الفصَل الثاني والأربَعُون: اللقاء الأول بين يوسف وإخوته

الفصَل الثاني والأربَعُون
اللقاء الأول بين يوسف وإخوته
(42: 1- 38)

أ- المقدّمة:
1- مرَّت سنوات الخصب وتلتها سنوات القحط والجوع، فتصرّف يوسف بحكمة في كلَيهما، فكان ذلك الوزير المصريّ الذي يهمّه أمر مصر وسلامة أبنائها. غير أنّه لم ينسَ والده وإخوته، ولم ينسَ قوّة الله التي رافقته ورفعته إلى هذا المقام. وتذكّر كيف خانه إخوته وباعوه. هل سيقسو علَيهم بعد أن صار قويّاً كما قسَوا عليه عندما استفردوه في البرّية بعيداً عن والده؟ لقد عزم على أن يمتحنهم ليفهموا سوء ما عملوا به، ثمّ يخلّصهم من الجوع بانتظار أن يأتي بهم إلى مصر.
2- كما دفع الجوع إبراهيم إلى أرض مصر، هكذا سيدفع أبناء يعقوب إلى مكان جعلته إدارة يوسف جنّة غنّاء لجيران جائعين.
يلتقي يوسف بإخوته وبنيامين غائب. هل يا ترى أصابه مصاب؟
يواجه إخوة يوسف الصِعاب فيرَوا فيها عقاباً على ما فعلوه بأخيهم يوسفي. لقد فتلوه، وها دمه يطلب الانتقام، بحسب تفكير رأوبين الأخ الأكبر.
3- يرجع هذا الفصل إلى التقليد الألوهيميّ مع بعض آيات من التقليد اليهوَهيّ. هذه القصّة تهمّ مملكة الشمال، ويوسف هو ابن إسرائيل (وعاصمتها السامرة) الذي انحدر إلى أسفل الدركات قبل أن يرتفع إلى أسمى المراتب، ولهذا أطال الألوهيميّ روايتها وكأنّ فيها تعويضاً ممّا فات مملكة السامرة من مجد أمام مملكة يهوذا.
4- جاع إخوة يوسف فجاؤوا إلى مصر (42: 1- 4). عرفهم يوسف وتذكّر أحلامه ولكنّه أنكرهم وحسبهم جواسيس (42: 5- 24). وأخيراً ملأ جوالقهم قمحاً وأرسلهم إلى أبيهم (42: 25- 38).
ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- وجاع إخوة يوسف (42: 1- 4)
(آ 1) وتابع الألوهيميّ روايته. تخاذل بنو يعقوب فشجّعهم والدهم.
(آ 2) وقال اليهوهيّ ما قاله الألوهيميّ.
(آ 3) نزلوا من جبال كنعان الوسطى إلى سهول الدّلتا.
(آ 4) نزل منهم عشرة وبقي بنيامين. خاف عليه والده بعد أن انتقلت إليه محبة الوالد على أثر غياب يوسف.

2- والتقى يوسف إخوته (42: 5- 24)
(آ 5) بنو إسرائيل أي بنو يعقوب.
(آ 6- 8) أراد يوسف أن يمتحن إخوته فكلَّمهم بجفاء.
لم يعرفوه وقد مرَّ على فراقه عشر سنوات؟ (كما يقول الألوهيميّ) أو عشرون سنة كما يقول الكهنوتيّ.
(آ 9- 12) أنتم جواسيس. لا ننسَ أنّ المصريّين بنو أسواراً تحميهم من هجمات الآتين من آسيا أي كنعان وغيرها من بلدان.
(آ 13- 17) شدَّد الإخوة على أنّهم عيلة واحدة، إذاً لا نوايا سيّئة من بعضهم إلى بعض.
وشدّد يوسف على أنّه يريد أن يتأكّد صدقهم، غير أنّ رغبته كانت في أن يرى بنيامين.
(آ 18- 19) خفّف يوسف من جفائه وقال: أنا أخاف الله الذي لا يرضى بظلم الغريب والمسكين (لا 25: 43).
(آ 20) ويردّد اليهوهيّ: ليأتِ بنيامين.
(آ 21- 23) هنا بدأ وخز الضمير يقوم بدوره: عرفوا ضيقهم الحاضر فتذكّروا ضيقَ أخيهم يوسف (37: 18- 27).
أخفى يوسف عاطفته ولكنّه أبقى على الحاجز بينه وبين إخوته إذ جعل ترجماناً معه.
(آ 24) أخذ شمعون وقيَّده، ولم يأخذ رأوبين بسبب موقفه السابق (آ 22) ، أو لأنَّه البكر.
3- وعاد بنو يعقوب إلى أبيهم (42: 25- 38)
(آ 25- 38) عاد الإخوة إلى بلاد كنعان وأكياسهم مملؤة قمحاً والفضّة على فم أكياسهم.
أظهر يوسف كرَمه وسخاءَه، فكان لهم ذلك مبعث خوف وقلق لأنّهم خافوا أن يحسبهم وزير مصر لصوصاً وسارقين بعد أن حسبهم جواسيس. وتساءلوا: أمَا يزال الله يلاحقنا بسبب أخينا؟ وأخبروا والدهم بما جرى لهم وطلبوا إلَيه أن يرسل معهم بنيامين ليتأكّد الوزير المصريّ من سلامة طويَّتهم ويردّ شمعون إلى والده.
إنّ المصائب لا تزال تلاحق يعقوب: يوسف مفقود، وشمعون مفقود، وها أنتم تأخذون بنيامين. لا شكّ في أنّ الكاتب يرى فيها قصاصاً ليعقوب الذي ما زالت حياته تتنقّى بفعل الآلام والمصائب التي تلمّ به. ألن يستطيع أن يموت بشيبة صالحة بعد أن يشبع شيخاً من الأيّام.
ج- ملاحظات:
خلال الحوار بين يوسف وإخوته ذُكر "المفقود" ولا يزال ظلّه يثقل ضمير إخوته: هم يحسبونه ميتاً وهو حاضر أمامهم بقلبه الذي يكاد يشتعل لكي يعرّفهم بنفسه. ولكنّه ينتظر، وفي انتظاره عذاب لإخوته. فهو يمتحنهم ليرى إن كان كلامهم صحيحاً، ويمتحنهم ليرى هل تغيّرت قلوبهم أو بقي الشرّ مسيطراً عليهم، ويمتحنهم ليتأدّبوا بالأدب الذي أدِّب به هو، فيتنقَّوا هم كما تنقى هو. وكاد يقيّدهم جميعاً ويضعهم في السجن لولا خوفه على حياة الوالد. فاكتفى بأن يقيّد أمامهم شمعون وحده، ليحسّوا معه بثقل القيود، ويعودوا إلى الوالد مرّة أخرى وواحد منهم مفقود. لمّا عادوا من دون يوسف كانت قلوبهم هادئة، وعندما سيعي ون من دون شمعون ستملأ الغصّة قلوبهم... ثمّ ابتعد يوسف وبكى حين تذكّر تلك الأيّام القاسية

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM