يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : يسوع يرسل تلاميذه
 

 

يسوع يرسل تلاميذه
10: 1- 20

إختار الرب إثنين وسبعين وأرسلهم إثنين إثنين.
ما زلنا في مسيرتنا مع يسوع في طريقه إلى أورشليم وهو يدعونا إلى اتباعه. وفي هذا النص نسمع يسوع يرسل الإثنين وسبعين تلميذاً: عليهم أن يحملوا السلام والنور. سيكونون كالحملان ببن الذئاب. وثمرة السلام هي الفرح. "ورجع الإثنان والسبعون وهم فرحون".
كان يسوع قد أرسل الإثني عشر، واستفاد من خدمة النسوة (الرسولية). وها هو يرسل الإثنين والسبعين. هذا رقم رمزي والشعوب هم إثنان وسبعون (ثم كأنه يرسل 6 إلى كل سبط من أسباط إسرائيل الإثني عثر). أرسلهم إثنين إثنين كما في مهمة رسمية. هم شهوده الذين يسبقونه ويهيّئون له الدرب.
رسالتهم صعبة وهم قليلون لكي يتمّوها. ثم إنهم معرَّضون للخطر. هم "كالخراف وسط الذئاب". طلب منهم أن يستغنوا عن سهولات الحياة المعروفة لدى المسافرين: لا فضة ولا مال، لا حاجة إلى كيس السفر الذي "يلبّك" المسافر بأمور تبطىء مسيرته ولا تفيده. وهذه الرسالة تفرض على كل واحد استعدادات قاسية، كالمصارع الذي يستعدّ للمبارزة.
فعلى الرسول، شأنه شأن يسوع، أن يتجرّد من كل مظاهر القوة ليذهب إلى البشر. لا قوة له إلا قوة كلمة الله. والرسالة ملحّة فلا تسمح له بإضاعة الوقت في سلامات لا جدوى منها.
ويحمل المرسل الى مستقبليه السلام الآتي من عند الله. هذه الموهبة تدلّ على البركات المادية والروحية التي تحملها الأزمنة الاسكاتولوجية إلى المخلّصين. جاء السلام من الله فارتبط بفاعلية خاصة: إن لم تجد إبناً أهلاً لهذا السلام، فهي تعود إلى موفدي المسيح" والمعجزات التي ترافق عبور المرسلين، هي علامة بأن الأزمنة الجديدة قد أتت، كما قال أشعيا (26: 19؛ 29: 18؛ 35: 5؛ 61: 1). وإن رفض الناس قبول المرسلين، عليهم أن يتخلّصوا من الغبار الذي علق بأرجلهم أو بثيابهم، كما يفعل اليهود حين يخرجون من أرض وثنية.
الأزمنة الأخيرة هي هنا. والذين لا يقبلون البشارة (الإنجيل) يتعرّضون لمخاطر لم يعرفها أهل سدوم (تك 18: 23) الذين لم يعرفوا أن يتوبوا في الزمن المؤاتي.
يرجع فرح التلاميذ العائدين إلى ارتياحهم بأنهم كانوا شهوداً وعمّالاً في حدث نهاية الأزمنة. فيسوع هو في الحقيقة المسيح المنتظر. إسمه (شخصه) وحده يتغلّب على الأرواح الشّريرة. يحتفل يسوع بانتصاره على القوى الشيطانية التي سقطت من السماء، حيث حدّد التقليد الشعبي موضعها. ودعا يسوع تلاميذه ليفرحوا لا بأعمالهم أولاً، بل لأنهم خلصوا فدوّنت أسماؤهم في السماء. أجل، كتبت أسماؤهم في السماء فصاروا أعضاء في ملكوت الله الذي جاء يسوع يبنيه وسط البشر.
هذه التعليمات المعطاة للمرسلين تحيلنا إلى زمن يسوع. ولكنها تعلّم كل "خادم" أن لا معنى للرسالة إلا لأنها نتيجة إرسال. والنجاح لا يأتي بصورة آلية، لأن كل واحد يحافظ على حرّيته. فعلى المرسَل أن يعي أن رسالته تفرض عليه التجرّد والجهوزية. وقد يكون الخطر حقيقياً، لأن كلمة الله تهدّد بعض مصالحنا. لهذا يعمل بعض الناس كل شيء لكي يمنعوا ملكوت الله من المجيء.
بدأ يسوع قبل الإرسال، فطلب الصلاة. هذا ما يجب أن يلفت انتباهنا. نحن نذهب عادة إلى النصائح العملية: إعمل هذا، لا تعمل ذلك.
هناك أداة (إذن) تدل على منطق: "إذن، صلّوا". هذا هو منطق يسوع الذي لا يتوافق مع منطقنا. نقول: لا شكّ في أنه يجب أن نصلّي. ولكننا لا نهتم بالأمر كثيراً. فنظن أنه يجب بالأحرى أن نعجّل في الذهاب إلى الحصاد. والنتيجة: قد لا نكون من الحصّادين الناجحين.
نقطة الإنطلاق قاسية: حصاد وفير، عَمَلَة قليلون. ماذا نقول في منطقنا؟ لنذهب ونبحث عن العملة. ولنبدأ حالاً بالعمل. أما منطق يسوع فيقول: إبدأوا بالصلاة.
لماذا يعتبر يسوع أن هذا هو أول أمر نتمّه؟ لأننا أمام حقل الله. الحصاد حصاده، وهو سيد الحصاد، ربّ الحصاد.
إذن، هو يرى الصعوبة، ولا حاجة إلى الصلاة! بل هناك حاجة لنجعل نفوسنا في مناخ العمل الرسولي: نجعل نفوسنا في خدمة الله، ولا نحسب نظرتنا إلى الرسالة وكأنها نظرته.
إن لم "نغطس" في الصلاة، سنعمل بحسب "أذواقنا": نبحث عن دعوات بحسب أفكارنا. نخترع أساليب قد تكون مدهشة لمهمّات أخرى، لا للمهمّة التي يريدها ربّ الحصاد.
أن نصلّي حالاً، هذا يدفعنا أن نصلّي دوماً، ليبقى عملنا دوماً "مع الله". وهذه هي الطريقة الوحيدة لكي نكون الحصّادين الصالحين الذين يحتاج إليهم الرب.
هم لا يبكون. فالله لا يحتاج إلى بكّائين (الكنائس تفرغ، الشباب لا يؤمنون)، بل إلى عمّال يضعون يدهم على المحراث ولا يتراجعون. والمصلّون وحدهم يدلّون على ثبات وعلى عناد. يدعون الله لأنهم حضور الله الملموس.
أن نصلّي حالاً، هذا ما يدفعنا في يوم من الأيام إلى جنون الحصّادين الكبار: نزيد صلاتنا، ساعة لا يكون لنا وقت للصلاة. تذمّر أحد المرسلين لأنه يكاد يغرق من كثرة العمل. فجاءه الجواب: "أمِّن ساعة صلاة ومناجاة يومية فوق ما اعتدت أن تفعل". هذا هو منطق يسوع: "إذن، صلّوا".
ما هو الأهم، الحصاد أم الحصّادون؟ البشرى هي بشرى حصاد وفير: غلة وفيرة لحبة تُزرع. نموّ عظيم لحبة الخردل. الله هو وفر، وعطاياه سخاء، وثماره تبهر الأنظار. ولكن إذا كان الحصاد وفيراً، فمن سوف يحصد؟ الله هو الذي يحصد في اليوم الأخير كما خلق في صباح اليوم الأول. هل هناك حاجة إلى العمّال في الكرم أو في الحقل؟ هو يختار عمّاله في كل ساعة، ويرسلهم إلى أقاصي الأرض. والمرسلون الذين ينتظرهم الله يعلنون أن ملكوت الله هو هنا. أن الحصاد قد بدأ. هذا هو إنجيل الرجاء الذي يجد صدى في قلوب التلاميذ قبل أن يصل إلى العالم. فإن طُلب منا أن نصلّي، فلكي تصل بشرى الحصاد إلى الجميع.
أنت يا رب ترسل إلى الحصاد، لا إلى الزرع. إذن ملكوتك هو هنا قبل أن نصل، وهو ينضج في قلب كل إنسان. هذا يعني أنك مررت حيث حسبنا أننا كنا أول المارين. لقد زرعت بصمتٍ الإنجيلَ في التاريخ البشري. فلم يبقَ لنا إلا أن نعلن إسمك لكل من يطلب جواباً على الرجاء الذي فينا.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM