يسوع الربّ والمخلّص مع القديس لوقا : مولد يوحنا المعمدان

مولد يوحنا المعمدان
1: 57- 66

إنفتح فمه وانطلق لسانه، فتكلّم ومجّد الله.
ما عسى أن يكون هذا الطفل؟ كل الذين ينحنون على سرير طفل يستطيعون أن يطرحوا مثل هذا السؤال. أما هذه الولادة فعرفت بعض الضجة. فالوالدان معروفان في المنطقة بفضل موقعهما الإجتماعي في الأرستقراطية الكهنوتية. وقد سبق الولادة آية غير عاديّة: الخرس عند الوالد. لن نرى فيه عقاباً بل إمكانية تبديل الكلام. لكل واحد طريقته في الكلام والأفكار المسبقة. ولكن والد الصبي سيصبح حامل كلمة تنشد أفضال الله.
لا ننسى أن هناك نشيد زكريا (1: 67 ي) الذي يعلن مجيء الخلاص والتحرير. هذا الذي هو كاهن سيأخذ باللغة النبوية. فنحسّ وكأننا نقرأ خبر العنصرة. إنفتح فمه وانطلق لسانه. إنه يرمز إلى اسرائيل الجديد الذي فهم.
كان قد تنظّم كل شيء لئلا يتغيرّ شيء. فسمي الإبن باسم أبيه. "زكريا" أي الرب يتذكّر. هذا الإسم يسند الاهتمام بالتقليد والتواصل الاجتماعي في المحيط الذي نعيش فيه. ونعجب بصورة خاصة من تلاقي الآراء لدى الوالد والوالدة. لسنا أمام معجزة ولا أمام مصادفة. بل أمام طاعة لأمر الملاك (1: 13). وهذه الطاعة تحمل معنى كافياً لتخلق عندنا الدهشة والتعجّب.
يوحنا يعني حنان الله، نعمة الله. فاسم الولد يعلن تحريراً وخلاصاً. تجاوز الوالدان مقاومة محيطهما وثقل العقليات، فأخذا بالأفكار الجديدة التي عرفتها الأوساط المسيحانية. فاللوحة التي أعطيت لزكريّا هي أكثر من وسيلة يفصح بها عما في القلب. إنها أداة تعبير نبوي، وكلمة مختومة من أجل المستقبل (أش 8: 1).
كان حظّ أفضل من حظّ يسوع. فإذا قابلنا بين الولادتين، رأينا أن الناس يحيطون بيوحنا. ولادته عيد في كل المنطقة، في جبال اليهودية. لقد تجمّعت كل الظروف لكي يكون يوحنا خير خلف لوالده. فابن الكاهن هو كاهن.
الخوف الذي يستولي على الناس ليس مخافة الله. بل خوف بأن لا يسير الولد على خطى الوالد فيتبلبل النظام الإجتماعي. وهذه الولادة جعلت الناس يتحدّثون فيها. وهناك أناس حفروا الحدث في قلوبهم. لا مثل مريم التي "تحفظ" و"تتأمّل" بما تسمع. إنهم يتخوّفون من كل شؤم! هل هذه الولادة هي حدث سعيد أم عنصر تشويش وبلبلة؟ "عظّم" الله رحمته، كما "عظّمت" مريم الرب الذي يقلب الجبابرة.
وكانت يد الرب معه. أخذه الله بيده ليجعل منه نبيّه. وستقول لنا 1: 80 الهوّة التي تفصل انتظار الجيران وما صار إليه ذك الطفل. لقد ذهب إلى البرية ليعيش مع الجماعات المسيحانية. إنه على الحدود بين عالمين. وهو سيفتح طرقاً جديدة. هناك اناس يعملون من أجل المستقبل، ويعرفون أن يمحّوا ويختفوا، وقد وُلِدوا من أجل الخدمة. ليس يوحنا شخصاً من الدرجة الثانية. إنه السابق. ومولده يذكّرنا بالمعنى الحقيقي لكل ولادة: فمجيء الإنسان إلى هذا العالم هو دعوة وخدمة وفرح. نحن كلنا سابقون.
إن انجيل مولد يوحنا ينقلنا إلى الحدود بين عالمين: قبل المسح وبعد المسيح. نهاية العهد القديم وفيه نجد زكريا واليصابات وكل الذين حولهما. وبداية العهد الجديد الذي ينطلق كالشمس في الصباح: "وتعجّب جميع الناس"!
وكان خلاف حول الإسم. جاء الأقارب والجيران بمناسبة ختانة الصبي واتفقوا: "يُسمّى زكريا باسم أبيه". لا، قالت اليصابات. بل يُسمّى يوحنا.
رفض الجميع هذا الاقتراح. فأليصابات تجاسرت وأعطت رأيها، وتكلّمت، وتكلّمت. أمَا للأب من قرار؟ ولكنه أصمّ وأخرس. حدّثوه بالحركات لكي يضع حداً لهذا الوضع. كتب زكريا: اسمه يوحنا.
لم يكتب لوقا أن الطفل "سيكون". بل هو منذ الآن في يد الله الذي ألهم الوالدين، فقلبا التقليد ليقدّما شيئاً جديداً يكون علامة. عالم سيُخلق. كانت العادة بأن يأخذ الولد اسمه من العائلة. ولكن هنا برزت دعوة. سمّوه يوحنا (أي الله يتحنّن ويرحم) فخلق الله فيه رسولَ الأزمنة الجديدة.
وانتشر الخبر. ففي هذا الشعب المنتظر الذي يتساءل دوماً كيف يظهر "المسيح"، طُرح سؤال: "ما عساه يكون هذا الطفل"؟ وهو يسبق سؤالاً آخر خطيراً سيُطرح على يسوع: "إذن، من هو هذا الرجل"؟
سينمو الولد، ويعيش حياة قاسية في البرية، ويتعلّم مهنته كمنادٍ: "هيّئوا طرق الرب. إنه آتٍ". وسيقول يوماً: "ها هو حمل الله". ولكن عدداً قليلاً من الناس فقط تجاوزوا مرحلة الدهشة الأولى، وتساءلوا: هذا هو المسيح؟ هذا الرجل المتواضع والوديع؟ وسيتحيرّ يوحنا نفسه. من سجنه يطرح على يسوع سؤالاً سيشغل بال الجميع: "هل أنت هو الآتي"؟
قال الشعب اليهودي بمجمله: لا. لست أنت الآتي. واليوم، هناك أناس عديدون "حتى بين المسيحيين" يتردّدون حول هويّة يسوع. إن أول أنوار الإنجيل تنبّهنا: نحن ندخل في عالم جديد. ويجب أن نبقى في جوّ الدهشة. كل ما يُقال لنا عن يسوع يجعله قريباً منّا شيئاً فشيئاً. ولكنّنا لن نعيش شيئاً حاسماً معه إلا إذا ظللنا نطرح حتى النهاية هذا السؤال الذي يحرّك العادات والرتابة: "من أنت"؟
نشكرك أيها الرب الإله من أجل يوحنا المعمدان. لقد سار أمام المسيح. فتح الدرب. هيّأ القلوب. أقام في الظلام ليظهر نور الأمم. ظل صغيرا لكي ينمو ذاك الذي انتظره البشر. جعل نفسه خادماً لترن على أرض البشر كلمة نزلت من السماء.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM