يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : الصيد العجيب
 

 

الصيد العجيب
5: 1- 11

ولما رجعوا تركوا كل شيء وتبعوه.
كلمة يسوع هي كلمة ذات سلطان، حتى في مجال غريب عن كلمة الله، حتى في تقنية صيد السمك. كان سمعان قد افرز (وُضع جانباً) منذ ندائه الاول. وسمّي هنا بطرس. أطاع هذه الكلمة. شأنه شأن الآباء الأولين، ابراهيم وأسحق ويعقوب وموسى. والصيد الذي كان عقيماً طوال الليل صار في لحظة واحدة صيداً وفيراً وعجيباً.
هذا حدث مستحيل في نظر بطرس، رجل المهنة. إنه العلامة على أن الله هو هنا، هو حاضر في يسوع. فتصرّف مثل اشعيا في الهيكل. أدرك المسافة التي تفصله عن يسوع، قدوس الله. وتنقّى كما تنقّى أشعيا دون الحاجة الى الجمرة المحرقة. تنّقى بكلمة المسيح وأُرسل في مهمة سامية. وقدّم اليه برنامج. دعاه يسوع بعد ان اعاد الثقة الى قلبه، فقال له: "لا تخف".
فالذي يستطيع أن يفعل في الطبيعة، يستطيع ان يفعل أيضاً في قلب الانسان. والصيد العجيب يشبه مثلاً من الامثال يحدّثنا عن الملكوت. ويقول الانجيلي: "تركوا كل شيء وتبعوه". ويشدّد لوقا على متطلّبات يسوع حيال الذي يتبعونه، فيوضح: "تركوا كل شيء". لا بعض الاشياء فقط. هذا هو وضع التلاميذ: يتعلّقون بيسوع ولا يضعون شروطاً. يسيرون وراءه من أجل المهمة الموكولة إليهم.
وبدا بطرس على انه الأول بين الرسل. هذه معطية نجدها دوماً في كل الأناجيل. ويبدو هنا أيضاً كالمزمن الذي يواجهه خطر الفشل، الذي يقبل أن يثق بكلمة شخص آخر هو يسوع المسيح. "من أجل كلمتك ألقي الشبكة".
ليست كلمة يسوع دوسً فاعلة كما في هذا المقطع الانجيلي. فقد يختلف قلب البشر عن السمك فيقاوم نداء الله. وقد يمتد "العقم" أطول من ليلة من العمل، ولا يأتي النجاح بعد المحاولة الأولى. هذا ما يعرفه المسيح. وما يعلّمنا إياه هنا هو الثقة بحضوره مهما كانت العلامات المنظورة، لا اليقين بالنتيجة المباشرة.
ضربة قاضية! هذا ما حصل لأشعيا، لسمعان بطرس وللرسل. كلّهم تأثروا بها في أعماق قلبهم. إلى حدّ أن حياتهم انطبعت بهذه الخبرة انطباعاً يدوم طول الحياة.
ونحن؟ هل أحسسنا بمثل هذه الخبرة أمام الله؟ قد يبدو السؤال غريباً: عن أي شعور نتكلم؟ فإن اردنا أن نعرف، نفكر: أمام من أو أمام أي شيء نحسّ بالخوف أو بالدهشة؟ هنا نتذكّر إعجاب الطفل باهله، وتأثّر الحبيب بلقاء مع الحبيب، والمراهق ببطل رأى فيه مثاله. نحن هنا أمام وقت من الفرح عميق، وتفتح ما كنا لننتظره، وملء لم نتوقعه. أو حسّ عميق بأن هذا اللقاء العجيب سيحوّل حياتنا، فما أسعدنا!
خبرة اشعيا هي وحي أرسله الله إليه: فالنبي الذي هو إنسان مائت، إتصل برب المجد، بالإله الذي لا تستطيع العين أن تراه، بخالق الكون والعلي الذي يتجاوز بجلالته كل ما نتخيّله في قصور الملوك. أغمي على استِير أمام عظمة ملك ارضي. واشعيا رأى نفسه داخلاً أمام عرش سماوي يحيط به جيش السرافيم، جيش النار. أما سمعان بطرس ورفاقه، فتحققوا فجأة أن يسوع هو المسيح المنتظر منذ أجيال وأجيال، أنه المخلّص الذي ينتزع البشرية من مياه الموت الهائجة.
ونحن في كل احتفال نحسّ أن المسيح يدعونا. نحسّ بانجذاب مثل أشعيا وسمعان بطرس والرسل، من أجل اللقاء مع الإله الحي. نضمّ أصواتنا إلى صوت سمعه النبي فنعلن: "قدوس، قدوس، قدوس رب الأكوان". ونعي الخبرة التي تنتظرنا في هذا اللقاء. فالذي يخلق الحياة ويعيد بناءها بالقيامة هو الذي يجمعنا. فنشكره لأننا نحن أيضاً نعمنا بصيد بطرس ورفاقه العجيب: فالمعمودية انتزعتنا من أمواج الموت ورفعتنا إلى القارب. خرجنا من الماء كالمسيح من القبر. وأرسلنا مثل اشعيا وسمعان بطرس. نحسّ أنّنا لست أهلاً لهذه المهمات، شأننا شأن اشعيا وبطرس وبولس وسائر الرسل. ولكنه يقول لنا: "لا تخف". ونسمع القديس بولس يشجّعنا: "نعمة الله معنا". هكذا نحيّي بعضنا في الكنيسة: "محبة الله الآب ونعمة الإبن الوحيد تكون معنا إلى الأبد".
الرب القدوس، رب الأكوان هو الذي يدعو البشر الخطأة لكي يتبعوه. دعا اشعيا بشفتيه النجستين وأرسله. دعا بولس وسلّمه مهمة نقل ما تسلّمه. ودعا بطرس على شاطىء البحيرة. وعى بطرس ضعفه وقال للرب: "إبتعد عني يا رب، لأني رجل خاطىء". كلهم استندوا إلى الرب وقالوا له: "أرسلني". والنداء ما زال يتوجّه إلينا رغم ضعفنا وخطيئتنا. لا نتكّل على ذواتنا بل على قدرة المسيح فنقول كما قال أشعيا: "هاءنذا فأرسلني".

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM