يوسف بذكائه، الفاعل الحقيقيّ هو الله الذي أرسل يوسف إلى مصر ليعدّ هناك لإخوته مكاناً. لقد استفاد الله حتّى من بُغض الإخوة ليرسل يوسف إلى مصر ليحفظ من الفناء جوعاً العائلة التي ورثت مواعيد الآباء. لا شيء يمكنه أن يقف بوجه مخطّط الله، وهو يقود كلّ الأحداث، شرَّها وخيرها، في سبيل تحقيق هذا الخطّط.
2- نقرأ في الآية السابعة كلمتين سيكون لهما شأن في لاهوت الكتاب المقدّس: النجاة (فلط في العبرّية- أفلت ني العربيّة أي تخلّص) والبقيّة (شاريت في العبريّة= في العربيّة، سئر الشيء أي بقي). فكا نجا نوح من الطوفان فكان به بداية بشريّة جديدة، وكما نجا لوط من سادوم الملعونة بفضل عمل الله الخلاصيّ فكان بداية شعب موآب وعمون، هكذا سينجو يعقوب وأبناؤه من المجاعة بفضل الله الذي استفاد من وجود يوسف في مصر. تدخّل الله فأفلت يعقوب وأبناؤه من الفناء وصاروا "بداية" شعب الله.
3- وكلمة "بقيّة" هي كلمة الرجاء. البقيّة تمثل الكلّ وهي تحمل آمال الكلّ من أجل حياة جديدة. هذه البقيّة تحدّث عنها أشعيا (6: 13؛ 7: 3؛ 10: 20 ي؛ 14: 32) فأبان لنا أنّ خلاص بقيّة من شعب الله هو عربون لخلاص الشعب كلّه. أمّا في نصّ سفر التكوين، فحَمَلة الوعد هم البقيّة الباقية من بشرّية يضربها الجوع، ونجاتها ستكون رمزاً لا لنجاة عائلة فحسب، بل لنجاة العالم كلّه أيضاً

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM