الفصل الخامس والثلاثون
يعقوب في بيت إيل
(35: 1- 29)

أ- المقدّمة:
1- يتألّف هذا الفصل من أخبار متفرّقة: إقامة يعقوب في بيت إيل وانتقاله إلى ممرا وحبرون (35: 1- 15)، ولادة بنيامين وموت راحيل (35: 16- 20)، فاحشة رأوبين (35: 21- 22)، بنو يعقوب الاثنا عشر (35: 22- 26)، موت إسحق (35: 22- 29).
2- تعود هذه الأخبار إلى التقليد الألوهيميّ (آ 1- 5، 6: 8، 14، 16- 20) الذي يعتبر أن يعقوب ترك بيت إيل إطاعة لأمر الله، وإلى التقليد الكهنوتي (آ 6 أ، 9- 13، 15، 22 ب- 29) الذي يعدّد لنا أبناء يعقوب ويورد لنا موت إسحق بعمر مئة وثمانين سنة. أمّا التقليد اليهوهيّ (آ 21- 22 أ) فيذكر لنا فاحشة رأوبين التي يمكن الألوهيميّ أن يكون أهملها لأنّه لا يريد أن يعطي المؤمنين إلاَّ الصورة التي تملأهم إعجاباً بآبائهم.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة:
1- يعقوب في بيت ابل (35: 1- 15)
(آ 1- 5) ترك يعقوب شكيم وأقام في بيت إيل. والسبب الظاهر لانتقاله هو خوفه من ردّة فعل سكان البلدة على ما فعله ولداه. أمّا السبب غير الظاهر فهو أمر الربّ له بأن يذهب إلى بيت إيل.
وصعد يعقوب أي أنّه ذهب في حجّ إلى حيث يرسله الله (1صم 1: 3؛ مز 122: 4) وهناك بنى مذبحاً. وقبل أن يبدأ فعل عبادته أزال الآلهة الغريبة، تلك التي جاءت بها راحيل من عند أبيها، وأمر الجميع أن يتطهّروا (يغتسلوا) ويبدّلوا ثيابهم دلالة على أنّهم يبدّلون حياتهم. بهذه الطريقة تقدّس يعقوب وعياله فصاروا خاصّة الله وعبدوه دون غيره. فكانت هذه العبادة في بيت إيل بمثابة عهد بين الله وعيلة يعقوب، فحلّ رعب الله على المدن التي حولهم. من كان حليفه الربّ بالذات (خر 23: 27؛ يش 10: 10؛ قض 4: 15؛ 7: 22؛ 1 صم 14: 15- 20) لا يخاف أحداً.
(آ 6- 8) تردِّد هذه الآيات ما سبق لنا وعرفناه عن بيت إيل، وكان اسمها القديم "لوز".
(آ 9- 13) ترجع هذه الآيات إلى التقليد الكهنوتيّ الذي يتميّز عن التقليد اليهوهيّ والتقليد الألوهيميّ في أنّه يكتفي بذكر كلام الله مهملاً الأحداث التي لا قيمة لها في نظره.
بدّل الله اسم يعقوب فصار إسرائيل، ووعده بنسل كثير. هذه الكلمات قالها الله لإبراهيم وها هي تتردّد ليعقوب. فالوعد الذي وعد الله به إبراهيم، ها هو يجدّده ليعقوب. فالربّ أمين لمواعيده، وهو يحقّقها في يعقوب الذي يصير نسله كرمل البحر.
(آ 14) تحدّثنا عن النصب الذي بناه يعقوب في بيت إيل.
(آ 15) تعيد ما ورد في المرجع اليهوهيّ عن بيت إيل (28: 19).
2- مولد بنيامين وموت راحيل (35: 16- 20)
(آ 16- 20) مأخوذة من التقليد الألوهيميّ وهي تورد ولادة بنيامين وموت أمّه راحيل عندما ولدته. تعزّت راحيل وقد وُلد لها ولد آخر غير يوسف (30: 24، طلبت الزيادة) وسمّته بنيامين أي ابن عنائي وألمي. غير أنّ يعقوب غيّر هذا الاسم فقال: هو ابن يميني، واليمين تعني أيضاً الجنوب (حيث يقيم بنيامين). دفن يعقوب امرأته في أفراتة قرب بيت لحم وجعل نصباً على قبرها.
هذا النصّ يعتبر أنّ بيت لحم هي أفراتة (يش 15: 59؛ مي 5: 1؛ را 4: 11)، لأنّ قبيلة أفراتة، حليفة بني كالب (1 أخ 2: 19، 24، 50- 51)، أقامت في منطقة بيت لحم (1 صم 17: 12؛ را 1: 2).
3- فاحشة رأوبين (35: 21- 22 أ)
(آ 21) للمرّة الأولى يسمّي اليهوهيّ يعقوب باسم إسرائيل (آ 10، 32- 28- 29). مجدل عدر أي برج القطيع وهو مكان جنوبيّ بيت لحم لم يحدّد العلماء موقعه.
(آ 22 أ) رأوبين هو ابن ليئة (29: 32، 30: 14- 15) وبلهة هي جارية راحيل (30: 3 ي). لمّح الكاتب إلى فاحشة رأوبين فأراد أن يذكر العلاقات المتوتّرة بين قبيلة رأوبين والقبائل المرتبطة ببلهة. هذه الحادثة تفهمنا لماذا لعن يعقوب رأوبين (49: 4) الذي خسر حقّ البكوريّة (1 أخ 5: 1- 2).
4- بنو يعقوب الإثنا عشر (35: 22 ب- 26)
نقرأ هنا لائحة بني يعقوب بحسب التقليد الكهنوتيّ. هم إثنا عشر مثل بني ناحور (22: 20- 24) وبني إسماعيل (17: 20، 25: 13- 16). تفترق هذه اللائحة عن تلك التي نقرأها في 29: 31- 30: 24 لأنّها تورد أبناء راحيل وليئة ثمّ أبناء الجاريتَين. ثمّ إنّ بنيامين ولد في فدان آرام (25: 20) لا في بيت لحم كما تقول التقاليد الألوهيميّة (آ 16- 18)
5- موت إسحق (35: 27- 29)
(آ 27) ووصل يعقوب إلى حبرون، وهي المحطّة التي جعلها نصب عينه حين ترك لابان (31: 18).
(آ 28) عاش إسحق خمس سنوات أكثر من أبيه إبراهيم (25: 7).
يجعل التقليد اليهوهيّ إسحق قريباً من الموت يوم بارك ابنه يعقوب في بئر سبع (27: 1 ي)، أمّا الكهنوتيّ فيعطيه ما يوازي مئة سنة زيادة عمّا في اليهوهيّ، وهي زمن إقامة يعقوب في حاران وفي أرض كنعان قبل أن يأتي إلى حبرون.
(آ 29) دفن إسحق في مغارة المكفيلة تجاه ممرا. دفنه إبناه يعقوب وعيسو اللذان التقيا من جديد رغم المسافة التي تفصل حبرون عن سعير، وكما دفن قبله إبراهيم إبناه إسحق وإسماعيل. عند الموت لا يعود للخلاف بين الإخوة من مكان.